أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، أن المجاعة في قطاع غزة قد انتهت رسميا، عقب تحسن وصول المساعدات الغذائية الإنسانية والتجارية بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، غير أنها حذرت في الوقت ذاته من أن السواد الأعظم من سكان القطاع ما زالوا يواجهون مستويات مرتفعة وخطيرة من انعدام الأمن الغذائي، في ظل هشاشة الوضع الإنساني واستمرار عوامل الانهيار.
وقالت الهيئة المشرفة على مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، ومقرها روما، إن “التحليل الأخير أظهر تحسنا ملحوظا في الأمن الغذائي والتغذية بعد وقف إطلاق النار”، مؤكدة أنه “لم يتم رصد حالة مجاعة في الوقت الراهن”، إلا أن الوضع لا يزال “حرجا للغاية” ويهدد بالانزلاق مجددا نحو الكارثة.
تحسن نسبي… وخطر الانهيار قائم وأوضح التقرير الجديد، وهو صادر عن أعلى مرجعية عالمية لمراقبة أزمات الجوع، أن انتشار المجاعة في غزة قد جرى احتواؤه مؤقتا، لكنه شدد على أن كامل القطاع لا يزال يواجه خطر المجاعة، محذرا من أن أي تجدد للقتال أو توقف للمساعدات قد يعيد الوضع إلى نقطة الصفر.
وأشار التقرير إلى أن نحو 2000 شخص ما زالوا يواجهون مستويات “كارثية” من الجوع حتى نيسان/ أبريل المقبل، فيما يظل سيناريو الأسوأ – المتمثل في استئناف الحرب ووقف تدفق المساعدات – كفيلا بدفع القطاع بأكمله مجددا إلى المجاعة.
وأكدت المبادرة أن “الاحتياجات لا تزال هائلة”، داعية إلى مساعدات مستدامة، موسعة، وغير معرقلة تشمل الغذاء والوقود والمأوى والرعاية الصحية.
من المجاعة إلى الهشاشة ويأتي هذا التقييم بعد أربعة أشهر من تقرير صادم أصدرته المبادرة نفسها، أكدت فيه أن أكثر من 514 ألف شخص – أي ما يقارب ربع سكان غزة – كانوا يعانون من المجاعة، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.
وفي آب/ أغسطس الماضي، سجل التقرير للمرة الأولى في الشرق الأوسط حالة مجاعة مؤكدة في مدينة غزة، محذرا حينها من احتمال امتدادها جنوبا إلى دير البلح وخان يونس، مع وجود مئات آلاف الأشخاص على شفا الموت بسبب سوء التغذية.
وقال أنطوان رينار، مدير برنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية، إن الوضع الغذائي شهد “تحسنا واضحا”، موضحا أن السكان باتوا يحصلون على وجبتين يوميا بدلا من وجبة واحدة كما كان الحال في يوليو/تموز الماضي.
وأضاف رينار، في إفادة عبر الفيديو من غزة، أن هذا التحسن “يمثل انعكاسا واضحا لواحدة من أسوأ المراحل التي مررنا بها خلال الصيف”، لكنه حذر من أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في غياب المأوى اللائق، حيث يعيش مئات الآلاف في خيام مغمورة بالمياه مع دخول فصل الشتاء.
ووفق منظمات إغاثية، فإن نحو 1.3 مليون فلسطيني يحتاجون بشكل عاجل إلى مأوى طارئ.
الاحتلال يرفض التقرير في المقابل، رفض الاحتلال الإسرائيلي نتائج تقرير التصنيف المتكامل للأمن الغذائي. وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (COGAT) إنها “ترفض بشدة” ما ورد في التقرير، مؤكدة التزامها بوقف إطلاق النار والسماح بدخول “كميات من المساعدات تفوق الاحتياجات الغذائية للسكان”، وفق المعايير الدولية المعتمدة.
كما أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن التقرير “لا يعكس الواقع في غزة”، متهمة المبادرة بتجاهل الحجم الكبير من المساعدات، بدعوى أنها تعتمد أساسا على بيانات شاحنات الأمم المتحدة، التي تمثل – بحسب زعمها – 20% فقط من إجمالي الشاحنات الداخلة.
غير أن مبادرة التصنيف ردت مؤكدة أن بياناتها تشمل الشاحنات التجارية وتلك التابعة للأمم المتحدة، وأن مصادرها تستند إلى معلومات أممية وإسرائيلية رسمية، بما فيها بيانات COGAT نفسها.
وسبق لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وصف تقارير المبادرة السابقة بأنها “كذبة صريحة”.
الجوع لا يقاس بالأرقام فقط من جهتها، شددت منظمات إغاثية على أن المشكلة لا تكمن في عدد الشاحنات أو السعرات الحرارية على الورق، بل في قدرة الناس الفعلية على الوصول إلى الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية.
وقالت بشرى خالدي، مسؤولة السياسات في منظمة “أوكسفام” للأراضي الفلسطينية، إن “هذه ليست مناقشة حول أرقام الشاحنات، بل حول ما إذا كان الناس قادرين فعليا على البقاء على قيد الحياة بكرامة، وهو ما لا يحدث حتى الآن”.
وأضافت أن الفلسطينيين “لا يستطيعون إعادة بناء منازلهم أو زراعة غذائهم أو التعافي، لأن الشروط الأساسية لذلك ما زالت غائبة”.
ورغم تحسن توفر المواد الغذائية في الأسواق، فإن القدرة على شرائها ما زالت محدودة. وقال هاني الشمالي، وهو نازح من مدينة غزة: “هناك طعام ولحم، لكن لا أحد يملك المال”.
وأشار تقرير المبادرة إلى أن النزوح الجماعي يمثل أحد أبرز أسباب تفاقم انعدام الأمن الغذائي، إذ يعيش أكثر من 70% من سكان غزة في ملاجئ مؤقتة ويعتمدون كليا على المساعدات، إلى جانب تدهور خدمات الصرف الصحي والنظافة وصعوبة الوصول المنتظم إلى الغذاء.
تحذير من كارثة قادمة وحذر خبراء المبادرة من أن أكثر من 100 ألف طفل
المصدر:
القدس