يعيش الشارع الفلسطيني حالة من الترقب الحذر والمشوب بالقلق بانتظار دخول "المرحلة الثانية" من الخطة الأمريكية المقترحة لقطاع غزة حيز التنفيذ، وذلك في ظل سياسة المماطلة والتسويف التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي سعت طوال الأسابيع الماضية إلى التملص من استحقاقات هذه المرحلة ومحاولة حصر الاتفاق في جزئيته الأولى فقط.
وعلى الرغم من ضبابية المشهد السياسي وعدم وضوح الجدول الزمني الدقيق، تفيد مصادر مطلعة بأن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً مكثفة على تل أبيب للمضي قدماً في بنود الخطة، وتحديداً المرحلة الثانية التي يعلق عليها أهالي القطاع آمالاً كبيرة لكونها تتضمن تثبيتاً لوقف إطلاق النار وانطلاقاً لعملية إعادة الإعمار، وسط خشية حقيقية من استمرار التعنت الإسرائيلي، حيث تشير التقارير إلى نية الرئيس الأمريكي الإعلان عن الانتقال لهذه المرحلة وتشكيل هيئة حكم جديدة للقطاع قبل حلول أعياد الميلاد.
وتتضمن بنود هذه المرحلة المفصلية تشكيل هيئة حكم انتقالية مدنية لإدارة شؤون القطاع، تتألف من شخصيات فلسطينية مستقلة وخبراء دوليين، إلى جانب نشر قوات دولية لضمان الاستقرار، واستكمال انسحاب قوات جيش الاحتلال من الخطوط الحالية إلى مواقع خلفية، فضلاً عن البدء الفوري في إزالة الركام الهائل والأنقاض تمهيداً لعملية إعادة الإعمار الشاملة.
إلا أن العقبة الكأداء تكمن في الشرط المسبق المتعلق بـ "نزع سلاح المقاومة وتدمير الأنفاق" كمتطلب أساسي للتقدم في هذه المرحلة، وهو ما يثير ريبة الفلسطينيين من استخدام هذا الشرط التعجيزي كذريعة لوقف تنفيذ الاتفاق، رغم وجود تلميحات أمريكية بإمكانية ترحيل هذا الملف المعقد إلى مراحل لاحقة أو إيجاد صيغ بديلة.
وفي السياق ذاته، تؤكد تقارير عبرية أن المؤسسة الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال لا تزال تعتبر نزع السلاح بالكامل شرطاً غير قابل للتفاوض، رافضة أي مقترحات وسطية مثل "إخراج السلاح من الخدمة" أو تخزينه، خشية استخدامه مستقبلاً، وقد وصل الأمر بمسؤولين إسرائيليين إلى التهديد بأن عدم تحقيق هذا الشرط سيواجه بعمل عسكري مباشر، مما يفرغ أي اتفاق لوقف إطلاق النار من مضمونه ويبقي فتيل الحرب مشتعلاً.
من جانبه، يرى رئيس لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، جمال زحالقة، أن السلوك الإسرائيلي المخادع الذي ظهر في المرحلة الأولى سيستمر في المرحلة الثانية، مؤكداً غياب أي مؤشرات على تغيير في نهج حكومة نتنياهو التي ستواصل خرق الهدنة والتضييق على المعابر، محذراً من أن انسداد الأفق السياسي قد يؤدي إلى عودة الحرب الشاملة والمزيد من الكوارث الإنسانية، مشيراً إلى أن الاحتلال استعاد أسراه دون أن يدفع الثمن السياسي المطلوب.
ويربط مراقبون ومحللون سياسيون رفض بنيامين نتنياهو للمرحلة الثانية بأسباب شخصية وسياسية بحتة، حيث يوضح الكاتب محمد صابر أن هذه المرحلة تفرض على الاحتلال انسحاباً أوسع وتقليصاً للسيطرة العسكرية، وهو ثمن باهظ لا يريد نتنياهو دفعه، لأن المرحلة الأولى كانت مريحة له وحققت مكاسب دون التزامات حقيقية، بينما تعني المرحلة الثانية نهاية الحرب التي يتخذها ذريعة للبقاء في الحكم وتجنب لجان التحقيق في فشل السابع من أكتوبر.
ويخلص التحليل إلى وجود صراع جذري بين مشروعين متناقضين؛ فالمقاومة الفلسطينية تسعى لوقف نهائي للعدوان ورفع الحصار وضمانات بعدم عودة الاحتلال، بينما تسعى "إسرائيل" لتجريد غزة من قوتها وفرض وصاية أمنية دائمة مع حكم مدني هش، مما يجعل الاتفاق ساحة صدام مفتوحة بين إرادتين لا تلتقيان، ويبقي نتنياهو الوضع في حالة "لا حرب شاملة ولا سلام حقيقي" لاستنزاف القطاع.
المصدر:
القدس