الحدث الاقتصادي
يقف الاقتصاد الإسرائيلي ، وفق أحدث التقييمات البحثية، عند نقطة شديدة الحساسية قد تحول تداعيات العدوان على قطاع غزة إلى أزمة اقتصادية ممتدة. فارتفاع الإنفاق الحربي، واتساع العجز المالي، وتباطؤ الاستثمار والإنتاجية، تشكل عوامل متداخلة تضغط في آن واحد على النمو الاقتصادي ومستوى المعيشة.
وبحسب تقرير "حال الأمة 2025" الصادر عن مركز تاوب لبحوث السياسات الاجتماعية، فإن غياب نمو اقتصادي كاف قد يدفع دولة الاحتلال إلى حلقة مفرغة تقيد الإنفاق المدني وتضعف قدرتها مستقبلا حتى على تمويل متطلبات الأمن.
ويؤكد التقرير، الذي نقلت تفاصيله صحيفة "غلوبس" العبرية، أن الارتفاع الحاد في الإنفاق العسكري خلال العدوان أدى إلى زيادة العجز المالي ونسبة الدين إلى الناتج المحلي، ورفع كلفة خدمة الدين، إلى جانب إضعاف الإنتاجية والاستهلاك الخاص.
وبعد عقد من التراجع التدريجي في عبء الدين قبل العدوان، عادت المؤشرات إلى مسار معاكس، إذ بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي نحو 70% هذا العام، بزيادة 10 نقاط مئوية عن مستواها قبل العدوان، مع ارتفاع مباشر في عبء الدين بنحو 8 مليارات شيكل (2.5 مليار دولار) خلال عام واحد.
ويحذر الباحثان بنيامين بنتال ولبيب شامي من أن استمرار ارتفاع موازنات الحرب خلال العقد المقبل سيضغط على الإنفاق المدني، ويُنتج "حلقة مفرغة" من ضعف النمو.
ويشير التقرير إلى أن تباطؤ النمو سيؤدي إلى تفاقم شح الموارد، وتقليص الاستثمار العام الضروري، وخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل إضافي، ما قد يهدد في نهاية المطاف قدرة الدولة نفسها على تمويل احتياجاتها الحربية.
ورغم محافظة الحكومة حتى الآن على إنفاق مدني يتماشى مع نمو السكان، فإن هذا النهج لن يكون قابلا للاستمرار من دون تسارع ملموس في النمو الاقتصادي.
ويسجل التقرير مفارقة في سوق العمل الإسرائيلي، إذ يبلغ معدل البطالة نحو 3% فقط، لكنه يترافق مع إنتاجية متدنية مقارنة بدول مماثلة مثل النمسا والدانمارك وهولندا وفنلندا والسويد.
وبين عامي 2015 و2023 تقلص الفارق في القيمة المضافة لكل عامل من 20% إلى 12%، مدفوعا أساسا بتراجع الفجوة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. إلا أن الفجوة في الإنتاجية لكل ساعة عمل لا تزال واسعة، إذ انخفضت من 36% إلى 30% على مستوى الاقتصاد، وبقيت مستقرة عند نحو 40% في القطاع الصناعي، في ظل عمل الإسرائيليين ساعات أطول بنحو 25% سنويا مقارنة بالدول المرجعية.
ويؤكد التقرير أن قطاع التكنولوجيا لا يزال المحرك الرئيسي للاقتصاد الإسرائيلي، إذ يشكل نحو 60% من الصادرات، ويسهم بـ20% من الناتج المحلي و40% من النمو الاقتصادي منذ عام 2018. كما ارتفعت صادرات خدمات التكنولوجيا من 15 مليار دولار في 2013 إلى 55 مليار دولار في 2024، وفق بيانات هيئة الابتكار الإسرائيلية.
غير أن التقرير يحذر من أن هذا الزخم لا يعوّض ضعف الإنتاجية في بقية القطاعات، ولا يعالج فجوة رأس المال لكل عامل، التي لا تزال عند نحو نصف مستواها في الدول المقارنة، ما يحد من قدرة الاقتصاد على تحسين مستوى المعيشة.
ويربط التقرير تراجع مستوى المعيشة بارتفاع كلفة الحياة في الأراضي المحتلة، مشيرا إلى أن سلة استهلاكية قياسية كانت أعلى بنحو 13% في عام 2023 مقارنة بخمس دول مرجعية، مع فجوة طويلة الأجل تبلغ نحو 29% مقارنة بمتوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويعزو التقرير هذه الفجوة إلى عوامل هيكلية تشمل ضعف المنافسة في بعض قطاعات الخدمات، وارتفاع كلفة التشغيل، وقيود الاستيراد، والتنظيمات التي تعيق دخول شركات جديدة، إضافة إلى غياب وفورات الحجم في اقتصاد صغير وبعيد جغرافيا.
المصدر:
الحدث