رصدت في جولة ميدانية داخل مدينة غزة، مأساة إنسانية لعائلة فلسطينية اضطرت للعيش بجوار مكب نفايات مخصص لمراكز الإيواء، بعد أن فشلت محاولاتها المتكررة لإيجاد مكان آمن داخل المخيمات أو المدارس أو مراكز الإيواء المكتظة.
وتقيم عائلة المواطن النازح حمادة أبو ليلة، داخل خيمة منصوبة وسط أكوام القمامة، في ظروف تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وسط غياب الخدمات، وانعدام الأمان، وانتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض والكلاب الضالة.
وقال رب الأسرة حمادة أبو ليلة، في حديثه، إن اللجوء إلى هذا المكان جاء بعد سلسلة طويلة من النزوح القسري بين شمال القطاع وجنوبه.
وأضاف "أنا لجأت لهذا المكان بعد نزوح لعدة مرات متنقلا ما بين الشمال والجنوب، ما وجدت مكانا في المخيمات ولا في المدارس ولا في مراكز الإيواء، فما لقيت مكانا إلا بجوار مكب النفايات".
وأشار أبو ليلة إلى المفارقة القاسية في مسار حياته، موضحا أنه حاصل على 3 شهادات جامعية، وكان يعمل معيدا في الجامعة قبل الحرب.
وأضاف "أنا إنسان متعلم حاصل على 3 شهادات جامعية، كنت معيدا في الجامعة وحاصل على معدل 98% في كلية الدعوة، كنت واقفا في قاعات المحاضرات أدرس الطلاب، واليوم أعيش وسط مكب نفايات بين الأوبئة والأمراض".
ومع حلول الليل، تتضاعف معاناة العائلة، حيث تتحول ساعات الراحة إلى ساعات رعب، بحسب ما ينقل.
ويصف أبو ليلة ما يعيشه ليلا قائلا "الليل بالنسبة للناس راحة، أما أنا فأكره يجي الليل، أستيقظ من النوم فأجد بجانبي فئرانا أو عِرسا أكرمكم الله، والله حصل معي أن استيقظت فوجدت عرسا يلعب في الملابس والأكياس، ولا أملك شيئا أفعله إلا الصبر".
وعند سؤاله عن كيفية تعامله مع هذه المشاهد، خاصة بوجود أطفال داخل الخيمة، أوضح أبو ليلة أن العجز كان أقسى من الخوف.
وقال "الحاجة الوحيدة اللي بعملها إني بكيت، ما قدرت أمسك نفسي، كيف إنسان كان معيدا في الجامعة أصبح نازحا ينام في مكب نفايات بين الفئران والحشرات، والله معاناة نفسية".
وتنعكس هذه الظروف القاسية بشكل مباشر على صحة الأطفال، حيث يوضح رب الأسرة أنه اضطر لنقل ابنته إلى المستشفى بسبب التهابات جلدية ناتجة عن التلوث.
وخلال فصل الشتاء، تفاقمت الكارثة بعد أن غمرت مياه الأمطار الملوثة بالقمامة والمجاري الخيمة، نظرا لانخفاض موقعها مقارنة بارتفاع المكب.
ويشرح أبو ليلة ما حدث قائلا "مياه الأمطار دخلت علينا لأن الخيمة في منطقة منخفضة، والمكب أعلى منا بـ10 أو 12 مترا، وارتفع منسوب المياه داخل الخيمة إلى 40 سنتيمترا، وكانت مياه وسخة ومجاري غمرت الملابس وحاجيات الأطفال".
ومن جانبها، تحدثت زوجة حمادة أبو ليلة عن المعاناة اليومية التي تعيشها الأسرة، خاصة في الليل، مع غياب أي وسيلة حماية حقيقية.
وقالت في حديثها "الحشرات بتطير من المكب على الأكل اللي بناكل فيه، ما في مطبخ، ما في مكان نظيف، إحنا 7 أفراد عايشين بين وسخ وجراثيم، والخيمة ما بتحمي لا من كلب ولا من قطة ولا من حشرات".
وأضافت أن الأطفال يستيقظون فزعين ليلا بسبب أصوات الكلاب والقطط التي تتجمع حول الخيمة، مؤكدة أن النوم شبه معدوم.
وفي ختام الجولة، وجّه حمادة أبو ليلة رسالة إلى العالم باللغة الإنجليزية مع اقتراب عام جديد، دعا فيها إلى وقف الحرب، مؤكدا أن معاناة سكان قطاع غزة لم تنته بعد.
وقال أبو ليلة "أوقفوا الحرب، فالحرب لم تنته بعد، ونحن ما زلنا نعاني".
المصدر:
القدس