أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن الاقتصاد السوري يشهد معدلات نمو تتجاوز بكثير تقديرات البنك الدولي، التي توقعت نمواً لا يتجاوز 1% في عام 2025. وأرجع حصرية هذا النمو إلى عودة اللاجئين بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً، بالإضافة إلى جهود إعادة دمج البلاد في النظام المالي العالمي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
خلال مشاركته في مؤتمر "رويترز نكست" في نيويورك، كشف حصرية عن اتفاقية جديدة مع شركة فيزا لإطلاق منظومة دفع رقمية داخل سوريا، وأكد على التعاون المباشر مع صندوق النقد الدولي لتطوير أدوات قياس البيانات الاقتصادية بصورة أكثر دقة تعكس واقع التعافي.
وصف حصرية إلغاء جزء من العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بأنه "معجزة"، مشيراً إلى أن البلاد تشهد "مرحلة تحول مالي غير مسبوقة" بعد التغيير السياسي الذي أعقب دخول الثوار السوريين العاصمة دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024، وإطاحتهم بنظام بشار الأسد.
كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد مددت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تعليق عقوبات "قانون قيصر" لمدة 180 يوماً، فيما يحتاج إنهاؤها الكامل إلى موافقة الكونغرس. وتوقع حصرية، بناءً على مناقشاته مع مشرعين أمريكيين، أن يتم رفع العقوبات بالكامل قبل نهاية عام 2025، مؤكداً أن ذلك سيشجع البنوك على التعامل مع سوريا.
أشار حصرية إلى أن المصرف المركزي يعمل على تحديث القواعد المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لتوفير ضمانات إضافية للمؤسسات المالية العالمية الراغبة في العودة إلى السوق السورية. كما كشف عن تنظيم ورش عمل مشتركة مع بنوك في الولايات المتحدة وتركيا والأردن وأستراليا، تناولت إجراءات العناية الواجبة في مراجعة التدفقات المالية والمعاملات البنكية.
في تموز/يوليو الماضي، قدر البنك الدولي نمو الاقتصاد السوري بنسبة 1% فقط في عام 2025، بعد انكماش بلغ 1.5% في عام 2024، بسبب التحديات الأمنية والقيود على السيولة وتعليق المساعدات الخارجية. لكن حصرية يرى أن هذه التقديرات لا تعكس الحقيقة، مضيفاً أن عودة نحو 1.5 مليون لاجئ إلى البلاد ستساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي.
اعترف حصرية بأن سوريا لا تمتلك بعد بيانات اقتصادية موثوقة، لكنه أكد انخفاض التضخم وارتفاع سعر صرف الليرة كمؤشرات على أداء اقتصادي يتحسن تدريجياً. وأكد أن سوريا تستعد لإصدار عملة جديدة من ثماني فئات ورقية، مع خطة لحذف صفرين من الليرة من أجل استعادة الثقة بعد سنوات من الانهيار الحاد.
أضاف حصرية أن المصرف المركزي سيتوقف عن تمويل عجز الموازنة، وأن العملة الجديدة ستكون رمزاً للتحرر المالي. ورحب بإطلاق "خارطة طريق استراتيجية" بين مصرف سوريا المركزي وشركة فيزا لتطوير منظومة المدفوعات الرقمية في البلاد، مشيراً إلى أن فيزا ستبدأ بإصدار بطاقات دفع ومحافظ رقمية تعتمد تقنيات متقدمة لضمان التعاملات الدولية، وتمكين التجار من قبول المدفوعات عبر تقنيات حديثة.
أكد حصرية أن المصرف المركزي يسعى لبناء نظام دفع متكامل مع شركاء عالميين، وأن رؤيته تتمثل في أن تصبح سوريا مركزاً مالياً لبلاد الشام. وأشار إلى اجتماعات إضافية مرتقبة مع مسؤولي فيزا لاستكمال الشراكة التقنية والمصرفية.
شهدت سوريا منعطفاً سياسياً حاداً في كانون الأول/ديسمبر 2024، حين تمكن الثوار من دخول العاصمة دمشق وإعلان سقوط نظام بشار الأسد، ومنذ ذلك الحين، تسعى الحكومة الانتقالية إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، وجذب المؤسسات المالية الدولية، واستعادة العلاقات مع الأسواق الإقليمية. ويؤكد حصرية أن عملية إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي بدأت بالفعل، وأن المرحلة المقبلة تتطلب بناء ثقة المانحين والمقرضين والشركاء الدوليين.
المصدر:
القدس