على أعتاب العام الجديد، لا يزال قطاع غزة يعاني من تبعات حرب دامية طالت كل مناحي الحياة، وتركت أكثر من مليوني فلسطيني عالقين في الخيام على أمل أن يشهد 2026 حلولا لملفات سياسية واجتماعية وإنسانية ملحة.
في التقرير التالي نرصد ما ينتظر الغزيين في السنة الجديدة، ونقرأ ما سيؤول إليه المستقبل في ظل محاولات إسرائيلية لعرقلة جهود الوسطاء والحيلولة دون تغيير الواقع والوصول إلى مرحلة التعافي من الآثار الكارثية التي خلفتها حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال على القطاع.
تكشف الإحصاءات والمعلومات التي حصلنا عليها من الجهات الحكومية والوزارات المختصة والهيئات المحلية أن الملفات الإنسانية ستبقى ضاغطة على سكان غزة إذا لم يتم التدخل لحلها، وتشمل:
الجرحى والمرضى والتحويلات الطبية: حيث يفرض الاحتلال قيودا على سفرهم وإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، وفي حال بقي الوضع على حاله، سيبدأ عام 2026 بأزمة صحية غير مسبوقة لأن أكثر من 170 ألف جريح بينهم أكثر من 19 ألفا بحاجة لتأهيل طويل الأمد، علاوة على 4800 حالة بتر، و1200 حالة شلل، و1200 حالة فقدان بصر. كما أن 22 ألف مريض بحاجة عاجلة للعلاج في الخارج، منهم 5200 طفل، و12 ألفا و500 مريض سرطان يواجهون خطر الموت.
معبر رفح والعالقون: إذا لم يحدث تغيير جذري، ويسمح الاحتلال بفتحه في كلا الاتجاهين بين غزة ومصر سيبقى عشرات آلاف المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات عالقين قسرا، من بينهم 17 ألف مريض أنهوا تحويلاتهم، وسيظل المعبر أداة ضغط سياسي لا ممرا إنسانيا.
الأدوية ونقصها وتأهيل المستشفيات: تشير بيانات وزارة الصحة إلى أن 350 ألف مريض مزمن مهددون بفقدان العلاج، و38 مستشفى و96 مركزا صحيا مدمرة أو خارجة عن الخدمة، بعدما نفذ الاحتلال 788 اعتداء على هذا القطاع، مما يعني أنه في 2026 ستبقى المنظومة الصحية إسعافية فقط، بلا تخصصات وعمليات نوعية وعلاج مستدام.
الخيام والكرفانات والإيواء: 288 ألف أسرة بلا مأوى، و125 ألف خيمة مهترئة، ويمنع الاحتلال إدخال 300 ألف خيمة وكرفان مما يعني استمرار النزوح المفتوح. وسيتحول العام الجديد من نزوح مؤقت إلى واقع اجتماعي دائم إذا لم يكسر الحصار على القطاع.
البنية التحتية والطرقات: دمر الاحتلال 3 ملايين متر طولي من الطرق، و700 ألف متر شبكات مياه، و700 ألف متر صرف صحي، وبلغت خسائر قطاع النقل 2.8 مليار دولار، أدى إلى انهيار خدمي شامل مع تعطل الإسعاف والإغاثة والتنقل بين المحافظات.
المجاعة وعدم توفر الطعام والوقود: 650 ألف طفل مهددون بالموت جوعا نتيجة سياسة التجويع الممنهج المستمرة، و40 ألف رضيع بلا حليب وتقليصه بشكل واضح ومدروس، في الوقت الذي يمنع فيه الاحتلال 61% من شاحنات المساعدات من الدخول إلى القطاع، مما قد يحول المجاعة وسوء التغذية في عام 2026 من خطر إلى واقع دائم إن لم يتم فتح المعابر.
عودة النازحين للمناطق التي يسيطر عليها الاحتلال: ما زالت 53% من مساحة غزة تحت سيطرة الاحتلال، وأكثر من 1.5 مليون نازح بلا قدرة على العودة إلى منازلهم، وتبقى عودتهم مستحيلة دون انسحاب كامل وضمانات دولية.
انتشال الشهداء: 9500 مفقود ما زالوا تحت الأنقاض، و2450 جثمانا سُرقت من المقابر وهي لدى الاحتلال.
عودة المدارس والجامعات: للعام الثالث على التوالي يحرم 785 ألف طالب من التعليم، مع تضرر 95% من مدارس القطاع.
