آخر الأخبار

كيف يمكن إنقاذ الوضع الاقتصادي الفلسطيني الكارثي؟

شارك

الإصلاح ليس بحاجة إلى قرار من "إسرائيل" أو غيرها فهي لا تتدخل بالشأن الفلسطيني إلا بالقدر الذي قد يمس بسيطرتها المطلقة على الجانب الفلسطيني.

المعركة الاستراتيجية الكيانية الكاملة مرهونة بموقف فلسطيني واضح من المستوطنات فهي كيانات استعمارية وكل من يعمل فيها خارج عن الصف الوطني.

جهات محلية تمنع النمو في قطاع الطاقة المتجددة وتحقيق النسب المطلوبة وتقليل الاعتماد على الكهرباء الإسرائيلية.

قطيعة ما بين القطاعين العام والخاص في تجييش وتجنيد موارد القطاع الخاص لبناء البلد.

الحدث – إبراهيم أبو كامش/ الخطيب

يتفق خبراء الاقتصاد والمال وأكاديميون على أنه لا بد من خلق مسار تصحيحي للتشوهات التي أحدثتها آخر 30 سنة في هيكل الاقتصاد الفلسطيني وعلاقته بالاقتصاد الإسرائيلي واقتصاديات الإقليم والعالم، والبدء الفوري بتنفيذ إصلاحات شمولية وعميقة جدا في النظام السياسي والنظم الإدارية والمالية والاقتصادية والتعليمية، لإحداث بعض التطورات البسيطة خلال ثلاث سنوات قادمة تحقق فيها نسبة معقولة في النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي تمكن الاقتصاد الفلسطيني من العودة إلى حجمه الذي كان عليه قبل بدء حرب الإبادة التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني منذ الربع الأخير من عام 2023.

ومن أجل تحول الوضع الكارثي الذي يعيشه الواقع الفلسطيني واقتصاده الوطني إلى فرصة، يؤكد هؤلاء على أنه لا بد من أن تكون هناك تحولات استراتيجية في المواقف والسلوك والنهج والإدارة والمشاركة السياسية، إذ أن استمرار التبعية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي يستنزف الاقتصاد الفلسطيني ويستمر في تكبيله وتقييده ويلحق أضرارا جسيمة به، لذا يرون بأنه يجب أن يقل الاعتماد عليه تدريجيا، لصالح خلق وتعزيز الاقتصاد المقاوم من خلال إجراء التحولات التي تحدث فرصة في مركزها وتمكن الفلسطينيين من التعامل مع "إسرائيل" بندية في المجال الاقتصادي.

وعليه يطالب هؤلاء الخبراء والأكاديميون بأنه يجب أن تكون هناك مراجعة داخلية بعيدا عن مساعدات المانحين الإغاثية التي لا تحدث نموا اقتصاديا ولا ترفع من نسبة الناتج المحلي الإجمالي، فما يدفعونه كله اقتصاد إغاثي في حين الاقتصاد الذي يعزز صمود الناس هو الذي يقوم على الموارد الوطنية وعليه يجب التفكير في المقاربة ما بين الاقتصاد الإنتاجي والاقتصاد الخدماتي في ظل استمرار الاحتلال وغياب سيناريوهات للخروج من الوضع الكارثي الحالي.

حرب الإبادة زادت اقتصاد البوابات تدهورا

تختلف المواقف والآراء حول إمكانية وجود آفاق وفرص للتعاطي الإيجابي والنجاح مع الأزمة المالية المستفحلة والاقتصاد المتعثر.

ففي حين وصف د. فراس ملحم - مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد البوابات، حيث تمر البضائع عبر 1000 بوابة وحاجز عسكري ما تسبب في مضاعفة تكلفة تقييد حركة الأشخاص والبضائع في داخل الضفة الغربية أو منها إلى الأردن وبالعكس عبر جسر الكرامة، لذا فإنه يمر حاليا في مرحلة صعبة إذ أن التراجع الاقتصادي ناتج بالأساس عن الاحتلال كما أن حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في قطاع غزة زادت من سوء وضعه.

وأكد ملحم، خلال جلسة الصالون السياسي في جامعة بيرزيت بعنوان (الاقتصاد الفلسطيني – أزمة شاملة أم فرصة لإعادة البناء)، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 6 مليارات دولار، حيث كان قبل الحرب حوالي 17 مليار دولار، لكن حاليا انخفض إلى ما كان عليه في عام 2011 والذي كان حوالي 11 مليار دولار، وقال: "هذا تراجع كبير في الناتج المحلي رافقه تراجع في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي".

ويؤكد ملحم، عدم استفادة الفلسطينيين من اتفاقيات السلام وتطبيع بعض الدول مع الإسرائيليين، ففي حين تقدر حصة الفرد الفلسطيني بحوالي 3500 دولار سنويا، فإن حصة الفرد في داخل "إسرائيل" تقدر بحوالي 55 ألف دولار، في حين كانت عندما وقعت الاتفاقية حوالي 20 ألف دولار، الأمر الذي يبين الفجوة الكبيرة بين الاقتصاديين.

وبحسب البنك الدولي، فإن البطالة في قطاع غزة وصلت حاليا إلى 69% و29% في الضفة الغربية ووفقا لجهاز الإحصاء المركزي وصلت نسبتها 80%، كما أن التضخم في قطاع غزة وصل في الربع الثالث إلى 250% وفي الضفة الغربية حوالي 2.7%.

يقول د. ملحم: "دائما يضعنا الإسرائيليون في بركة مياه قبل الحرب وبعدها، ويراقبوننا، فمن جهة لا يريدوننا أن نغرق بشكل كامل وفي نفس الوقت لا يريدوننا أن نتنفس بشكل طبيعي، هذه السياسة تاريخيا يتعمدون انتهاجها ضدنا، لذا نجدهم يضغطون على الفلسطينيين اقتصاديا سعيا وراء تهجيرهم طوعا، وهو ما يمكن استدلاله من وراء احتجاز ومصادرة أموال المقاصة وصولا إلى قطعهم العلاقة الاقتصادية منذ شهر 6 وحتى الآن بشكل كامل".

آفاق الحل والسيناريوهات المتوقعة

يتوقع د. ملحم، حصول سيناريوهان سياسيان خلال العشر سنوات القادمة، تحقيق أي منهما سينعكس على الاقتصاد، الأول: إن كانت هناك انفراجة سياسية بأفق حل الدولتين أو لترتيب معا، أو استمرار بقاء الوضع الحالي.

وقال مستدركا: "وبناء عليه يجب التخطيط لبناء اقتصاد المناعة والصمود وتحقيق تنمية اقتصادية، ولكن في ظل وجود الاحتلال لا أرى أنه ستكون هناك انفراجة سياسية خلال العشر سنوات القادمة، لذا يجب أن تكون هناك رؤية متكاملة تنتج عن شراكة حقيقية ما بين القطاعين العام والخاص".

وبالرغم من كل هذا الوضع الاقتصادي القائم، فإن د. ملحم يرفض التشاؤم، مؤكدا أن لدينا اقتصادا مقاوما يتعايش ويتأقلم مع الأزمات السياسية التي مررنا فيها بما فيها الحرب الأخيرة"، وهذا يعود على وجه التحديد إلى قوة القطاع الخاص، والذي يعتبره دائما أنه يمثل صمود الاقتصاد المقاوم ويعطينا مؤشرا إيجابيا وأملا مبنيا على أسس فإذا خططنا جيدا نستطيع أن يكون عندنا إنسان مقاوم واقتصاد مقاوم وأيضا نظام سياسي مقاوم، لكن كل واحد له متطلباته".

ويتابع: "مع كل التحديات التي يواجهها القطاع البنكي من التهديد بقطع علاقة المراسلة أو امتناع "إسرائيل" عن استقبال الفائض من عملة الشيقل، فإنه مع كل العقبات لدينا بارقة أمل ببناء اقتصاد مقاوم قوي ما يستوجب تعزيز صموده بما يعود على تعزيز صمود المواطن، وذلك من خلال منح هامش للمجتمعات المحلية للمشاركة في التنمية الاقتصادية مثل البلديات والمحافظات، خاصة في قضية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة".

وقال ملحم: "لم نقدر اقتصادنا بشكل جيد عندما كان يردنا أموالا، لم نهتم بالكهرباء، كانت لدينا فرصة ضائعة منذ عام 1996 إلى غاية وجود فائض من الأموال، كان يجب الاهتمام بأن تكون هناك استقلالية في إدارة بعض القطاعات الاقتصادية".

محددات تحويل الوضع الاقتصادي الكارثي إلى فرصة

في حين يرى د. حسن أبو لبدة – رئيس اتحاد شركات الطاقة المتجددة، خلال نفس الجلسة، ضرورة ووجوب توفر محددات من شأنها تحويل هذا الوضع الكارثي إلى فرصة في الاقتصاد الفلسطيني أهمها تنفيذ تحولات استراتيجية في المواقف والسلوك والنهج والإدارة والمشاركة السياسية، لذا من "المفروض أن يكون هناك استعداد وجاهزية لتوليف وتنفيذ إصلاحات شمولية إدارية مالية اقتصادية وتعليمية عميقة جدا في النظام السياسي"، مشجعا الشباب وبخاصة طلبة الجامعات على قيادة التغيير ورفض استمرار الوضع القائم، لأنهم الخاسر الأكبر من استمراره.

إن وجود صحوة عميقة في ما يتعلق بأننا ما زلنا تحت الاحتلال يستدعي الصمود والتمكن من تحقيق الحد الأدنى من الرفاه للمواطنين، ويتطلب مجموعة تغيرات من وجهة نظر د. أبو لبدة.

حيث قال: "من أجل أن نوفر فرصة لمناخ إيجابي تجاه النمو الاقتصادي، علينا التأكد من أن استمرار التبعية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي هو ضرر كبير ويجب أن يقل الاعتماد عليه تدريجيا، لأنه من المستحيل الانفكاك والاستقلال عنه لأننا كيان تحت الاحتلال".

يقول د. أبو لبدة: "وعلى افتراض أن حرب الإبادة توقفت، فإن الواقع الفلسطيني يحتاج ثلاث سنوات ليعود إلى حجم الاقتصاد الذي كان عليه في عام 2023، ولتحقيق معدل نمو اقتصادي نسبته 9% سنويا، فإنه مشروط بعمل تطوير بسيط، وبتنفيذ الإصلاحات العميقة واستقطاب استثمارات خارجية من المحيط وتحديدا، وبالذات استثمارات الفلسطينيين في الشتات حيث تقدر قيمة استثمارات 800 ألف فلسطيني في دول الخليج 80 مليار دولار، لذلك هذا يتطلب ويحتاج إلى وقفة جدية.

فقدان السيطرة وعدم الاعتراف بمواجهة أزمة مأساوية

وانتقد رجل الأعمال سمير حليلة، عدم اعتراف الجانب الفلسطيني بأننا نواجه أزمة مأساوية، وقال: "نحن فقدنا غزة كليا وليس فقط اقتصاديا ولم يعد واضحا حتى الآن حكم غزة كما أنه من غير الواضح ما هو دور السلطة فيها وما هية السياسات الاقتصادية المتعلقة بغزة، ومن الآن فصاعدا لن يكون لها دخل بباريس الاقتصادي، وبالأصل نحن فاقدون القدس وبالنتيجة لم تعد لنا سيطرة على المشروع الاقتصادي لـ 2.7 مليون مواطن في المرحلة القادمة."

وأضاف حليلة: "كما أننا فقدنا السيطرة تماما على عمالنا في داخل "إسرائيل"، حيث فقد 190 ألف عامل أعمالهم وليست لدينا القدرة على إعادتهم إلى أعمالهم أو نعمل أي شيء لهم. عمليا نحن فقدنا السيطرة فما طبيعة هذا البلد الفاقد للأرض والشعب والعمال، ويتم الادعاء بأن الوضع عادي وعلينا تسيير أعمالنا".

وطالب حليلة، بوقفة جدية أكثر بكثير من مسألة تسيير الأعمال حتى يمكننا مواجهة ما نتعرض له، "لأن ما نتعرض له جزء منه إبادة وجزء تهجير وجزء من القضاء على مشروعنا الوطني والسياسي وطبعا القضاء على اقتصادنا، لا نستسهل حصر الأمور بحجز أو مصادرة أموال المقاصة فالموضوع أكبر بكثير من ذلك ويؤثر علينا".

العمل والتعامل الاقتصادي مع المستوطنات جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون

ويرفض د. أبو لبدة، بشكل مطلق منافسة المنتج الإسرائيلي والمستوطنات المنتج الفلسطيني في سوقه المحلي، وقال: "حذرنا منذ زمن بعيد من أن المعركة الحقيقية مع الاستيطان وستثبت الأيام أن معركتنا الاستراتيجية الكيانية الكاملة مرهونة بموقفنا الواضح من مسألة المستوطنات، لهذا السبب لا بد من خلق مسار تصحيحي للتشوهات التي أحدثتها آخر 30 سنة في هيكل الاقتصاد وعلاقته مع نظيره الإسرائيلي واقتصادات الإقليم والعالم، ومن أهم تجليات الأزمة الاقتصادية الحالية تظهرها قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحالية والتي تراجعت إلى نفس قيمتها التي كانت قبل 10 سنين في عام 2016."

وأضاف: "لا يوجد سبب واحد يبرهن ويبرر أننا متعايشون مع فكرة الشغل في المستوطنات، إذا كانت الخيانة في التعامل مع "إسرائيل" فما بالكم عندما نتعامل مع المستوطنات، لا يجب أن تكون هناك أي علاقة اقتصادية أو اجتماعية أو نفعية مع المستوطنات، فهي كيانات استعمارية تعزز سيطرة الاحتلال على البلد وتعزز أيضا عدم تمكن الجانب الفلسطيني بعد 100 سنة من أن يكون له كيان سياسي، ولذلك العمل في المستوطنات يجب أن يعاقب عليه القانون والتعامل الاقتصادي مع المستوطنات جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون.

وتابع: "ولا يجب أن يكون هناك تعاطف مع أي ممن يعملون في المستوطنات وليست وظيفتي أن أخلق بدائل، ومن يتخذ قراره بالعمل في المستوطنات فهذه مشكلته وليست مشكلة البلد، لذلك أعيب كثيرا على السلطة فهناك قانون مكافحة منتجات المستوطنات سنة 2010 أين تطبيقه؟. وكل من يعمل في المستوطنات فهو خارج عن الصف الوطني.

التحول من اقتصاد إنتاجي إلى خدماتي

وبالنظر إلى هيكل الاقتصاد الفلسطيني اليوم يلاحظ تحوله في آخر 15 سنة من اقتصاد إنتاجي إلى اقتصاد خدماتي، وعليه حث د. أبو لبدة على التفكير بهوية الاقتصاد التي تمكنه من توفير فرصة لاستعادة نسب ومعدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي السابقة، والبناء عليها نحو المزيد من النمو والتطور.

وبسبب كل القيود الإسرائيلية وغياب أي أفق لتحقيق الاستقلال الفلسطيني أو حتى العودة للتفاوض والمصالحة مع الحكومة والمجتمع الإسرائيليين اليميني المتطرف، يجدد د. أبو لبدة، تأكيده على أنه لا بد من التفكير جديا بإعطاء الأولوية لتعزيز الجانب الخدماتي والتجاري – تجارة داخلية ولربما خارجية، لا سيما أن سلطات الاحتلال تتحكم بمدخلات الإنتاج وبالتالي تحد من نمو القطاع الصناعي.

ويقول: "التحولات التي تحدث فرصة في مركزها تتطلب أن نتعامل مع "إسرائيل" بندية في المجال الاقتصادي، لذا يجب أن تكون هناك مراجعة داخلية لخلق اقتصاد يقوم على الموارد المحلية وبعيدا عن المساعدات الإغاثية للمانحين، وقادر على تعزيز صمود المواطنين، لذا يجب التفكير في المقاربة ما بين الاقتصاد الإنتاجي والاقتصاد الخدماتي في ظل استمرار الاحتلال وعدم وجود سيناريوهات في الأفق للخروج من الوضع الحالي".

أولويات أعمدة قطاعات الازدهار الاقتصادي

التكنولوجيا والابتكار:

ولأنه لا بد أن تكون هناك متطلبات ترتكز إلى برنامج أو منظومة إصلاح عميقة تتحدد فيها القطاعات التي يجب أن تأخذ أولوية والتي يطلق عليها أعمدة الازدهار الاقتصادي.

وبرأي د. أبو لبدة، فإن أعمدة الازدهار الاقتصادي تتمثل في قطاعات السياحة الداخلية الثقافية والأثرية والدينية، الزراعة التكنولوجية المتقدمة والتي فيها عائد كبير، قطاع التكنولوجيا والإبتكار. ونحن مؤهلون جدا لنكون جزءا من الطفرة العالمية في هذا المجال، حيث لا بد من توفير الظروف لنمو هذا القطاع بشكل كبير خلال العشر سنوات القادمة لمواكبة الطفرة العالمية.

وهو الأمر الذي يتفق معه د. ملحم حينما قال: "لا شك أن الزراعة مهمة جدا وهي بالنسبة لنا ليست فقط أمنا غذائيا وإنما للحفاظ على الأرض ويجب أن تساهم في عملية التنمية".

الطاقة المتجددة ليست ترفا اقتصاديا أو بيئيا

ويطالب د. أبو لبدة، بصفته رئيس اتحاد شركات الطاقة المتجددة، بالضغط على الجهات التي تمنع النمو في قطاع الطاقة المتجددة حتى يكون عندنا ما لا يقل عن 40 ميغا في أقرب فرصة ممكنة، وضرورة الاستفادة من 3300 ساعة شمس سنويا في فلسطين، في حين كانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت سابقا سعيها لتوفير 1500 ميغا بحلول عام 2035 لتصل نسبتها الى 35% من كل أنواع الطاقة المستهلكة.

ولهذا السبب يقول أبو لبدة: "التركيز على الطاقة المتجددة ليس ترفا اقتصاديا أو بيئيا، وبخاصة أن كل كيلو واط كهرباء نستهلكه من "إسرائيل" ربحه يذهب لدعم جيش الاحتلال، فلماذا لا نقوم سواء بمبادرات ذاتية أو بالضغط على الجهات التي تمنع النمو في هذا القطاع حتى تكون عندنا القدرة الكافية لتوليد احتياجاتنا المختلفة من الكهرباء".

قطيعة شراكة القطاعين العام والخاص

ونفى د.أبو لبدة وجود شراكة بين القطاعين العام والخاص، وقال معربا عن أسفه "لا توجد شراكة ما بين القطاعين العام والخاص والتي تفقد المجتمع استثمار كم هائل من الموارد المالية عبر نموذج شراكة، توجد هناك قطيعة ما بين القطاعين فيما يتعلق بتجييش وتجنيد موارد القطاع الخاص لبناء البلد، وهذا محزن ولكنه الواقع".

ويشدد أبو لبدة، على ضرورة أن يمنح القطاع الخاص الفرصة لتسخير استثماراته في البلد بدلا من أن يبحث لها عن فرص في تركيا أو مصر وأوروبا والخليج. وقال: "أعطوهم الأمان والآمال والحصانة والفرصة ليكبروا ويربحوا جيدا، فإن استثمر شخص ما مليون دولار يخلق عددا هائلا من فرص العمل، ولهذا السبب القطاع الخاص برأيي غير مستمر لأنه لا توجد هناك بيئة ممكنة لهذه الشراكة".

ودعا أبو لبدة، إلى وجوب التشغيل من خلال القطاع الخاص وفتح مشاريع ومحاولة خلق بيئة استثمارية آمنة للقادمين من الخارج وضرورة توفير كفالة سيادية لهم في البلد.

بينما ركز د. ملحم على التشغيل من خلال برامج الإقراض الصغيرة والمتوسطة ومن خلال سلطة النقد والبنوك، لكنه أكد أنها ليست كافية فهناك صعوبات كثيرة فيها كما يجب استكمال العمل في المناطق الصناعية وتعزيز التكافل الاجتماعي خاصة فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية".

ويرى د. ملحم، أنه يجب التركيز أيضا على مشاريع البنية التحتية سواء في الكهرباء أو المياه في إطار الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص وبتمويل من البنوك عبر شراكات مع القطاع العام، ولكن طالما يوجد احتلال لن يصل الاقتصاد الفلسطيني إلى استقلالية تامة إلا في بعض القطاعات ذات الأثر الكبير في نمو الإنتاج المحلي.

تحسين اتفاقية باريس وليس استبدالها

ويرى د. ملحم: "أنه من الصعب حاليا المطالبة باتفاقية تجارة جديدة مع "إسرائيل" في ظل وضع سياسي نحن والمجتمع الدولي فيه ضعفاء تجاه دولة الاحتلال، بمعنى لا يؤثر عليها بشكل كبير، فمع كل ثغرات "باريس الاقتصادية" عندما فاوضنا عليها لم يكن هناك جدار فاصل ولم تكن المضايقات التي فرضتها "إسرائيل" على أرض الواقع، لذا فإن أي تفاوض جديد قد يفرضوا علينا الواقع الجديد، ومن هنا فإن مطالبة "إسرائيل" بالالتزام بالاتفاقية الموقعة من خلال شركائنا في المجتمع الدولي هو الأفضل، وإذا التزمت "إسرائيل" بتطبيق حسن نية لهذه الاتفاقية حينها لا نحتاج للمساعدات الأجنبية والمجتمع الدولي".

تغييب الطاقات الشبابية

وفي هذا الجانب يقول د. أبو لبدة: "نحن اليوم عندنا مشكلة بعدم وجود شراكة في القرار وأن جموع الشباب والجامعيين منهم مغيبون في مشاركة صنع القرار والمشاركة السياسية والتعبير عن الرأي، وهذه مشكلتهم وليست مشكلة النظام السياسي لأنهم موافقون".

ويرى د. أبو لبدة، أن هناك تغييبا للطاقات الشبابية وهي غير مسخرة والابتعاد عنها غريب مع أنهم يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع، فمجتمعنا فتي جدا وعلى الرغم من ذلك لا توجد مشاركة شبابية في النظام السياسي. هذا يحتاج إلى تغييرات في القيادة وفي النهج والكثير من الأمور".

هروب من مواجهة الأمور التي يجب اتخاذ قرارات فيها

ويؤكد د. أبو لبدة، "أن الوضع الاقتصادي لن يتحسن إلا إذا كان هناك قرار ربما جراحي للقبول بإعادة وضع الأرضية التي ستقوم عليها البلد التي تعاني كثيرا في كل ما يتعلق وما له علاقة بالإصلاح، ومن المعيب علينا اليوم أن الإصلاح يتم بتعليمات من الخارج، نحن نستحق أن يكون لدينا نظام سياسي يقودنا بمنتهى الأمانة والإخلاص والشفافية، وليس صحيحا أن الإصلاح بحاجة إلى قرار من "إسرائيل" أو غيرها، فهي لا تتدخل بالشأن الفلسطيني إلا بالقدر الذي قد يمس في سيطرتها المطلقة على الجانب الفلسطيني، كل ما له علاقة بالإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو شأن فلسطيني".

وقال: "إن لم يحدث هناك تحول ثوري في مسألة أن الإصلاح مصلحة فلسطينية وإنه لا يملى علينا بل نحن الذين نبادر ونقود، ستستمر هذه الحالة الملتبسة في البحث عمن يساهم في دفع الرواتب".

ويضيف د. أبو لبدة: إذا سارت الأمور باتجاه الإصلاح السياسي والإداري والمالي والاقتصادي، فإننا خلال السنوات العشر القادمة سنحقق الكثير من الإنجازات، ولكن في ظل استمرار وضع اليوم لا يوجد هناك تفاؤل، وإن حصلت هناك صحوة فيما يتعلق بالإصلاح وترميم البيت الفلسطيني الجامع (م.ت.ف) وبدون إصلاح لا أرى نهاية للوضع المعاش حاليا.

ويتابع د.أبو لبدة: "اليوم "إسرائيل" لا تضع دبابات على (المقاطعة) لمنع إصلاح منظمة التحرير، ولا توجد دبابات لمنع الانتخابات، لذلك نحن اليوم فقدنا السيطرة على مواردنا، هناك كيان مغتصب صهيوني يقوم بابتلاع أرضنا وهناك كيان آخر مستسلم لقدره، ولذلك نحن لسنا فقط فاقدين السيطرة وإنما فاقدين المبادرة".

قرارات جراحية

ويؤكد د. أبو لبدة أن هناك سببا واحدا للاقتراض الداخلي والخارجي، وهو أنه هناك قرارات لا تؤخذ، لذا فإنه قال: "لا تلوموا الحكومة فهي جهة تنفيذية، في حين نحن نريد قرارات جراحية والتي تحدد أنه خلال 5 سنوات يجب تخفيض حجم القطاع العام من 232 ألف موظف إلى 200 ألف، وخلال 5 سنوات يجب إنهاء مفاتيح السلطة حيث لا يجوز أن نتأبد في مرحلة انتهت منذ زمن، ولا يجب أن نطالب بتعديل باريس الاقتصادي وغيره فكله انتهى".

تهرب ضريبي غير مسبوق

ويقول د. أبو لبدة: "إصلاح النظام الضريبي ليس بالقانون، هناك تهرب ضريبي غير مسبوق، وضريبة القيمة المضافة وحدها كافية لتشغل السلطة وتمولها، ولكن أعتقد أنه بالكاد هناك التزام ضريبي حقيقي وهناك تواطؤ إسرائيلي فلسطيني اليوم لتزوير كل ضرائب المقاصة وفواتير المقاصة ما يشتريه ب 100 دولار تقدم فيه فاتورة بـ 10 دولار لأنه لا توجد سيطرة فلسطينية على المعابر. فلماذا لا تكون هناك بدون أي تعديلات ضريبية مواظبة حقيقية للشمول الضريبي؟".

ويضيف أبو لبدة مستدركا: "يجب أن تكون هناك مداولات استراتيجية، هل يا ترى الأجدى أن نتمسك بالسلطة على الرغم من ذلك أم نرمي المفاتيح مثلما قال الرئيس أبو مازن؟. هذا سؤال يجب أن نجيب عليه، وبدون الإجابة عليه سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة، والحقيقة المرة أننا نهرب من مواجهة الأمور التي يجب أن نتخذ فيها قرارات."

تحقيق عدالة اجتماعية من خلال نظام ضريبي عادل

يقول د. ملحم: "بالإطلاع على الإيرادات فإن حوالي 68% منها والتي كانت تمكنها من دفع رواتب الموظفين وتحدث القليل من التنمية الاقتصادية وتمويل الخدمات التعليمية والصحية تأتي من المقاصة، إذ تحتاج الدولة شهريا إلى 1.350 مليار شيقل، لتغطية التزاماتها ونفقاتها التشغيلية، جزء منها يأتي من الإيرادات المحلية في حين يقدر الدعم الخارجي بـ 7% من الإيرادات، لذلك يجب الاهتمام بالضرائب لكن بشكل عادل".

ويرفض د. ملحم رفع قيمة الضريبة كما أنه ضد إعادة النظر في النظام الضريبي القائم، لأنه كما يقول: "نعاني من التهرب الضريبي من التجار وبعض القطاعات الاقتصادية، وبالتالي يفترض أن نتطلع إلى كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال نظام ضريبي عادل يسمح أيضا بتحسين الضريبة من الفئات المستحقة عليهم".

ونفى د.ملحم، كل ما يشاع بوجود أموال ضريبية تجبى ويحتفظ بها في جهة ما، "وباطلاعنا على المالية العامة هناك بعض الصعوبات في ظل الوضع الحالي بإدارة الأزمة المالية الحالية، إذ يجب علينا معرفة إدارتها في ظل هذا الوضع حتى نحقق المناعة الاقتصادية".

رقابة انتقائية ومنظومتها غير محصنة

إلى ذلك يقول أبو لبدة: "عندنا رقابة انتقائية قد يكون جزء منها سياسيا، هناك رقابة إدارية في الوزارات ولكن منظومة الرقابة غير محصنة كما أن منظومة مكافحة الفساد غير محصنة بدليل حادثة الفساد الأخيرة المتعلقة بمدير عام المعابر والحدود نظمي مهنا الذي في ذمته 600 مليون دولار، لو تم تحصيل نصفها 300 مليون دولار لتمت تغطية راتب شهر لموظفي القطاع العام. لماذا هذه القضية خارج التغطية وهناك كثيرون غيره؟".

توجهات لمحاربة الفساد

فيما يؤكد د. ملحم، وجود توجهات لمحاربة الفساد، لكنه يرى أن أكثر شيء يمكن أن يحارب الفساد هو إجراء انتخابات وتداول للسلطة ودمقرطة الحياة السياسية، فغياب المجلس التشريعي ثغرة كبيرة في رفد الحكومة والنظام السياسي بالدماء الجديدة وهي التي تسمح بعملية الرقابة والمساءلة.

ويعتبر ملحم، أن خط الدفاع الأول هو البرلمان المنتخب إضافة إلى مهام وأعمال ديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد، وقال: "إن كان هناك أي شخص فاسد يجب أن يحاسب وأن يكشف عن اسمه إذا ما تمت إدانته من قبل محكمة الاختصاص ويجب الزج به في السجن".

اقتصاد وحركة نقل وإنتاج فاقد للمناعة

بينما يطالب حليلة، بإعادة تعريف وضعنا الحالي، "فالموضع ليس اقتصاديا وإنما سياسي أيضا. مفهوم الصمود الذي مارسناه في الانتفاضة الأولى اختلف الآن، نحن بلد لها علاقاتها الاقتصادية ولها صادرات ووارداتها وكيانها، هناك مفهوم بدأ منذ عام 2008 يتعلق بالمناعة الاقتصادية".

وأضاف: "نحن حتى الآن لم نستخدم الأدوات المانعة من أجل زيادة مناعة المجتمع ليس المطلوب التركيز على قطاعات اقتصادية جديدة، وإنما على المناعة الاقتصادية، فلغاية الآن لا نحتمل انقطاع الوقود يوما واحدا، فما هي مناعة المجتمع والاقتصاد؟، فإذا كانت كل الصناعة وحركة النقل لا تستحمل انقطاع الوقود ليوم واحد وهذا ينطبق على الكهرباء والمياه وغيرها فكيف لنا أن نبني اقتصادا قويا ومقاوما ومستداما، فزيادة المناعة للاقتصاد الوطني هي مشروع سياسي أساسي".

عمليات الإصلاح مرهونة بسياسة الاحتلال

في حين قال د. باسم الزبيدي – أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت: "علينا أن نحاكم أنفسنا بشكل دقيق جدا وعسير حول كيفية إدارة الشأن العام السياسة المالية المتبناة من قبل السلطة الفلسطينية في ظل وجود التدهور الحاصل جدا في الحياة العامة اقتصاديا وغيره فضلا عن مهام مشروع التحرر الوطني، ومدى إمكانية تحويل الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصاد مقاوم".

وتطرق إلى تدهور الوضع الاقتصادي الفلسطيني وقال: "في حين كل ما نملكه هي منظومة مدارة خارجيا تضبط سلوكنا السياسي وتعيد قضيتنا الاستهلاكية كما تعيد إنتاج الأدمغة الفلسطينية".

وأضاف: "كل عمليات الإصلاح التي نقوم بها مرهونة بسياسة الاحتلال أو بالأحرى بحاجة إلى قرار أو موافقة منه حتى يتم تنفيذ الإصلاح عمليا وفي هذه الحالة، متساءلا عن ماهية الطرق أو الوسائل البديلة التي يمكن أن يتم اللجوء لها حتى فعلا نخلق اقتصادا فلسطينيا".

وقال د. الزبيدي: "عندنا 16% من المجتمع الفلسطيني الآن ميت، هو بحالة إما موت بدني أو موت عملي وهو قطاع غزة، ونخدع أنفسنا إن فكرنا أننا بعيدون وليس لنا علاقة فنحن عضويا جزء من ذلك" .

ما يتم في غزة لافت إلى حد القلق الدائم

وتابع الزبيدي: "ما يمكن أن يتم أو لا يتم، في غفلة سيلقي بظلال ثقيلة جدا على كل تفصيليات حياتنا في الضفة الغربية، ما يتم في غزة لافت إلى حد القلق الدائم وما زلنا في مرحلة إعادة هندسة وجودنا من الآن إلى 50 سنة قادمة، ونحن نقطة صغيرة وعابرة جدا في معادلة معقدة كثيرا، لكن نزيف وجرح غزة سيبقى ويجب أن يبقى حاضرا عندنا بالتحليل والأمل والتفكير والاستراتيجيات وتوصيف المشاكل والخروج منها وما ينبغي فعله على كل المديات، آنيا موقفنا مع غزة مخز وعلى المدى المتوسط قد يتحسن وعلى المدى البعيد إن بقينا مثلما نحن عليه الآن فهي خيانة، المنطق الغريب أن شعب يخون نفسه، ويمكن أن نصل وندخل إلى ذلك المربع".

قطاع غزة لم يعد لنا ولا نريد مخادعة

وأضاف د. الزبيدي: "حقيقة الأمر أن قطاع غزة لم يعد لنا، لا نريد مخادعة أنفسنا وليس فقط لم يعد لنا وإنما يصل الوضع بالزحف رويدا رويدا لكي تلحق جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية وأريحا ورام الله والأمر أمامنا، لا نصحو كل يوم إلا وعشرات التقارير المتعلقة بهجمات المستوطنين على المواطنين وممتلكاتهم وهذا واضح أن هناك ضوء أخضر من صناع القرارات الإسرائيليين ومؤازريهم" .

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا