آخر الأخبار

مهرج غزة.. يواجه وجع الفقدان برسم الابتسامة على وجوه الأطفال

شارك

من فوق ركام منازل مدمرة بأحياء تحولت إلى كتل إسمنتية صماء بقطاع غزة، يرتدي أحمد أبو سكر زي المهرج، ويقف وسط أطفال تحلقوا حوله بعيون متعبة وملابس بالية، يضحكون للحظات قبل أن تعود ملامح الخوف والذهول إلى وجوههم.

المهرج أبو سكر (28 عاما) يواصل إدخال الفرح إلى قلوب الأطفال في قطاع غزة، متحديًا وجع فقدان عائلته، في محاولة لتخفيف آثار حرب الإبادة الإسرائيلية عن أصغر ضحاياها.

أبو سكر فقد والده وشقيقته وأبناء شقيقته ومنزله جراء الإبادة الإسرائيلية، ورغم كل هذا الألم ما يزال يرغب في رسم الابتسامة على وجوه كل من حوله، لا سيما الأطفال.

وقبل حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، اختار أبو سكر - قصير القامة - العمل في مجال تسلية الأطفال وإدخال البهجة إلى قلوبهم، وهو ما واصل القيام به رغم قسوة الواقع الذي فرضته حرب الإبادة.

في هذه المرة، يتنقل أبو سكر بين أزقة مخيم البريج الضيقة، حيث لا تزال آثار القصف واضحة على الجدران والشوارع، محاولا صناعة ساحة صغيرة للفرح، في مكان يندر فيه الإحساس بالأمان، ويغيب عنه أي شكل من أشكال الحياة.

ويعيش أطفال غزة أوضاعا إنسانية ونفسية بالغة القسوة، بسبب فقدان المأوى وانعدام الاستقرار وتكرار النزوح وحرمانهم من التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى مشاهد الدمار والموت.

كثير من هؤلاء الأطفال فقدوا أحد الوالدين أو كليهما، فيما يعاني آخرون من صدمات نفسية حادة، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.

ورغم أن قلبه امتلأ بالأحزان إلا أن أبو سكر لم يتخل عن مهمته، وواصل رسم الابتسامة على وجوه الأطفال وإسعاد الآخرين، في وقت هم بحاجة للآلاف من أمثاله لتخفيف ويلات ومآسي تلك الحرب التي استمرت على مدار عامين.

يعيش أبو سكر وحيدًا في منزله الذي تعرض لأضرار بالغة، حيث يجد عزاءه في ضحكات الأطفال، ويُحيي ذكريات أبناء شقيقته الذين فقدهم.

يقول: "عندما أسعد الأطفال أخرج أنا أيضا من الحالة التي أعيشها، أفرح وأنا معهم، بينما أُسعدهم بهذه الأزياء البسيطة".

ويضيف: "الأمر صعب بالنسبة لي، لكنني أحرص دائما أن أكون أول من يرسم الابتسامة رغم الوجع، فقد كانت حياتي قبل الحرب أجمل بوجود عائلتي".

ويشير أبو سكر إلى أنه عندما يدخل منزله الآيل للانهيار، تعود إلى ذاكرته صور أفراد عائلته الذين فقدهم، مشيرا إلى أن ذكريات عائلته ما تزال حيه في ذاكرته.

عندما أسعد الأطفال أخرج أنا أيضا من الحالة التي أعيشها، أفرح وأنا معهم، وأُسعدهم بهذه الأزياء البسيطة.

"العائلة هي كل شيء في هذه الحياة، عندما أدخل إلى البيت ولا أجد أحدا أنتظر طلوع الصباح كي أخرج لأنني لا أتحمل البقاء وحدي"، هكذا يصف شعور الفقد.

ويوضح أنه استخرج أزياء المهرج من تحت أنقاض منزله المدمر، مشيرا إلى أن هذه الأشياء البسيطة تسعد الأطفال.

ويقول: "هذه أزياء عادية جدا، لكنها تسعد الأطفال، فهم بحاجة إلى الضحك، وأنا أيضا بحاجة إلى الضحك أكثر منهم".

وبنبرة مليئة بالأسى والحزب، يعرب أبو سكر عن صعوبة تحمّله غياب أبناء شقيقته عن حياته، لافتا إلى أنه رغم الألم، يحمل في داخله روحًا جميلة، وسيواصل بذل ما بوسعه لإسعاد أطفال غزة.

ويضيف: "نحاول أن نتمسك بالأمل ونستمر في الحياة، رغم الألم والوجع".

وفي ظل انهيار المنظومة الصحية في غزة، لا يحصل الأطفال على أي دعم نفسي، ما يجعل محاولات فردية مثل مبادرات أبو سكر متنفسا مؤقتا يخفف من حدة الصدمة ولو ساعات.

وبحسب معطيات وزارة الصحة في غزة، قتلت الحرب الإسرائيلية أكثر من 20 ألف طفل، فيما أصيب عشرات الآلاف بجروح متفاوتة.

وفقد أكثر من 56 ألف طفل أحد والديهم أو كليهما، ليضافوا إلى جيل جديد من الأيتام الذين يعيشون مأساة مزدوجة بين الفقد والخوف، في ظل حصار خانق يمنع دخول المساعدات والدواء وحليب الأطفال.

وتشير البيانات إلى أن مئات الأطفال قتلوا قبل إتمام عامهم الأول، فيما ولد آخرون خلال الحرب، ليواجهوا الحياة منذ لحظاتهم الاولى تحت القصف والحرمان.

وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 223 شنت إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد عن 171 ألف، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب تدمير واسع طال 90 في المائة من البنى التحتية، بما فيها المنازل والمدارس والمراكز الصحية.

وتسببت الحرب التي انتهت بوقف إطلاق نار دخلت مرحلته الأولى حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع تفشي المجاعة وانهيار الخدمات الأساسية، وتحويل ملايين الفلسطينيين إلى نازحين يعيشون في خيام ومراكز إيواء تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا