الشيخ د. عكرمة صبري: الشيخ قليبو يُعدّ صوت الأقصى في تلاوة القرآن الكريم وصداه يتردد صداه في أرجاء فلسطين
الشيخ د. خالد أبو جمعة: لا ننسى توحيشاته في رمضان ومشاركته الناس مناسباتهم فكانت له تلاوات في الأفراح والأتراح وافتتاح المؤسسات
الشيخ عمر الكسواني: كان له حضور لافت في الأقصى خاصة في القراءات التي تسبق خطبة الجمعة ومختلف المناسبات الدينية
عزيز العصا: من يلتصق بالمسجد الأقصى جسدًا وروحًا وانتماء ونافح عنه يكون قد جمع مجد العقيدة من أطرافها كافة
ناصر هدمي: الشيخ قليبو كان أيقونةً ووفاته خسارة كبيرة ومن الضروري الاهتمام بالقُراء في رحاب الأقصى ورفده بالأصوات الجميلة
رحل فجر الجمعة 12-12-2025 قارئ ومؤذن المسجد الأقصى المبارك الشيخ ياسر قليبو بعد سنوات طويلة من الرباط في رحابه المباركة، فقد كان جزءًا لا يتجزأ من حياة المسجد، حيث عُرف بأذانه وتلاوته التي رافقت أهل القدس والمصلين سنوات طويلة. كما أن له تسجيلات قيمة في تلاوته القرآن الكريم لا تزال متداولة في كثير من الدول العربية والإسلامية.
وأوضحوا أن الشيخ قليبو رحمه الله لم ينقطع عن المسجد الأقصى المبارك، رغم تقدم سنه ووصوله إلى سن التقاعد، بل بقي على تواصل دائم مع المسجد ومع موظفي الأوقاف، وكان من المرابطين فيه، وحريصاً على أداء الصلوات، إضافة إلى تلاوته القرآن الكريم، فيما دعا بعضهم إلى ضرورة التأريخ للشيخ الراحل ولأمثاله من أعلام المدينة المقدسة وعلمائها.
خسارة للمسجد الأقصى
قال الشيخ الدكتور عكرمة صبري، رئيس الهيئة الاسلامية العليا، خطيب المسجد الأقصى المبارك: إن الشيخ ياسر قليبو يُعد صوت الأقصى في تلاوة القرآن الكريم، إذ كان صوته يصدح في رحاب المسجد الأقصى، ويتردد صداه في أرجاء فلسطين.
وأضاف: كانت له تسجيلات قيمة في تلاوته للقرآن الكريم لا تزال متداولة في كثير من الدول العربية والإسلامية.
وتابع الشيخ صبري: نحن نعدّه خسارة للمسجد الأقصى المبارك. رحمه الله، كان دمثاً ومتواضعا، ًومتخلقاً بأخلاق القرآن الكريم.
وتابع الشيخ صبري: في شهر رمضان المبارك، كان الناس يستمعون إلى تلاوته بعد صلاة العصر، كما كانت له برامج يومية، إضافة إلى نشاطاته المكثفة خلال الشهر الفضيل. وكان من خريجي جامعة الأزهر، ومن المقدسيين الذين درسوا فيها.
الرباط في جنبات المسجد الأَقصى
وقال الشيخ د. خالد أبو جمعة، خطيب وإمام المسجد الأقصى المبارك: "ودع دنيانا الفانية فجر الجمعة 12-12-2025 الشيخ الجليل ياسر قليبو (أبو العلاء) مقرئ ومؤذن المسجد الأقصى المبارك ورئيس قسم المصحف الشَّريف في دائر الأَوقاف سابقاً."
وأضاف: "رحل الشيخ الجليل بعد رحلة إِيمانية روحية ومن الرِّباط والتَّواجد في جنبات المسجد الأَقصى المبارك، قبلة المسلمين الأُولى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي الشيخ رحمه الله صابراً مُحتسباً، فانتقلت النَّفس المطمئنة راضية مرضية، ونسأل الله عزوجلَّ أَن يُدخلها في جنان الخلود لتودع الأبناء والأحفاد والأصدقاء وكل من عرف هذا الرجل المعطاء والكريم الذي اشتهر بنبل اخلاقه وطيب مكارمه".
وتابع أبو جمعة: إننا لا ننسى مشاركته أهل المدينة المقدَّسة وَمَنْ حولها مناسباتهم، فكانت له تلاوات في الأفراح والأتراح، وفي افتتاح مؤسسات عديدة وفي المدارس وفي المناسبات الدينية والاجتماعية، وفي المساجد ولا ينسى الجميع توحيشاته الرائعة في شهر رمضان برفقة صديقه الراحل الشيخ أَبوجرير وداوود عطا الله، وفي الخارج له صولات حيث تجول في دول عديدة أَبرزها مصر حيث زار الأزهر مراراً وتكراراً (مكان دراسته للقرآن الكريم).
وأشار أبو جمعة إلى أَنَّ مسيرته الرَّائعة في رحاب القرآن الكريم، تُشكِّل مصدراً فخر لكل ابناء المدينة المقدسة، وإتحاف المصلين بصوته الحنون، صاحب الطريقة البديعة في تلاوة القرآن، المُميَّز بصوته الملائكيّ الذي يشنّف آذان المستمعين، فلا نجدُ كلمات تصف الشيخ وتصف مانشعر به عند سماع آيات الله تتلى بصوته.
وقال: لقد بيَّنَ أهل العلم أنّ تعلُّم القرآن الكريم وقراءته من أشرف العلوم، وأعظم الأعمال؛ فشرف العلم يتمثّل بشرف ما تعلَّق به، ولا يوجد ما هو أعظم من كلام الله -تعالى-؛ فهو أصدق الكُتُب، وأحسنها نظاماً، وأفصحها وأبلغها كلاماً؛ لقَوْله عزّ وجلّ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ*لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وكان يتأَثَّر عند قراءته، ويُؤثِّر على السامعين، فكان يتنقَّل بين آيات الرَّحمة وآيات العذاب، وآيات البُشرى والوعد والوعيد، مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية حذيفة بن اليمان أنّه قال: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا مَرَّ بآيةِ خَوفٍ تَعوَّذَ، وإذا مَرَّ بآيةِ رَحْمةٍ سَأَلَ).
واختتم أبو جمعة حديثه بالقول: "رحم الله شيخاً مقدسيَّاً يرجو تجارةً رابحة لن تبور، وهي وعد من الله تعالى له بالأجر والثواب، وفَضْل قراءة القرآن والأدلّة عليه من السنَّة النبويَّة، فقد وردت الكثير من الأحاديث التي تُبيّن عِظَم فَضْل قراءة القرآن الكريم، ونَيْل مرتبة السَّفرة الكرام البَرَرة ما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (الماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ). رحمك الله يا شيخنا الفاضل وتعازينا لكل أسرتك ومحبيك ولعموم أَهل بيت المقدس".
صوت مميز في توحيشات شهر رمضان
من جانبه، أشار مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني إلى أن الشيخ ياسر قليبو، رحمه الله، كان من خريجي جامعة الأزهر الشريف، ومن الأصوات التي تميزت في تلاوة القرآن الكريم، لا سيما في توحيشات شهر رمضان المبارك.
وقال الكسواني: كان له حضور صوتي لافت في المسجد الأقصى المبارك، خاصة في القراءات التي تسبق خطبة الجمعة، إضافة إلى مشاركته في مختلف المناسبات الدينية.
وأضاف: إن الله سبحانه وتعالى وهبه صوتاً مميزاً في تلاوة القرآن الكريم، وجعله من القرّاء البارزين في المسجد الأقصى، وهي سِمة نسأل الله أن تكون في ميزان حسناته، وعلامة قبول عند الله عز وجل. ونسأل الله تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يمنحه القبول.
شخصية مؤمنة صادقة ومثال في الالتزام
وأشار الشيخ الكسواني إلى أن الشيخ ياسر قليبو كان مثالاً في الالتزام، سواء في أدائه القرآني، أو في أخلاقه، وقدسيته، ووطنيته، وتدينه، وهي صفات تدل على شخصيته المؤمنة الصادقة، نسأل الله أن يجعلها سبباً في رفعة منزلته.
وأكد الكسواني أن لصوت الشيخ ياسر قليبو ميزة خاصة تتسم بالخشوع، وكانت روحانية المسجد الأقصى تنعكس في صوته وتلاوته، فتخشع لها القلوب، ويزداد المسجد الأقصى تميزًا بهذا الصوت القرآني الجميل.
صوته كان يصدح بالقرآن في فضاء القدس
بدوره، قال الشيخ الدكتور محمد سليم خطيب المسجد الأقصى المبارك: "لقد رحل عن القدس إلى جوار الله تعالى الشيخ المقرئ ياسر قليبو، الذي بتلاوته العذبة للقرآن في المحافل المتعددة في بيت المقدس وأكنافه، كان مثَلهُ كالأترجّة، طعمها طيب، وريحها طيب، وستظل ذكراه حاضرة بهذه المعاني بعد موته، ويكفيه أجراً وفخراً".
وأضاف الشيخ سليم: إن صوته بالقرآن كان يصدح في فضاء القدس، وسماء المسجد الأقصى، مؤكداً أن لله أهلين من بيت المقدس، لا يزال حضورهم متجدداً، ومؤكداً أن القرآن هو كتاب الله، الذي به تطمئن القلوب، ومنه يكون الإيمان الحق.
وأكد الشخ سليم: إن شيخنا المقرئ ياسر قليبو رحمه الله تعالى، أنموذج صادق للتلاوة القرآنية، المعبرة عن معاني القرآن، والآخذة بجماع القلوب، إلى حضرة الملك القدوس، والواجب على أهل القدس وأكناف القدس، أن يؤرخوا لهذا العلم، ولأمثاله من أهل الشريعة، من الأئمة، والخطباء، والدعاة، رحمه الله، وأحسن مثوبته وجزاءه.
غياب الشيخ قليبو يترك فراغًا محزنًا
وقال الكاتب والباحث المهتم بالشأن المقدسي عزيز العصا: "نظرًا لمكان المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، ولمكانته التي احتلت ذروة التاريخ الإسلامي منذ إسراء الرسول -صلى الله عليه وسلّم- إليه قبل خمسة عشر قرنًا، فإن واحدًا من أهم المعايير في قياس إيمان المسلم هو مدى قربه من المسجد الأقصى المبارك، ليس القرب الجغرافي أو القدرة على تجهيز زيت يسرج به قناديله ويعزز صموده وحسب، وإنما القرب منه مشاعريّاً وعاطفيّاً ووجدانيّاً أيضًا؛ لأن المسجد الأقصى المبارك جزء لا يتجزأ من عقيدة الأمة، أفرادًا وجماعة".
وأكد العصا أن من يلتصق بالمسجد الأقصى المبارك جسدًا وروحًا ومشاعر وانتماء... إلخ، ونافح عنه مدافعًا، بالغالي والنفيس، يكون قد جمع مجد العقيدة من أطرافها كافة. وهذا هو حال المغفور له بإذن الله "فضيلة المقرئ الشيخ ياسر قليبو"، الذي غادرنا إلى الدار المستقرّ، وهو آمن مطمئن، بما قدّمه لهذا لبيت المقدس، بما وهبه الله سبحانه وتعالى من حنجرة ذهبية، بل ماسيّة، وظّفها رحمه الله في قراءة القرآن وترتيله.
وأضاف العصا: إن غياب فضيلة الشيخ قليبو في هذه الظروف التي تحتّم على الجميع الالتفاف حول المسجد الأقصى، والدفاع عنه، فإنه يترك فراغًا محزنًا لكل من يزور المسجد أو يتابعه، بعد أن تعودنا على ذلك الصوت الجميل، والعذب، الذي يسري في العقل والقلب وحتى الجسد، ما يجعل الآيات القرآنية الكريمة تستقر في وجدان المستمع، ولسان حاله -المستمع- وهو يتتبع الآيات ومعانيها العميقة، يقول: يا ليت شيخنا الجليل لا يتوقف عن القراءة، ويا ليته يكمل القرآن جميعه.
وأشار العصا إلى أن غياب صوت المرحوم فضيلة الشيخ قليبو، يعني غياب ذلك الصوت الشجيّ الذي كان يتهادى فوق ساحات المسجد الأقصى المبارك، وباحاته، وأشجاره الخضراء اليانعة النضرة، والمئات من معالمه، من مساجد ومآذن مدارس وزوايا ومساطب وخانقاوات. وفوق حارات القدس، وأزقتها، وعقباتها... فكان ذلك الصوت الرخيم ينزل على أذن السامع، كما رذاذ المطر الناعم الهابط من السماء إلى الأرض، في قيظ صيفيّ.
وختم العصا حديثه بالقول: "ونحن نودع شيخنا الجليل، وهو بين يديّ بارئه -سبحانه- نرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون ما قدّمه، رحمه الله، مما هو موصوف أعلاه، شفيعًا له يوم الحساب، يوم لا ظلّ إلا ظلّه سبحانه وتعالى".
رحيل أيقونة من أيقونات المسجد الأقصى
وقال الناشط الاجتماعي ناصر هدمي: إن الشيخ ياسر قليبو كان أيقونةً من أيقونات المسجد الأقصى المبارك، إذ إن نبرة صوته وطريقته في تلاوة القرآن الكريم داخل المسجد الأقصى منحت هذه التلاوة هويةً مقدسيةً خاصة.
وأضاف أنه كان معروفاً كذلك بحضوره في بيوت العزاء، حتى إن كثيرًا من العائلات، ومن بينها عائلته، كانت ترى أن العزاء دون الشيخ ياسر قليبو يبدو ناقصاً، لما كان يشكله من ركنٍ مهم في مختلف المناسبات الدينية العائلية.
وأكد هدمي أن وفاة الشيخ ياسر قليبو تمثل خسارةً كبيرة، لما عُرف عنه من التزام دائم بالمسجد الأقصى المبارك، وبصوته الذي كان يصدح في شهر رمضان المبارك بين صلاتي الظهر والعصر، وحتى بعد صلاة العصر، في أوقات تركت أثراً عميقاً في نفوس المصلين.
وأشار هدمي إلى أهمية الاهتمام بالقراء في رحاب المسجد الأقصى، ورفده بالأصوات الجميلة، مؤكدا أن المسجد الأقصى المبارك يُعد عنصرا مركزيا في هوية كل مقدسي، بل وفي هوية كل فلسطيني.
وأضاف: إن تلاوة القرآن الكريم بصوت مميز داخل المسجد الأقصى، بما تحمله من خشوع وإحساس بالروحانية، تُعد مطلباً أساسياً ومدعوماً من قبل جميع العابدين في ساحاته.
وختم هدمي حديثه بالقول: "إن هناك أمنية ومطالبة بدعم قراء المسجد الأقصى المبارك من أصحاب الأصوات الندية والحضور المعروف في المدينة، ليكونوا أيقونات تعبر عن هوية القدس وعن هوية المسجد الأقصى المبارك".
المصدر:
القدس