يصف المحلل السياسي الفلسطيني ياسر أبو هين عام 2026 في غزة بأنه عام ما بعد النار، يقف فيه القطاع على مفترق تاريخي نادر بعدما وضعت الحرب الواسعة أوزارها نسبيا، لكن المرحلة الثانية من ترتيبات وقف إطلاق النار التي يفترض أن تمثل "اليوم التالي" لا تسير في طريق مستقيم بقدر ما هي مسار متعرج تحكمه صراعات الأجندات الإقليمية والدولية، وتُلقى أثقاله في النهاية على كاهل الشعب الفلسطيني في القطاع.
ويرجح في حديث له أن تبقى السنة الجديدة "إدارة بلا سيادة وصراعا بلا حسم"، وتتمثل ملامحها في مرحلة انتقالية طويلة لن تدخل فيها غزة عام 2026 ككيان سياسي مستقر، بل "كمنطقة مُدارة من مجلس سلام دولي تقوده واشنطن مع دور مركزي عربي ووساطات متعددة، وحكومة تكنوقراط فلسطينية بصلاحيات محدودة، وغياب واضح لأي أفق زمني لإقامة دولة فلسطينية".
وأوضح أبو هين "هذا يعني أن الفلسطينيين في غزة سيعيشون عاما سياسيا معلق السيادة، لا حربا شاملة، ولا استقلالا فعليا، بل إدارة انتقالية قابلة للتمديد، مع محاولة السلطة الفلسطينية العودة إلى القطاع عبر بوابة الإصلاح والإدارة، لكنها تواجه رفضا إسرائيليا وفتورا شعبيا واسعا في غزة، مما يجعلها حاضرة إداريا وغائبة سياسيا".
أما على صعيد المقاومة، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن 2026 سيكون عاما لاختبار بقائها سياسيا دون اشتباك عسكري واسع، ولن تقصى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبقية الفصائل من المشهد، لكنها ستدخل مرحلة من تجميد أو ضبط للسلاح بدل نزع كامل، وإعادة تعريف لدورها السياسي، وستتعرض لضغوط مستمرة لعدم التأثير في "الإدارة الجديدة".
ويرى، في حديث له أن حياة سكان غزة ستبقى صعبة تحت إعادة إعمار بطيء ومسيس ومشروط، بحيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة الإعمار تحتاج أكثر من 70 مليار دولار، لكن الأموال غير مضمونة، والإعمار مشروط بالاستقرار الأمني، والخط الأصفر ما زال يقيد العودة إلى مناطق واسعة شرق القطاع.
وباعتقاد القرا، فإن النتيجة المتوقعة في العام الجديد إعادة إعمار جزئية، مع استمرار السكن المؤقت في مخيمات النزوح، وبقاء فجوة كبيرة بين الوعود والواقع.
وقال إن إسرائيل ستبقى تراهن على خيار التهجير عبر الدفع بمؤسسات ودول لاستقبال الغزيين، لكن قرارات مثل إلغاء إعفاء التأشيرة للفلسطينيين في جنوب أفريقيا بعد كشف محاولات "الهجرة المُدارة"، تعكس أن ملف إخراجهم لم يُغلق، وهناك مسارات ضغط ناعمة بدل التهجير القسري، لذلك سيعيشون في 2026 هاجس البقاء على الأرض كجزء من المعركة اليومية.
من جهة أخرى، كشفت دراسة خاصة أصدرها المركز الفلسطيني للدراسات السياسية -حصلنا على نسخة منها- أن الحرب خلفت 21 ألفا و193 أرملة، و56 ألفا و348 يتيما.
وتطرقت إلى أن التأهيل والصحة النفسية باتا حاجة ملحة في القطاع بعد إصابة 2.1 مليون بأمراض معدية خلال النزوح، مما يترك امتدادات خطيرة متوسطة وبعيدة المدى. كما أن عشرات آلاف الأطفال يعانون صدمات نفسية عميقة حتى الآن والعدد في تصاعد، ما يزيد من مؤشرات أن تواجه غزة في العام المقبل وباء صدمات نفسية بلا أي منظومة دعم كافية.
ولخصت الدراسة أبرز التحديات المجتمعية في تفكك النسيج العائلي وإبادة بيئات سكانية بسبب النزوح بعد التدمير الكامل لمدن ومخيمات وقرى ما خلف الخط الأصفر، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وصدمات نفسية جماعية خصوصا لدى الأطفال.
ورجحت أن تكون 2026 سنة للترميم الاجتماعي البطيء، لا للتعافي الكامل، لأن المجتمع الغزي بات أكثر تشككا وحساسية لأي صيغة مفروضة من الخارج، وأقل ثقة بالوسطاء الدوليين، ويميل للمساءلة لا للشعارات. وأكدت أن أي إدارة لا تُنتج تحسنا ملموسا في الحياة اليومية ستواجه رفضا شعبيا صامتا.
المصدر:
القدس