آخر الأخبار

إعلان ترمب المرتقب.. غزة بانتظار المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار

شارك

د. رهام عودة: الخطوة الأكثر احتمالاً هي الإعلان عن تشكيل لجنة التكنوقراط كمدخل لإدارة شؤون قطاع غزة وتسلّم الحكم
نعمان توفيق العابد: إعلان مجلس السلام لن يفضي إلى أي تغيير ملموس ما لم تضغط واشنطن على إسرائيل لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة
عدنان الصباح: الخطوة الأخطر هي إيجاد من سينفّذ مهمة نزع السلاح بغزة حيث تسعى أمريكا وإسرائيل لتوريط طرف فلسطيني يقبل بذلك
د. أمجد بشكار: تقدّم الخط الأصفر واستقراره النسبي على الأرض عملية تثبيت مؤقت لواقع ميداني سيدوم أشهراً عدة لكنه لن يتحول إلى حدود دائمة
فراس ياغي: نتنياهو يطرح مرحلة إضافية ثالثة يسميها "نزع التطرف" التي تشمل تغيير المناهج والبرامج التربوية داخل غزة لإعادة تشكيل البيئة الاجتماعية
محمد جودة: من المرجح أن نشهد تهدئة هشّة تُدار عبر آلية دولية أو عربية–دولية تُخفّف الضغط الإنساني دون أن تصل إلى حل سياسي شامل


تتجه الأنظار إلى الإعلان المرتقب الذي يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للكشف عنه بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط تقديرات بأنه لن يقدّم حلولاً جذرية بقدر ما سيؤسس لمرحلة انتقالية معقدة.
ويوضح كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن التوجه الأمريكي يقوم على إطلاق ترتيبات سياسية وإدارية جديدة تشمل تشكيل لجنة تكنوقراط ومجلس سلام، بهدف إدارة شؤون القطاع مؤقتاً، في وقت تواصل فيه إسرائيل التعامل مع أي خطة باعتبارها فرصة لتثبيت نفوذها على الأرض لا التزامات يجب تنفيذها.
وبحسب الكتاب والمحللين والمختصين وأساتذة الجامعات، تكشف التطورات الميدانية الأخيرة عن محاولة إسرائيل توسيع مناطق سيطرتها تحت ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، ما يجعل أي مبادرات سياسية عرضة للتعطيل أو الاستخدام كغطاء لإدارة الأزمة لا حلّها، في المقابل، تكتفي واشنطن بالحديث عن تخفيف المعاناة الإنسانية من دون طرح أدوات إلزامية تضمن التطبيق.
وبين هذه الحسابات المتشابكة، تبدو السيناريوهات المقبلة مفتوحة على مسارات رمادية: إدارة انتقالية محدودة، أو تثبيت واقع التفوق الإسرائيلي، أو موجة توتر جديدة، ويبقى مستقبل غزة محكوماً بمدى جدية الأطراف الدولية في تحويل جهودها إلى خطوات قابلة للتنفيذ على الأرض.


جملة من الترتيبات السياسية والأمنية

تتوقع الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن يرتبط الإعلان المرتقب للرئيس الأمريكي دونالد ترمب -المتعلق بخطة وقف النار في قطاع غزة- بجملة من الترتيبات السياسية والأمنية، من بينها اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل، وتشكيل مجلس السلام ولجنة تكنوقراط تمهيداً لإدارة القطاع.
ورغم ذلك، تؤكد عودة أن سرعة تنفيذ المرحلة الثانية ستظل محدودة بفعل تردد إسرائيل في تطبيق بنود الاتفاق، مقابل تردد دولي في إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى غزة.
وتشير إلى أن الخطوة الأكثر احتمالاً في البداية هي الإعلان عن تشكيل لجنة التكنوقراط كمدخل لإدارة شؤون القطاع واستلام الحكم من حكومة حماس الحالية، وفي حال قبول الحركة بتسليم الصلاحيات لهذه اللجنة، قد تبدأ ترتيبات أولية لتحسين حياة الأهالي مثل إدخال بيوت متنقلة (كرفانات) كمساكن مؤقتة، وفتح معبر رفح أمام المرضى والجرحى وحملة الإقامات والجنسيات الأجنبية والطلبة.
وترى عودة أن المعاناة لن تنتهي بالكامل، لكنها قد تتراجع جزئياً عبر توسع المساعدات الإنسانية وتسهيلات السفر.

ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الخطة

وتعرض عودة ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الخطة: السيناريو الأول: نجاح ترمب في تأسيس مجلس السلام وإرسال قوات دولية لتعمل مؤقتاً في "المنطقة الصفراء"، إلى جانب لجنة تكنوقراط تستلم الحكم من حماس مع دمج موظفي الحركة بشكل غير مباشر في أجهزة الإدارة والخدمات.
وتؤكد أن هذا المسار سيؤدي إلى حالة شد وجذب بين مجلس السلام وحماس والفصائل المسلحة حول طبيعة السلاح وآليات تسليمه وصلاحيات الحكم، وهو ما سيؤخر الانسحاب الإسرائيلي الكامل ويبقي السيطرة الإسرائيلية على المنطقة الصفراء مع تنفيذ ضربات متقطعة ضد عناصر حماس وتوسيع تدريجي لهذه المنطقة.
السيناريو الثاني وفق عودة، إعلان تشكيل المجلس واللجنة من دون نجاح في نشر قوات دولية، ما يفتح الباب أمام محاولة تركية لإرسال قواتها إلى غزة كحل بديل، وسط رفض إسرائيلي متوقع لهذا الدور.
وتشير عودة إلى أن المرحلة وفق هذا السيناريو قد تشهد مفاوضات أمريكية–إسرائيلية لإقناع تل أبيب بقبول الدور التركي مؤقتاً، فيما تبدأ لجنة التكنوقراط ممارسة مهامها تدريجياً مع محادثات لانتزاع صلاحيات حماس ودمج موظفيها في القطاعات الخدمية، وفي هذا السيناريو، ستتمسك إسرائيل بالسيطرة على المنطقة الصفراء بدعوى غياب قوة دولية محايدة قادرة على الانتشار.
وتشير عودة إلى السيناريو الثالث وهو تشكيل المجلس واللجنة ونجاح نشر قوات دولية، لكن مع رفض حماس تسليم سلاحها رغم قبولها بتسليم إدارة القطاع شكلياً للجنة.
وتوضح عودة أن هذا سيخلق ازدواجية في الإدارة وخلافات بين اللجنة وحماس، إلى جانب احتكاكات بين الشرطة الفلسطينية التي جرى تدريبها في مصر وشرطة حماس.
وفي حال استمرار رفض الحركة لنزع السلاح، ترجّح عودة أن تلجأ إسرائيل إلى تصعيد عسكري تدريجي لمحاولة تنفيذ عملية تجريد القطاع من السلاح بصورة منفردة.

حكومة نتنياهو تعمل وفق نمط تراكمي قديم

يحذّر الكاتب والباحث السياسي والمختص في العلاقات الدولية نعمان توفيق العابد من أنّ حكومة بنيامين نتنياهو تعمل، وفق نمط تراكمي قديم، على التهرّب من أي التزامات سياسية أو أمنية يتطلّبها مسار التسويات، سواء تلك التي وُقّعت برعاية دولية أو بضمانات أمريكية.
ويؤكد أن تل أبيب دأبت على إدخال المفاوضات في "قضايا مستحدثة" لطمس البنود الأساسية التي جرى التوافق عليها سابقاً، كما حدث في مسار أوسلو والاتفاقيات الموقّعة مع الفلسطينيين والعرب وحتى الاقتصادية منها.
ويوضح العابد أن السلوك الإسرائيلي الحالي في غزة يقوم على فرض وقائع ميدانية جديدة تتمثل في رسم حدود شبه دائمة تقتطع ما يقارب 60% من مساحة القطاع، بما يسمح للجيش الإسرائيلي بإبقائها تحت السيطرة المباشرة، وتهيئة الأرضية لمرحلة تفاوض لاحقة تُناقش واقعاً مفروضاً وليس حلولاً متفقاً عليها.
ووفق العابد، فإن إسرائيل تراهن على أن يتحوّل هذا الواقع إلى حدود دائمة يجري تطبيق المراحل التالية من "خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب" ضمنها، بما يشمل مسألة نزع السلاح وانتشار القوات، في حين يُحشر الفلسطينيون في المساحة المتبقية، والتي لا تتجاوز 40%، وسط ظروف إنسانية مأساوية.
ويشير إلى أن أخطر ما في المشهد هو استثمار هذا الوضع لتكريس "أفكار التهجير" عبر تعميق المأساة الإنسانية ومنع المساعدات وتأخير الإعمار وإبقاء الفوضى الإدارية والأمنية، بما يدفع الفلسطينيين إلى فقدان الأمل وإلى القبول قسراً بما يُسوّق على أنه "تهجير طوعي".
ويؤكد العابد أن الإدارة الأمريكية، التي تغض الطرف عن عدم التزام إسرائيل حتى بالمرحلة الأولى من الخطة، تُظهر تركيزاً على تسجيل إنجاز سياسي يُنسب للرئيس ترمب أكثر من اهتمامها بإحداث تغيير فعلي على الأرض.
ويرى أن إعلان مجلس السلام المرتقب في نهاية الشهر، عقب اجتماع ترمب بنتنياهو، لن يفضي إلى أي تغيير ملموس ما لم تمارس واشنطن ضغطاً فعلياً على تل أبيب لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة، وهو ما لم يظهر حتى الآن، بل إن عدم تطبيق "الأسهل" من الالتزامات يجعل "الأصعب" بعيد المنال.
ووفق العابد، يزداد المشهد تعقيداً في ظل ضعف الموقف الفلسطيني الداخلي، وتدهور الأوضاع مع دخول الشتاء، إلى جانب محدودية قدرة الوسطاء والضامنين على الضغط على الولايات المتحدة أو إسرائيل.
ويؤكد العابد أن السيناريو الأرجح هو تثبيت الحدود الجديدة وإبقاء الاحتلال في المناطق التي يسيطر عليها، مقابل استمرار المعاناة الإنسانية في المناطق الأخرى، ما يعمّق حالة الجمود ويمنع الانتقال إلى أي مرحلة سياسية حقيقية، حتى لو أُعلن عن مجلس السلام رسمياً.

"خطة ترمب" جاءت وفق أهداف محددة

يحذّر الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح من أن "خطة ترمب" جاءت وفق أهداف محددة تخدم الاحتلال الإسرائيلي قبل أي طرف آخر، موضحاً أن الهدف الأول كان استعادة الأسرى الإسرائيليين بأقل الخسائر، والثاني إنقاذ الاحتلال من مأزقه العميق في غزة؛ وهو مأزق تمثل في العجز عن تحقيق الأهداف العسكرية، واستنزاف القوات، وتفاقم الأزمة الداخلية، والعزلة الدولية المتزايدة التي باتت تُطوّق إسرائيل إلى حد غير مسبوق. وبحسب الصباح، فقد قدّم ترمب "مهرباً آمناً" للاحتلال، مكّنه من الخروج من أزماته ومن استعادة جميع أسراه دون أن يضطر لدفع أثمان أكبر.
ووفق الصباح، فإن الخطوة الوحيدة المؤكدة في المرحلة المقبلة هي تشكيل مجلس السلام، باعتباره بات يتمتع بـ"شرعية أممية" عقب تبنيه في قرار مجلس الأمن 2803، وهو ما يمنح ترمب غطاءً قانونياً وسياسياً للهيمنة على قطاع غزة.
ويرى أن المجلس التنفيذي الذي سيُشكّل لاحقاً سيكون مكلّفاً بتنفيذ سياسة تقوم على التهجير وإعادة الإعمار وفق نموذج الاستثمار في الأرض دون سكانها، ما يحوّل غزة إلى مساحة اقتصادية متنازع عليها لا ترتبط بعودة الحياة الطبيعية للفلسطينيين.
ويؤكد الصباح أن الحرب على غزة لم تتوقف فعلياً، بل تغيّرت أدواتها وأشكالها بهدف مواصلة الضغط على السكان ودفعهم للبحث عن خلاص فردي عبر الهجرة.
ويشير إلى أن الوعود المتعلقة بالانتقال إلى "المرحلة الثانية"، بما فيها حكومة تكنوقراط أو بدء الإعمار، ليست سوى "أكذوبة" لإطالة أمد الضغط، بينما تشير تقديرات الخبراء إلى أن إزالة الركام وحدها تحتاج 10 إلى 15 عاماً، في ظل وجود ملايين الأطنان من الأنقاض والنفايات التي تتزايد يومياً.
ويلفت الصباح إلى أن الاحتلال لا يزال "يدحرج الخط الأصفر" في غزة، أي يدفع حدود السيطرة الإسرائيلية إلى الأمام بشكل مستمر، ما يؤكد وجود تقاسم غير معلن بين الولايات المتحدة وإسرائيل: الضفة للاحتلال، وجزء من غزة لواشنطن.
ويعتبر الصباح أن الخطوة الأخطر التي يجري العمل عليها حالياً هي من سينفّذ مهمة نزع السلاح في غزة، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب لتوريط طرف فلسطيني يقبل بذلك، وهو ما يهدد بإشعال صراع فلسطيني–فلسطيني قد يؤدي إلى تفكيك النظام السياسي برمّته، ويتيح للاحتلال توسيع سيطرته في الضفة وحشر الفلسطينيين في معازل مقطعة، وبما يحقق فرصة إسرائيل بالتخلص من السلطة الفلسطينية.
ويرى أن شرعنة دور ترمب على رأس "مجلس السلام" ستمهّد لقيام إدارة تنفّذ مشروع تحويل غزة إلى استثمار أمريكي–إقليمي، بالتوازي مع تقليص الوجود السكاني الفلسطيني وإعادة صياغة القضية الفلسطينية باتجاه الإلغاء.
ويؤكد الصباح أن النجاة الوحيدة تكمن في موقف فلسطيني موحّد، جامع، يستند إلى برنامج وطني كفاحي واضح، محذراً من أن استمرار غياب الوحدة سيقود الفلسطينيين نحو "الهاوية".

الإعلان المرتقب بشأن غزة لا يحمل مفاجآت

يعتبر أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار أن إعلان الرئيس الأمريكي المرتقب بشأن غزة لا يحمل مفاجآت بقدر ما يعيد تأكيد البنود التي سبق أن طُرحت في إطار التفاهمات الخاصة بوقف الإبادة الجماعية في القطاع.
ويرى بشكار أن إعلان ترمب قد يتحول إلى أداة سياسية تُستخدم بآلية "العصا والجزرة"، حيث لوّحت إسرائيل مرارًا بالعصا في مقابل خطوات فلسطينية تُدفع تحت الضغط، في وقت تبقى فيه أوراق القوة مفقودة لدى الطرف الفلسطيني مقارنة بامتلاك إسرائيل زمام المبادرة الميدانية والسياسية.
ويوضح أن تقدّم الخط الأصفر واستقراره النسبي على الأرض عملية تثبيت مؤقت لواقع ميداني سيدوم عدة أشهر، لكنه لن يتحول إلى حدود دائمة، فوجود قوات إسرائيلية داخل ما يعرف بالمنطقة الصفراء لا يمكن استمراره طويلًا، خصوصًا في ظل وجود أطراف إقليمية فاعلة لا ترغب في منح إسرائيل فرصة لتكريس ترتيبات أحادية أو التقدم ضمن سياقات سياسية مثل اتفاقيات "أبراهام" في ظل خروقات إسرائيلية متكررة.
وفيما يتعلق بقوات السلام التي يجري الحديث عن نشرها في غزة، يؤكد بشكار أن الإدارة الأمريكية ما زالت عاجزة عن تحديد مهمتها الأساسية: هل هي لنزع سلاح المقاومة بالقوة أم لضبط الأمن ومنع الاحتكاك؟
ويشير بشكار إلى أن دولًا محتملة للمشاركة -وعلى رأسها تركيا- تفهم مهمتها باعتبارها "حافظة للأمن" وليس كبديل عن الجيش الإسرائيلي داخل القطاع.
ولهذا، يستبعد بشكار أي سيناريو يقود إلى نزع السلاح بالقوة، متوقعًا أن يتم التعامل مع الملف عبر اتفاقات سياسية تتضمن تسليم السلاح الثقيل -إن وجد- أو وضعه ضمن صيغة تنظيمية مشتركة تحدّ من إمكانية استخدامه دون القضاء عليه بالكامل.
ويشدّد على أن التواصل السياسي الفعلي يجري اليوم مع الإدارة الأمريكية وليس مع إسرائيل، لأن حكومة بنيامين نتنياهو ترفض أي اتفاق، حتى لو شمل نزع سلاح المقاومة.
ولذلك بحسب بشكار، تعمل الأطراف الوسيطة، مثل تركيا وقطر ومصر، على التفاهم مباشرة مع الأمريكيين لضمان التزام إسرائيل بأي اتفاق يتم التوصل إليه، في ظل قناعة متزايدة بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير معنية بتسوية أو تهدئة ثابتة.
أما بشأن السيناريوهات المتوقعة مع دخول العام الجديد، فيرى بشكار أن غزة متجهة نحو نموذج يشبه لبنان بشكل جزئي بما يتعلق بالوضع الأمني، أي تثبيت حالة اللاحرب واللاسلم لمدد طويلة، مع تسجيل تقدّم بطيء في تشكيل القوة الدولية المقترحة.
ويشير بشكار إلى أن مهمة القوة الدولية لن تكون نزع سلاح المقاومة، بل منع التصعيد وضبط الاحتكاك بين المقاومة وجيش الاحتلال، في محاولة لخلق مساحة سياسية تُبقي الوضع تحت السيطرة دون حلول حاسمة.

إسرائيل لم تُظهر تاريخياً أي التزام باتفاقاتها

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن إسرائيل لم تُظهر تاريخياً أي التزام باتفاقاتها، وأن موازين المشهد الإقليمي القادم ستتحدد بشكل أساسي وفق التطورات الداخلية في إسرائيل.
ويشير ياغي إلى أن اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نهاية الشهر الحالي، سيحسم اتجاه المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الضغوط الأمريكية المتصاعدة لبدء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترمب.
وبحسب ياغي، فإن الحديث داخل إسرائيل عن "الخط الأصفر" كحدود نهائية أو كجدار برلين جديد ليس مطروحاً لدى الوسطاء ولا لدى واشنطن، مؤكداً أن نتنياهو يربط موافقته على التقدم في المرحلة الثانية بجملة شروط أساسية، أبرزها الحفاظ على حرية الحركة العسكرية داخل قطاع غزة على غرار ما يفعله الجيش الإسرائيلي في لبنان، إضافة إلى رقابة أمريكية مباشرة على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، والحصول على حق النقض (الفيتو) على هوية الجهات المشاركة في الإدارة المدنية أو قوة الاستقرار الدولية.
ويشير ياغي إلى أن نتنياهو يسعى لضمان تعهد أمريكي بنزع سلاح حماس بالكامل، وليس وفق المقترحات التي قدمتها تركيا وقطر ومصر المتعلقة بتسليم السلاح الهجومي فقط، بل نزع السلاح من جميع الفصائل داخل غزة.
ويؤكد ياغي أن نتنياهو يطرح أيضاً مرحلة إضافية ثالثة يسميها "نزع التطرف"، وتشمل تغيير المناهج والبرامج التربوية داخل غزة لإعادة تشكيل البيئة الاجتماعية التي يرى أنها نشأت خلال حكم حركة حماس منذ عام 2007.
ويلفت إلى أن المصالح الأمريكية تدفع باتجاه إنجاز المرحلة الثانية، إذ يسعى ترمب لتثبيت "إنجاز استراتيجي" في الشرق الأوسط قبل الانتقال إلى ملفات يعتبرها مركزية، مثل فنزويلا وكولومبيا، في إطار إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنت قبل عدة أيام والتي تعتمد مبدأ "مونرو" الذي يتحدث عن الفضاء الحيوي الأمريكي متمثلاً في الأمريكتين وفي الحفاظ على أمن إسرائيل وجعلها محور ومركز المنطقة ضمن خطته لتوسيع الاتفاقيات الأبراهامية والتي تمكن إسرائيل بأن تلعب دور الحارس في منطقة غرب آسيا لضمان استقرار الممرات البحرية والبرية وحركة التجارة العالمية.

السيناريوهات المتوقعة في العام المقبل

ويرى ياغي أن السيناريوهات المتوقعة في العام المقبل تعتمد كلياً على التطورات الداخلية الإسرائيلية، فإذا حصل نتنياهو على عفو رئاسي من يتسحاق هرتسوغ، فقد تتشكل حكومة تميل إلى اليمين والوسط وتنسجم مع الرؤية الأمريكية، ما قد يقود إلى انفراجة في غزة، وتعزيز مسار التطبيع، وتوسيع الاتفاقيات الأبراهامية، وتفاهمات أمنية في لبنان وسوريا لمحاصرة إيران، أما إذا كان "العفو" مشروطا بالانتخابات المبكرة فالتصعيد في لبنان ومع إيران سيكون هو مظلة نتنياهو للفوز بالانتخابات مع بقاء وضع غزة يراوح مكانه.
أما إذا لم يصدر العفو بحق نتنياهو، فيتوقع ياغي تصعيداً واسعاً، مستنداً إلى تصريحات ترمب بأنه "لن يجبر نتنياهو على شيء". ويرجّح ياغي في حال عدم العفو، أن يلجأ نتنياهو إلى التصعيد على مختلف الجبهات -غزة، ولبنان، وربما إيران- لتحقيق مكاسب انتخابية وتعزيز صورته كـ"رجل الأمن" قبل أي انتخابات مقبلة.
ويوضح ياغي أن إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة في غزة، وتحاول الإدارة الأمريكية عبر الدبلوماسية إنقاذ تل أبيب من الذهاب نحو احتلال كامل للقطاع، في وقت تستعد فيه إيران ولبنان لجولة جديدة من التصعيد، بينما يبقى مستقبل غزة والمنطقة بأكملها رهن التوازنات داخل إسرائيل وما ستسفر عنه مفاوضات نتنياهو وترمب.


الخروقات المتكررة لم تعد مجرد تجاوزات ميدانية

يوضح الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن الخروقات الإسرائيلية المتكررة لم تعد مجرد تجاوزات ميدانية، بل باتت أداة تفاوضية تهدف من خلالها إسرائيل إلى فرض واقع جديد على الأرض في قطاع غزة.
ويرى أن كل خرق يتحول إلى "رسالة سياسية" لا مجرد تحرك عسكري، تُستخدم لاختبار ردود الفعل الدولية وتقدير إمكانية تكريس هذا الخط كحد فاصل فعلي، خصوصاً في حال تعثّر المسار السياسي أو فشله.
ويشير جودة إلى أن ما يدور حول الإعلان المرتقب للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، سواء بشأن "مجلس السلام" أو صيغة إدارة دولية للمرحلة المقبلة في غزة، قد يشكّل إطارًا سياسيًا مساعدًا لكنه غير قادر على قلب المشهد بصورة شاملة.
ويشدّد على أن أي خطوة لتخفيف المعاناة الإنسانية ستظل مرهونة قبل كل شيء بسلوك إسرائيل على الأرض: وقف الخروقات، وتسهيل دخول المساعدات، وتخفيف القيود على المعابر، وكذلك بمدى قبول الفصائل الفلسطينية بصيغ الإدارة الانتقالية المطروحة، وهو عامل لا يزال موضع خلاف واسع.
وبحسب جودة، فإن الإعلان الأمريكي يمكن أن يوفّر "هامشًا إنسانيًا أوسع" لكنه لن يعالج جذور الأزمة من دون آليات تنفيذ واضحة وملزمة، وهو ما يعتبر العامل الأكثر غيابًا في الطروحات المتداولة حتى الآن.
ويستعرض جودة ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمرحلة المقبلة: السيناريو الأول وهو تثبيت تهدئة هشّة تُدار عبر آلية دولية أو عربية–دولية، تُخفّف الضغط الإنساني دون أن تصل إلى حل سياسي شامل.
ويعتبر جودة هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا في ظل الإرهاق العام لدى مختلف الأطراف وعدم قدرة أي طرف على تغيير المعادلة جذريًا.
السيناريو الثاني وفق جودة، تكريس الواقع الحالي، أي بقاء الخط الأصفر كفاصل "وظيفي" غير معلن، مع استمرار السيطرة الإسرائيلية ضمن مساحات محسوبة.
ويحذر جودة من أن هذا السيناريو سيزيد تعقيد المشهد على المدى الطويل، ويجعل من الخطّ الأصفر فعليًا نقطة ارتكاز لأي ترتيبات مستقبلية.
ويشير إلى السيناريو الثالث وهو احتمال التصعيد، سواء بسبب انهيار التفاهمات أو توسّع التوتر في الضفة الغربية.
ويرى جودة أن هذا السيناريو أقل احتمالاً لكنه يبقى قائمًا نظراً لاهتزاز البنية الأمنية والسياسية، ما يجعل أي شرارة قابلة لإشعال موجة جديدة من التوترات.
ويشير جودة إلى أن مستقبل المشهد سيظل مرتبطًا بعاملين حاسمين: القدرة الأمريكية والدولية على تحويل الوعود السياسية إلى آليات تنفيذ، واتجاه السلوك الإسرائيلي ميدانياً بوصفه العامل الأكثر تأثيراً في إنقاذ التهدئة أو إفشالها.
ويؤكد جودة أن العام الجديد سيحمل مزيجًا من التهدئة المؤقتة وتثبيت الواقع، مع احتمال محدود للتصعيد، تبعاً لما ستشهده الأيام المقبلة.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا