الحدث الإسرائيلي
نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للصحفي ديفيد هالبفنغر تناول فيه التحديات المصيرية التي يواجهها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال العام المقبل، في ظل ملفات شائكة تشمل العدوان على غزة، وقضية التجنيد الإجباري، وإصلاح النظام القضائي، مع اقتراب موعد الانتخابات. ويشير المقال إلى أن نتنياهو، الذي شغل المنصب لفترة طويلة، بات أسلوبه في الحكم معروفا على نطاق واسع.
ويعتمد نتنياهو، بحسب المقال، على تأجيل القرارات الصعبة، والإبقاء على الخيارات مفتوحة لأطول فترة ممكنة، وخلق بدائل جديدة كلما سنحت الفرصة، مع إنهاك خصومه والصبر عليهم والتفوق عليهم في الصمود، بل وحتى على حلفائه الظاهريين. وغالبا ما يحول الأزمات، بما في ذلك تلك التي ساهم في خلقها، إلى فرص يمكن احتواؤها، لكن ذلك يأتي بثمن سياسي وأمني باهظ.
غير أن مسار الأحداث، وفق المقال، قد يتجه نحو مرحلة تنهك حتى قدرة نتنياهو المعروفة على إطالة أمد القرارات وتوجيهها لصالحه. فمحاكمته الجنائية بتهم الرشوة والاحتيال تتقدم بخطى ثابتة، والخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لغزة تقترب من مرحلة ثانية معقدة، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع البيت الأبيض بشأن التحركات الإسرائيلية في سوريا ولبنان. كما تظهر استطلاعات الرأي أن نتنياهو مهدد بالخسارة في انتخابات العام المقبل، وسط ضغوط متزايدة من مختلف الاتجاهات.
ويواجه نتنياهو أيضا ضغوطا من اليمين الإسرائيلي، الذي يشكل قاعدته السياسية الأساسية، ويدفعه للمضي قدما في ضم الضفة الغربية المحتلة، رغم تحذيرات ترامب من أن مثل هذه الخطوة ستقابل برد فعل أميركي قاس. وعلى هذه الجبهات مجتمعة، يبدو أن عام 2026 سيكون عاما حاسما لنتنياهو، البالغ من العمر 76 عاما، ومن شبه المؤكد أنه سيضطر خلاله إلى اتخاذ قرارات ذات تبعات خطيرة على المجتمع والأمن في دولة الاحتلال، وعلى الفلسطينيين، وعلى الشرق الأوسط بأكمله.
خيارات مصيرية مع اقتراب الانتخابات
في ظل ترقب دولة الاحتلال لإجراء الانتخابات في وقت ما من عام 2026، استعرض المقال أبرز الخيارات المفصلية التي قد تواجه نتنياهو.
إعفاء الحريديم أو انهيار الحكومة
للحفاظ على تحالفه التاريخي مع المستوطنين المتدينين ، يتعين على نتنياهو السعي لإقرار قانون يمنح طلاب المعاهد الدينية (اليشيفا) إعفاء جديدا من الخدمة العسكرية، بعد انتهاء الإعفاء السابق وحكم المحكمة العليا عام 2024 بإلزامهم قانونيا بالتجنيد.
غير أن هذا الإعفاء يواجه معارضة شديدة من غالبية المستوطنين، الذين أنهكتهم أعباء حرب غزة على الجنود والاحتياط، كما يعارضه أعضاء داخل حزب الليكود نفسه. وفي حال فشل إقرار القانون، قد تنهار الحكومة، ما يفتح الباب أمام انتخابات مبكرة مطلع العام المقبل.
ويرى محللون أن نتنياهو يسعى إلى تأجيل الانتخابات لأطول فترة ممكنة، أملا في تحسن شعبيته مع مرور الوقت وابتعاد البلاد عن صدمة عملية 7 تشرين الأول 2023 التي حدثت خلال فترة ولايته.
وقال رؤوفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، إن نتنياهو يسعى لمنح الناخبين وقتا للانشغال بقضايا أخرى، مضيفا: "يأمل نتنياهو أن يكون الجمهور الإسرائيلي ساذجا وضعيف الذاكرة إلى حد نسيان كل هذا".
من جانبه، رأى يوهانان بليسنر، رئيس معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن نتنياهو يراهن على امتصاص الغضب الشعبي من إعفاء الحريديم ثم نقل النقاش إلى قضايا أخرى، معتبرا أنه "إذا قرر نتنياهو أن الائتلاف بحاجة إلى تمرير القانون، فمن المرجح أن يتم ذلك".
غزة والعلاقة مع ترامب
وافق نتنياهو على خطة ترامب لغزة ، لكنه أبدى حماسة محدودة لها، مؤكدا أن حماس ستجبر على نزع سلاحها بالقوة إذا لم تفعل ذلك طوعا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية المستوطنين يؤيدون هذا الموقف، ويتوقع كثيرون استئناف الحرب مع حماس خلال عام، رغم حالة الإرهاق العامة.
لكن استمرار الضربات الإسرائيلية في غزة منذ وقف إطلاق النار أثار غضب إدارة ترامب، التي تسعى إلى تمديد الهدنة وتعزيزها، لا تقويضها. كما تتعارض العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا مع جهود واشنطن لتحقيق الاستقرار هناك.
وأبدى ترامب مرارا نفاد صبره تجاه نتنياهو، وقد يستغل اجتماعهما للضغط عليه في هذه الملفات، فيما يُرجح أن يحث نتنياهو ترامب على دعم تشديد الضغط على إيران، التي يقول الاحتلال إنها تعيد بناء قدراتها الصاروخية.
غزة والعقدة الفلسطينية
يرفض نتنياهو حتى الآن منح السلطة الفلسطينية أي دور في إدارة غزة، ما يعقد مساعي إدارة ترامب لتنفيذ خطتها، التي تشمل قوة استقرار دولية، ولجنة تكنوقراط فلسطينية، و"مجلس السلام". وتطالب دول عربية وأوروبية بإشراك السلطة الفلسطينية، كما يشكل رفض نتنياهو المتكرر لفكرة الدولة الفلسطينية عائقا أمام هذه الجهود.
وتبرز السعودية في مقدمة الدول التي تشترط وجود مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع الاحتلال. وعلى الرغم من رغبة ترامب ونتنياهو المعلنة في التطبيع، فإن سعي واشنطن لاستمالة الرياض قد يضع نتنياهو أمام خيار مصيري.
اليمين أم الوسط
تشير استطلاعات الرأي إلى أن المعارضة أقرب للفوز بأغلبية برلمانية من ائتلاف نتنياهو، إذ يُتوقع أن تحصل الكتلة اليمينية والدينية على نحو 52 مقعدا من أصل 120، مقابل 58 للكتلة الوسطية الليبرالية، ونحو 10 مقاعد للأحزاب العربية.
وقد يتمكن نتنياهو من البقاء في السلطة عبر طريق مسدود سياسي، أو من خلال التوجه نحو الوسط وتشكيل ائتلاف جديد، وربما التحالف مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، ما قد يسمح له بالتخلص من شركائه المتشددين دينيا ومن أحزاب اليمين المتطرف بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير.
لكن نتنياهو يعتمد على هؤلاء الشركاء لدعم إصلاحه القضائي، الذي يقول معارضوه إنه يهدف إلى تقويض استقلال القضاء وتمكينه من الإفلات من المحاسبة القانونية. وإذا وجد طريقا آخر لتجاوز محاكمته، فقد تنفتح أمامه خيارات مختلفة.
البقاء أو الرحيل
كان نتنياهو قد طلب عفوا من رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ ، بدعم من ترامب، في خطوة نادرة لتدخل زعيم أجنبي في الشأن الداخلي الإسرائيلي. ويرى مراقبون أن أحد السيناريوهات المفاجئة قد يتمثل في سعي نتنياهو لتحقيق اختراق تاريخي عبر التطبيع مع السعودية.
وتقول غايل تالشير، المحاضِرة في الجامعة العبرية، إن خيارات نتنياهو للخروج من أزمته القضائية تنحصر بين استكمال الإصلاح القضائي "وتدمير الديمقراطية الإسرائيلية"، أو تحقيق اختراق جيوسياسي عبر التطبيع مع السعودية، مرجحة أن يفضل الخيار الثاني.
ورغم رفض نتنياهو فكرة التنحي، كما قال في كانون الثاني خلال قمة "ديل بوك"، يرى محللون مثل نمرود نوفيك أن أمامه فرصة نادرة لتغيير صورته، إذا ما أقدم على إقصاء حلفائه المتطرفين، وتجميد الإصلاح القضائي، وكبح عنف المستوطنين، والدفع نحو تسوية سياسية كبرى قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط.
ورغم صعوبة تصور هذا السيناريو، فإن التوصل إلى اتفاق مع السعودية ، بحسب نوفيك، قد يمنح الاحتلال شرعية إقليمية واسعة ويفتح الباب أمام دول أخرى، من إندونيسيا وماليزيا إلى الكويت وعُمان، للانخراط في مسار مشابه.
المصدر:
الحدث