آخر الأخبار

طبيبة أسنان تواجه تحديات الحرب: قصص من غزة

شارك

لم يكن من المتوقع أن نجد أنفسنا، نحن أطباء الأسنان، في خضم المعارك! كنا نعرف كل شيء عن الأسنان واللثة، لكننا لم نكن مهيئين لمواجهة الجراح المفتوحة والنزيف. ومع ذلك، فإن الحرب في غزة لا تعترف بالتخصصات، ولا تمنحنا فرصة للاختيار. عندما انهارت المستشفيات تحت القصف، فتحت أبوابها لكل من لديه معرفة طبية، سواء كانوا أطباء أو ممرضين أو طلاب.

في الأيام الأولى، طُلب منا المساعدة في أقسام الطوارئ. دخلناها بخوف شديد، لكن هذا الخوف سرعان ما تلاشى أمام مشاهد المصابين. لم يكن هناك وقت للتخصص، فقد كانت الأرواح تُنقذ باستخدام أي أدوات متاحة؛ الخيوط التي كنا نستخدمها لتجميل الابتسامات أغلقت جراح الوجه، والملقط الصغير الذي كان يُستخدم للحشوات أصبح يُستخدم لإزالة الشظايا.

عملنا في ظروف صعبة للغاية، مع انقطاع الكهرباء والماء، وأصبح التعقيم حلمًا بعيد المنال. نفدت الأدوية في غضون أيام. أحيانًا كنا نعمل تحت ضوء الهواتف المحمولة، نوقف النزيف أو نضمد الجراح المفتوحة. لم نتلقَّ تدريبًا على الإسعافات الأولية، لكننا تعلمنا بسرعة في غرف مليئة بالألم والصراخ.

تجمدت يداي! كانت هذه العبارة تعبر عن عمق الألم الذي شهدته. واصلت الخياطة بينما كانت الدموع تنهمر بصمت، ليس من التعب بل من العجز. قبل أن أنتهي، أمسكت بيدي وتوسلت: «قولي لي إن ابنتي بخير، أرجوك».

في إحدى الليالي، بعد يومين من عدم النوم، جاءتنا امرأة تحمل ابنتها المصابة. كانت الشظايا قد مزقت وجه الطفلة، ولم يكن هناك جراح متاح. نظرت إليّ الممرضة وقالت: «أنت الأقرب.. حاولي».

بدأت بمعالجة الجرح كما لو كنت أعالج سنًا، بدقة رغم أن قلبي كان يرتجف. الأم تشبثت بي وقالت: «أنقذيها أولًا.. أنا لست مهمة». كان وجهها ينزف أيضًا. قلت لها: «أحتاج إلى خياطة جرحك سريعًا قبل أن يُصاب بالتهاب». همست: «أي وجه؟ فقط دعيها تعيش».

لم يعد الطب مجرد مهنة؛ غدا مرادفًا للبقاء.. للإصرار على أن الإنسانية يجب أن تصمد.

بأبسط الأدوات المتاحة، حاولت تخفيف ألم الطفلة. مرّت ساعات وسط الخوف والضجيج، لكنني ركزت على تهدئتها حتى الفجر، حين نُقلت بأمان إلى العيادة.

في ليلة أخرى، جاءتني أم مسرعة من خيمة قريبة، كانت ابنتها تعاني من التهاب شديد في أحد أسنانها. لم يكن هناك تخدير أو أدوات مناسبة. كنت خائفة، لكن دموع الأم ونظراتها اليائسة دفعتني للتحرك.

في الأيام التالية، عدت لتعليم طلابي. كانوا قد انقطعوا عن الدراسة، ومع ذلك حضروا متلهفين للتعلم. كانت محاولاتهم الأولى مترددة لكنها مليئة بالإصرار. كل نجاح صغير كان يجلب فرحًا وأملًا.

قد نعود يومًا إلى عياداتنا الصغيرة، لكننا سنحمل إلى الأبد ذكرى أولئك الذين حاولنا إعادتهم إلى الحياة بأدوات لم تُصمَّم لإنقاذ الأرواح.

في تلك اللحظة، أدركت أن الطب في زمن الحرب ليس كأي طب آخر؛ أصعب ما فيه هو العجز أمام أم تشاهد عالمها ينهار. أصبحنا جنودًا في معركة البقاء، نقاتل بالمشارط والخيوط.

بعد أشهر من القصف، لم يعد الطب مجرد مهنة، بل أصبح مرادفًا للبقاء والإصرار على أن الإنسانية يجب أن تصمد، حتى وسط الدمار.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا