آخر الأخبار

الموت الصامت يلاحق أطفال غزة.. سوء التغذية يحصد أرواح المواليد

شارك

في أروقة مستشفى أصدقاء المريض في غزة، لا تزال الطفلة ماريا محمد التي لم يتجاوز عمرها عاما ونصفا تتلقى الرعاية، حيث أصبحت محور حياة والدتها إسلام، التي فقدت ابنتيها الأخريين خلال الحرب.

تروي إسلام كيف خرجت من تحت الأنقاض مصابة وحاملا بماريا، وتلقت علاجات قوية دون أن تعلم بتأثيرها على الحمل، ورغم ذلك فقد أتمت حملها، ونجت الطفلة، لكنها اليوم تعاني من سوء تغذية حاد ومضاعفات صحية، تشمل كسل الأمعاء وانتفاخ الجسم نتيجة نقص العناصر الغذائية.

وتتحدث الوالدة عن ابنتها قائلة "أكثر ما أخشاه هو أن أعجز عن توفير احتياجاتها، وأن ينتزعها الموت مني كما فعل مع شقيقتيها"، وبحسب الطاقم الطبي، فإن ماريا وعشرات الأطفال مثلها يحتاجون إلى متابعة دقيقة بسبب مضاعفات نقص التغذية في ظل القيود الطبية المفروضة داخل القطاع.

الطفلة ماريا ترقد في مستشفى أصدقاء المريض بعد تدهور حالتها الصحية بسبب سوء التغذية

هدأت الحرب في غزة نسبيا، غير أن الموت لا يزال حاضرا، يلاحق أرواح الغزيين الذين ما زالوا عالقين في آثارها الممتدة، فبينما خفتت أصوات القصف، لم تتوقف دوائر الفقد عن الالتفاف بشكل صامت، وبشكل أكثر فتكا وقسوة حول جيل كامل من الأطفال.

فلم يعد الموت في القطاع حكرا على القصف والخنق، بل غيّر شكله إلى برد وجوع، واقتحم أرحام الأمهات، مهلكا أجنة لم تبلغ عتبة الحياة بعد.

وتعكس مأساة الأرقام المتصاعدة تدهورا في معدلات وفيات الأطفال، وقد تضاعف وقعها خلال الأشهر الأخيرة، مما يعني أن الأشهر المقبلة قد تمر قبل أن تتضح أي مؤشرات حقيقية للتحسن في صحة الأم والطفل على حد سواء.

مأساةٌ ترجمتها الأرقام في تقارير كشفتها المنظمات الدولية، كان آخرها الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة مؤخرا، وقد أظهر ارتفاع معدلات وفيات المواليد الجدد في غزة بنسبة 75% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحرب، مقارنة بمستويات ما قبلها.

أكثر ما أخشاه هو أن أعجز عن توفير احتياجاتها، وأن ينتزعها الموت مني كما فعل مع شقيقتيها.

وبحسب التقرير، توفي 141 رضيعا بين شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول الماضيين فقط، بالتوازي مع تضاعف أعداد المواليد ناقصي الوزن، الذين يُعدون أكثر عرضة للوفاة بنحو 20 ضعفا مقارنة بالأطفال ذوي الوزن الطبيعي، في ظل الارتفاع الحاد في معدلات سوء تغذية الأمهات، وانهيار خدمات الرعاية الصحية قبل الولادة.

قد تبدو هذه الأرقام باردة على الورق، لكنها على الأرض ترجمة حقيقية لأرواح بريئة لم تُمنح فرصة البقاء في غزة التي ما زالت تحصد ضحايا حرب لم تنته فعليا.

يقول مدير الأرشيف في وزارة الصحة زاهر الوحيدي إن شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين شهدا تدهورا ملحوظا في المؤشرات الصحية مقارنة بالأشهر السابقة، وتعكس هذه الأرقام أزمة صحية عميقة ما تزال تتكشف آثارها تدريجيا، في وقت يحذر فيه مسؤولون صحيون من أن تداعيات الحرب على صحة الأم والطفل لم تبلغ ذروتها بعد.

وأشار الوحيدي إلى أن تأثيرات الحرب على النساء الحوامل ستنعكس بشكل مباشر على المواليد، وأن التعافي قد يحتاج ما لا يقل عن 6 إلى 9 أشهر بعد انتهاء الحرب، مما يعني أن الغزيين يولدون اليوم كضحايا حرب لحقت بهم حتى وهم على عتبة التنفس الأول.

من جانبها، تقول أم أحمد عياد إنها وجدت نفسها تدفن طفلتيها خلال أقل من 3 أشهر، في غياب والدهما الذي سافر إلى مصر قبل الحرب ولا يزال عالقا خارج القطاع. وقد توفيت ابنتها جوري البالغة عامين ونصف العام بعد نحو 20 يوما من التعب المتواصل، حيث كانت تعاني من إسهال وبرد وذبول تفاقم يوما بعد آخر، دون إسناد أو تشخيص طبي واضح.

وتضيف "كنت آخذ ابنتي إلى المستشفى باستمرار، لكن كثيرا من التحاليل الطبية لم تكن متوفرة، فلم أستطع فهم حالتها أو مدى خطورتها"، ورغم ترجيح الأطباء بأن نزلات البرد المستمرة قد تكون السبب، فإنها تكمل بكل حسرة "كنت أتمنى أن أعرف لماذا ماتت ابنتي خلال 20 يوما".

لم تمضِ أيام على رحيل جوري، حتى بدأ جسد شقيقتها الكبرى جنى (9 أعوام) بالانهيار، كانت قد تحسنت مؤقتا بعد نوبة المجاعة الأولى، قبل أن تعود حالتها للتدهور في ظل عجز الأم عن توفير الأغذية "باهظة الثمن"، كما تقول.

كشفت الفحوص لاحقا عن تضخم في الكبد، وكانت الطفلة بحاجة عاجلة إلى الإجلاء لإجراء زراعة كبد، وهو علاج غير متاح داخل غزة. ورغم أن إنقاذ حياتها كان ممكنا لو سافرت مباشرة، فإن الجوع والبرد وسوء التغذية أنهكوها حتى فارقت الحياة على سرير المستشفى. وتختم أم أحمد حديثها "كان من الممكن أن تعيش ابنتاي لكن سُمّ الحرب قتلهما دون رحمة".

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا