في أحد مطارات العالم، يجد شاب مصري مقيم في أوروبا نفسه محاطًا بالشرطة، بناءً على طلب من السلطات المصرية بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية. وفي القاهرة، يُقتحم منزل عائلته ويُعتقل شقيقه، وتتلقى الأم تهديدات. هذه ليست قصة خيالية، بل واقع متكرر يجسد قمع النظام المصري العابر للحدود.
منذ تمدد المعارضة المصرية خارج البلاد، عمدت السلطات إلى سن قوانين تسمح بملاحقة المعارضين أينما كانوا. تم تعديل قوانين مكافحة الإرهاب والعقوبات لتشمل أي فعل "يضر بالمصلحة العليا للدولة"، وهي عبارات فضفاضة تسمح بتأويل أي انتقاد للنظام كجريمة.
تُرفع قضايا جماعية ضد مئات الأشخاص، معظمهم في الخارج، بتهم مثل "الانضمام لجماعة إرهابية" و"التمويل الإرهابي" و"التخابر لصالح جهات أجنبية". تعتمد هذه القضايا على اعترافات منتزعة تحت التعذيب وروابط افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي.
أصدرت المحاكم المصرية أحكامًا غيابية بالإعدام والسجن المؤبد على عشرات النشطاء في الخارج، دون محامين أو أدلة حقيقية. هذه الأحكام ليست للتنفيذ الفعلي، بل هي رسالة ترهيب مفادها أن النظام قادر على الوصول إلى المعارضين قانونيًا.
طورت الأجهزة الأمنية ممارسة "الاعتقال الاستباقي" لأقارب النشطاء في الخارج. فبمجرد ظهور اسم ناشط في برنامج تلفزيوني معارض، يتم اعتقال أقاربه في مصر، بهدف الضغط عليه وإسكاته.
تستهدف السلطات بشكل خاص النساء من عائلات النشطاء، حيث تتحول الأمهات إلى أهداف استراتيجية للضغط العاطفي على أبنائهن. وفي حالات أخرى، تُعتقل الزوجات والأخوات ويواجهن ظروف احتجاز قاسية.
في بعض الحالات، اعتقلت الأجهزة الأمنية جميع أفراد أسرة الناشط المقيم في الخارج، وتركت لهم رسالة مفادها: "أقنعوا ابنكم بالتوقف عن النشاط المعارض، وسنفرج عنكم".
تخلق هذه الممارسات حالة من الرعب المجتمعي العام، حيث يخاف الناس من وجود قريب في الخارج ويتجنبون الحديث عن أبنائهم المغتربين خوفًا من الملاحقة.
استغل النظام المصري المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) لملاحقة المعارضين السياسيين. أصبح "الإشعار الأحمر" وسيلة لملاحقة الصحفيين والحقوقيين والمدونين.
تتبع مصر استراتيجية تقديم طلبات بإشعارات حمراء ضد نشطاء بناءً على أحكام غيابية صادرة من محاكم استثنائية، مستغلة الثغرات في نظام الإنتربول.
في عام 2018، اعتقلت السلطات الإسبانية ناشطًا حقوقيًا مصريًا بناءً على إشعار أحمر من مصر، وقضى 40 يومًا في السجن قبل أن ترفض المحاكم الإسبانية طلب التسليم.
لا تقتصر آثار إساءة استخدام الإنتربول على الاعتقال، بل تمتد إلى تدمير الحياة العملية والاجتماعية للناشطين، حيث يترك وجود اسم الشخص على قوائم الإنتربول أثرًا دائمًا في قواعد البيانات الدولية.
تتعاون السلطات المصرية مع دول أخرى في مراقبة وملاحقة النشطاء. وفي عدة حالات، تم اعتقال نشطاء مصريين في دول خليجية بناءً على طلب مصري وتسليمهم إلى القاهرة.
تحولت السفارات والقنصليات المصرية في الخارج إلى مراكز للمراقبة والتجسس على الجاليات، حيث يقوم موظفون أمنيون بجمع معلومات عن النشطاء وترهيب الطلبة المبتعثين.
تستخدم مصر الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب للتنكيل بالمعارضة السياسية، وتقدم معلومات استخباراتية مشكوكًا فيها لدول غربية عن نشطاء على أنهم "إرهابيون".
يعاني النشطاء المصريون في الخارج من ضغط نفسي هائل، بما في ذلك اضطراب القلق العام، ونوبات الهلع، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.
تؤدي هذه الممارسات إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمعات المصرية في الخارج، حيث يعيش النشطاء في عزلة وشك دائم بسبب الخوف من أن يكون أي شخص عميلًا للنظام.
تعتبر علاقة النشطاء في المنفى مع الوطن علاقة معقدة، حيث يشعرون بالمسؤولية تجاه مصر، بينما الدولة نفسها تعد مصدر تهديدهم الرئيسي.
قد ينتقل الخوف عبر الأجيال كإرث، حيث يتربى أبناء النشطاء في الخارج في أجواء من السرية والخوف، ويتعلمون ألا يتحدثوا عن عمل والديهم.
استخدم النشطاء القانون الدولي والقوانين المحلية في دول اللجوء للدفاع عن أنفسهم، ونجحوا في إلغاء إشعارات الإنتربول الحمراء ورفع دعاوى قضائية ضد النظام المصري.
طور النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان آليات لتوثيق حالات الاعتقال العائلي وتلفيق القضايا، وكشف هذه الممارسات إعلاميًا.
ظهرت شبكات تضامن إقليمية ودولية تدعم النشطاء المطاردين، وتعمل على حماية الأفراد المهددين والضغط على الحكومات لعدم التعاون مع طلبات التسليم السياسية.
استخدم النشطاء التكنولوجيا لنشر أخبار الانتهاكات وبناء أنظمة حماية رقمية، من خلال تشفير الاتصالات واستخدام شبكات آمنة.
مع تطور الوسائل التكنولوجية، تتطور أدوات القمع العابر للحدود، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاختراق الإلكتروني وأنظمة التعرف البيومتري.
المصدر:
القدس