د. أحمد رفيق عوض: الغضب الأمريكي السريع من تصريحات كاتس يعود لاعتبارها مشوِّشة على خطة ترمب خصوصاً ما يتعلق بالانتقال إلى لمرحلة الثانية
محمد أبو علان دراغمة: تصريحات كاتس يجب فهمها ضمن إطار المزايدات الانتخابية لا سيما في ظل غياب أي قرار إسرائيلي رسمي يؤكد هذا التوجه
نيفين عبد الهادي: هذه المواقف لا يمكن التعامل معها باعتبارها سياسة قابلة للتنفيذ في ظل الرفض الأمريكي الواضح لأي تغيير في خطة إنهاء الحرب
د. عبد المجيد سويلم: تصريحات استعراضية ولا تحظى بأي قبول وتعكس قلقاً في الائتلاف الحاكم بأن نتنياهو يتجه لتقديم تنازلات مطلوبة أمريكياً
نزار نزال: أي استيطان في غزة من شأنه تعطيل المشروع الأمريكي الأوسع في المنطقة وواشنطن قد تسمح بتصريحات كاتس لكنها لن تسمح بتنفيذها
لبيب طه: تصريحات كاتس ليست عابرة بل تمثل مزيجاً من الخطاب الانتخابي والرؤية الاستراتيجية والعقيدة السياسية والعسكرية للمشروع الصهيوني
تأتي تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس حول الاستيطان في قطاع غزة لتثير جدلاً، سرعان ما تراجع عنها تحت ضغط أمريكي مباشر، ما كشف أن الهدف من إطلاقها كان استعراضاً انتخابياً أكثر من كونه عملياً.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون، في أحاديث مع "ے"، أن هذه التصريحات جاءت في سياق منافسات داخلية بالمعسكر اليميني، حيث تُستغل اللغة المتشددة لكسب التأييد الشعبي ورفع سقف الخطاب، دون أن تعكس توجهات حكومية قابلة للتنفيذ على الأرض، لكنها تأتي أيضاً ضمن سياق انتخابي.
وبحسب الكتاب والمحللين والمختصين، تُظهر هذه المواقف أن ملف الاستيطان يُستخدم أداة لإرسال رسائل متعددة، داخلياً لإثبات القوة أمام الشارع الإسرائيلي، وخارجياً لاختبار ردود الفعل الدولية، مع إبقاء مستقبل غزة غامضاً.
ويرى الكتاب والمختصون أن واشنطن تلعب دوراً أساسياً في ضبط هذا الخطاب الإسرائيلي حول الاستيطان في غزة، إذ سمحت بالتصعيد اللفظي للاستهلاك الداخلي، لكنها وضعت حدوداً صارمة لمنع تحويله إلى خطوات عملية، خشية إفشال خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
موقف استراتيجي متجذر في صلب المشروع الصهيوني
يرى الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس بشأن الاستيطان في قطاع غزة، التي أطلقها ثم تراجع عنها بعد ساعات تحت الضغط الأمريكي، لا يمكن توصيفها على أنها تكتيكية أو ظرفية، بل تعكس موقفاً استراتيجياً متجذراً في صلب المشروع الصهيوني، حتى وإن جرى التراجع عنها شكلياً.
ويوضح أن هذا التراجع لا يغيّر من جوهر التصريحات شيئاً، لأن كاتس، يعبّر عن رؤية كاملة ترى في الاستيطان أداة مركزية وأشد فتكاً من السلاح العسكري المباشر، كونه لا يقتصر على البعد الجغرافي فقط، بل يشكل سلاحاً ثقافياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وديمغرافياً، يهدف إلى تغيير الواقع القائم بصورة شاملة.
ويبيّن عوض أن الاستيطان في قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، يخدم أهدافاً استراتيجية طويلة المدى للحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومات المتعاقبة، من بينها تفكيك الشعب الفلسطيني، والسيطرة على موارده، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، وقطع التواصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب إعادة إنتاج حلول قديمة- جديدة منبثقة من المشروع الصهيوني ذي الجذور التوراتية.
ويعتبر عوض أن هذه التصريحات لا يمكن فصلها عن محاولات إرباك العلاقة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والإدارة الأمريكية، وتحديداً خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إذ تؤدي إلى إحراج واشنطن ومحاصرتها سياسياً، رغم أن الإدارة الأمريكية تعارض مثل هذه الخطوات لفظياً فقط، دون أن تعارضها فعلياً على الأرض.
واشنطن غير راغبة في كبح جماح إسرائيل
ويشير عوض إلى أن الولايات المتحدة تتحرك بدافع دبلوماسي يهدف إلى عدم إغضاب حلفائها أو الرأي العام الداخلي، لكنها في الواقع غير راغبة في كبح جماح إسرائيل أو منعها من ترسيخ الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويلفت إلى أن الغضب الأمريكي السريع من تصريحات كاتس يعود إلى اعتبارها مشوشة على خطة ترمب، خصوصاً ما يتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية، وإلى كونها تثير قلق الحلفاء والممولين والأطراف المرشحة للمشاركة في قوات الاستقرار المزمع تشكيلها.
ويؤكد أن هذه التصريحات توحي بأن إسرائيل غير معنية بالتعاون مع أي طرف، ولا بتطبيق القرار 2803، ولا بالانتقال إلى المرحلة الثانية، بل متمسكة بالاحتلال كخيار وحيد، ما يعني عملياً أن الممولين لن يقدموا الدعم المالي، وأن أي قوة استقرار محتملة لن تأتي لخدمة الأجندة الإسرائيلية.
ويرى عوض أن الرد الأمريكي، رغم سرعته وحدّته الظاهرية، ليس رداً حقيقياً يمكن البناء عليه، محذراً من المبالغة في التعويل على الموقف الأمريكي، إذ غالباً ما ينتهي الأمر بتبنّي الموقف الإسرائيلي، حيث أنه رغم التراجع الشكلي لكاتس وبقاء الخطة مطروحة على الطاولة.
مواقف فردية لبعض وزراء اليمين المتطرف
يعتبر الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة أن التصريحات الإسرائيلية حول إعادة الاستيطان في قطاع غزة، وآخرها تصريحات كاتس، لا تزال تندرج في إطار المواقف الفردية لبعض الوزراء المنتمين إلى اليمين المتطرف، ولا تعكس حتى الآن توجهاً رسمياً للحكومة الإسرائيلية أو قراراً سياسياً مُلزِماً على مستوى الدولة.
ويوضح أن الحديث عن الاستيطان في غزة يقتصر على شخصيات معروفة بخطابها المتشدد، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وروت ستروك، وانضم إليهم مؤخراً يسرائيل كاتس، دون أن يقابل ذلك أي قرار حكومي رسمي أو خطوات عملية على الأرض، كإقرار ميزانيات أو اعتماد خطط تنفيذية. وبحسب دراغمة، فإن هذه التصريحات تأتي في سياق محاولة كسب مزيد من التأييد داخل الشارع اليميني الإسرائيلي، خاصة في ظل دخول إسرائيل مرحلة سياسية حساسة.
ويشير إلى أن السياق الانتخابي يلعب دوراً مركزياً في تصاعد هذا الخطاب، إذ تستعد إسرائيل لانتخابات عامة، إلى جانب توجه حزب الليكود لإجراء انتخابات داخلية (برايمرز)، ما يدفع بعض قياداته إلى إطلاق مواقف متشددة بهدف تعزيز حضورهم السياسي داخل قواعدهم الحزبية.
ويعتبر دراغمة أن تصريحات كاتس حول الاستيطان في غزة يجب فهمها ضمن هذا الإطار، لا سيما في ظل غياب أي قرار رسمي يؤكد هذا التوجه.
وفي المقابل، يشدد دراغمة على وجود فارق جوهري بين ما يُطرح بشأن قطاع غزة وما يجري فعلياً في الضفة الغربية، حيث صادقت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام على إنشاء 19 مستوطنة جديدة، في خطوة تعكس توجهاً استراتيجياً واضحاً لتعزيز الاستيطان بأقصى قدر ممكن، بهدف القضاء على أي أفق سياسي مستقبلي، وإنهاء إمكانية تطبيق حل الدولتين بشكل نهائي.
ورغم استبعاده عودة الاستيطان إلى قطاع غزة في المرحلة القريبة، لم ينفِ دراغمة أن جيش الاحتلال يسعى إلى فرض سيطرة أمنية طويلة الأمد على القطاع، وربما احتلاله عسكرياً، معتبراً أن هذا المسار مختلف عن قرار إعادة الاستيطان الذي يحتاج إلى توافق حكومي واستعدادات سياسية واقتصادية غير متوفرة حالياً.
ويشير دراغمة إلى أن ردود الفعل داخل إسرائيل نفسها تعزز هذا التقدير، إذ إن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن حالة صدمة في الأوساط السياسية عقب تصريحات كاتس، وتساؤلات حول خلفيتها، قبل أن يتراجع عنها الوزير بشكل غير مباشر.
ويلفت إلى أن الإدارة الأمريكية لا تُبدي موقفاً متشدداً تجاه هذه التصريحات، لإدراكها أنها جزء من المنافسات السياسية الداخلية، ولعلمها أنّ الاستيطان في غزة غير مطروح عملياً في المدى القريب، في وقت تواصل فيه واشنطن غض الطرف عن التوسع الاستيطاني المتسارع في الضفة الغربية.
"ماراثون التصريحات الاستعراضية"
ترى الكاتبة والمحللة السياسية نيفين عبد الهادي، وهي مديرة تحرير جريدة الدستور الأردنية، أن حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل دخلت في ما يشبه "ماراثون التصريحات الاستعراضية"، التي يتسابق فيها وزراؤها على إطلاق مواقف بعيدة عن الاتزان السياسي، وتحمل في طياتها مخاطر جدّية على القضية الفلسطينية، وعلى أي مساعٍ حقيقية لتحقيق سلام عادل وشامل وإنهاء الحرب على قطاع غزة.
وتوضح أن التصريحات الأخيرة لكاتس بشأن استيطان مستقبلي في قطاع غزة تندرج ضمن هذا السياق الاستفزازي، مشيرة إلى أنها لا تعكس رؤية استراتيجية متكاملة بقدر ما تعبّر عن نزعة انتخابية ومحاولات لشدّ عصب اليمين المتطرّف داخل إسرائيل.
وتؤكد عبد الهادي أن هذه التصريحات تبث "سموماً سياسية" في أجواء البحث عن السلام، وتتناقض مع الجهود الفلسطينية والعربية والدولية الرامية إلى وقف الحرب ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
وتبيّن أن حديث كاتس عن عدم انسحاب إسرائيل الكامل من غزة، وتعهدِه بإنشاء قواعد عسكرية وزراعية جديدة شمال القطاع بدلاً من المستوطنات، يُعدّ تصعيداً لفظياً خطِراً، خصوصاً أنه جاء في توقيت حساس تعمل فيه الأطراف المختلفة على تثبيت مسار سياسي لإنهاء الحرب.
وترى عبد الهادي أن هذه المواقف، رغم خطورتها، لا يمكن التعامل معها باعتبارها سياسة قابلة للتنفيذ، في ظل الرفض الأمريكي الواضح لأي تغيير في خطة إنهاء الحرب.
وتؤكد أن واشنطن، باعتبارها الراعي الأساسي لاتفاق إنهاء الحرب في غزة، لن تسمح بتقويض مقترحات ترمب عبر تصريحات إسرائيلية أحادية تحمل أبعاداً غامضة وخطِرة.
وتشير عبد الهادي إلى أن ردّ الفعل الأمريكي جاء سريعاً، حيث عبّرت الإدارة الأمريكية عن استغرابها من تصريحات كاتس، وطالبت بتوضيحات رسمية، مع تأكيدها ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة كجزء لا يتجزأ من الخطة الأمريكية.
وتشدّد على أن إصرار وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق تصريحات تتناقض مع المسار المتفق عليه سيؤدي إلى مزيد من العزلة السياسية، وربما يضع الحكومة الإسرائيلية في مأزق مباشر مع الإدارة الأمريكية.
وتشير عبد الهادي إلى أن هذه التصريحات، وإن كانت قد تُحدث توتراً أو نتائج سلبية على الأرض، ستبقى في الغالب ضمن إطار الدعاية الانتخابية أو محاولات "تلويث" مسار السلام، في ظل الرفض الأمريكي القاطع لأي عودة للاستيطان في قطاع غزة.
وتوضح عبد الهادي أن التعامل مع هذه المواقف يجب أن يكون بحذر شديد فلسطينياً وعربياً، مع إدانة واضحة لها، وعدم الاستهانة بإمكانية أن يحاول بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية ترجمة أقوالهم إلى خطوات عملية، ولو جزئياً.
تصريحات تفتقر لأي قيمة سياسية حقيقية
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم أن تصريحات كاتس بشأن الاستيطان في قطاع غزة تفتقر إلى أي قيمة سياسية حقيقية، واصفاً إياها بأنها تصريحات استعراضية لا يصدقها مطلقها ولا تحظى بقبول يُعتدّ به داخل إسرائيل نفسها، فضلاً عن افتقارها لأي مصداقية على المستوى الدولي.
ويوضح أن ما صدر عن كاتس يندرج في إطار الصراعات والمزايدات داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، ويعكس حالة من التوجس والقلق السائدة داخله، خصوصاً مع تنامي قناعة لدى أوساط واسعة في الائتلاف بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتجه لتقديم تنازلات مطلوبة أمريكياً.
وبحسب سويلم، فإن هذه المزايدات تبدو خارج أي منطق سياسي أو واقعي، ولا تعبر عن سياسات قابلة للتطبيق.
ويشير إلى أن هذه التصريحات ليست سوى محاولات لطمأنة الداخل الإسرائيلي والائتلاف الحاكم، في ظل مخاوف حقيقية من خضوع إسرائيلي، مهما كان شكله أو صيغته، للإملاءات الأمريكية، مؤكداً أن هذا الخضوع بات أمراً لا مفر منه في ظل التوازنات القائمة، وأن المواقف التي يعلنها كاتس أو غيره، وحتى نتنياهو نفسه، لا يمكن أن تشكل خروجاً فعلياً عن هذا المسار.
ويبيّن سويلم أن هناك خلافات قائمة، وإن لم تظهر بوضوح في الإعلام، بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي حول عدد من الملفات الكبرى، من بينها الدور التركي في المنطقة، وآليات التعامل مع سلاح حركة حماس، والوضع في لبنان وطريقة مقاربة ملف سلاح حزب الله. أما الملف الإيراني، فيراه سويلم محسوماً، معتبراً أنه ملف أمريكي بامتياز، والقرار فيه يعود إلى الولايات المتحدة لا إلى إسرائيل.
ويلفت سويلم إلى أن وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة، التي طُرحت باسم ترمب، لكنها في جوهرها نتاج حوار واسع داخل ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" الأمريكية، توضح أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية متقدمة في سلم الاهتمامات الأمريكية، وأن الانخراط في الحروب لم يعد مطروحاً ضمن الاستراتيجية الحالية.
ويؤكد أن الولايات المتحدة ترى أن خطة ترمب للمنطقة يجب أن تنطلق وتُنفذ، ولا مجال أمام إسرائيل لتجاوز الإطار الذي وضعته واشنطن، حيث إن أي محاولة إسرائيلية للخروج عن هذا السياق ستُحدث أزمات كبيرة داخل الائتلاف الحاكم.
ويشير سويلم إلى أن واشنطن ستتعامل مع تصريحات كاتس بالطريقة المعتادة، عبر تجاهلها والتركيز على الأفعال، واضعة هذه التصريحات في خانة الهامش، باعتبارها "عنتريات سياسية" لا تمت للواقع أو لتطورات الإقليم بصلة.
دعاية انتخابية مغلّفة ببعد استراتيجي
يعتبر الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع نزار نزال أن تصريحات كاتس تندرج في إطار الدعاية الانتخابية المغلّفة ببعد استراتيجي، مؤكداً أنها غير قابلة للتحقيق على المدى المنظور، ولا تعكس توجهاً عملياً يمكن لإسرائيل المضي فيه فعلياً.
ويوضح أن هذه التصريحات تتناقض مع الرؤية الأمريكية المطروحة حالياً، والتي تتحدث عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من التفاهمات، بما يشمل انسحاباً إسرائيلياً من مناطق لا تزال تحتلها في قطاع غزة.
ويلفت نزال إلى أن أي محاولة حقيقية لتطبيق ما يطرحه كاتس تحتاج إلى زمن طويل وتغييرات جذرية في السياقين الإقليمي والدولي، وهو ما يجعلها، في الوقت الراهن، مجرد خطاب سياسي للاستهلاك الداخلي.
ويبيّن نزال أن كاتس يخاطب من خلال هذه التصريحات جمهور اليمين الأيديولوجي والمستوطنين، في توقيت سياسي حساس مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية عام 2026، وفي ظل تنافس حاد داخل معسكر اليمين نفسه، خاصة مع الضغوط التي يمارسها كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
ويؤكد أن طرح الاستيطان في غزة يمثل سقفاً خطابياً مرتفعاً وغير قابل للتنفيذ، نظراً لأن القطاع يشكل عبئاً أمنياً وديمغرافياً واقتصادياً على إسرائيل.
ويوضح نزال أن الهدف الحقيقي من هذه التصريحات يتمثل في ابتزاز الشركاء اليمينيين داخل الحكومة الإسرائيلية، وإعادة تعريف الحرب على أنها "حرب وجودية"، بما يبرر استمرار العمليات العسكرية وعدم الالتزام الكامل بوقف الحرب، إضافة إلى محاولة إسقاط ما يجري في لبنان على قطاع غزة وخلق أوراق ضغط تفاوضية للمستقبل.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، يشدد نزال على أن واشنطن تتعامل مع تصريحات كاتس باعتبارها ضجيجاً سياسياً وإعلامياً داخلياً، ولن تسمح بتحويلها إلى سياسات عملية.
ويوضح أن الولايات المتحدة تنظر إلى غزة من زاوية الاستقرار الإقليمي ومنع انفجار الأوضاع مع مصر والأردن، خاصة في ظل حالة التحرك العسكري وعدم الاستقرار التي شهدها الشرق الأوسط بعد حرب غزة.
ويؤكد نزال أن أي استيطان إسرائيلي في غزة من شأنه تعطيل المشروع الأمريكي الأوسع في المنطقة، وعلى رأسه مسار التطبيع، وإخراج الحلفاء العرب من المشهد، فضلاً عن خلق صدام مع الموقف الأوروبي الرسمي والأمم المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن قد تسمح لكاتس بالتصريحات، لكنها لن تسمح بتنفيذها.
تصريحات كاتس ليست زلة سياسية
يعتبر الباحث والمحلل السياسي لبيب طه أن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي بشأن الاستيطان في قطاع غزة لا يمكن التعامل معها كحدث عابر أو زلة سياسية، بل تمثل مزيجاً من الخطاب الانتخابي والرؤية الاستراتيجية والعقيدة السياسية والعسكرية للمشروع الصهيوني، الذي لم يتغير منذ نشأته، رغم تبدّل الظروف الدولية والإقليمية وتغيّر أدواته وآلياته.
ويوضح أن البعد الانتخابي في هذه التصريحات يعكس واحدة من مفارقات السياسة الإسرائيلية، حيث يصبح التطرف والعنصرية والنزعة الاستعمارية والعسكرية تجاه الفلسطينيين والعرب وسيلة أساسية لحصد الشعبية داخل المجتمع الإسرائيلي، مشيراً إلى أن أي سياسي يسعى للصعود وتحقيق مكاسب انتخابية يجد نفسه مضطراً إلى رفع سقف الخطاب العدواني، وهو ما يفسر مثل هذه التصريحات في سياق المنافسة الداخلية.
وفي البعد الاستراتيجي، يشدد طه على أن إسرائيل، وفق رؤيتها الثابتة، لا تؤمن بحدود جغرافية نهائية، موضحاً أن حدودها، في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، هي النقطة التي يقف عندها جيشها في لحظة زمنية معينة.
ويعتبر طه أن هذه القاعدة أصبحت بدهية ومعروفة عالمياً، وأنها تشكل جوهر التفكير الإسرائيلي الذي لم يتغير ولن يتغير في المستقبل المنظور.
ويشير إلى أن العقيدة السياسية والعسكرية، بل والدينية أيضاً، تقوم على التوسع والاستيلاء على أراضي الآخرين ومقدراتهم، تحت ذريعة الأمن.
ويلفت طه إلى أن مفهوم الأمن لدى إسرائيل هو مفهوم متدحرج، يتوسع باستمرار، حيث يبدأ بتحديد نقطة معينة، ثم المطالبة بمنطقة عازلة، ثم إقامة مستوطنات، قبل الانتقال إلى التوسع مجدداً بذريعة الحاجة إلى "أمن إضافي"، وهو نموذج قد يتكرر ليس فقط في فلسطين بل ربما في لبنان وسوريا.
ويبيّن أن التوسع العسكري الإسرائيلي يشكل الوجه الآخر للمشروع السياسي، حيث تُستخدم الأدوات العسكرية لخدمة أهداف سياسية، بينما يُنفذ المشروع السياسي عبر آليات عسكرية، مؤكداً أن المشروع الاستيطاني كان ولا يزال أحد الركائز الأساسية للمشروع الصهيوني منذ بدايات الحركة الصهيونية.
وفي تعليقه على تراجع وزير الحرب عن تصريحاته، يرى طه أن ما جرى قد يكون بمثابة "بالون اختبار" أُطلق لقياس ردود الفعل، لكنه في الوقت ذاته يعكس ما يختلج داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية من أطماع ورغبات.
ويؤكد أن المعارضة الأمريكية السريعة، وطلب التوضيحات، دفعا كاتس إلى التراجع والتبرير، رغم أن الطموحات الاستيطانية لم تختفِ، مستذكراً تصريحات سابقة لوزراء إسرائيليين عن الاستيطان في غزة، بل وفي سوريا ولبنان.
ويعتقد طه أن الولايات المتحدة تبدو عازمة على تنفيذ خطتها حول قطاع غزة في المرحلة الحالية، رغم مراوغات الساسة الإسرائيليين، مرجحاً أن تمضي فيها لأسباب تتعلق بمصالحها الخاصة وبالمتغيرات والظروف الدولية الراهنة.
المصدر:
القدس