آخر الأخبار

خروج بلا عودة... الخديعة التي أفشلتها القاهرة

شارك

د. رهام عودة: توجه واضح لدى نتنياهو للتشجيع على الهجرة القسرية مع محاولة تحميل مصر مسؤولية الوضع الإنساني

طلال عوكل: محاولات التهجير عبر مؤسسات مشبوهة لم تنجح وهذا ما يفسر ربط نتنياهو فتح المعبر بالخروج دون عودة

محمد جودة: إسرائيل تمارس انقلاباً ناعماً على اتفاق شرم الشيخ عبر بوابة معبر رفح لفرض واقع ديموغرافي جديد

د. سعد نمر: انقلاب على اتفاقية شرم الشيخ وخرق لبنود مراقبة معبر رفح عبر الاتحاد الأوروبي والجانب المدني الفلسطيني

عدنان الصباح: السماح بالمغادرة دون رجعة محطة جديدة في مسار التهجير ويهدف لخلق أزمة إقليمية خانقة تحديداً أمام مصر

نهاد أبو غوش: خطوة تعكس استمرار العقلية السياسية الإسرائيلية بشأن مشروع التهجير وأحلام إعادة الاستيطان إلى غزة

يشكّل إعلان إسرائيل استعدادها لفتح معبر رفح بصورة أحادية وباتجاه واحد تطوراً لافتاً يعكس تحوّلاً خطيراً في طريقة تعاملها مع ملف غزة، ومحاولة فعلية لتنفيذ مخططات التهجير، مقابل موقف مصري رافض، وينفي علمه بذلك أو حدوث أي تنسيق مع القاهرة.

ويرى كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذا التحرك يثير مخاوف من أن تكون إسرائيل بصدد اختبار مرحلة انتقالية غير مستقرة، تجمع بين الضغط العسكري والحصار المعيشي، بما يدفع السكان تدريجياً نحو الهجرة القسرية.

ورغم محاولة تل أبيب الإيحاء بأن فتح المعبر يأتي لأسباب إنسانية، فإن الكتاب والمحللين وأساتذة الجامعات يؤكدون أن صيغة "الخروج بلا عودة" تعيد إلى الواجهة جدلاً واسعاً حول نيات تهجير الفلسطينيين، وتحديداً في ظل رفض مصر القاطع لأي خطوة تمس أمنها القومي أو تعيد إنتاج سيناريوهات نزوح جماعي عبر الحدود. كما يؤكدون أن الخطوة الإسرائيلية تمثل انقلاباً على اتفاق شرم الشيخ، ومحاولة لإعادة رسم قواعد التعامل مع سكان القطاع بما يخدم حساباتها السياسية والأمنية.

دلالات سياسية خطيرة

تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية د.رهام عودة أن إعلان إسرائيل فتح معبر رفح بصورة أحادية وباتجاه واحد، وبما يتيح خروج الفلسطينيين من قطاع غزة دون السماح بعودتهم، يحمل دلالات سياسية خطيرة.

وترى عودة أن الخطوة تعكس توجهاً واضحاً لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتشجيع الغزيين على الهجرة القسرية، مع محاولة تحميل مصر مسؤولية الوضع الإنساني في القطاع، رغم موقف القاهرة الرافض لأي مخطط لتهجير السكان.

وتشير عودة إلى أن إسرائيل تسعى، من خلال هذه الخطوة، إلى دفع الاتهامات الدولية عنها بشأن حصار غزة وعملياتها العسكرية التي أوقعت آلاف الضحايا.

ووفق عودة، فإن تل أبيب لا تنوي في المرحلة الراهنة السماح بعودة العالقين أو سكان القطاع المقيمين في الخارج، لأنها تستعد لاحتمال استئناف الحرب مجدداً في حال فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تشكيل قوة دولية مكلفة بتجريد غزة من السلاح.

وفي حال تحقق هذا الفشل، تتوقع عودة ان تنفذ إسرائيل هذه المهمة بنفسها، ما يجعل تشجيع خروج السكان وتقليص أعداد المدنيين داخل القطاع أولوية إسرائيلية استعداداً لعمليات عسكرية جديدة.

ثلاثة سيناريوهات محتملة

وتستعرض عودة ثلاثة سيناريوهات محتملة للمرحلة المقبلة، يتمثل الأول في فتح المعبر من طرف إسرائيل، مع استمرار الرفض المصري لأي خروج مفتوح باستثناء الحالات الإنسانية من مرضى وجرحى وطلبة وأصحاب لم الشمل وحاملي الإقامات والجنسيات الأجنبية.

وبحسب عودة، فإنه في هذا السيناريو، قد تضغط القاهرة على إسرائيل للسماح بعودة العالقين في مصر إلى غزة، فيما تبقى المنطقة أمام مرحلة "رمادية" لا هي حرب كاملة ولا سلم مستقر، مع استمرار إسرائيل في تنفيذ ضربات متقطعة كلما رأت هدفاً للمقاومة، على غرار ما يحدث في لبنان.

أما السيناريو الثاني، وفق عودة، فيفترض نجاح ترمب في تشكيل قوات دولية تعمل مؤقتاً في "المنطقة الصفراء" داخل القطاع، وتتفاوض مع حركة حماس حول تسليم سلاحها، بالتوازي مع تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة غزة.

وتوضح عودة أن "حماس" قد تبدي مرونة تجاه التكنوقراط لكنها لن تسلّم سلاحها للقوات الدولية، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى توسيع المنطقة الصفراء وتنفيذ عمليات عسكرية تدريجية لنزع سلاح الحركة بالتعاون مع ميليشيات محلية.

وفي حال فشل الإدارة الأمريكية في تشكيل هذه القوات، تتوقع عودة السيناريو الثالث، حيث تتولى إسرائيل وحدها المهمة عبر توسيع المنطقة الصفراء وضم مساحات جديدة تحت السيطرة المباشرة، مع تكثيف القصف الجوي والتوغلات البرية، ودفع السكان للنزوح داخل مناطق محددة تحت إدارة ميليشيات، وتسهيل خروج المدنيين عبر معبر رفح إن بقي مفتوحاً، بما يخدم سياسة تقليل الكثافة السكانية في مناطق العمليات العسكرية.

نتنياهو لا يزال متمسكاً بأهداف الحرب

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتوقف يوماً عن محاولاته لإفشال الخطة الأمريكية، مشيراً إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية للخطة لم تتوقف منذ لحظة بدء تطبيقها، فيما تواصل واشنطن صمتها أو تواطؤها، في ظل ضعف دور الوسطاء الآخرين.

ويرى عوكل أن إسرائيل تمارس سياسة ممنهجة من القتل اليومي وتقنين المساعدات، إضافة إلى منع دخول الآليات وتقييد وصول الوقود والاحتياجات الطبية، فضلاً عن تحريك "الخط الأصفر" غرباً بشكل مستمر، بما يعكس رغبة نتنياهو في تعطيل الخطة على الأرض.

ويشير إلى أن نتنياهو لا يزال متمسكاً بأهداف الحرب، وأنه يريد من قوة حفظ الأمن والاستقرار أن تتولى مهمة القضاء على المقاومة.

ويلفت إلى أن نتنياهو يحذّر نتنياهو من أنه في حال فشل هذه القوة في أداء مهمتها، فإن الجيش الإسرائيلي سيعود لتنفيذ ما عجز عنه خلال العامين الماضيين، من العمليات العسكرية.

وفي ما يتعلق بمعبر رفح، يعتبر عوكل أن الموقف الإسرائيلي يجسد إصراراً واضحاً على الدفع نحو الهجرة القسرية باتجاه مصر، موضحاً أن محاولات تهجير الفلسطينيين عبر مؤسسات مشبوهة -كما حدث في رحلتي جنوب أفريقيا- لم تنجح، ولم يتمكن نتنياهو من الحصول على موافقات دول لاستقبال الغزيين، سواء بأعداد كبيرة أو محدودة، لذلك، يحاول ربط فتح المعبر بالخروج دون عودة، أي فتحه باتجاه واحد فقط.

ويؤكد عوكل أن مصر ما زالت ثابتة على موقفها الرافض، خصوصاً أن الخطة الأمريكية تتضمن نصاً صريحاً حول حق الفلسطينيين بالخروج والعودة دون قيود.

ويرى أن القرار بيد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي لن يسمح لإسرائيل بإفشال الخطة، لأنها تمس هيبة واشنطن، ولأن الدول العربية والإسلامية ستقف إلى جانب الموقف المصري.

ويؤكد عوكل أن نتنياهو قد يفشل هذه المرة، لكنه لن يتوقف عن محاولاته لإفشال أو عرقلة الخطة، بما في ذلك إشعال اعتداءات أو حروب جديدة في المنطقة.

تحول جوهري في طريقة التعامل مع ملف غزة

يعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن إعلان إسرائيل استعدادها لفتح معبر رفح بصيغة "الخروج بلا عودة"، خطوة تمثل تحولاً جوهرياً في طريقة تعامل الاحتلال مع ملف غزة، وتأتي في توقيت بالغ الحساسية لتكريس واقع جديد تحاول إسرائيل فرضه بشكل أحادي بعد الحرب.

وبرغم محاولة إسرائيل تقديم الخطوة بغطاء "إنساني"، يؤكّد جودة أنها تنطوي على أبعاد سياسية أعمق تتعلق بإعادة هندسة التنقل من غزة وإعادة صياغة قواعد التعامل مع سكان القطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

ويشير إلى أن اللافت في الإعلان الإسرائيلي أنه جاء دون تنسيق مع القاهرة، وهو ما أكدته مصر رسمياً، ما يعكس محاولة إسرائيل فرض وقائع جديدة على الأرض دون العودة للشريك الإقليمي الرئيسي في ملف غزة.

وتُقرأ صيغة "الخروج بلا عودة"، بحسب جودة، كمقدمة لمسار تفريغ سكاني موجّه، وهو ما تعتبره مصر خطاً أحمر يمس أمنها القومي، لِما يحمله من مخاطر تحويل الفلسطينيين إلى كتلة لاجئين خارج أرضهم وخلق واقع ديموغرافي وسياسي جديد في سيناء والمنطقة.

ويشدد جودة على أن الرد المصري الحازم والسريع -عبر نفي وجود أي اتفاق مع إسرائيل والتشديد على أن فتح المعبر يجب أن يكون في الاتجاهين—يعكس إدراك القاهرة للمخاطر الاستراتيجية لمثل هذا الطرح، ورغبتها في منع أي خطوة قد تُستخدم كمدخل لتهجير مقنّع من غزة.

ويؤكد جودة أن موقف مصر يستند إلى رؤية ثابتة تعتبر معبر رفح أحد ركائز تثبيت الهوية الوطنية الفلسطينية وليس بوابة لإعادة تشكيل المشهد الديموغرافي.

مرحلة توتر مرشحة للتصاعد

وحول السيناريوهات المقبلة، يرى جودة أن المنطقة قد تكون أمام مرحلة توتر مرشحة للتصاعد، إذ قد تلجأ إسرائيل إلى فتح محدود للمعبر لعبور المرضى والجرحى بهدف تبرير تحركها إنسانياً، لكنها قد تستغل صيغة "الخروج بلا عودة" لخلق واقع طويل الأمد يضع القاهرة تحت ضغوط دولية لاستقبال أعداد أكبر من المهجرين.

ويرجّح أن يؤدي ذلك إلى إعادة التفاوض حول ترتيبات إدارة المعبر، وربما إلى أزمة دبلوماسية أوسع في حال شعرت مصر بأن إسرائيل تتجاوز التفاهمات القائمة منذ العامين الماضيين.

ويعتبر أن ما يجري من قبل إسرائيل يشبه "انقلاباً ناعماً" على اتفاق "شرم الشيخ" عبر بوابة معبر رفح لفرض واقع ديموغرافي جديد.

ويوضح أن إسرائيل لا تعلن إلغاء الاتفاق، لكنها تعيد تفسيره بطريقة تُفرغ جوهره -الذي ينص على عمل المعبر في الاتجاهين وضمن تنسيق مشترك- وتحاول فرض صيغة تجعلها صاحبة القرار الوحيد في تحديد حركة المغادرين من غزة.

ويشير جودة إلى أن معبر رفح بات اليوم نقطة التماس الأكثر حساسية بين الأمن القومي المصري والمستقبل السياسي لغزة ورؤية إسرائيل لمرحلة ما بعد الحرب، وسط احتمالات مفتوحة على ترتيبات جديدة قد تُفرض بفعل الوقائع الميدانية.

ضرب فكرة اتفاق وقف النار ومحاولة نسفه

يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت د.سعد نمر أن إسرائيل تسعى لضرب كل فكرة اتفاق وقف إطلاق النار ومحاولة نسفه، مشيراً إلى أن خرق الاتفاق بدأ منذ لحظة دخوله حيز التنفيذ.

ويبيّن نمر أن البند الثامن من اتفاق وقف إطلاق النار وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ينص على فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين للفلسطينيين، بالإضافة إلى إدخال 600 شاحنة بضائع يومياً، إلا أن إسرائيل لم تلتزم بذلك وهي كانت دمرت الجانب الفلسطيني من المعبر، وتعمل حالياً على فتحه باتجاه واحد فقط، ما يمنع الفلسطينيين من العودة إلى قطاع غزة بعد تهجيرهم.

ويوضح نمر أن آلاف الفلسطينيين يحتشدون حالياً على الجانب المصري للعودة إلى بيوتهم ومنازلهم المدمرة، لكن إسرائيل تمنع ذلك، مؤكداً أن هذه الخطوة تشكل استمراراً لسياسة التطهير العرقي.

ويرى نمر أن إسرائيل تحاول إعادة تفسير بنود الاتفاق وفق مصالحها، بعيداً عن ما نصت عليه الاتفاقية وحرفيتها، في ظل التزام المقاومة الفلسطينية بكل التزاماتها، خصوصاً تسليم الأسرى والجثث، حيث تبقى جثة جندي واحد محتجز لدى المقاومة.

ويلفت نمر إلى أن جهود المقاومة لإخراج كافة الجثث السابقة كانت جبارة ومعترف بها دولياً، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

ويشير إلى أن إسرائيل تحاول التنصل من باقي استحقاقات الاتفاق، بما يشمل الانسحابات من المنطقة الصفراء والتزامات أخرى على الأرض، وتختلق الذرائع لتبرير خروقاتها، مستغلة المعابر وأبرزها معبر رفح.

ويعتبر نمر أن فرض فتح المعبر باتجاه واحد يمثل انقلاباً على التفاهمات السابقة ضمن اتفاقية شرم الشيخ، ويخرق بنود مراقبة المعبر عبر الاتحاد الأوروبي والجانب المدني الفلسطيني، الذي يفترض أن يكون مستقلاً دون ارتباط بالمقاومة أو حماس.

ويؤكد نمر أن هذه الخروقات تتجاوز 500 خرق في قضايا متعددة، وأن إسرائيل تهدف إلى إعادة رسم كل الاتفاقيات السابقة بما يخدم مصالحها ويقوض حقوق الفلسطينيين.

ويلفت إلى أن الحلول المقبلة تعتمد على دور الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق، محذراً من أن استمرار خروقات الاحتلال قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة على الأرض ويزيد من توتر الوضع في قطاع غزة والمنطقة ككل.

التهجير جوهر المشروع الصهيوني

يحذّر الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح من أنّ مشروع تهجير الفلسطينيين ليس طارئاً أو وليد السنوات الأخيرة، بل هو جوهر المشروع الصهيوني منذ بداياته الأولى، مؤكداً أن الاحتلال لم يتراجع لحظة عن هذا الهدف، بل يعيد إنتاجه اليوم بأدوات أشد خطورة، وبغطاء مباشر من الإدارة الأمريكية، وخاصة مع وجود الرئيس دونالد ترمب الذي تحدث علناً عن "التخلّص" من سكان قطاع غزة بشكل كامل.

ويوضح أنّ القرار الإسرائيلي الأخير بالسماح للفلسطينيين بالمغادرة "دون رجعة" يمثل محطة جديدة في هذا المسار، ويهدف إلى خلق أزمة إقليمية خانقة، تحديداً أمام مصر التي ستجد نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ: فإما رفض استقبال الخارجين من غزة، ما سيُستثمر إسرائيلياً للتحريض والادعاء بأنها تمنع المرضى والجرحى من العلاج، وإما القبول بفتح الحدود، الأمر الذي سيجعل القاهرة في موقع من يشجّع الهجرة ويسهّل التهجير القسري.

ويرى الصباح أنّ هذا الضغط المتواصل على سكان غزة ليس إجراءً عابراً، بل سياسة مدروسة تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى المغادرة القسرية، في وقت تُدمَّر فيه البنية التحتية للقطاع بالكامل.

ويتساءل الصباح: "على أي أرض سيعود الفلسطيني الآن؟ منازل مهدمة، مدارس ومستشفيات ومساجد مدمرة، لا ماء ولا طعام… ما الذي يعيده؟".

ويؤكد أن الحديث عن فتح المعابر بالاتجاهين لا قيمة له ما لم تُوفَّر مقومات الحياة والصمود داخل غزة.

ويشير الصباح إلى أنّ الانقلاب على الاتفاقات والوثائق الدولية ليس جديداً، بدءاً من اتفاق شرم الشيخ، مروراً بخطة ترمب، وصولاً إلى قرارات مجلس الأمن، معتبراً أن هذه المشاريع جميعها لم تحمل للفلسطينيين أي حقوق أو ضمانات حقيقية، بل كانت "خديعة متكاملة" للأطراف الدولية المشاركة فيها، وللشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.

ويؤكد الصباح أن السيناريو الوحيد الذي تعمل عليه واشنطن وتنفذه إسرائيل هو إطالة أمد المعاناة داخل القطاع، بحيث يتحول إلى مكان طارد للسكان، وتصبح الهجرة الفردية "خيار الخلاص الوحيد" لمن يسكنونه.

وبحسب الصباح، لم تتخذ أي جهة دولية حتى الآن خطوة إيجابية واحدة توقف هذا المسار أو توفر للفلسطينيين الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.

ويشير الصباح إلى أن تحويل غزة إلى "مساحة للموت" ليس نتيجة جانبية للحرب، بل جزء من سياسة التهجير ذاتها، مشدداً على أن غياب التحرك الدولي الجاد يدفع الاحتلال إلى المضي قدماً في تنشيط هذا المشروع التاريخي، بوسائل "ممكنة وغير ممكنة"، سعياً لإفراغ الأرض من سكانها وإغلاق الباب أمام أي مستقبل فلسطيني.

جعل الحياة في القطاع شديدة الصعوبة

يحذّر الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش من خطورة الحديث الإسرائيلي المتصاعد حول فتح معبر رفح في اتجاه واحد يسمح بخروج الفلسطينيين من قطاع غزة دون عودة، معتبراً أن هذا الطرح يشكّل خرقاً واضحاً وصريحاً لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومخرجات اجتماع شرم الشيخ، واستمراراً لسلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقات والتفاهمات الدولية.

ويوضح أبو غوش أن السلوك الإسرائيلي منذ إقرار خطة ترمب وبيان شرم الشيخ اتّسم بعمليات خرقٍ واسعة، شملت استمرار الهجمات والاغتيالات التي أدت إلى استشهاد أكثر من 360 فلسطينياً وإصابة نحو ألف آخرين، إضافة إلى منع إدخال الكميات المتفق عليها من المساعدات الإغاثية، وعرقلة مسار إعادة الإعمار، ومنع دخول المعدات الطبية واللوازم اللازمة لتشغيل المستشفيات والمؤسسات والدوائر الحكومية والبلدية.

ويشير إلى أن إسرائيل لم تنفّذ أي خطوة باتجاه الانسحاب، بل عملت على العكس تماماً، من خلال تحريك "الخط الأصفر" لتوسيع مساحة السيطرة الاحتلالية، وفرض مزيد من التضييق على سكان القطاع.

ويرى أبو غوش أن الإعلان الإسرائيلي عن فتح المعبر باتجاه واحد فقط يعكس استمرار العقلية السياسية الإسرائيلية التي تحمل مشروع تهجير الفلسطينيين خارج القطاع، إلى جانب أحلام متجددة لدى بعض القيادات الإسرائيلية بإعادة الاستيطان إلى غزة.

وتستند هذه الذهنية -بحسب أبو غوش- إلى سياسة تعمد إلى جعل الحياة في القطاع شديدة الصعوبة من خلال تفكيك المجتمع وتعميق المأساة الإنسانية، والعمل على تقسيم غزة إلى قسمين: قسم محاصر بالمجاعة والأوبئة ويمنع فيه الإعمار ويقطنه أكثر من مليوني فلسطيني، وقسم آخر تجري فيه عمليات إعمار انتقائية ترسّخ السيطرة الإسرائيلية ويفتح المجال أمام العصابات المتعاونة مع الاحتلال للتخريب.

ويلفت أبو غوش إلى أن الموقف المصري الرافض لهذه الخطة يشكّل عامل كبح مهم، داعياً الدول التي رحّبت بخطة ترمب وشاركت في اجتماع شرم الشيخ إلى تبنّي موقف مشابه يشمل كافة الخروقات الإسرائيلية وليس موضوع المعبر فقط، وصولاً إلى فرض الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

ويبيّن أبو غوش أن إسرائيل وافقت مضطرة على خطة ترمب وقرارات شرم الشيخ، لأنها لم تستطع تحدي الرئيس الأمريكي في حينه، ولأنها ساهمت في صياغة معظم تفاصيل الاتفاق، ولأن وضعها الداخلي والإقليمي كان يدفعها للبحث عن مخرج للحرب، إضافة إلى رغبتها في استعادة الأسرى والجثامين.

لكن إسرائيل -كما يوضح أبو غوش- راهنت على إمكانية اختزال الاتفاق في مرحلته الأولى التي تلبي مصالحها، مع تعطيل المراحل اللاحقة التي تخصّ الفلسطينيين، مثل إدخال المساعدات وإعادة الإعمار وإكمال الانسحاب وفتح مسار سياسي نحو تقرير المصير.

ويؤكد أبو أن إسرائيل تحاول اليوم استغلال البنود الملتبسة والدعم الأمريكي لتفسير الاتفاق بما يخدم أجندتها الاستيطانية، في تحرك يطعن في مصداقية إدارة ترمب ويجعلها شريكاً صغيراً لنتنياهو وبن غفير وسموتريتش.

ومع ذلك، يشدد أبو غوش على أن صمود الفلسطينيين ودعم الشعوب ودول عديدة لهم قادر على إحباط هذه الخطط، شرط توحيد الموقف الفلسطيني ليكون أساساً لموقف عربي موحّد قادر على مواجهة مشروع التهجير بكل أبعاده.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا