قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الحياة في غزة لا تزال بالغة الصعوبة، رغم مرور أكثر من شهرين على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وأكدت المتحدثة الإعلامية باسم الصليب الأحمر في غزة أماني الناعوق -في حوار- أن انهيار المباني المتضررة بسبب الفيضانات وسوء الأحوال الجوية مثير للقلق، ويزيد بشكل مأساوي عدد الضحايا في غزة، وقد اضطر مدنيون للجوء إليها رغم المخاطر، حيث لا خيارات أخرى أمامهم.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تتابعون الأزمات الإنسانية التي يعاني منها زهاء مليوني فلسطيني في قطاع غزة كتداعيات لحرب امتدت لعامين؟
لا تزال الحياة اليومية بالغة الصعوبة لمئات الآلاف من سكان غزة، إذ لم تعد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، ولا تزال آلاف العائلات مشتتة، وتفتقد أحباءها. والناس يرهقون في سعيهم للحصول على الطعام والماء النظيف والدواء والمأوى المناسب، والمدنيون هم من يدفعون الثمن الأكبر.
ومع تأثر أكثر من 80% من غزة بأوامر الإخلاء خلال الأشهر الماضية، يتكدّس المدنيون حاليا في مساحة بالكاد تستوعب هذا العدد الهائل من السكان، ولا تزال الخدمات الأساسية لا تعمل بشكل فعّال في مناطق عدة، وتوصف الظروف المعيشية للمدنيين بأنها صعبة للغاية.
وهناك حاجة ماسة لزيادة كبيرة في الإمدادات لتلبية احتياجات السكان، وقد أدى التذبذب في توفير -حتى المواد الأساسية خلال العامين الماضيين- إلى عدم حصول الناس على ما يكفي من الطعام، ولم يتمكنوا من الوصول إلى ملاجئ آمنة وفعالة، ويقضون معظم أوقاتهم في انتظار شاحنات المياه.
هل اختلف الواقع المعيشي للسكان بعد اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى اللحظة؟
مع أن حدة الأعمال العدائية قد انخفضت بشكل ملحوظ، فإن التحديات لا تزال قائمة، ولا يستطيع السكان العيش بكرامة في ظل هذه الظروف، إذ تنعدم الخصوصية، والمساحة، ومرافق النظافة والصرف الصحي.
ورغم انخفاض الأسعار، فإنها لم تعد إلى مستويات ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولذا فإن كثيرا مما يحتاجه السكان لا يزال باهظ الثمن حتى عند توفره.
وشهد السكان لأكثر من 24 شهرا أعمالا عدائية شديدة، ودمارا واسع النطاق، ونزوحا، و يجب أن تلبي المساعدات المقدمة التحديات العاجلة وطويلة الأمد القائمة، ليس فقط الغذاء والمأوى، بل أيضا إصلاح وإعادة بناء البنية التحتية، وأن تُقدم بطريقة مستدامة، تتسم بالكفاءة والتنظيم والشمولية.
كيف تقيّمون واقع المنظومة الصحية؟
يعاني النظام الصحي في غزة من انهيار شبه كامل بعد فترة تدهور مستمرة بسبب الأعمال العدائية. وعانت مستشفيات غزة من نقص حاد في الإمدادات الطبية، في الوقت الذي كانت تستقبل فيه باستمرار أعدادا كبيرة من جرحى الحرب.
وتبذل العيادات الخارجية ومراكز الرعاية الصحية الأولية قصارى جهدها لتلبية احتياجات المرضى، بمن فيهم النساء والأطفال، الذين لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة بسبب الأعمال العدائية. علاوة على ذلك، يُشكل ضعف الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي الفعال خطرا كبيرا للإصابة بأمراض مثل الإسهال، والدوسنتاريا، والتهاب الكبد الوبائي أ، والتيفوئيد.
ومع الضغط الهائل الذي تعاني منه المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، ونقص الإمدادات الطبية، سيُحرم غالبية المرضى من العلاج الفعال، مما يزيد خطر إصابتهم بالعدوى في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة.
الشتاء لم يُلق بعد بحمله كاملا، وقد انهار 13 منزلا خلال المنخفض الجوي الأخير، وخلف ضحايا شهداء وجرحى، ما حدود مسؤوليتكم؟
إن التقارير الواردة عن انهيار المباني المتضررة بسبب الفيضانات وسوء الأحوال الجوية مثيرة للقلق، وتزيد بشكل مأساوي من عدد الضحايا في غزة. و يُعرّض البقاء في المنازل المتضررة حياة المدنيين للخطر ليس فقط بسبب خطر الانهيار، بل أيضا بفعل أخطار الذخائر غير المنفجرة.
ومع فصل الشتاء، تتفاقم معاناة الناس الذين يقيمون في ملاجئ مؤقتة أو خيام مهترئة للموسم الشتوي الثالث على التوالي، فهذه الخيام غير قادرة على الصمود أمام الأمطار الغزيرة والرياح العاتية، مما يعرض آلاف العائلات لخطر الفيضانات والبرد القارس.
في الأيام الماضية، شهدت آلاف العائلات ظروفا لا تحتمل، حيث قضى كثير منهم ليالي بلا نوم في خيام غمرتها المياه، وأغرقت ممتلكاتهم وطرقهم، وهو ما زاد من معاناتهم التي ستستمر طوال فصل الشتاء.
والمياه غير الآمنة قد تلوّث مصادر المياه التي يستخدمها السكان للاستحمام، وقد تختلط بمجاري الصرف الصحي والنفايات، ومن ثم تتسبب في أخطار صحية جسيمة، وتنتشر القوارض والآفات، وزيادة احتمال تفشي الأمراض.
إذن، ما تدخلاتكم -بوصفكم لجنة دولية- لتحسين هذا الواقع؟
نعمل مع شركائنا على الأرض للاستجابة للاحتياجات الإنسانية المُلحّة في غزة، ولمواجهة ظروف الشتاء قمنا بصيانة شبكات مياه وصرف صحي.
كما قدّمنا للعام الثاني على التوالي مضخّات متحركة لشفط مياه الأمطار لمصلحة مياه بلديات الساحل للتخفيف من تأثير الفيضانات.
وقدمنا كذلك مستلزمات إيواء لعائلات نازحة تضررت من الفيضانات، وشملت الخيام والبطانيات والمفارش والشوادر وأكياس الرمل.
هل من تفصيل أكبر لمشاريعكم المرتبطة بالتخفيف من تداعيات الحرب على السكان؟
نواصل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة في غزة للتخفيف من معاناة السكان المدنيين. خلال الأسابيع الماضية، وزّعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مساعدات شملت مواد النظافة والمستلزمات المنزلية، واحتياجات الإيواء والطب الشرعي، والبطانيات.
كما ندعم النظام الصحي المنهار تقريبا في غزة عبر المستلزمات الطبية، ولا يزال مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح يعمل لتقديم الخدمات الصحية لجميع المحتاجين.
ومنذ إنشاء المستشفى في مايو/أيار 2024، أُجريت أكثر من 177 ألف استشارة طبية، وأكثر من 800 ولادة، وما يزيد على 11 ألف عملية جراحية، معظمها لجرحى الحرب.
وندعم أيضا مطابخ ومخابز المجتمع التي تخدم آلاف العائلات النازحة، التي مثّلت شريان حياة لمئات العائلات في غزة خلال هذه الفترة العصيبة، في ظل تزايد الضغوط الناجمة عن الاحتياجات الهائلة.
كما ندعم الجمع الأولي للنفايات الصلبة وفتح شبكات الصرف الصحي بمدينة غزة عبر توفير فرص دخل مؤقتة وشراء المواد الأساسية اللازمة لهذه العملية.
وبالتعاون مع شركائنا المحليين، نواصل إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي في قطاع غزة، وندعم إعادة تأهيل الآبار لتحسين وصول السكان للمياه، كما دعمنا نقل المياه بالشاحنات للعائلات النازحة.
إلى أين وصلت جهودكم في ملف تبادل الجثامين بين المقاومة والاحتلال؟
سنواصل دعمنا لتسهيل إعادة الجثامين إلى سلطات الطب الشرعي في غزة وإسرائيل بناء على طلب أطراف النزاع، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الأخير. وقد أوكلت إلينا هذه المهمة بموافقة الأطراف وبصفتنا وسيطا محايدا لتيسير إعادة الجثامين، حتى تتمكن العائلات من طي صفحة الماضي ودفن أحبائها وفقا لمعتقداتها وممارساتها الدينية.
وبصفتنا وسيطا محايدا، نرافق فرق البحث بناء على طلب أطراف النزاع وبموافقتهم، ولكننا لا نقوم -بوصفنا لجنة دولية- بالبحث عن رفات بشري أو تحديد مواقعه؛ فهذه مسؤولية أطراف النزاع، سواء بموجب القانون الدولي الإنساني أو بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. ولا نشارك -نحن مؤسسة الصليب الأحمر- في أي مفاوضات تتعلق بآليات هذه العمليات، مثل كيفية تنفيذها أو توقيتها.
ولقد كان اتفاق وقف إطلاق النار مهما لتمكين هذه العمليات وتسهيل عودة الأحبة لعائلاتهم، ومن الضروري أيضا أن يستمر لمنح أهالي غزة القدرة لتنفس الصعداء، وإغلاق هذا الفصل المؤلم، وتمكينهم من إعادة بناء حياتهم.
تتسلمون من إسرائيل جثامين مجهولة لشهداء فلسطينيين، لماذا لا تضغطون للكشف عن بياناتها وهوياتها؟
يُسهّل الصليب الأحمر نقل الجثامين إلى سلطات الطب الشرعي في غزة، استنادا إلى اتفاق وقف إطلاق النار وبناء على طلب الأطراف، بصفتنا وسيطا محايدا.
ويبدأ دور اللجنة المباشر في هذه العمليات لحظة تسلمنا الجثامين عند نقطة العبور بين إسرائيل وغزة، ونضمن التعامل مع الرفات بعناية وكرامة خلال عمليات النقل التي تحترم المعايير الإنسانية والطبية الشرعية المعترف بها، وأي مسألة تتعلق بالجثامين المستلمة، نتناولها ثنائيا مع السلطات المعنية، ولا نتطرق إليها علنا، ونتفهم مدى صعوبة محاولة العائلات التعرف على ذويهم.
ونظرا للقدرات المحدودة للغاية لسلطات الطب الشرعي ونقص المعدات اللازمة للتعرف على الجثامين في غزة، يدعم الصليب الأحمر تلك الجهات لضمان الإدارة السليمة والتوثيق وتتبع جميع الجثامين، حتى الذين لم يتم التعرف على هويتهم بعد. ويشمل ذلك:
التدريب على التعامل السليم مع الجثامين.
التبرع بمواد مثل أكياس الجثث وبطاقات التعريف ومعدات الوقاية الشخصية للعاملين.
توفير معدات تكنولوجيا المعلومات والتبريد.
كما يدعم الصليب الأحمر أيض
المصدر:
القدس