آخر الأخبار

حسام زملط سفير فلسطين في لندن في حوار خاص مع "القدس": انتهى عصر احتكار إسرائيل للرواية

شارك

* الاعتراف البريطاني بداية تصحيح "خطيئة تاريخية".. والتغير كبير في أوساط الشباب الأوروبي والأمريكي
* حرب الإبادة تركت آثاراً كارثية على الأرض لكنها أحدثت تغييراً هائلاً في الرأي العام الدولي
* ⁠الحركة العالمية المناصرة لفلسطين يلزمها استدامة وترجمة المد الشعبي إلى خطوات عملية تساهم في إنهاء الاحتلال
* قد يكون ترمب آخر رئيس أمريكي يدعم إسرائيل وقد يدعم مرشح الرئاسة المقبل إقامة الدولة الفلسطينية
* مشروع التطبيع والهندسة الإقليمية بقيادة إسرائيل جُمِّد.. ودول المنطقة أدركت مكمن الخطر
* الموقف السعودي الواضح "لا تطبيع دون دولة فلسطينية" أعاد التوازن وبدد الأوهام الإسرائيلية


كشف سفير دولة فلسطين في لندن، حسام زملط، عن تحول تاريخي "لا رجعة فيه" في الرأي العام البريطاني والدولي تجاه القضية الفلسطينية، قائلاً إن "عصر احتكار إسرائيل للرواية قد انتهى"، وإن الاعتراف البريطاني الأخير بدولة فلسطين يمثل "بداية لتصحيح خطيئة تاريخية" ارتكبتها بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور.
جاء ذلك في حوار خاص وموسع مع "ے" تطرق فيه السفير زملط إلى أبعاد هذا التحول، والخطوات العملية المترتبة على الاعتراف، ومقارنته بتجربة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتأثير التغير في المواقف الأمريكية والإقليمية، والتحديات المتبقية، لا سيما في الرأي العام الإسرائيلي.

حركة التضامن: من المد إلى الفيضان

في بداية الحوار، أشار السفير زملط إلى ظاهرة استثنائية، قائلاً: "حركة التضامن في بريطانيا لم تخب بعد أسابيع من بداية العدوان على غزة كما قد يتوقع البعض، بل استمرت وتصاعدت. قبل أيام، شهدت لندن مظاهرة مركزية حضرها أكثر من 100 ألف متظاهر ومتضامن، رغم إعلان وقف إطلاق النار. هذه الحملة الشعبية صمدت طوال عامين من الحرب".
وأرجع هذا الاستمرار إلى "تغير لا رجعة فيه في الوعي البريطاني. لقد انكسر احتكار الرواية الإسرائيلية. الحقيقة باتت واضحة للشعب البريطاني والعالم: إسرائيل دولة محتلة ومعتدية وترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي ووإبادة". هذا التحول المجتمعي "الأفقي والعمودي"، كما وصفه، هو ما دفع الحكومة البريطانية تحت الضغط الشعبي إلى اتخاذ خطوات عملية، أبرزها الاعتراف التاريخي بالدولة الفلسطينية.

حول التحول في الرأي العام البريطاني والدعم الشعبي

وقال زملط: "الشعب البريطاني وشعوب العالم وصلتهم الحقيقة بوضوح: إسرائيل دولة معتدية ومحتلة وتمارس التطهير العرقي ونظام الفصل العنصري وجرائم الحرب. هذا أحدث تغييراً حقيقياً أفقياً وعمودياً في المجتمع البريطاني، وتسبب بخطوات ملموسة من الحكومة بسبب الضغط الشعبي، وبفعل دور الدبلوماسية الفلسطينية في التواصل وقيادة الحراك، ودور المناصرين حول العالم".
وأضاف: "ثم جاء وعي الشعوب. تمكن شعبنا خلال الحرب من الصمود الأسطوري وتصدير المشاهد لابشع عملية إبادة في التاريخ المعاصر، ولأول مرة تُوثَّق عملية إبادة ببث حي ومباشر في ظل تقاعس الإعلام الدولي. الطفل والمرأة والرجل الفلسطيني وسّعوا دائرة توثيق الجريمة قبل وقوعها. ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً حاسماً في اختراق حاجز الإعلام المسيطر عليه والموجَّه"، مشيراً إلى أن ما حدث هو "فيضان في الرأي العام في بريطانيا والعالم، ويبشر بتغيير حقيقي. الاعتراف البريطاني، باعتباره صادراً عن الدولة التي أصدرت وعد بلفور، يحمل معنى تاريخياً وأخلاقياً بالغ الأهمية".

قوة الرواية الفلسطينية: توثيق الإبادة على الهواء مباشرة

وعن أسباب هذا التحول الجذري، قال زملط: "السبب الجوهري هو بسالة وصمود شعبنا، الذي ألهم العالم، متجاوزاً تقاعس وحجب الإعلام الدولي". وأضاف موضحاً: "الطفل والمرأة والرجل الفلسطيني صاروا يوثقون لحظة استهدافهم قبل سقوط الصاروخ. لقد حوّلوا الكاميرات الصغيرة في كل هاتف في غزة إلى نافذة عالمية على الجريمة. وقوة وسائل التواصل الاجتماعي حطمت رواية الاحتلال الذي قتل 70 ألفاً من المدنيين، بينهم 20 ألفاً من الأطفال ومثلهم من النساء وكبار السن".
هذا "الفيضان" في الرأي العام العالمي، كما سماه، بالإضافة لوضوح الرسالة الرسمية والدبلوماسية الفلسطينية، هو ما مهّد الطريق لـ"تغيير حقيقي"، تجلى في الاعتراف البريطاني الذي يحمل "وزناً أخلاقياً وتاريخياً فريداً"، لأن مصدره هو ذات الدولة التي أنجبت دولة الاحتلال عبر "وعد بلفور" ورعته بريطانيا سياسياً وعسكرياً ومالياً، ثم تكفلت به فرنسا التي زودتها بالمفاعل النووي "ديمونا"، ومنذ عام 1967 رعتها وساندتها الولايات المتحدة بالدعم المالي والغطاء السياسي والدبلوماسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وغطت جرائمها ودعمتها بالسلاح والعتاد في حرب إبادتها ولا تزال.

الاعتراف: بداية تصحيح وعد بلفور والظلم التاريخي

وشرح السفير الفلسطيني الأبعاد العميقة لهذا الاعتراف: "هو تصحيح لجريمة تاريخية. وعد بلفور لم ينفِ وجودنا كشعب فحسب، بل حولنا إلى 'تجمعات غير يهودية' ذات حقوق مدنية ودينية فقط، مُنِعْنَا الحقوق الوطنية وحق تقرير المصير. كان ظلماً للتاريخ ومخالفاً للقانون".
وأضاف: "لذلك، عندما يعلن رئيس وزراء بريطانيا، بعد 108 سنوات، الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره وسيادته، فهذا بداية لتصحيح تلك الخطيئة. إنه إقرار بأننا شعب على أرضه، وله وطن من البحر إلى النهر". وأوضح تمييزه بين "الوطن" الذي لا يتجزأ، و"الدولة" السياسية التي قبل بها الفلسطينيون على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. مؤكداً أن "الاعتراف خطوة تاريخية، والخطوة العملية الأولى كانت تحويل بعثة فلسطين في لندن إلى سفارة لدولة فلسطين بكامل الصلاحيات والوضع الدبلوماسي حسب قوانين فيينا".

من السفارة إلى حظر المستوطنات: مسار عملي طويل

وعن الخطوات التالية، أكد زملط أن التحول القانوني للبعثة إلى "سفارة دولة فلسطين" اكتمل. لكن الجوهر يكمن في "البناء العملي" على هذا الاعتراف، عبر ثلاثة مسارات:
1. تطبيق القانون البريطاني والدولي: "هذا ليس فقط من باب العقاب ضد دولة الاحتلال، بل أيضاً تطبيق للقانون البريطاني والقوانين الدولية. كيف تعترف بدولة ثم تستورد بضائع من مستوطنات بناها الاحتلال على أراضيها؟ يجب حظر منتجات المستوطنات، ومنع عمل الشركات البريطانية في الأراضي المحتلة، ومحاسبة حاملي الجنسية المزدوجة المشاركين في حرب الإبادة في غزة والذين يقيمون ويعملون في الاستيطان أو يديرون شركات في الأراضي المحتلة. هناك العشرات من الممنوعات القانونية التي يجب تفعيلها".
2. إعادة بناء العلاقة الثنائية على أساس الندية: "نريد شراكة حقيقية بين دولتين متكافئتين، وليس بين دولة كبريطانيا ودولة فلسطين تحت الاحتلال".
3. المستوى متعدد الأطراف: "يجب أن ينعكس هذا الموقف في تصويت بريطانيا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي المجالس والمؤسسات الدولية والإقليمية، وفي عمل المنظمات الدولية".

مقارنة مع جنوب إفريقيا: إسرائيل ليست استثناء

ولفت السفير إلى الدروس المستفادة من حركة المقاطعة التي أنهت نظام الفصل العنصري، قائلاً: "من الطبيعي أن تنشأ حركات مقاطعة دولية ضد دولة ترتكب جرائم حرب وإبادة. إسرائيل ليست استثناءً، بل يجب مقاطعتها ومعاقبتها".
ورأى أن "التضامن مع فلسطين تحول إلى 'نضال مشترك' على النمط الجنوب أفريقي، بل إن زخمه اليوم أكبر من ذلك الزخم الذي كان سائداً في عصر حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا".
وأضاف: "الدرس الأهم هو أن مشروع الإبادة في غزة فشل رغم الخسائر الفلسطينية الفادحة في الأرواح والممتلكات. إسرائيل استخدمت اعتى الات القتل والدمار ولم تحقق أيّاً من أهدافها، وفشلها كشف إجرامها وعنصريتها. 7.5 مليون فلسطيني ما زالوا متجذرين في فلسطين التاريخية. وفشلها هذا، مع بشاعة جرائمها، هو ما أسقط روايتها الزائفة -ادعاءات قطع رؤوس 40 طفلاً في 7 أكتوبر والاغتصاب- كل ذلك سقط سقوطاً مدوياً وغير الوضع الدولي لصالحنا بشكل لا رجعة فيه".
وأضاف: علينا استعادة الحياة في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن لان غزة هي رحم الوطنية الفلسطينية، والانتباه للمعركة الأساسية وهي في القدس والضفة حيث مطامع الاحتلال وسياسة الضم المستمرة والمستعرة. الأولوية الأولى الآن هي تعزيز صمود شعبنا على أرضه.

التحول الأمريكي والإقليمي: نهاية الدعم غير المشروط

وقال زملط: "الدعم الخارجي هو عماد إسرائيل. إذا سُحب هذا الدعم، فلن تستمر في جرائمها. في أمريكا، التغير كبير بين الشباب وحتى داخل التجمعات و"اللوبي اليهودي" في الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي؛ 30% منهم صوتوا لصالح عمدة نيويورك منداني، وهذا دليل واضح على حجم التحول الذي يبدو أنه سيمتد إلى باقي القطاعات، التغير هائل. قد يكون الرئيس ترمب آخر رئيس أمريكي يدعم إسرائيل بهذا الشكل غير المشروط. القضية الفلسطينية أصبحت 'جائزة انتخابية' في أمريكا أيضاً".
وعلى الصعيد الإقليمي، رأى أن "مشروع التطبيع والهندسة الإقليمية بقيادة إسرائيل قد توقف. دول المنطقة أدركت الخطر. الموقف السعودي الواضح 'لا تطبيع دون دولة فلسطينية' يعيد التوازن".

التحدي الأكبر: الرأي العام الإسرائيلي والعمل المستقبلي

بين التفاؤل، أشار السفير إلى "التحدي الأصعب"، وهو أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين ما زالوا يؤيدون حرب الإبادة؛ أمر غير معقول وغير مقبول". وعلق: "هذا يحتاج إلى استراتيجية مختلفة، حيث تكون العقوبات والمقاطعة الدولية أحد الأدوات لتغيير حسابات هذا المجتمع الذي تقوده مجموعات يمينية عنصرية وفاشية. لا بد من دفع المجتمع الإسرائيلي نحو اختيار قيادة جديدة غير هذه القيادة اليمينية المتطرفة، ويجب أن يدرك أن للعنصرية والإبادة ثمن سيدفعه ما لم يغير هذه المجموعات العنصرية مسارها".

الإعلام والأونروا والتمثيل الفلسطيني

وعن الإعلام البريطاني، قال إنه "تغير نحو الأفضل تحت ضغط الرأي العام، لكنه لم يصل بعد للحيادية المطلوبة".
وأضاف: "لقد نجحت الأصوات الفلسطينية، الرسمية والشعبية، في اختراق جدار الإعلام الدولي التقليدي الذي كان يتبنى الرواية الإسرائيلية ويشوه النضال الفلسطيني. لقد أحدثنا ثقباً في هذا الجدار وتوسعت هذه الثقوب وانهارت الرواية الرسمية الإسرائيلية". وتابع: "لم نعد نقبل لعبة الإعلام الغربي في توجيه الاتهام لنا دوماً. السؤال الذي كنت أواجهه يومياً 20 مرة لم يعد يطرح'هل تندد؟' لقد انتهت تلك اللعبة. لقد كشفنا التناقض: إسرائيل هي التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948 كسياسة واستراتيجية عسكرية، ونحن نرفض استهداف المدنيين من ناحية وطنية واستراتيجية وسياسية. نرفض المغالطة والعنصرية في طرح السؤال وتسويق الرواية الكاذبة التي ثبت بكل الأدلة والبراهين أن إسرائيل هي من يستهدف المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية توسعية".
وأكد أن دولة فلسطين تعتبر "وكالة الأونروا خط أحمر. استهدافها هو استهداف لقضية اللاجئين ومحاولة لمحو قضيتهم العادلة والمصانة بالقانون الدولي. العالم جدد تفويضها، وهذا رسالة قوية".
وعن المساعدات، قال زملط: "مسؤولية فتح المعابر ورفع الحصار تقع على إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال. يجب ألا نكتفي بعد الشاحنات الداخلة (150 أو 200 شاحنة يومياً). نحتاج فتح كافة المعابر بكامل طاقتها لأكثر من 12 ألف شاحنة تنتظر منذ أشهر، وإدخال كل الاحتياجات دون عوائق، خاصة حليب الأطفال والأدوية والخيام في هذه الأجواء الباردة. سياسة التجويع الممنهجة مرفوضة، وهندسة التجويع يجب وقفها ومعاقبة إسرائيل عليها".
ورداً على سؤال حول عدد الجرحى الذين نُقلوا من قطاع غزة إلى بريطانيا، قال زملط: "عشرات عبر منظمة الصحة العالمية؛ تم نقل العشرات من الذين يحتاجون علاجاً عاجلاً وأطرافاً صناعية للأطفال. هناك تعاون مع بريطانيا لعلاج حالات مرضية حرجة من غزة في مستشفياتها، ونقدر ذلك".
ورداً على سؤال حول تأثير الانقسام الفلسطيني، أجاب بحسم: "نحن سفارة دولة فلسطين، ومنظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا بكل أطيافه. نمثل فلسطين كلها. تناقضنا الأساسي هو مع الاحتلال".

الرهان على الشعوب كان صحيحاً

ورداً على سؤال حول تركيز السفارة على أي قطاعات في المجتمع البريطاني، أوضح زملط: "استثمرنا في البداية في بناء قاعدة شعبية عريضة، وهذا الرهان على الشعوب كان صحيحاً وأتى ثماره. اليوم، نحن نتعامل مع كل الأطراف: الشارع، البرلمان، الحكومة، الأحزاب المجتمع المدني، نقابات العمال، وجميع شرائح المجتمع بما فيها الشباب والجامعات. شخصياً، قسمت وقتي على هذه المكونات جميعاً مع تركيز على القاعدة".
وأضاف: "أصبح كل سياسي بريطاني يدرك أن القضية الفلسطينية قضية جماهيرية، وأن كلمة واحدة ضده قد تكلفه شعبيته. هذه قوة للشعب الفلسطيني. قوتنا الأساسية نابعة من صمود شعبنا المذهل خلال عامين من الإبادة. عودة الطلاب للدراسة في الخيام وعلى الرمال تحت القصف، وتشبث الناس بأرضهم رغم الجوع والدمار، هذا ما أكسبنا احترام وتقدير شعوب العالم. هذه الصورة هي التي غيّرت العقول والقلوب في كل مكان. عودة الطلاب الجامعيين إلى الجامعات في غزة رغم الإبادة والدمار تعكس الصورة المشرقة للشعب الفلسطيني الذي يحب الحياة ويناضل من أجل مستقبلٍ أفضل لأبنائه.


القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا