آخر الأخبار

مهمة انتشال الجثث في غزة.. رعب يومي بين المتفجرات والإسبستوس

شارك

تحت ركام لا يزال مشبعا برائحة المتفجرات وغبار الإسمنت، تبدأ في قطاع غزة مهمة لا تقل خطرا عن القصف نفسه، فالجرافات لا تحفر بحثا عن ناجين، بل تشق طريقها وسط ذخائر غير منفجرة ومبان آيلة للانهيار لاستخراج جثامين آلاف الشهداء الفلسطينيين الذين ابتلعتهم الأنقاض.

هنا تتحول كل خطوة إلى اختبار للحياة، وتصبح عملية الانتشال سباقا مع الانفجار والتحلل والنسيان، وفي هذا المشهد القاتم، ينقل تقرير أعده عبد القادر عراضة صورة دقيقة عن حجم المأساة وتعقيدها.

أكثر من 10 آلاف فلسطيني ما زالوا في عداد المفقودين، لا تعرف عائلاتهم إن كانوا أحياء في مكان ما أو مدفونين بصمت تحت الأنقاض، وهي أرقام قد تبدو "جامدة" لكنها في الواقع لأسماء ووجوه وصرخات انقطعت فجأة، وأطفال ينتظرون بلا إجابة.

كل حركة لجرافة أو حفّار تشبه السير فوق حقل ألغام، فالذخائر غير المنفجرة كامنة تحت الركام قد تنفجر في أي لحظة، والجدران المتصدعة والأسقف المعلقة تهدد بالانهيار المفاجئ.

وفي المحاكاة البصرية للتقرير، يتطاير الغبار مع انفجارٍ افتراضي، وكأن الصورة تحذر، الخطر لا يزال حاضرا حتى بعد توقف القصف.

ولا يتوقف الرعب عند هذا الحد، فالإسبستوس، تلك الألياف المعدنية شديدة السمية، يتحرر في الهواء مع كل عملية حفر، متسللا إلى الرئتين بصمت.

يضاف إلى ذلك تحلل الجثامين التي بقيت لأشهر طويلة تحت الأنقاض، حيث يتحول كثير منها إلى بقايا عظمية جزئية أو كاملة، في مشهد يختصر قسوة الزمن والحصار معا.

وسط هذا الخراب، يطل القانون الدولي الإنساني كصوتٍ أخلاقي يذكّر بالواجبات المنسية، فالمفقود، وفق اتفاقيات جنيف، ليس مجرد رقم، بل إنسان انقطعت أخباره عن عائلته، حيا كان أم ميتا.

تحت ركام لا يزال مشبعا برائحة المتفجرات وغبار الإسمنت، تبدأ في قطاع غزة مهمة لا تقل خطرا عن القصف نفسه.

البحث عن الجثث وجمعها، حسب ذلك القانون، واجب فوري، وتوثيق هويات الموتى حق أصيل للعائلات، يمنحهم معرفة المصير وشيئا من السكينة وسط الفقد، لكن الواقع في غزة أكثر قسوة من تلك النصوص.

وتشير إحصاءات رسمية إلى شطب نحو 2200 عائلة كاملة من السجل المدني، وأكثر من 6350 شهيدا ومفقودا من عائلات أُبيدت بالكامل.

ويرسم التقرير أيضا الطريق الصعب لعمليات الانتشال، منظومة تضم فرق إزالة الأنقاض، والدفاع المدني، وخبراء نزع الذخائر، والطب الشرعي، والدعم النفسي.

تبدأ العملية بإيقاف الآليات عند الاشتباه بوجود بقايا بشرية، وتأمين المكان، ثم توثيق الموقع بالصور والإحداثيات، والاستعانة بأدوات استشعار وطائرات مسيّرة، بعدها فقط يُزال الركام ببطء شديد، قطعة قطعة، حفاظا على ما تبقى من الجسد.

وفي النهاية، تُمنح الجثة رقما تعريفيا، وتُسجَّل بياناتها، ويؤخذ الحمض النووي إن أمكن، قبل نقلها إلى نقاط تجميع أو مشارح ميدانية.

ويختصر مشهد الجثمان الملفوف بالكفن الأبيض، المحمول بحذر، الرحلة كلها، من تحت الركام إلى وداعٍ أخير، يحاول أن يكون لائقا بإنسانية أنهكها الحصار والحرب.

هكذا، بين المتفجرات والإسبستوس، تتحول مهمة انتشال الجثث في غزة إلى رحلة رعب يومية، لا تبحث فقط عن موتى، بل عن حق الأحياء في المعرفة، وعن بقايا كرامة في مكان اعتاد أن يودّع أبناءه بصمت.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا