آخر الأخبار

كانديس أوينز.. اليمينية السوداء التي ناصرت فلسطين وعادت الصهيونية

شارك

على الأغلب، كان أفراد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوقّعون أن يهاجمهم اليسار الأميركي، الذي هاجم سلفه الرئيس السابق جو بايدن، على موقفهم الداعم لدولة الاحتلال أثناء حرب الإبادة على قطاع غزة، لكن لعل ما لم يتوقعوه هو الضغط الهائل الذي مارسته مجموعة من أبرز المؤثرين والإعلاميين اليمينيين المحافظين في البلاد ضد ممارسات دولة الاحتلال والانحياز الأميركي الأعمى لها.

وواحدة من أبرز هؤلاء الإعلاميين التي لم تدخِر جُهدا في الهجوم على دولة الاحتلال وعلى السياسة الأميركية تجاهها هي كانديس أوينز، الإعلامية اليمينية المسيحية المحافظة، التي اشتهرت بمقولتها: "الله سينتقم من كل مَن يدافع عن ما ترتكبه إسرائيل في غزة".

إن هذا الاتجاه غير المألوف الذي جسَّدته كانديس وأمثالها في صفوف اليمين الأميركي المحافظ، ومخالفتهم موقف اليمين المُعتاد من دولة الاحتلال، قد مثل ضغطا جديدا من نوعه على الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة من الحرب، خاصة أن الضغط استهدف القاعدة الانتخابية لترامب، وكان مبنيا على حجج مُقنعة للمواطن الأميركي المحافظ المتديّن الذي تعتمد الإدارة الأميركية على صوته.

كان نقد كانديس ورفاقها يرتكز على فكرة أن سياسة ترامب تجاه دولة الاحتلال مناقضة لشعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، فضلا عن أن خطابها يركّز على استثارة النزعة الوطنية الأميركية بالتركيز حول فكرة انصياع الولايات المتحدة الدائم للمصالح الإسرائيلية حتى حين تخالف تلك المصالح الأولويات الأميركية.

وتهاجم كانديس الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تحتاج لدولة الاحتلال، وتؤكد على حقيقة أن الولايات المتحدة كانت موجودة وفاعلة وقوية قبل حتى أن تتأسس دولة الاحتلال بفترة طويلة.

ليس هذا فحسب، بل إن كانديس قد وجَّهت قطاعا من الرأي العام الأميركي اليميني بعد مقتل تشارلي كيرك نحو اتجاه جديد للغاية حين أشعلت الجدل بقولها في برنامجها إن بيل أكمان، وهو من أبرز مؤيدي حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وفي الوقت نفسه من أبرز مؤيدي دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد هدَّد كيرك بعد أن وجد أنه على وشك تغيير آرائه بشأن ما يحدث في غزة وبشأن تأييده المطلق لدولة الاحتلال في ما سبق.

وحسب بليك نيف، وهو الرجل الذي أنتج العديد من أعمال تشارلي كيرك، فإن الهجمات التي شنتها كانديس على اليمينيين من أصدقاء كيرك، الذين اتهمتهم بمحاولة التأثير عليه وتهديده قبل اغتياله، قد عرَّضت هؤلاء الأشخاص لمضايقات جمَّة نظرا لأن قطاعا كبيرا من الجمهور تأثر برواية كانديس عن الأحداث.

ما قصة كانديس أوينز إذن، التي وصفتها صحيفة الإندبندنت بكونها من أخطر النساء وأكثرهن تأثيرا على الإنترنت، والتي تُعَد واحدة من أبرز وأشهر الصحفيين اليمينيين المستقلين في الولايات المتحدة، بعد أن وصلت شهرتها إلى العالمية، ولعبت دورا هاما على المستوى الثقافي في الخندق المُعادي لدولة الاحتلال في الإعلام الغربي مؤخرا؟

بدأت حياة كانديس أوينز بداية مختلفة عمَّا وصلت إليه الآن من قناعات، فقد كان سبب شهرتها في البداية مناقضا لقواعد شهرتها الحالية للمفارقة. ففي حين تشتهر كانديس اليوم برفضها عقلية الضحية التي يعيش بها قطاع عريض من أصحاب البشرة السوداء والنساء في الولايات المتحدة من وجهة نظرها، كان سبب شهرتها الأوّلي في الواقع كونها ضحية.

ففي عام 2007، حينما كانت كانديس أوينز طالبة في مدرسة ستامفورد الثانوية وتبلغ من العمر 17 عاما، تحوَّلت إلى حديث الصحف الأميركية بسبب شكواها المتعلقة بتلقيها رسائل صوتية تحتوي على خطاب كراهية عنصرية وتهديدات بالقتل من مجموعة شباب، كان من بينهم ابن رئيس البلدية في المنطقة.

وقد استطاعت عائلة أوينز آنذاك أن تتلقى 37 ألفا و500 دولار من الإدارة التعليمية التي تتبع لها مدرستها للتسوية بعد أن تقدمت العائلة بشكوى للجمعية الوطنية للنهوض بالمُلوَّنين ضد الإدارة التعليمية في ستامفورد بدعوى أنها قصَّرت في حمايتها وفي استجابتها لحالتها بعد تعرُّضها لتلك الحادثة.

بعد أن تركت كانديس دراستها الجامعية وواصلت تعليمها لنفسها، تدرَّبت في مجلة "فوغ"، ثم عملت في شركة استثمار بمدينة نيويورك، وبحلول عام 2015 تمكَّنت كانديس أيضا من إنشاء وكالة تسويق تُدعى "180 درجة"، وقد كانت هناك مُدوَّنة تابعة لتلك الوكالة تكتب فيها كانديس مقالات معادية بشدة لليمين وللأفكار المحافظة، إلى درجة أنها كانت تسخر على نحو جنسي من الرمز اليميني الصاعد آنذاك دونالد ترامب.

حتى هذا التوقيت كانت كانديس على طريقها لتصبح ناشطة في تيار اليسار الليبرالي الديمقراطي، خاصة أنها هي نفسها امرأة سوداء تعرضت لخطاب الكراهية العنصري، ومن ثمَّ عُدَّت قصتها تجسيدا لفكرة "سياسات الضحية" التي كان يُروِّج لها اليسار الليبرالي الأميركي في هذا التوقيت، والتي تعني التركيز على الفئات المستضعفة مثل النساء وأصحاب البشرة السوداء ومحاولة تمكينهم وإعطائهم امتيازات تحصنهم في مجتمع يتعرضون فيه للتهميش والاضطهاد، حسب الخطاب السائد آنذاك.


الله سينتقم من كل مَن يدافع عن ما ترتكبه إسرائيل في غزة

ولكن بحلول منتصف العقد الثاني من القرن تعرّضت كانديس لحادثة غيَّرت مسار حياتها، فقد أعلنت عن منصة لمكافحة التنمر اسمها "سوشيال أوتوبسي"، كان هدفها فضح المتحرشين والمتنمرين على الإنترنت بجمع منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وربطها بالهويات الحقيقية لمَن كتبها بما في ذلك عناوينهم وأسماؤهم ومدارسهم، لتُفاجأ كانديس آنذاك بسيل من النقد اللاذع من المنتمين للتيار الليبرالي واليساري والنسوي نفسه، الذي رأى قطاع منه في مشروعها استنساخا لتكتيكات المتحرشين والمتنمرين أنفسهم، وأن مثل هده المنصة قد تُعرِّض النساء والمُلوَّنين والمنتمين لمجتمع الميم أنفسهم لأزمات كبيرة.

اعتبرت كانديس أن الهجمة على مشروعها كشفت لها حقيقة التيار التقدُّمي، وأنه تيار منافق من وجهة نظرها، كما وصفت ما مرَّت به بعد ذلك قائلة: "لقد أصبحتُ محافظة بين عشية وضحاها، إذ أدركتُ أن الليبراليين هم العنصريون والمتنمرون الحقيقيون".

وفيما بعد، أنشأت كانديس عام 2017 قناة على يوتيوب بعنوان "حبة حمراء سوداء"، وتعبير الحبة الحمراء هو تعبير مُستقى من فيلم "الماتريكس"، ويعني اختيار حبة معرفة الحقيقة المُرَّة التي يخفيها المجتمع. وقد بدأت في نشر مقاطع تُروِّج فيها للأفكار المحافظة، وتقول إن مشاكل السود الحقيقية تكمُن في ثقافتهم وأفعالهم هم، وليس في الاضطهاد الهيكلي المستمر من البيض.

وبدأت كانديس تستخدم الإحصاءات والبيانات لتدلل على ذلك، داعية المجتمع الأسود في الولايات المتحدة الأميركية أن يتخلى عن ثقافة الضحية التي ينشرها بينه الديمقراطيون والتقدُّميون، وأن يتيقَّظ لحقيقة أن الأغلبية المطلقة التي تتجاوز 90% من ضحايا العنف من السود يحدث لهم ذلك في جرائم يرتكبها سود مثلهم، وأن نسب الآباء الذين يتركون أسرهم ويتخلون عن أبنائهم تتعلق بما يفعله السود أنفسهم في بعضهم البعض، وليس لها علاقة باضطهاد البيض لهم، على حد وصفها.

اكتسبت مقاطع كانديس المناهضة للأفكار التقدمية والنسوية وسياسات الهوية والضحية متابعين كُثرا في وقت تمتعت فيه تلك الأفكار بسطوة كبيرة، وكانت مناهضتها فعلا جريئا في حينه ومحفوفا بالمخاطر. ولكن ما أكسب كانديس القدرة على الاستمرارية واجتذاب المزيد من المتابعين هو قدرتها الكبيرة على المناظرة واستخدام البيانات والبراهين لإثبات قوة حُجتها.

بحلول نهاية عام 2017، أصبحت كانديس مديرا للمشاركة الحضارية بمنظمة "نقطة تحوُّل الولايات المتحدة الأميركية"، تلك المنظمة الشهيرة التي ارتبطت باسم مؤسسها تشارلي كيرك وكانت تنظم فعاليات للمحافظين واليمينيين في الولايات المتحدة، ثم أصبحت مديرة الاتصالات بالمنظمة. وفي حين التقى تشارلي كيرك بكانديس للمرة الأولى في مؤتمر لليمينيين المحافظين بفلوريدا في ذلك العام، قال إنه بعد 30 ثانية من رؤيتها على المسرح قال لنفسه إنه لم يرَ موهبة مثلها طوال سنوات عمله في السياسة، ومن ثم سرعان ما وظَّفها.

كانت كانديس تتحول بسرعة رهيبة من فتاة اشتهرت في بداية حياتها بسبب تعرضها لحادثة تنمر عنصري إلى ناشطة ذات جماهيرية واسعة بين المحافظين والأميركيين من أصحاب البشرة البيضاء، ومناهضة لحركة "حياة السود مُهِمة" (Black Lives Matter) بوصفها حركة تُرسِّخ نظرة غير واقعية للسود على أنهم ضحايا.

صارت كانديس أيضا صحفية بارزة ذات علاقة ناشئة قوية بالرئيس الأميركي ترامب الذي اعتبرته أفضل رئيس للسود في الولايات المتحدة، وكان ترامب قد وصفها بأنها امرأة ذكية، ولعل أهم ما عزز الصلة بين كانديس وجموع كبيرة من الجمهور الأميركي هو دفاعها عن قِيم الأسرة المسيحية وهجومها العنيف على النسوية في وقت رأى فيه كثير من الرجال الأميركيين البيض أنفسهم مظلومين ولا صوت لهم في الخطاب الإعلامي السائد.

باختصار، وفي وقت التف فيه مجتمع السود حول الأفكار التقدمية والديمقراطية، حاولت كانديس أن تقود ثورة سوداء في المجتمع الأسود نفسه، بقولها إن اليسار يحاول دوما أن يُقنِع السود بأكاذيب من وجهة نظرها، وهي أكاذيب تؤدي في النهاية إلى ترسيخ عقلية الضحية واختلاق الأعذار بدلا من الفعل والمبادرة لتغيير الواقع، فبدلا من أن يبدأ الرجل الأسود والمرأة السوداء في محاولة استغلال إمكاناتهم للوصول للنجاح وللأسرة المستقرة، يغرقون دوما في فخ التفكير في الماضي والعنصرية المُمنهَجة وما إلى ذلك، وحينها يتوقف السود عن النظر للمشاكل المتعلقة بالثقافة السائدة بينهم التي تؤدي لاستمرار الفقر.

بدأت كانديس تتبنى أيضا خطابا مثيرا للجدل بقولها إنه إن كانت هناك عنصرية، فهي ضد البيض وليس السود، فإذا قال أي أبيض شيئا، حتى لو كان عاديا، لكن يمكن أن يُشم منه رائحة العنصرية، فحينها سيتعرض لثقافة الإلغاء ويتم إقصاؤه، في حين أن الشخص الأسود يمتلك حرية أكبر خلال هذا العصر في التعبير عن نفسه وعن آرائه.

باختصار بَنَت كانديس أفكارها، ليس بإنكار وجود حالات عنصرية على المستوى الفردي ضد السود في الولايات المتحدة، ولكن بإنكارها أن يكون هناك حجاب غير مرئي يمنع السود من النجاح الفردي كما يدعي اليسار من وجهة نظرها، وأنه لربما كان حقيقيا في الماضي، لكنه منذ سنوات طويلة لم يعد كذلك، وأن المجتمع الأسود يجب أن يتبنَّى الآن فكرة المسؤولية الشخصية والتحلّي بأخلاقيات عمل أفضل واتباع نهج أكثر انضباطا في الحياة والتمسُّك بقِيم الأسرة وعدم إنجاب أطفال قبل الزواج، كي يُغيِّر واقعه الاقتصادي والاجتماعي دون الدخول في ماراثون الاضطهاد الذي يريد اليسار أن يُدخِل فيه الجميع، وأن يلعب فيه أفراد المجتمع دور الضحية إلى ما لا نهاية.

يقول الكثيرون من منتق

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا