آخر الأخبار

قصف الفرح.. هندسة سياسية بالدم لفرض شروط "اليوم التالي"

شارك

د. رهام عودة: استخفاف واضح بحياة المدنيين وما جرى لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع واجتماع نتنياهو وترمب المرتقب
محمد جودة: نتنياهو يوظف التصعيد في غزة لإعادة رسم السياسة قبل لقاء واشنطن مستخدماً دم المدنيين لفرض شروط "اليوم التالي"
طلال عوكل: قصف الفرح يهدف إلى جرّ المقاومة للرد بما يتيح لإسرائيل ذريعة لتوسيع عدوانها وإعادة خلط الأوراق ميدانياً وسياسياً
د. أمجد بشكار: جزء من استراتيجية إسرائيل لتكريس منطق القوة قبل أي مسار سياسي بهدف رفع سقف شروطها وفرض الاستسلام
ماجد هديب: الانتقال المباشر للمرحلة الثانية يبدو مستبعداً ما لم ينجح ترمب في دفع نتنياهو لقبول ترتيبات جديدة تمهيداً لمرحلة انتقالية
نعمان توفيق العابد: الاستهداف الممنهج والمقصود للمدنيين دليل على مضي حكومة الاحتلال في تنفيذ إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني


وسط لحظات الفرح خلال حفل زفاف داخل مركز إيواء في قطاع غزة، كان القصف الإسرائيلي يستهدف مظاهر الحياة، قبيل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب نهاية الشهر الجاري، وسط محاذير بأن ذلك لا يقرأ كحادث عابر، بل كجزء من استراتيجية إسرائيلية متعمدة لفرض قواعد اشتباك جديدة، ورفع سقف شروطها السياسية قبل أي مسار تفاوضي، وفي محاولة لفرض وقائع بالدم لهندسة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى قبيل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب، إلى استغلال الوقائع الميدانية كأداة ضغط سياسية، وضمان تفوقه العسكري قبل أي تفاهمات، ما يعقد أي فرصة لإيجاد تسوية حقيقية ومستدامة في القطاع.
وإلى جانب التأثير الإنساني المباشر، تهدف العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى إعادة رسم المشهد السياسي والأمني في قطاع غزة، وتحويل المدنيين إلى أدوات في معركة أوسع تهدف إلى تعزيز التفوق الإسرائيلي في مشهد أي تسوية قادمة، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى حل سياسي مستدام أو تهدئة طويلة الأمد.

جريمة حرب مكتملة الأركان

تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لحفل زفاف أُقيم داخل مركز إيواء في قطاع غزة يُعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان بحق المدنيين الأبرياء، مشيرةً إلى أن الضحايا كانوا مدنيين ظنّوا، ببراءة، أن الحرب انتهت كلياً، فحاولوا انتزاع لحظة فرح نادرة وسط الدمار الهائل والكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
وتشير إلى أن هذا القصف يعكس عدم احترام إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، ويكشف عن استخفاف واضح من الجيش الإسرائيلي بحياة المدنيين، معتبرةً أن ما جرى لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع، وخصوصاً استعداد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاجتماعه المرتقب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ووفق عودة، فإن نتنياهو يسعى لفرض قواعد اشتباك جديدة في غزة تتيح لجيشه خرق اتفاق وقف النار في أي وقت وتحت ذريعة "الاشتباه" بوجود أهداف لحركة حماس، من دون التحقق أو الاكتراث بالثمن الإنساني.
وترى عودة أن نتنياهو يتعامل مع حياة المدنيين الفلسطينيين باعتبارها "ثمناً بخساً" لهواجسه الأمنية ولمساعيه لتحقيق أهدافه العسكرية في القطاع، مرجحةً أن يعمل على تأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، خاصة إذا فشل ترمب في إقناع دول بإرسال قوات دولية إلى غزة بصيغة "فرض السلام" لا "حفظه"، بحيث يكون من مهامها نزع سلاح حماس.
وفي هذا الإطار، تعرض عودة ثلاثة سيناريوهات محتملة قد تترتب على اجتماع ترمب–نتنياهو المرتقب، حيث يتمثل السيناريو الأول في التوصل إلى اتفاق مبدئي حول دور القوات الدولية في نزع سلاح حماس، مع منح إسرائيل ضوءاً أخضر أمريكياً للعودة إلى الحرب في حال رفضت الحركة تسليم سلاحها أو فشلت القوات الدولية في ذلك، ما قد يقود إلى تصعيد عسكري واسع وعمليات نزوح جديدة.
أما السيناريو الثاني، وفق عودة، فيقوم على إقناع ترمب لنتنياهو بدور تركي داخل القطاع، عبر إرسال قوات تركية ضمن القوات الدولية، بما قد يشجع حماس على تسليم سلاحها طوعاً. وتشير عودة إلى أنه في حال تحقق ذلك، قد يعيد الجيش الإسرائيلي انتشار قواته تدريجياً، مع بدء مشاريع إعادة إعمار تجريبية ومنح لجنة تكنوقراط صلاحيات إدارية لإدارة القطاع.
في حين يفترض السيناريو الثالث بحسب عودة، رفض حماس تسليم سلاحها، مع إدماج غير مباشر لعناصرها الأمنية ضمن لجنة التكنوقراط، وبقاء القوات الدولية في مناطق محددة دون احتكاك مباشر، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام استمرار سياسة "جزّ العشب" الإسرائيلية وتصعيد عسكري متدرج على مدى سنوات.
وتؤكد عودة أن مستقبل غزة يبقى مرهوناً بالتوازنات السياسية الإقليمية والدولية، في ظل استمرار استهداف المدنيين وغياب ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار.


دلالات سياسية مقصودة قبيل لقاء ترمب ونتنياهو

يعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن قصف حفل زفاف داخل مركز إيواء في قطاع غزة جاء في توقيت بالغ الحساسية، متجاوزاً كونه مجرد جريمة حرب، ليحمل دلالات سياسية مقصودة، قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يُسوَّق إعلامياً على أن اللقاء هو إعادة رسم "اليوم التالي" للحرب أو إطار لإدارة الصراع.
ويشير جودة إلى أن نتنياهو يوظف التصعيد في غزة لإعادة رسم السياسة قبل لقاء واشنطن، مستخدماً دم المدنيين لفرض شروط "اليوم التالي".
ويوضح جودة أن القصف يعكس منطق التحكم بسقف السياسة عبر الدم، حيث يسعى نتنياهو من خلال هذه العمليات إلى كسر أي تصور عن وقف نار مستقر، وخلق بيئة غير قابلة للتهدئة، وإرسال رسالة واضحة بأن الحرب لم تصل إلى نهايتها.
ويؤكد أن استهداف مناسبة مدنية خالصة داخل مركز إيواء هو رسالة مفادها بأن الميدان لا يعترف بالسياسة، وأن إسرائيل وحدها هي التي تحدد توقيت العنف ومستواه، حتى في ظل الحديث عن أي تسوية تكون على الطاولة.
ويرى جودة أن هذه الخطوة لا تستهدف غزة وحدها، بل توجه رسالة إلى واشنطن أيضاً، لتقديم نتنياهو نفسه باعتباره الزعيم القادر على فرض "الاستقرار بالقوة"، وإعادة ضبط شروط أي تفاوض قبل البدء، فكلما اقترب الحديث عن مرحلة ثانية أو تسوية أو إدارة لغزة، يزداد منسوب العنف الإسرائيلي، وكأن الدم يُستخدم كأداة لفرض شروط التفاوض مسبقاً.
ويلفت جودة إلى أن أي انتقال للمرحلة الثانية أو قبول وقف حرب فعلي يمثل تهديداً مباشراً لأزمة نتنياهو السياسية، خصوصاً مع تحالفه مع اليمين الديني المتطرف الذي يعتبر استمرار الحرب ضمانة لبقائه، وبالتالي فإن تعطيل المرحلة الثانية ليس خياراً عابراً، بل ضرورة وجودية، حتى لو كلّف ذلك مزيداً من العزلة الدولية.

لقاء ترمب ونتنياهو سينتهي بأحد ثلاثة سيناريوهات

ويرجّح جودة أن اللقاء المرتقب بين ترمب ونتنياهو سينتهي بأحد ثلاثة سيناريوهات: اتفاق شكلي يوافق عليه نتنياهو إعلامياً ويعرقله ميدانياً، أو تفاهم ضمني يمنحه هامش تصعيد محدود مقابل التزام غامض بمستقبل سياسي، أو حالة تباين صامت، حيث يعلن ترمب إطاراً سياسياً بينما يدير نتنياهو الحرب وفق حساباته الخاصة.
ويؤكد أن قصف المدنيين في هذا التوقيت ليس فعلاً عشوائياً، بل جزء من معركة نتنياهو لتحديد شكل السياسة المقبلة، مؤكداً أن نتنياهو يقاتل في غزة وضد الزمن وضد أي لحظة يُطلب منه فيها الانتقال من منطق الحرب المفتوحة إلى منطق الحل، لأنه يدرك أن تلك اللحظة قد تكون بداية نهايته السياسية، وهو ما يجعل الوضع الإقليمي والدولي حول قطاع غزة شديد التعقيد في المرحلة المقبلة.

القصف في إطار "الحرب على الحياة"

يعتبر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة يندرج في إطار "الحرب على الحياة" التي تشنها إسرائيل ضد السكان المدنيين، مؤكداً أن استهداف مناسبة حفل زفاف شاركت فيها عائلات من مختلف الأعمار، ومن دون أي ذريعة عسكرية، يشكل تصعيداً خطيراً في سياق حرب الإبادة، ويحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة.
ويوضح أن قصف تجمعات مدنية في لحظات فرح لا يمكن قراءته كحادث عابر، بل كفعل استفزازي صارخ يهدف إلى جرّ المقاومة الفلسطينية للرد، بما يتيح لإسرائيل استخدام هذا الرد –إن وقع– ذريعة لتوسيع عدوانها، وإعادة خلط الأوراق ميدانياً وسياسياً.
ووفق عوكل، فإن الهدف المركزي لهذا السلوك هو تعطيل إمكانية الانتقال إلى المرحلة الثانية من التفاهمات القائمة، والاستمرار في محاولات إفشالها، لا سيما بعد أن تمكن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من استعادة الأسرى والجثث، ما يحرره – من وجهة نظره – من الضغوط الداخلية.
ويشير إلى أن دوافع نتنياهو وأهدافه ليست خافية على الإدارة الأمريكية، التي تدرك طبيعة المناورة الإسرائيلية وسعيها الدائم لإبقاء جذوة التصعيد مشتعلة.
وفي هذا السياق، يرجّح عوكل أن يتعرض نتنياهو لضغوط من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، معتبراً أن مكانة ترمب السياسية و"كرامته" باتتا موضع اختبار في ظل محاولات التلاعب الإسرائيلي بمسار الاتفاق.
ويؤكد عوكل أن ترمب يُظهر إصراراً واضحاً على الانتقال إلى المرحلة الثانية، ويواصل العمل على تذليل العقبات والاعتراضات المختلفة، بما في ذلك الموقف الإسرائيلي من جملة قضايا جوهرية.
ويلفت عوكل إلى أن "الأنا المتضخمة" لدى ترمب قد تدفعه إلى اتخاذ مواقف حاسمة ضد أي طرف، مهما كان، إذا شعر بأن هناك من يحاول المساس بهيبته أو الالتفاف على تعهداته، ما يجعل المرحلة المقبلة مفتوحة على ضغوط سياسية أمريكية غير مسبوقة على حكومة نتنياهو.

استراتيجية إسرائيلية لتكريس منطق القوة

يصف أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار قصف حفل زفاف داخل مركز إيواء في قطاع غزة بأنه جزء من استراتيجية إسرائيلية لتكريس منطق القوة قبل أي مسار سياسي، مؤكداً أن حكومة بنيامين نتنياهو تعتمد تاريخياً على التصعيد الميداني قبل الدخول في أي مفاوضات أو لقاءات دولية، بهدف رفع سقف شروطها وفرض وقائع دموية تجعل أي تسوية قائمة على الاستسلام وليس على المفاوضة.
ويوضح أن هذا الاستهداف ليس موجهاً فقط إلى المجتمع الفلسطيني، بل يحمل رسالة سياسية للداخل الإسرائيلي، خصوصاً لليمين، للتأكيد أن حكومة نتنياهو لم تلن أمام الضغوط الدولية.
ويشير بشكار إلى أن استهداف لحظات الفرح تسعى فيه إسرائيل إلى كسر الصمود النفسي والاجتماعي، وخلق حالة من الفراغ المعنوي للمجتمع الفلسطيني، في خطوة تهدف إلى "هندسة سياسية بالدم" تعيق العودة إلى الحياة الطبيعية وتفرض واقعاً يفقد فيه المدنيون أي شعور بالأمان أو الحماية الإنسانية.
وعن المرحلة الثانية المرتقبة، يشدد بشكار على أن لجنة إدارة قطاع غزة جاهزة تقريباً، مع احتمال تولي وزير من الحكومة الفلسطينية رئاستها، وهو شخصية مقبولة لدى المقاومة وحلفائها والسلطة الفلسطينية، مما يضمن شرط الإدارة المحلية للمرحلة الثانية، لكن العقبة الرئيسية تتعلق بالقوة الدولية، بعد أن شهد اجتماع الدوحة الأخير دعوة 15 دولة لم تحضر أي منها، ما يترك المجال أمام تدخل تركي كخيار محتمل رغم رفض إسرائيل القاطع.
ويوضح بشكار أن القوة الدولية المرجحة ستكون مراقبة على خط التماس مع الاحتلال، مع إمكانية التوافق مع المقاومة على تجميد أو نزع السلاح الثقيل، لتكتمل بذلك شروط المرحلة الثانية.
ويشير إلى أن الانتقال للمرحلة الثانية يحمل تكلفة سياسية كبيرة على نتنياهو، تتزامن مع مناقشات الموازنة في الكنيست، وأزمة المستشار القضائي، ونزاع الحارديم حول التجنيد.
ويوضح بشكار أن نتنياهو قد يلجأ لتصدير هذه الأزمات عبر عمليات عسكرية في لبنان أو سوريا، أو التوجه نحو انتخابات مبكرة.
ويشير إلى أن اجتماع نتنياهو وترمب المرتقب سيكون نقطة ضغط أمريكية أساسية لإتمام الانتقال للمرحلة الثانية، موضحاً أن الاتفاق قد يشمل تعديل شكل القوة الدولية لتصبح شرطية بمشاركة تركيا، مع التوافق مع المقاومة على إدارة السلاح، ما يضمن أفضل سيناريو للمجتمع الفلسطيني لإنهاء الحرب، بينما يترك لتل أبيب خيارات مواجهة التحديات السياسية الداخلية من خلال استغلال ملفات عسكرية أو سياسية مستقبلية، وربما الإعلان عن انتخابات مبكرة قبل يونيو / حزيران 2026.


فجوة عميقة بين المسار الدبلوماسي والوقائع الميدانية

يرى الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن ما يجري في الساحة الفلسطينية، ولا سيما في قطاع غزة، يعكس بوضوح فجوة عميقة بين المسار الدبلوماسي الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية، وبين الوقائع الميدانية التي يفرضها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عبر التصعيد العسكري وخلق حقائق جديدة على الأرض.
وبحسب هديب، فإن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد وجود تناقض بنيوي بين ما تسعى إليه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من دفع نحو الانتقال إلى المرحلة الثانية، وبين ما يقوم به نتنياهو من إجراءات عسكرية تهدف إلى فرض أمر واقع يخدم حساباته السياسية والأمنية.
ويشير إلى أن هذا التناقض ينعكس سلباً على الجهود الدبلوماسية الأمريكية، وعلى الاتصالات التي تجريها واشنطن مع دول الوساطة المعنية بالملف الفلسطيني، وفي مقدمتها مصر وقطر وتركيا.
وبحسب هديب، فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي لا يأتي كردود فعل ظرفية، بل ضمن سلسلة عمليات متصلة يسعى من خلالها نتنياهو إلى تكريس وقائع ميدانية جديدة، تقلص من هامش أي مسار سياسي محتمل.
ويعتبر هديب أن قصف مدرسة إيواء تضم تجمعاً مدنياً خلال حفل زفاف، لا يشكل تحولاً نوعياً بقدر ما يندرج في إطار سياسة عسكرية مستمرة، هدفها الضغط وفرض الوقائع، دون أن تكون له انعكاسات جوهرية مباشرة على المسار الدبلوماسي، الذي ما زال محكوماً بتوازنات إقليمية ودولية معقدة.
وحول السيناريوهات المرتقبة للقاء المحتمل بين نتنياهو وترمب، يؤكد هديب أن الانتقال المباشر إلى المرحلة الثانية يبدو مستبعداً، ما لم ينجح ترمب بدفع نتنياهو للقبول بترتيبات إدارية وأمنية جديدة توافق عليها مع دول الوساطة تمهيداً لبدء لمرحلة الثانية.
ويطرح هديب في هذا الإطار ثلاثة سيناريوهات رئيسية، السيناريو الأول يتمثل في فشل اللقاء، وما قد يترتب عليه من استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، ومحاولات إنهاء دور حركة حماس إدارياً وسياسياً، ومنعها من إعادة الظهور في المشهد الأمني أو الشرطي أو الضريبي داخل قطاع غزة.
أما السيناريو الثاني، وفق هديب، فيتمثل في دفع دول الوساطة، بدعم أمريكي، نحو ترتيبات إدارية وأمنية جديدة، تشمل تحييد أو تجميد سلاح حماس، وإدخال قوات عربية لضبط الأمن مع دفع الجيش الإسرائيلي للانسحاب إلى أطراف الحدود مع إنهاء ما يسمى الخط الأصفر.
في حين، يرى هديب أن السيناريو الثالث، وهو الأكثر ترجيحاً، يقوم على إدخال قوات استقرار دولية أو إقليمية إلى قطاع غزة، بالتوازي مع تشكيل حكومة فلسطينية أو مجلس تكنوقراط، والالتزام بترتيبات أمنية مشددة وفقا للاشتراطات نتنياهو من أجل دفع الجيش الإسرائيلي نحو الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ويشير هديب إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة تهدف أساساً إلى تعميق التناقض مع المسار الدبلوماسي، لكنها قد تفشل في فرض نتائج حاسمة إذا ما نجحت الجهود الأمريكية، بالشراكة مع دول الوساطة، في إنهاء الحرب وفتح أفق سياسي جديد نحو تسوية أوسع وهذا ما هو متوقع رغم ما تحاول حركة حماس من طرحه بعيداً عن الخطة العربية التي تهدف إلى خلق مسار يفضي إلى تحقيق الحقوق السياسية للفلسطينيين.


استهداف يندرج في سياق التطهير العرقي

يرى الكاتب والباحث السياسي والمختص في العلاقات الدولية نعمان توفيق العابد أن مواصلة حكومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي الهجوم على قطاع غزة، من خلال الاستهداف الممنهج والمقصود للمدنيين والتي كان آخرها قصف حفل زفاف داخل مركز إيواء، تمثل دليلاً واضحاً على أن هذه الحكومة ماضية في تنفيذ سياسة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وإيلامه واستهدافه بوصفه فلسطينياً فقط، دون أي ادعاء أو مبرر عسكري حقيقي.
ويوضح أن هذا الاستهداف يندرج في سياق التطهير العرقي ومحاولات كسر الوجود الإنساني الفلسطيني، ويؤكد أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تأبه بأي اتفاقيات أو تفاهمات دولية، سواء تلك التي جرى التوصل إليها في قمة شرم الشيخ، أو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أو حتى قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها القرار 2803.
ويشير العابد إلى أن إسرائيل تتصرف كأن هذه المرجعيات غير موجودة، وتنفذ على الأرض أهدافها الاستراتيجية التي وضعتها منذ بداية الحرب، وفي مقدمتها إعادة الاحتلال وإعادة الاستيطان في قطاع غزة.
ويؤكد العابد أن الوقائع الميدانية، ومنها السماح للمستوطنين بالدخول إلى أراضي قطاع غزة، وما يجري في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل والمعروفة بـ"الخط الأصفر"، تكشف عن مخطط واضح لإبادة كل ما هو قائم على سطح الأرض، وتهيئة هذه المناطق لاعتبارات لوجستية وعسكرية تخدم مشروع الاحتلال.
ويلفت العابد إلى أن تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال حول اعتبار هذه المناطق "حدود دولة إسرائيل" تمثل إعلاناً صريحاً عن نوايا سياسية وعسكرية تصدر عن أعلى مستويات القيادة.
ويشير إلى أنه في بداية العدوان على قطاع غزة كان الحديث عن إبادة جماعية يُقابل بالاستهجان، باعتباره "ردة فعل" على أحداث السابع من أكتوبر، إلا أن تطور الوقائع دفع المحاكم الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية للاعتراف بوجود نية مبيتة لتنفيذ الإبادة الجماعية.
ويؤكد العابد أن المخطط الحالي يتضمن اقتطاع نحو 60% من مساحة قطاع غزة، وحشر أهالي القطاع في 40% منه، في ظروف إنسانية كارثية، دون بنى تحتية أو أماكن إيواء أو حماية من قسوة الشتاء.
ويرى العابد أن هذه الرسائل موجهة أولاً للوسطاء، للتأكيد على أن إسرائيل لا تعترف بأي التزامات، كما أنها رسالة للإدارة الأمريكية المتماهية كلياً مع سياسات نتنياهو.
ويعتبر العابد أن الادعاءات الأمريكية بعدم المعرفة أو عدم التبليغ الإسرائيلي عن أية اختراقات للاتفاق "واهية"، في ظل التنسيق العسكري والاستخباري العميق، ووجود غرف عمليات مشتركة وتبادل معلومات ومراكز مراقبة وطائرات تجسس.
ويؤكد أن الحديث عن الانتقال إلى "المرحلة الثانية" سيبقى إشكالياً، لأن مفهوم هذه المرحلة لدى نتنياهو وترمب يختلف جذرياً عن مفهومها لدى الفلسطينيين والوسطاء العرب وتركيا، فبينما تُطرح أمريكياً كإدارة للصراع وتخفيف حدته دون حل جذري، يراها الفلسطينيون إعادة احتلال وهيمنة بوسائل جديدة.
ويتساءل العابد: ما هي المرحلة الثانية التي يريدها نتنياهو وترمب فعلياً، وما الذي ستعنيه لمستقبل غزة والقضية الفلسطينية؟

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا