آخر الأخبار

جدار الأغوار.. محاولة لفرض واقع جديد يرسّخ الضم ويُعمّق العزل الجغرافي

شارك

د. عبد الناصر مكي: السيطرة على الأغوار ستجعلها "سلة اقتصادية" للمستوطنات تُدخل نحو مليار دولار سنوياً إلى اقتصاد الاحتلال
عبد الله أبو رحمة: الجدار المقترح سوف يعزل 190 ألف دونم في الأغوار ويجعل وصول الفلسطينيين إليها أمراً بالغ الصعوبة
د. خليل تفكجي: ما يجري يهدف لفصل الأغوار عن الضفة وتطبيق خطة "ألون" بفرض واقعَين جغرافي وسياسي جديدين قبل أي مفاوضات
سهيل خليلية: ما يجري اليوم هو "المرحلة الثانية" من عملية الاستيلاء على الأغوار ضمن مخطط مترابط يشمل مشاريع استيطانية
د. حسن بريجية: السيطرة على الأغوار جزء من رؤية إسرائيلية استراتيجية ترى فيها مخزوناً زراعياً ومساحة حيوية واسعة يجب إخضاعها بالكامل
عبد الهادي حنتش: الدافع الاقتصادي والمياه يمثلان ركنين مركزيين في المشروع الاستيطاني بالأغوار كونها السلة الغذائية الأساسية للفلسطينيين


تتجه الأنظار نحو مخطط إسرائيلي جديد لبناء جدار في الأغوار، يُنظر إليه كمرحلة متقدمة ضمن سياسة قديمة تسعى لتغيير ملامح جغرافية الضفة الغربية وتعزيز السيطرة عليها.
ويعتبر خبراء ومسؤولون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن مشروع الجدار امتداد لخطط بدأت منذ احتلال الضفة الغربية، هدفها حصر الوجود الفلسطيني داخل مساحات ضيقة، وتحويل الأغوار إلى منطقة عسكرية مغلقة تخدم التوسع الاستيطاني وصولاً للسيطرة الكاملة عليها.
ويشيرون إلى أن المسار المقترح للجدار يأتي بعد سلسلة من تصعيد واسع شمل مصادرة أراضٍ وهدم منشآت والضغط على التجمعات السكانية، بهدف فصل التجمعات الفلسطينية عن الأراضي الزراعية ومصادر المياه، ضمن بنية هندسية متكاملة تعمّق عزل المنطقة عن محيطها الطبيعي.
ويحذر الخبراء والمسؤولون من أن يؤدي تنفيذ مشروع الجدار الجديد إلى خنق التنمية الزراعية وقطع التواصل الجغرافي، ما يدفع بالمزيد من العائلات إلى الرحيل تحت وطأة القيود والاعتداءات، فيما يُنظر إلى الجدار باعتباره مرحلة جديدة في مشروع الضم الفعلي، تمهّد لفرض واقع دائم يصعب تغييره في أي مسار سياسي قادم.

امتداد لمشاريع إسرائيلية قديمة

يؤكد الباحث في شؤون الاستيطان والأغوار د.عبد الناصر مكي أن الحديث الإسرائيلي عن إقامة جدار فصل عنصري جديد في الأغوار يأتي امتداداً لمشاريع إسرائيلية قديمة تعود إلى مرحلة ما بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، وعلى رأسها مشروع "ألون".
ووفق مكي، فإن مشروع "ألون" شكّل الأساس الفكري للمخططات الإسرائيلية اللاحقة، حيث استهدف رسم حدود أمنية لإسرائيل، ومنع وجود فلسطيني واسع في المنطقة للحفاظ على "صبغة يهودية" للدولة، إلى جانب تحقيق ما تعتبره إسرائيل "حقاً تاريخياً" في السيطرة على المنطقة ومنع إقامة دولة فلسطينية أو أي نواة لها هناك.
ويوضح أن منطقة الأغوار، التي تبلغ مساحتها نحو 1000 كيلومتر مربع وتشكل قرابة 28% من مساحة الضفة الغربية، تضم اليوم نحو 39 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية الزراعية، في مقابل 16 تجمعاً فلسطينياً في الأغوار يمثلون محو 60 ألف نسمة، وتتوزع مساحة الأغوار على ثلاث محافظات: نابلس وطوباس وأريحا.
ويشير مكي إلى أن الاحتلال اعتمد خلال العقود الماضية على خطوات عملية تهدف إلى تعزيز الاستيطان وطرد الفلسطينيين، مستفيداً من الطبيعة الزراعية الخصبة للمنطقة ووجود مصادر مائية واسعة، وقد أقام الاحتلال عشرات المزارع الضخمة منذ عام 1967، بما فيها مزارع النخيل والكروم والعنب والعجول والدواجن، ما جعل السيطرة الأغوار بمثابة "سلة اقتصادية" للمستوطنات تُدخل نحو مليار دولار سنوياً إلى اقتصاد دولة الاحتلال.
ويبيّن أن أراضي الأغوار مصنفة بالكامل ضمن مناطق (ج) وفق اتفاقية أوسلو، الأمر الذي يمنع الفلسطينيين من البناء أو إنشاء مصانع أو حتى حفر الآبار، فيما تُسهّل إسرائيل التوسع الاستيطاني وتقديم الامتيازات للمستوطنين، خاصة في ظل حكومات اليمين المتطرف.
ويوضح مكي أن سياسة التضييق هذه تهدف إلى ترحيل السكان تدريجياً وإفراغ المنطقة لصالح مشاريع استيطانية واسعة.
ويؤكد مكي أن الجدار الجديد المقترح يأتي ضمن رؤية استراتيجية تمنع إقامة دولة فلسطينية، من خلال عزل الأغوار عن الضفة الغربية وربطها بالحدود الأردنية لتشكيل "حد أمني" لإسرائيل.
وبحسب مكي، يمتد الجدار المقترح بطول يقارب 22 كيلومتراً وعرض 50 متراً، بين منطقة عاطوف في طوباس وطمون، وصولاً إلى عين شبلي قرب أريحا.
ويستهدف الجدار، وفق مكي، فصل التجمعات الفلسطينية بعضها عن بعض، ودفع السكان نحو مناطق (أ) و(ب)، فيما تصبح منطقة (ج) -وهي أكثر من 75% من مساحة الأغوار- خالصة للسيطرة الإسرائيلية، باستثناء بعض التجمعات السكانية، لافتاً إلى أن خطة "الخيط القرمزي" العسكرية تمثل الإطار التنفيذي لهذه السياسة.
ويوضح مكي أن الاحتلال صادَر آلاف الدونمات لتنفيذ هذا المخطط، بما في ذلك ألف دونم بين عين شبلي وعاطوف، إلى جانب عمليات هدم واسعة طالت بركسات ومنشآت زراعية، وصولاً إلى خربة يرزا، التي تضم نحو 70 فلسطينياً يعتاشون على الأغنام.
وبشأن مستقبل الأغوار، يؤكد مكي أنه يتجه نحو مزيد من الاستيطان، وتراجع الوجود الفلسطيني، وانهيار مقومات الحياة بسبب الضغط المتواصل وغياب الدعم، لافتاً إلى أن أكثر مناطق الأغوار استهدافا هي منطقة الأغوار.
ويدعو مكي إلى خطة فلسطينية مقابلة تعتمد على دعم السكان وتعزيز صمودهم وإنشاء بنى تحتية ومدن جديدة، بالتوازي مع تحرك سياسي ودولي يؤكد أن الأغوار أرض محتلة يجب حمايتها من التهويد.
ويحذر مكي من أن إسرائيل تستغل الانشغال العالمي بأحداث غزة لتنفيذ مشاريع الضم والاستيطان في الأغوار بوتيرة متسارعة، مدفوعة بدعم حكومي يميني يسعى لإفراغ المنطقة وفرض واقع يمنع أي تسوية سياسية مستقبلية تشمل الأراضي الفلسطينية.

عزل القرى وترسيم حدود جديدة فعليّة للضم

يؤكد مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة أن المخطط الذي كشفت عنه صحيفة هآرتس الإسرائيلية بشأن إقامة شارع عسكري محاط بجدار في الأغوار، يأتي استكمالاً لمجموعة من المشاريع الإسرائيلية المتعاقبة الهادفة إلى عزل القرى الفلسطينية وترسيم حدود جديدة فعليّة للضم، مشيراً إلى أن الحديث عن "شارع" ليس إلا غطاءً هندسياً لمخطط واسع للاستيلاء على الأراضي الخصبة ومصادر المياه وإحكام السيطرة على المنطقة.
ويوضح أن الإعلان الأولي عن المشروع ظهر قبل أسبوع تحت عنوان إنشاء شارع يمتد من حاجز تياسير حتى منطقة عين شبلي بطول يقارب 22 كيلومتراً، وبمصادرة نحو 1042 دونماً، لكن ما كشفته "هآرتس" لاحقاً أكد أن الطريق سيكون "شارعاً عسكرياً" تحيط به حدود وأسلاك شائكة أو جدران إسمنتية وأنفاق، بما يعني إقامة جدار فعلي يعزل تياسير وطوباس وطمون عن أراضيها الشرقية.
ويشير أبو رحمة إلى أن هذا المخطط لا يمكن فصله عن سياسة إسرائيل الممتدة منذ احتلال عام 1967، حين أُنشئ شارع 90 الممتد من العوجا حتى بيسان، الذي مُنع الفلسطينيون في المناطق الشرقية من اجتيازه بدعوى أمنية، ثم تبعه لاحقاً شارع 578 الاستيطاني الواصل من حاجز الحمرا إلى بلدة بردلة، وفي بدايات الألفية الثانية حُفر نفق بمحاذاته عزل أجزاء واسعة من الأراضي، وزادت القيود خلال انتفاضة الأقصى، قبل أن تزداد البوابات العسكرية خلال العقد الأخير.
ويبيّن أبو رحمة أن المخطط الجديد يرسم حدوداً إضافية للضم، حيث يظهر الخط الأحمر في الخرائط كمسار الجدار المقترح، بينما يمتد الشارع 578 (من مخطط "ألون") في المنطقة ذاتها.
ويرى أبو رحمة أن الجمع بين شارع 90 وشارع 578 والأنفاق والمخطط الجديد يشكّل سلسلة متكاملة تهدف لعزل الأراضي الممتدة من تياسير حتى عين شبلي بالكامل.
ويوضح أبو رحمة أن هذه المنطقة تُعد من أخصب مناطق الأغوار، إذ شهدت خلال السنوات الـ15 الأخيرة استثمارات فلسطينية واسعة في الأراضي الزراعية داخل سهل عاطوف أو سهل البقيعة، بمساحة تصل إلى 22 ألف دونم، تضم مزارع فواكه وخضار.
ويحذر من أن الجدار الجديد سيجعل الوصول إلى كل ما هو شرقيه شبه مستحيل، ما ينذر بتدمير المشهد الزراعي كاملاً.
وتحدث أبو رحمة عن أن الإجراءات الإسرائيلية تصاعدت بشكل ملحوظ منذ تولي الحكومة اليمينية المتطرفة في 2023، عبر ملاحقة التجمعات البدوية وسرقة الأغنام وتسميمها وهدم المنشآت بحجة أنها مناطق تدريب عسكري، إضافة إلى عمليات التهجير القسري التي طالت تجمعات سكانية في الأغوار.
ويشير إلى أن الاحتلال كثّف التدريبات العسكرية في مواسم الزراعة والحصاد بهدف تدمير المحاصيل أو التسبب بحرائق واسعة.
ويرى أبو رحمة أن الإجراء الجديد يأتي بعد فشل سياسات سابقة في تهجير السكان بشكل كامل، ليُستكمل عبر الجدار الذي سيعزل 190 ألف دونم ويحوّل وصول الفلسطينيين إليها إلى أمر بالغ الصعوبة، بسبب البؤر الاستيطانية المسلحة والبوابات والأنفاق والحواجز.
ويؤكد أبو رحمة أن هذا التطبيق العملي يجري "خطوة خطوة" ضمن مخطط الضم الذي رُوّج له في إطار "صفقة القرن".
ويشير أبو رحمة إلى أن هذه السياسات تهدف إلى حصر التجمعات الفلسطينية في مساحات ضيقة، وحرمانها من مصادرها الاقتصادية الأساسية من زراعة ومراعي وتدمير مزارعهم، فضلاً عن تهديد خطوط المياه الممتدة لخمسة كيلومترات والمغذية للسهل، والتي أُخطر بعضها بالإزالة.
ويؤكد أبو رحمة أن المخطط سيؤدي فعلياً إلى تهجير تجمعات كاملة، وإلى حصار قرى داخل مساحاتها السكنية، في إطار مشروع إسرائيلي طويل المدى تُسرّع الحكومة الحالية في تنفيذه.

خطة متكاملة لفصل الأغوار بالكامل عن الضفة

يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان د. خليل تفكجي أن ما يجري الحديث عنه في الإعلام العبري بشأن بناء جدار فصل جديد في الأغوار ليس مشروعاً معزولاً، بل يأتي في إطار خطة إسرائيلية متكاملة تهدف إلى فصل الأغوار بالكامل عن الضفة الغربية، وتطبيق فعلي لخطة "ألون" القديمة، عبر فرض واقع جغرافي وسياسي جديد قبل أي مفاوضات مستقبلية.
ويوضح تفكجي أن الخرائط المتداولة تُظهر خط الجدار المقترح من منطقة تياسير وصولاً إلى خربة عاطوف وخربة يرزا في شمال الأغوار، فيما تُترك شرق هذه المنطقة ثلاث قرى فقط هي بردلة وكردلة وعين البيضا، وتُعد هذه القرى الصغيرة -ذات الطابع الزراعي- آخر نقاط التجمع الفلسطيني في المنطقة الغورية، حيث لا يتجاوز عدد سكان كل منها 200 إلى 300 نسمة.
ويشير تفكجي إلى أن ما يجري هو استكمال لعملية "التطهير العرقي" التي نُفّذت خلال السنوات الماضية في تجمعات الحديدية والفارسية، ما أدى عملياً إلى إفراغ مناطق واسعة من السكان البدو، والانتقال تدريجياً نحو السيطرة على مناطق "شفا الأغوار"، وليس الأغوار وحدها.

السيطرة على قمم الجبال الاستراتيجية

ويرى تفكجي أن التحركات العسكرية الأخيرة حول طوباس وطمون جاءت ضمن هذه الرؤية الإسرائيلية الساعية للسيطرة على قمم الجبال الاستراتيجية التي تتحكم بالمشهد الجغرافي كله.
ويشير إلى أن المنطقة الممتدة من قاعون -القرية الفلسطينية التي دُمّرت عام 1948- وحتى تياسير، ثم باتجاه طمون، يجري تحويلها تدريجياً إلى منطقة خالية من السكان الفلسطينيين، في إطار تطوير "حزام أمني" تستخدم فيه إسرائيل الذريعة الأمنية لتحقيق أهداف سياسية بحتة، أبرزها تثبيت الحدود الدائمة وفق الرؤية الإسرائيلية، وتسريع عمليات الضم الجاري تنفيذها على الأرض بوتيرة متصاعدة.
وحول مستقبل السكان في القرى الثلاث المتبقية، يوضح تفكجي أن إسرائيل أمام ثلاثة سيناريوهات، جميعها تبقي الفلسطينيين تحت السيطرة الأمنية المباشرة: الأول السماح لهم بالبقاء لكن بآلية دخول وخروج تخضع لتصاريح خاصة كما يحدث في ضاحية البريد في القدس، بحيث يُمنع عليهم تجاوز حدود محددة سلفاً، والثاني – وهو مستبعد – منحهم هويات إسرائيلية، وهو خيار ترفضه إسرائيل لتجنب زيادة عدد الفلسطينيين المصنّفين ضمن سكانها. أما السيناريو الثالث وفق تفكجي، فهو منحهم هوية خاصة ووضعاً مشابهاً لبيت إكسا والنبي صموئيل وحي الخلايل، مع الإبقاء على حواجز تمنع دخول أي شخص إلى المنطقة دون إذن إسرائيلي مسبق.
ويؤكد تفكجي أن الهدف النهائي لهذه السياسات هو فرض واقع يسبق أي تفاوض، بحيث تصبح الأغوار منطقة معزولة بالكامل عن الضفة، خالية من معظم سكانها، وتحت سيطرة إسرائيلية دائمة عبر الجدار والمستوطنات والحواجز.

المرحلة الأولى من خطة لفصل المستوطنات عن القرى

يحذّر الباحث في شؤون الاستيطان سهيل خليلية من أنّ ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي بشأن وثيقة تتعلق بعزم جيش الاحتلال بناء جدار فصل في منطقة الأغوار ليس سوى المرحلة الأولى من خطة أشمل تهدف إلى فصل المستوطنات عن القرى الفلسطينية، وعزل التجمعات عن بعضها بشكل هندسي مدروس، بما يعمّق مشروع السيطرة الإسرائيلية على المنطقة الممتدة من شمال الأغوار حتى جنوبها.
ويوضح خليلية أنّ المسار المُعلن للجدار، الذي يمتد بين يرزا وعين شبلي، لا يمثل سوى جزء من مخطط أكبر سيُستكمل لاحقاً بجدران إضافية، مشيراً إلى أن المناطق الواقعة شمال يرزا وجنوب عين شبلي كانت خلال العامين الماضيين هدفاً مباشراً للاعتداءات المنظمة التي نفذها المستوطنون، وليس الجيش فقط، وذلك في إطار استراتيجية واضحة لدفع السكان الفلسطينيين إلى الرحيل وتقليص وجودهم في المنطقة.
ويشير إلى أن الهجمات ضد التجمعات الفلسطينية امتدت من شمال الضفة الغربية إلى شمالها الشرقي، وصولاً إلى رام الله في وسطها، وتمددت جنوباً إلى محيط بيت لحم، وصولاً إلى جنوب الخليل، حيث أن كل هذا التوسع والهجمات لم يكن عشوائياً بل ممنهجاً لإعداد الظروف الميدانية لبناء الجدار.
ويبيّن خليلية أن سياسة إسرائيل تجاه الأغوار ليست جديدة، إذ تعود جذورها إلى ما بعد احتلال عام 1967، حين فرضت أوامر عسكرية للسيطرة على المياه والأراضي الزراعية، وأعلنت مساحات واسعة مناطق عسكرية مغلقة، وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد السكان الفلسطينيين من أكثر من 250 ألف نسمة في تلك الفترة إلى أقل من 70 ألفاً اليوم، في ظل تدهور ممنهج للحياة الزراعية والرعوية.

المرحلة الثانية من عملية الاستيلاء على الأغوار


وبحسب خليلية، فإن الجدار المرتقب سيعني تضييقاً إضافياً على الحركة والزراعة، وهدم مئات المباني في المراحل اللاحقة، ما سيدفع مئات العائلات إلى الهجرة القسرية، في وقت يتواصل فيه تسليم الإدارة المدنية الإسرائيلية مساحات واسعة للمستوطنين، وتمكينهم من إقامة بؤر استيطانية جديدة وتسييج أراضٍ شاسعة.
ويؤكد خليلية أن ما يجري اليوم هو "المرحلة الثانية" من عملية الاستيلاء على الأغوار، ضمن مخطط مترابط يشمل مشاريع استيطانية أخرى مثل مشروع (E1)، ما يجعل المنطقة أمام لحظة حسم حقيقية تهدد مستقبل الوجود الفلسطيني في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية للدولة الفلسطينية المنشودة.


الأغوار تُشكّل محوراً مركزياً في العقيدة الصهيونية

يؤكد الباحث في شؤون الاستيطان د. حسن بريجية أن الأغوار الفلسطينية تُشكّل محوراً مركزياً في العقيدة الصهيونية منذ احتلال عام 1967، باعتبارها المنطقة الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن والممر الحيوي الممتد بمحاذاة البحر الميت.
ويشير بريجية إلى أن إسرائيل ترى في استمرار الوجود الفلسطيني في الأغوار تهديداً مباشراً لمشروعها الجغرافي والاستراتيجي، وتسعى إلى منعه عبر السيطرة العسكرية والاستيطانية وبناء الأسوار وتغيير الوقائع الديموغرافية.
ويوضح أن مشروع السيطرة على وادي الأردن رسّخه "مشروع ألون" عام 1967، الذي وضع الأسس الأولى لاعتبار الأغوار منطقة أمنية عسكرية عازلة، ومنذ ذلك الحين عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تطبيقه عبر التوسع الاستيطاني، حيث تمت المصادقة على 22 مستوطنة جديدة، بينها 15 في الأغوار تحديداً، ضمن خطة شاملة لعزل المنطقة وتحويلها إلى حزام استيطاني مغلق يمنع أي تواصل جغرافي للفلسطينيين مع الأردن أو مع البحر الميت.
ويشير بريجية إلى أن الأغوار ارتبطت أيضاً بمشروع (E1) الذي يهدف إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، مشيراً إلى أن إسرائيل هجّرت 18 تجمعاً سكنياً في مناطق الأغوار والمعرجات، أبرزها عرب المليحات، في إطار حملة تفريغ واسعة تهدف إلى إخلاء المنطقة من السكان الأصليين.
ويعتبر بريجية أن السيطرة على الأغوار ليست مجرد إجراءات ميدانية، بل جزء من رؤية إسرائيلية استراتيجية ترى في هذه المنطقة مخزوناً زراعياً ومساحة حيوية واسعة يجب إخضاعها بالكامل.
ويشير إلى أن اندلاع الحرب بعد 7 أكتوبر منح إسرائيل "اللحظة الذهبية" التي كانت تنتظرها لتنفيذ مخططاتها المؤجلة في الضفة وغزة تحت غطاء "حالة الطوارئ"، وهي مستمرة في ظل موقف رسمي يعلن أن الحرب لم تنته بعد رغم تصريحات دولية معاكسة.
ويرى بريجية أن التصريحات الأخيرة لوزيرة الاستيطان بأن هذه الفترة هي "الفرصة الذهبية لتوسيع الاستيطان" تعكس حقيقة التوجه الإسرائيلي الساعي لترسيخ واقع جديد في المنطقة.
ويشدد بريجية على أن مصير السكان الفلسطينيين في الأغوار مرسوم مسبقاً وفق السياسة الإسرائيلية، قائلاً: "إن ترحيل السكان وتفريغ الأغوار أمر مفروغ منه ضمن رؤية تتعامل مع الأرض باعتبارها أولوية جغرافية تتقدم على مناطق أخرى مثل غزة أو حتى سيناء".
ويوضح أن المصادقة على 22 مستوطنة، منها 15 في الأغوار، تعكس بوضوح النية الإسرائيلية لحسم السيطرة عبر الاستيطان العسكري والمدني، وتحويل المنطقة إلى نطاق سيادي مطلق يمنع أي إمكانية لوجود فلسطيني مستقبلي فيها.
ويرى بريجية أن ما يجري في الأغوار اليوم ليس سوى استكمال لسياسة ممتدة منذ ستة عقود، تسعى من خلالها إسرائيل لفرض أمر واقع جديد يتجاوز الحدود القائمة، ويُبقي الفلسطينيين محاصرين في تجمعات معزولة، بينما تُستكمل عملية السيطرة الشاملة على أحد أهم الممرات الجغرافية في فلسطين التاريخية.


الإصرار على الاحتفاظ بالمنطقة بذريعة الأمن

يؤكد الخبير المختص بشؤون الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش أن الحديث المتجدد عن إقامة جدار في منطقة الأغوار الفلسطينية يكشف مجدداً إصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاحتفاظ بالمنطقة تحت ذريعة "الاعتبارات الأمنية"، وهي الذريعة التي لطالما استخدمها لتبرير عدم الانسحاب من الأغوار حتى في حال الوصول إلى أي تسوية سياسية.
ويرى حنتش أن هذا المشروع ليس معزولاً عن سياسات ممتدة منذ عقود تهدف لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية.
ويوضح حنتش أن الدافع الاقتصادي يمثل ركناً مركزياً في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، فالأغوار تُعد السلة الغذائية الأساسية للفلسطينيين، وتضم مصادر مائية غنية تشكل محوراً رئيسياً للصراع.
وبحسب حنتش، يسعى الاحتلال إلى السيطرة على هذه المنابع وتحويل مياهها إلى داخل إسرائيل، ما يحرم الفلسطينيين من حقوقهم الطبيعية، ويقوض قطاعي الزراعة والدخل القومي، ويزيد معدلات البطالة.
ويشير حنتش إلى أن الاحتلال منح المستوطنين مساحات زراعية واسعة لاستغلالها، في مقابل التضييق على الفلسطينيين ومنعهم من الدخول إلى أجزاء كبيرة من المنطقة منذ عام 1978، إلا بتصاريح خاصة، وهو ما قد يتعمق خلال المرحلة المقبلة.
ويبيّن أن السيطرة الإسرائيلية على الأغوار تقوم على رؤية ممنهجة أساسها استهداف الوجود الفلسطيني وإضعافه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ويشير حنتش إلى أن الاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين تُنفذ تحت حماية مباشرة من جيش الاحتلال وبتغطية سياسية واضحة، بهدف دفع السكان الأصليين إلى الرحيل عن أراضيهم.
ويلفت إلى أن الجرائم اليومية التي ترتكب ضد الفلسطينيين لا تجد أي إدانة أو تغطية داخل الإعلام الإسرائيلي، ما يعكس حجم الدعم الرسمي لهذه الاعتداءات.
ويوضح حنتش أن المستوطنين الذين ينشطون في هذه الاعتداءات هم جزء من منظمات متطرفة مدعومة مالياً ولوجستياً من سلطات الاحتلال، مثل: "إلعاد" و"رجفيم" و"تدفيع الثمن" و"فتية التلال"، وهي مجموعات تحصل على تدريبات خاصة وميزانيات مخصصة لتنفيذ أعمال الترهيب والاستيلاء على الأراضي.
ويرى أن هذه المنظومة تعمل بشكل متكامل مع السياسات العسكرية والرسمية الإسرائيلية لتحقيق هدف واحد: السيطرة الكاملة على الأغوار وترحيل سكانها الفلسطينيين.
ويؤكد حنتش أن مشروع الجدار الجديد في الأغوار يأتي كحلقة جديدة في هذا المخطط، مستهدفاً الأرض والمياه والهوية الفلسطينية، ومشكّلاً تهديداً مباشراً لمستقبل الوجود الفلسطيني في واحدة من أهم المناطق الحيوية في الضفة الغربية.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا