آخر الأخبار

مؤتمر إعمار غزة.. محاولة أمريكية لفرض الوصاية والهيمنة الاستعمارية

شارك

د. حسين الدّيك: واشنطن تسعى إلى توظيف ملف إعادة الإعمار بما يخدم مصالح الشركات الأمريكية والإسرائيلية ضمن استعمار بثوب "القوة الناعمة"
نور عودة: عقد المؤتمر في واشنطن في هذه المرحلة ينطوي على خطورة سياسية وقد يشكّل مؤشراً على فرض رؤية أمريكية ذات بعد اقتصادي
د. سعيد شاهين: الإعلان عن واشنطن مكاناً محتملاً لانعقاد المؤتمر يحمل رسالة بتمسكها برؤيتها وبمصالحها المتماهية مع تطلعات إسرائيل
جهاد حرب: حصر قيادة الجهود المتعلقة بغزة في يد واشنطن لحرمان العرب من أي فرص للقيام بدور سياسي أو اقتصادي أو استثماري في القطاع
د. ولاء قديمات: عقد المؤتمر في واشنطن يعكس سعي الولايات المتحدة إلى احتكار إدارة ملف غزة لخدمة مصالحها من دون منافسة حقيقية
خليل شاهين: الإعلان عن مؤتمر الإعمار في واشنطن يرسم نمطاً جديداً من الهيمنة تحاكي الاستعمار الاقتصادي والسياسي لإعادة هندسة القطاع


تتصاعد في الآونة الأخيرة مؤشرات توجّهٍ أمريكي نحو عقد مؤتمر لإعادة إعمار قطاع غزة في واشنطن، في خطوة تتجاوز البعد الإنساني المعلن، وتفتح الباب أمام أسئلة جوهرية حول الأهداف السياسية والاقتصادية الكامنة خلف هذا الخيار.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث لـ"ے"، أن اختيار العاصمة الأمريكية، في هذا التوقيت، لا يبدو تفصيلاً بروتوكولياً بقدر ما يعكس رغبة واضحة في الإمساك بمفاتيح ملف الإعمار والتحكم بمساراته.
ويشير الكتاب والمختصون وأساتذة الجامعات إلى أن واشنطن تسعى إلى توظيف إعادة الإعمار كأداة نفوذ، تتيح لها فرض وصاية غير مباشرة على غزة، عبر ربط التمويل والتنفيذ بشركات أمريكية وإسرائيلية، وتحويل الإعمار إلى مدخل لإعادة هندسة الواقع الاقتصادي والاجتماعي، بما ينسجم مع المصالح الأمريكية–الإسرائيلية، ويحدّ من أي أدوار إقليمية أو دولية منافسة، وتحويل القطاع إلى مشروع استثماري بعيداً عن الجانب الإنساني والسياسي.

وصاية أمريكية مباشرة أو غير مباشرة

يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمختص بالشأن الأمريكي، د. حسين الديك، أن التوجه الأمريكي تجاه إعادة إعمار قطاع غزة لا ينطلق من منطلقات إنسانية أو تنموية، بل يأتي في سياق استخدام الإعمار كأداة من أدوات الهيمنة الاستعمارية الجديدة، عبر فرض وصاية أمريكية مباشرة أو غير مباشرة على القطاع، تتجاوز السيطرة العسكرية إلى السيطرة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ويوضح الديك أن الولايات المتحدة تسعى إلى توظيف ملف إعادة الإعمار بما يخدم مصالح الشركات الأمريكية والإسرائيلية، معتبراً أن ما يجري هو شكل من أشكال الاستعمار الكولونيالي بثوب جديد، يعتمد على "القوة الناعمة" وعلى رأسها الاقتصاد، باعتباره المدخل الأوسع للتحكم بالسياسة والقرار السيادي.
ويشير إلى أن الرفض الأمريكي المتكرر لعقد مؤتمرات دولية لإعادة إعمار غزة في عواصم إقليمية أو أوروبية، مثل القاهرة أو باريس أو بروكسل، يعكس نظرة أمريكية إسرائيلية استعلائية ترى أن مستقبل غزة يجب أن يبقى خاضعاً للهيمنة الأمريكية.
ويبيّن الديك أن هذا التوجه ينسجم مع الأيديولوجيا السياسية والاقتصادية لتيار "ماغا" المسيطر على الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس دونالد ترمب، والذي يتعامل مع الأزمات الدولية من زاوية المصلحة الأمريكية البحتة، وبمنطق الصفقات الاقتصادية.
ويوضح الديك أن واشنطن لا تُبدي استعداداً لرعاية أو دعم أي مسار لا يحقق لها عائداً اقتصادياً أو نفوذاً سياسياً مباشراً، في حين تسعى، في حال عقد مؤتمر للإعمار داخل الولايات المتحدة، إلى ضمان أن تكون الشركات المنفذة أمريكية وإسرائيلية.
ويلفت إلى أن هذا المسار يتقاطع مع مشاريع يجري تداولها في الإعلام الأمريكي والإسرائيلي، مثل "غزة الجديدة" أو "ريفييرا غزة" أو "الشمس المشرقة"، والتي تقوم على إعادة تشكيل القطاع بعد تدميره وتحويله إلى مساحة خاضعة للوصاية الاقتصادية الأمريكية.
ويعتبر الديك أن اختيار واشنطن كمكان محتمل لعقد مؤتمر الإعمار يحمل دلالات سياسية وأيديولوجية عميقة، تهدف إلى إبقاء مفاتيح الاقتصاد، ومن ثم السياسة، بيد واشنطن وتل أبيب، ومنع أي دور محوري لدول إقليمية أو عربية أو أوروبية.
ويؤكد أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا المسار إلى إعادة هندسة الواقع السياسي والاقتصادي، وربما الثقافي، في قطاع غزة، بما في ذلك التأثير على المناهج التعليمية وبناء خطاب "السلام والتعايش" وفق الرؤية الأمريكية، في إطار ما تسميه محاربة "التطرف".
وعلى الصعيد العملي، يشير الديك إلى أن المرحلة الأولى قد تبدأ بإدخال مساكن مؤقتة لمعالجة الأزمة الإنسانية، قبل الانتقال إلى مشاريع إعادة إعمار أوسع، قد تشمل إنشاء تجمعات سكانية جديدة، مثل "رفح الجديدة".
ويشدد على أن أي حكومة أو إدارة تكنوقراط في غزة لن يكتب لها النجاح ما لم تمتلك أدوات السيطرة المالية والأمنية، محذراً من سعي إسرائيل، بدعم أمريكي، إلى تثبيت سياسة الأمر الواقع.
ويؤكد الديك أن الحديث عن خلافات أمريكية إسرائيلية بشأن غزة هو وهم، مشيراً إلى وجود توافق كامل بين واشنطن وتل أبيب، خاصة في ظل رئاسة دونالد ترمب، وهو الذي يوصف بأنه الأكثر دعماً لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة.

توقيت المؤتمر ومكانه يعكسان واقعاً مختلاً

تحذّر الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة من مخاطر عقد مؤتمر لإعادة إعمار قطاع غزة في واشنطن، معتبرة أن توقيته ومكانه يعكسان واقعاً سياسياً مختلاً تُفرض فيه الرؤية الأمريكية باعتبارها المرجعية شبه الوحيدة، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على المستوى الدولي عموماً، في ظل تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كـ"آمر ناهٍ" في الملفات الكبرى.
وتوضح أن مؤتمرات إعادة الإعمار، في العادة، تُعقد نتيجة إرادة سياسية واضحة وإجماع وتوافق بين الدول المانحة والمشاركة، سواء على الرؤية أو آليات التنفيذ والتمويل، وهو ما لا يتوافر حالياً في الحالة الفلسطينية، وتحديداً فيما يتعلق بقطاع غزة.
وتشير عودة إلى أن حالة عدم الاستقرار والضبابية المحيطة بملف الإعمار ناتجة عن غياب رؤية سياسية متكاملة، لدى الولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخرى.
وتبيّن عودة أن هناك إصراراً على خلق حالة موازية للواقع، يجري فيها الحديث عن السلام وإحداث تطورات إيجابية والمضي قدماً، بينما الوقائع الميدانية تناقض ذلك تماماً، إذ لا يوجد أي تقدم حقيقي في ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي، ولا حتى في تنفيذ المرحلة الأولى من التفاهمات، ناهيك عن المرحلة الثانية.
وتعتبر أن هذا التناقض يجعل أي مؤتمر لإعادة الإعمار مؤتمراً متعثراً منذ البداية، ويفتقر إلى الجدوى والمغزى.
وتتطرق عودة إلى التصور الذي قدمته الدول العربية بشأن إعادة إعمار غزة، مشيرة إلى أنه حظي بتوافق عربي واسع، وإن لم يصل إلى حد الإجماع الكامل، لكنها تشدد على أن هذه الرؤية تصطدم برؤية أخرى تقودها دوائر من رجال الأعمال، تنظر إلى إعادة إعمار غزة باعتبارها فرصة استثمارية بحتة، بمعزل عن القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، ومتجاهلة حجم الإبادة والدمار والنكبة الإنسانية التي لحقت بأهالي القطاع.
وتؤكد عودة أن هذه المقاربات الاستثمارية تتجاهل حتى القضايا الإجرائية والإنسانية الأساسية، مثل انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض والملكية الخاصة ومخيمات اللاجئين ودور مؤسسات الأمم المتحدة، مؤكدة أن الملف برمته ما زال بحاجة إلى جهد سياسي كبير ومكثف، قبل التفكير في عقد أي مؤتمر دولي للإعمار.
وتحذّر من أن عقد المؤتمر في واشنطن في هذه المرحلة ينطوي على خطورة سياسية، إذ قد يشكّل مؤشراً على فرض رؤية أمريكية ذات بعد اقتصادي سبق أن كشفت عنها صحف غربية، وارتبطت بمقترحات قدمها جاريد كوشنر، وكتبت عملياً من قبل شخصيات إسرائيلية متطرفة ومعادية للفلسطينيين.
وتشير إلى أن الأولوية يجب أن تكون لإنهاء المرحلة الأولى بشكل كامل، وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الحقيقي، بما في ذلك إدخال العناصر الشرطية الفلسطينية، رغم أن هذا الملف نفسه لا يزال غامضاً ويفتقر إلى التوافق، في ظل تعنت اسرائيلي ضد أي دور للسلطة الفلسطينية وإذعان أمريكي لأجندة الاحتلال وولاءاته.
وترى عودة أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن في نهاية الشهر الجاري، قد توفّر بعض الوضوح والإجابات حول مستقبل هذا المسار، رغم سوداوية التوقعات.

فرصة استثمارية ضخمة

يؤكد أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل، د. سعيد شاهين، أن ملف إعادة إعمار قطاع غزة يجري التعاطي معه من قبل قوى إقليمية ودولية بوصفه فرصة استثمارية ضخمة قد تدر مليارات الدولارات على شركات مرتبطة بسياسيين نافذين، في مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي يبذل جهوداً كبيرة للاستحواذ على كامل عملية الإعمار لصالح شركاته وشبكة علاقاته، ومن بينهم صهره جاريد كوشنير ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إلى جانب أطراف إقليمية أخرى.
ويوضح أن تعدد أماكن طرح مؤتمرات إعادة الإعمار يعكس حجم التنافس الحاد بين الأطراف المعنية، مشيراً إلى تسريبات تتحدث عن استعداد الإدارة الأمريكية لدفع نحو 60 مليار دولار، إلى جانب مساهمات من مانحين آخرين، مقابل تمرير رؤية أمريكية تفضي إلى السيطرة على قطاع غزة، بما في ذلك سواحله وموارده الطبيعية، دون سكانه، استجابة للمطالب الأمنية الإسرائيلية.
ويؤكد شاهين أن الإعلان عن واشنطن كمكان محتمل لانعقاد مؤتمر إعادة إعمار غزة يحمل رسالة سياسية واضحة مفادها تمسك الولايات المتحدة برؤيتها وبمصالحها المتماهية مع تطلعات إسرائيل، ولا سيما السعي إلى تقليص عدد سكان القطاع إلى النصف عبر حرب الإبادة، واستمرار القتل البطيء، وسياسات التهجير الجارية، بما في ذلك ما يُتداول حول استخدام مطار رامون للتهجير، فضلاً عن التباطؤ أو التلكؤ في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يفسر عدم رغبة إسرائيل في الانتقال إلى مرحلته الثانية.
ويشير إلى أن واشنطن تسعى إلى حشد أموال الإعمار ضمن منظور "ترمبي" يروّج لغزة كـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، لا بوصفها مشروعاً لإعادة توطين الغزيين على أرضهم.
ويشدد شاهين على أن المواقف الأمريكية لم تتغير، إذ تواصل دعم حكومة الاحتلال في سياسات البطش والإبادة، بما يضمن لإسرائيل الانفراد بالمنطقة وفرض سياساتها بتناغم كامل مع إدارة ترمب.
ويؤكد ثبات الدور الأمريكي في بسط النفوذ عبر ما يسمى "مجلس السلام"، لافتاً إلى أن أعمال التدمير والقتل في غزة والضفة الغربية تتم بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، عبر مركز إدارة متمركز قرب عسقلان يضم أطرافاً دولية، في إطار مخططات أمنية وتجارية وسياسية تُنفذ بالتنسيق مع حكومة بنيامين نتنياهو.
ويقول شاهين: "يأتي اهتمام ترمب بقطاع غزة ضمن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ككل، من أجل تحويلها إلى منطقة أمنية واستثمارية تشرف على الإقليم، وتدير عبرها مصالحها، منعاً لأي تمدد صيني في منطقة الشرق الأوسط، بعد محاولة الصين إعادة إحياء طريق الحرير، وعقدها لقاءات قمة مع زعماء المنطقة".

خطوة بلا معنى في ظل التهديدات الإسرائيلية

يرى الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أن تعثر عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة يعود بالأساس إلى غياب أفق واضح لوقف الحرب وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من أي ترتيبات سياسية أو ميدانية، ما يجعل عقد المؤتمر، سواء في القاهرة أو باريس أو أي عاصمة أخرى، خطوة بلا معنى في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة بالعودة إلى القتال وإعادة تدمير ما قد يُبنى بتمويل الدول المانحة.
ويؤكد حرب أن هذا الواقع يدفع معظم الدول المانحة المحتملة، أو تلك التي قد تكون لديها التزامات مالية، إلى التردد في تقديم أي تعهدات، في ظل غياب ضمانات حقيقية بوقف الحرب وبدء مسار التعافي وإعادة الإعمار داخل قطاع غزة، إضافة إلى انعدام تعهدات إسرائيلية واضحة بعدم تكرار عمليات التدمير.
ووفق حرب، فإن الدول المانحة لا ترغب في ضخ أموال في مشاريع قد تتحول مجدداً إلى ركام خلال جولة عسكرية جديدة.
ومن جهة أخرى، يلفت حرب إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى الاستفراد بإدارة مجمل القضايا المتعلقة بقطاع غزة، سواء على المستويين السياسي أو الأمني، بما في ذلك قيادة أي قوات استقرار دولية محتملة، ورعاية العملية السياسية ومؤتمر السلام، إضافة إلى احتكار دور الراعي الرئيسي لأي التزامات مالية خاصة بإعادة الإعمار.
ويرى حرب أن هذا التوجه الأمريكي ينسجم مع تصريحات ومبادرات سابقة، مثل طرح "ريفييرا غزة" وخطة "شروق الشمس"، التي طُرحت أخيراً، والتي تعكس مصالح مجموعة من المستثمرين الأمريكيين المحيطين بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وربما مصالحه الشخصية، عبر النظر إلى غزة كفرصة استثمارية ذات عائد مرتفع.
ويشير إلى أن حصر قيادة الجهود المتعلقة بغزة في يد واشنطن يأتي أيضاً على حساب الدور العربي، ولا سيما دور مصر، من خلال حرمان الدول العربية من أي فرص مستقبلية للقيام بدور اقتصادي أو استثماري جوهري في القطاع، وإضعاف قدرتها على التأثير السياسي في مستقبل غزة.
ويذهب حرب أبعد من ذلك، معتبراً أن الرؤية الأمريكية لا تقتصر على الاستثمار وإعادة الإعمار المادي، بل تمتد إلى إعادة تشكيل البنى الاجتماعية والثقافية في قطاع غزة، عبر تفكيك العلاقات الاجتماعية التقليدية القائمة على العائلة الممتدة، واستبدالها بأنماط عمرانية واجتماعية جديدة شبيهة بالمدن الكبرى، بما يؤدي إلى خلخلة البنية الثقافية الفلسطينية، وتقليص إمكانات عودة المقاومة.
ويشير حرب إلى أن إعادة تشكيل الجغرافيا العمرانية للقطاع تُطرح أيضاً كأداة لتلبية المتطلبات الأمنية الإسرائيلية المستقبلية، بما يضمن -من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية- بيئة أكثر انسجاماً مع أمن إسرائيل.

إشكالات تتعلق بأدوار الشركاء المحتملين في الإعمار

ترى الكاتبة والباحثة السياسية د. ولاء قديمات أن حالة عدم الاستقرار والارتباك بشأن مكان عقد مؤتمرات إعادة إعمار قطاع غزة لا يمكن فصلها عن الهدف الحقيقي الكامن خلف إطلاق هذه المؤتمرات، متسائلة عمّا إذا كانت تهدف فعلياً إلى إعادة إعمار ما دمره العدوان، أم أنها تأتي في سياق أوسع لإزالة الركام فقط وتهيئة بيئة غزة لتحويلها إلى مساحة استثمارية تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالدرجة الأولى.
وتوضح أن هذا الاضطراب بمكان عقد مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة يعكس إشكالات عميقة تتعلق بأدوار الشركاء المحتملين في عملية الإعمار، ومهامهم، وحدود تدخلهم، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي من هذه الأدوار، خاصة في ظل سعي الاحتلال والولايات المتحدة إلى فرض رؤية محددة لشكل التعافي ومستقبله.
وتبيّن قديمات أن الانتقال من مرحلة الإغاثة والتعافي المبكر إلى إعادة الإعمار الشامل يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها التعقيدات الأمنية والسياسية، فضلاً عن الحاجة إلى وقت طويل، وإمكانات مالية ضخمة، ومعدات وبنى تحتية لا يمكن توفيرها في ظل استمرار القيود والحصار.
وتؤكد أن مسألة إعادة إعمار غزة لا تنفصل عن السؤال الأوسع المتعلق بمستقبل القطاع، والذي يعكس بدوره مآلات القضية الفلسطينية في ظل التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة.
فهذه التحولات، بحسب قديمات، تفرض قراءات جديدة للمشهد، خاصة مع تباين المصالح بين الأطراف المختلفة، وغياب توافق حقيقي حول طبيعة الأدوار التي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرضها على الشركاء الإقليميين والدوليين.
وتعتبر قديمات أن احتمالات عقد مؤتمر إعادة الإعمار في واشنطن تحمل دلالات سياسية واضحة، تعكس سعي الولايات المتحدة إلى احتكار إدارة ملف غزة وتوظيف ما جرى فيه لخدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة دون منافسة حقيقية.
وتشير إلى أن الطرح الأمريكي يقوم على تحويل غزة إلى منطقة استثمارية ذات طابع اقتصادي وسياحي، الأمر الذي يعيد تعريف القطاع من أرض منكوبة تحتاج إلى إنصاف وإعمار، إلى مشروع استثماري بحت.
وتتساءل قديمات عن الجهة المستفيدة من ذلك، مؤكدة أن المستفيدين الحقيقيين قد لا يكونون الفلسطينيين، بل القوى المستثمرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتشير قديمات إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يريد، من خلال هذا الطرح، إعادة إحياء مشروعه الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر اختزالها من مشروع تحرر وطني واستقلال، إلى مشروع استثماري يخدم المصالح الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة.

الأنباء المتعلقة بالمرحلة الثانية متناقضة

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن الأنباء المتعلقة بالمرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التي تتعلق بمرحلة إعادة إعمار قطاع غزة متناقضة، مشيراً إلى أن الخطة العربية الأصلية لإعادة الإعمار، التي أعدتها مصر واعتمدتها القمة العربية، كانت تهدف إلى ترميم ما دمره الاحتلال الإسرائيلي مع الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وتنفيذ جدول زمني مرحلي لتوسيع المساهمات المالية من الدول الداعمة لإعادة الإعمار.
ويوضح أن مصر أعلنت مراراً محاولاتها عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة وفق الرؤية العربية الفلسطينية المشتركة، إلا أن الإعلان عن موعد المؤتمر تأجل أكثر من مرة، وكان آخرها في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، مع اقتراح عقده بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعتبره شاهين تحركاً أمريكياً لاعتراض الخطة العربية واستبدالها برؤية أمريكية تصب في مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، وتضع قطاع غزة تحت الوصاية السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية.
ويشير إلى أن ما يجري تداوله عن عقد مؤتمر الإعمار في واشنطن يعني احتكار الولايات المتحدة لكافة العمليات المتعلقة بقطاع غزة، بما يشمل تشكيل "مجلس السلام" أو مجلس الوصاية، وهيئة فلسطينية تكنوقراطية لإدارة القطاع، تحت إشراف أمريكي مباشر، فضلاً عن التنسيق الوثيق مع إسرائيل في تحديد مهام القوة الدولية وآليات إعادة الإعمار.
ويرى شاهين أن خطوة الإعلان عن مؤتمر الإعمار في واشنطن ترسم نمطاً جديداً من الهيمنة تحاكي الاستعمار الاقتصادي والسياسي، بهدف إعادة هندسة القطاع جغرافياً وديموغرافياً واجتماعياً، وفق خطة "شروق الشمس" التي أعدها فريق جاريد كوشنر والمبعوث الأمريكي ويتكوف، وتشمل إنشاء تجمعات سكانية جديدة وبنية تحتية حديثة، مع تحويل السكان إلى مستأجرين بدل أصحاب ملكية، ما يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي التقليدي في غزة.
ويوضح أن المرحلة الأولى لخطة الإعمار تتضمن إزالة الأنقاض والركام، وإقامة مساكن مؤقتة لنحو 500 ألف فلسطيني في رفح، يليها إنشاء مساكن وشقق مؤجرة جديدة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية من مدارس ومستشفيات ومراكز ثقافية، مع استثمارات عقارية محتملة تشمل الواجهة البحرية وحقول الغاز، تحت إشراف أمريكي مباشر، بهدف تحقيق عوائد اقتصادية طويلة الأمد وربط أهالي القطاع بالدين والتمويل الأمريكي.
ويشير شاهين إلى أن اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية التي ستدير غزة ستخضع لموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما يعني تقليص الدور الفعلي للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى فرض شروط على نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، بما يخدم المصالح الإسرائيلية الأمريكية.
ويلفت إلى أن الاجتماعات الرباعية في ميامي، بمشاركة الولايات المتحدة وتركيا ومصر وقطر، لم توضح حتى الآن جميع تفاصيل المرحلة الثانية، بينما تظل الأيام المتبقية من شهر ديسمبر / كانون الأول الجاري، حاسمة لتحديد وجهة إعادة الإعمار، وتوضيح جدول تنفيذ الخطوات، بما في ذلك تشكيل مجلس السلام والقوة الدولية ووقف الانتهاكات الإسرائيلية.
ويشير إلى أن زيارة نتنياهو المرتقبة لواشنطن في 29 ديسمبر / كانون الأول الجاري، ستتضمن بحث ملف وقف الحرب في غزة، ومسائل القوة الدولية والتكنوقراط، ومراحل انسحاب الاحتلال، وإعادة الإعمار، في إطار احتمالات مقايضة إسرائيل بين غزة وتهديدات محتملة لإيران ولبنان.
ويؤكد شاهين أن كافة التفاصيل المتعلقة بالخطة الأمريكية لإعادة إعمار غزة، رغم تداولها في الإعلام، لا تزال محل نقاش، وما زالت بحاجة لتحديد أولوياتها وآليات التنفيذ، وسط مخاوف من أن تصبح إعادة الإعمار أداة لإعادة صياغة القطاع وفق رؤية أمريكية إسرائيلية، بعيداً عن مصالح سكان غزة وأولوياتهم الإنسانية.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا