رغم مشروعيتها لكن إشكالية تطبيقها تصطدم بحائط الصد السياسي والأمني الإسرائيلي على الأرض
سيفتح آفاقا بأن تكون البنوك الأردنية مراسلة لمثيلتها الفلسطينية التي تعتمد على البنوك الإسرائيلية كبنوك مراسلة لها
مصلحة فلسطينية أردنية مشتركة للتخفيف من حدة عقوبات الاحتلال وفي الحيلولة دون ما يسعى له الإسرائيليون في انهيار الجهاز المصرفي الفلسطيني
تحقق تقوية مناعة الجهاز المصرفي الفلسطيني والعلاقات الاقتصادية والتجارية والمصرفية ما بين الأردن وفلسطين
الإسرائيليون يحصلون على 1500 شيقل على كل مليون شيقل يستقبلونها من الجانب الفلسطيني بحجج كثيرة منها الادعاء بتلفها أو تزويرها
تسعى الحكومة الفلسطينية بجدية غير مسبوقة لإيجاد بدائل عن استعمال عملة الشيقل الإسرائيلي في السوق الفلسطينية، وهو الأمر الذي أظهره وأكد عليه اتفاق رئيس الوزراء د. محمد مصطفى، ورئيس الوزراء في المملكة الأردنية الهاشمية جعفر حسّان، خلال جلسة المباحثات التي عقدت مؤخرا، في مقر رئاسة الوزراء في العاصمة الأردنية عمّان، على تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي واللوجستي بين دولة فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية.
واتفق الجانبان الفلسطيني والأردني في هذا اللقاء على تعزيز التعاون المالي بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الأردني، وتعزيز استعمال الدينار الأردني كعملة أساسية في السوق الفلسطينية. وأكدا أهمية التحرك المشترك أمام الجهات الدولية للضغط على الجانب الإسرائيلي لرفع القيود عن حرية الحركة التجارية على معبر الكرامة شبه المغلق منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2025، إلى جانب الاتفاق على وضع خطة عملية لفصل مسار المسافرين والركاب عن المسار التجاري على الجسور، بهدف تحسين كفاءة العمل وتسهيل الحركة.
وبينما أكد رئيسا الوزراء أن هذه التفاهمات تشكل خطوة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة، وتسهم في دعم صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية المفروضة عليه. فإن خبراء المال والاقتصاد على الرغم من تأكيدهم أهمية هذه الخطوة التي ينبغي أن تجد مسارها للتطبيق العملي وارتداداتها الإيجابية على وضع التجارة البينية مع الأردن والسلبية مع "اسرائيل"، إلا أن مثل تطبيق هذا الإجراء محفوف بمخاطر الرفض الإسرائيلي إذ أنهم يؤكدون أن إمكانية البحث عن عملة بديلة للشيقل من ناحية "نظرية" صحيح أنها إمكانية واردة ومقبولة ومعقولة، ولكن من الناحية العملية يتطلب الأمر قرارا سياسيا على مستوى جميع الأطراف ذات العلاقة، وبخاصة أن الفلسطينيين أقروا في اتفاقيات باريس الاقتصادية بأن يبقوا ضمن الغلاف الاقتصادي والجمركي الإسرائيلي "بمعنى أنه لا يسمح لهم بإدخال سلع أو خدمات أو تنقل أفراد ورؤوس أموال إلا بموافقة الإسرائيليين، ومن خلال الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل".
وزير الاقتصاد الوطني م. محمد العامور يؤكد لـ "صحيفة الحدث"، أنه تم الاتفاق على تفاصيل لها علاقة بالتحرك المستقبلي على المستوى الاقتصادي بين البلدين ومن ضمنها أمور لها علاقة بالجسور وحركة التجارية والمسافرين وقضايا أخرى لها علاقة بالبعد الاستراتيجي وأبعد وهو استعمال الموانئ الأردنية في التخليص ومرور البضائع الفلسطينية إلى فلسطين وكذلك الأمر له علاقة في القضايا المالية والطاقة والبترول.
ويستدرك العامور قائلا: "تم الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية من الطرفين كل حسب اختصاصه لدراسة هذه المواضيع والخروج بتوصيات تعتمدها الحكومتان من أجل تطبيقها على الأرض، وذلك في إطار سعي حكومتنا لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني وستعتمد الحكومة وستتبنى وستطبق أي شيء له علاقة بمصلحته، فأي شيء يعزز الاقتصاد الفلسطيني نحن نعتمده".
ويجدد العامور تأكيده على أن عملية تعزيز استعمال الدينار الأردني في السوق الفلسطينية ستكون له ارتداد على التجارة البينية مع "إسرائيل" لأننا نستعمل الشيقل، ولكن فائضه ترفض "إسرائيل" استقباله، والنتيجة أن هذا الفائض المكدس في البنوك الفلسطينية يشكل عبئا على الاقتصاد الفلسطيني لذا نحن نبحث عن حلول لها علاقة بدعم الاقتصاد الفلسطيني".
وحول احتمالية رفض ومنع الاحتلال هذا التوجه لتعزيز استعمال الدينار في السوق الفلسطينية، قال الوزير العامور: "لا نريد أن نفترض أشياء افتراضية، هناك حكومة فلسطينية بالتعاون مع أشقائنا في الأردن وفي كل العالم العربي سنلجأ إلى كافة الوسائل والطرق والآليات التي من شأنها أن تدعم الاقتصاد الفلسطيني".
في حين يقول نائب مدير عام البنك الإسلامي العربي د. معاوية القواسمي: "أن الاتفاق الفلسطيني الأردني ليس ابتكارا وإنما هو لتعزيز استعمال الدينار أكثر من الشيقل، وهذا ممكن بطريقة أو بأخرى، وبالنتيجة فإنه يحل مشكلة عدم استقبال البنوك الإسرائيلية وبنكها المركزي فائض الشيقل المكدس في الجهاز المالي الفلسطيني".
ويعتبر القواسمي هذا الإجراء بديلا، لكنه يرى أن تطبيقه وزيادة استعماله سيحتاج إلى فترة طويلة، علما بأن ترحيل الدينار إلى الأردن وبالعكس هو عملية مكلفة للبنوك ولسلطة النقد، ولكن في النهاية إمكانية تطبيقه واردة.
ويوضح القواسمي، أن ما يعانيه الجهاز المصرفي الفلسطيني والاقتصاد الوطني من مشاكل كبيرة جراء تكدس فائض الشيقل والتي أساسها فرض العقوبات الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، حيث أنها تتسبب وتؤدي إلى عدم الاستقرار سواء كان في الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية الناتجة عن عدم توفير الرواتب أو حتى في عملية الاستيراد والتصدير بهدف تغطية الحوالات الخارجية، لذا فإن الدينار الأردني عبارة عن بديل ممكن أن يتحقق".
ويرى القواسمي وجود وسائل تقنية لتجاوز كل المعيقات الإسرائيلية في مسألة زيادة الاعتماد على الدينار الأردني من خلال استعمال الدينار الإلكتروني والذي سبق وتم طرحه وبالتالي تتم العمليات التجارية أو الخدماتية باستعمال الدينار الإلكتروني وميزة ذلك أنه لا يحتاج إلى ترحيل وشحن ونقل وخزنات وموافقات إسرائيلية، لافتا إلى أن الأردن يعكف على التفكير في سن تشريعات للدينار الإلكتروني، وهو عملية مضبوطة من خلال عمليات المتابعة التي تكون دائما معروفة من أصل المبلغ.
ويؤكد جازما بأن "إسرائيل" لن تسمح بشحن الأجزاء المعدنية من عملة الدينار لذا سيبقى الاستعمال مقتصرا على العملة الورقية.
ويعتقد أنه إذا تم تطبيق تعزيز استعمال الدينار إلكترونيا بعد اعتماده من البنك المركزي الأردني "نستغني عن عمليات شحن للعملة النقدية، فالرصيد إلكتروني يتم تداوله ودفعه من خلال التطبيقات الإلكترونية وعندها لسنا بحاجة لأن نستخدم الدينار الورقي".
وعن ارتدادات زيادة استعمال الدينار الأردني بدلا من الشيقل الإسرائيلي في السوق الفلسطيني، يقول القواسمي: "هذه الخطوة مع الأردن لن تكون بديلا عن استعمال الشيقل في التبادلات التجارية ما بين فلسطين و"إسرائيل"، لكن يمكن أن يساعد كثيرا في عملية تصدير الحوالات الخارجية التي تصدر من فلسطين للخارج، فعدم استقبال الشيقل أثر على الحوالات الخارجية ولكنه لن يكون بديلا وإنما سيكون له تأثير في مواقع أخرى".
ويعتقد، أنه يمكنه أن ينفذ مثل هذا الاتفاق والتوجه نحو زيادة استعمال الدينار الأردني وهو البديل الأمثل لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني مع الخارج.
وحول الرفض الإسرائيلي المتوقع لإفشال الاتفاق الفلسطيني الأردني، يقول القواسمي: "الذي يحكم العلاقة النقدية ما بين فلسطين و"إسرائيل" هو اتفاقية باريس الاقتصادية التي حددت أنواع العملات المتداولة في السوق الفلسطينية والتي سمحت بشكل واضح استعمالها بالطرق المعمول بها حاليا".
لذا فإن القواسمي، لا يعتقد أن هناك حاجة لموافقة الإسرائيليين لتنفيذ هذا التوجه، والذي قد يحفز "إسرائيل" لاستقبالها عملتها الفائضة في السوق الفلسطيني، "فعدم الاعتماد على عملتها سيعود بالضرر عليها، لذا سيكون سيكون هناك أثر إيجابي لهذه الخطوة والتي بالتأكيد لا تخالف الاتفاقيات.
ويوضح د. القوسمي، أنه لا يجري الحديث عن إحلال عملة الدينار الأردني محل الشيقل الإسرائيلي حيث سيبقى استعمال الشيقل، ولكن سيتم التركيز على استعمال الدينار بشكل أكبر من الشيقل وهذا يحتاج تقبل المواطن في اعتماده بشكل أكبر على الدينار وقبول تحويل العملة، وهو حل في محاولة للتخفيف من الأزمة التي نعيشها حاليا نتيجة رفض "إسرائيل" استقبال عملتها من جهازنا المصرفي".
بدوره يؤكد أستاذ العلوم المالية في الجامعة العربية الأمريكية والخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، على أن تمتين العلاقة مع الأردن يخدم الهدف الاستراتيجي لطالما سعى له الفلسطينيون وهو الانفكاك التدريجي عن الاحتلال في محاولة للخروج من منظومة حكم سلطة الاحتلال التي توظف الاقتصاد في خدمة أهداف ومخططات وطموحات استعمارية استيطانية وسياسية، وبالتالي "فإنها محاولة مشروعة في هذا الشأن وخصوصا أننا نتحدث عن التهديدات المتجددة لوزير المالية الإسرائيلي "سموتريتش" بقطع العلاقات مع الجهاز المصرفي الفلسطيني وإلغاء رسائل الضمانة للبنوك الفلسطينية، وإن تم ذلك فإنه يؤدي إلى قطع العلاقات مع البنوك الإسرائيلية، وبالنتيجة يربك التجارة البينية بين فلسطين و"إسرائيل" ويصبح تمويل الصفقات نقدا وهذا محظور حتى في القانون الإسرائيلي ويبدو أن الفلسطينيين يتجهون بهذا الاتجاه، وبالتالي يصبح الحل عبر بنوك مراسلة في الخارج تتواصل مع بنوك إسرائيلية وهذه عملية مكلفة، وعليه فإن الاتفاق الفلسطيني الأردني ربما يحتاج إلى وقت ولا نعلم مدى جديته".
وفي ظل هذا التوجه يقول د. عبد الكريم: "يصبح هناك مجال للبحث عن بدائل وخصوصا أن هناك أزمة ليس فقط بمراسلة البنوك وإنما في فائض الشيقل الذي وصل حسب تصريحات سلطة النقد إلى 15 مليار شيقل ما يعني وجود عبء على الاقتصاد الفلسطيني والبنوك الفلسطينية، كما أن هذا مزعج وفيه تحديات كبيرى، ورفض إسرائيل استقبال عملتها يعتبر إشكالية قانونية وأخلاقية حيث لم يسبق أن ترفض دولة استقبال عملتها".
ويؤكد، أن تداول الدينار الأردني في الضفة الغربية وقطاع غزة يتم وفق التفاهمات التي تم توقيعها في منتصف التسعينيات بين سلطة النقد والبنك المركزي الأردني والتي تنص على استمرار استخدام الدينار الأردني وإعادة فتح البنوك الأردنية في فلسطين، وبالتالي فإن الدينار موجود ومتداول ويستخدم في الاستثمار والعقود طويلة المدى في حين يستخدم الشيقل وظيفيا للاستهلاك اليومي وتمويل التجارة مع "إسرائيل"، وبالتالي فإن البحث عن تعزيز دور الدينار والعلاقات مع الأردن مشروع في ظل العلاقات غير الندية وغير العادلة التي فيها غبن كبير من الجانب الإسرائيلي للجانب الفلسطيني.
ويجد د. عبد الكريم، صعوبة في تطبيق ما تم الاتفاق عليه الآن، على الرغم من نصوص بروتوكول باريس الاقتصادي في جانب استعمال الدينار الأردني والدولار الأمريكي، ويقول: "قبل عام تم الاتفاق بين "إسرائيل" والأردن على زيادة حصة السلع الأردنية في سوق الضفة الغربية إلى 6700 مليون دولار، وبالتالي من الواضح توجد فتح قنوات علاقات، على أن الذي يسمح بمرور البضاعة والسلع الأردنية إلى الضفة الغربية هي سلطات الرقابة والمعابر والجمارك الإسرائيلية، وبالتالي هنا تكمن الإشكالية أن الخيارات الفنية كلها التي أمام الفلسطينيين تصطدم بحائط الصد السياسي والأمني الإسرائيلي على الأرض، رغم أن الخيارات متاحة ومشروعة.
ويرى د. عبد الكريم أنه من الصعب الآن توفر نجاح استبدال الشيقل بالدينار وزيادة استعماله في السوق الفلسطينية أو توقع الوصول إلى نتائج مرجوة منه، "لأنه بكل بساطة السيطرة على الحدود مع الأردن والمعابر التجارية هي "لإسرائيل"، وبالتالي بعد 65 يوما من حادثة السائق الأردني الذي أدى إلى مقتل إسرائيليين فإن المعبر التجاري مغلق لليوم وحتى نقل الدينار والدولار من الأردن إلى البنوك الأردنية العاملة في الضفة الغربية متوقف". ولكن السؤال المهم هل ستتوفر كمية من الدينار الأردني في الضفة الغربية بما يتيح ويسمح بإحلال الدينار الأردني تدريجيا محل الشيقل وطرده لخارج التعاملات؟
يتابع د. عبد الكريم: "هذا يحتاج إلى توفر شرطين: الأول السماح بعبور الدينار والثاني يحتاج إلى قبول إسرائيل لفائض عملتها الشيقل المكدسة في الضفة الغربية، وإلا سنصبح نعاني من وجود تخمة بالعرض النقدي".
ويعتقد عبد الكريم، أن إمكانية تحقيق هذين الشرطين الآن صعب، ولكنه قال مستدركا: "في المستقبل قطعا هذا أحد الخيارات بالبحث دائما عن تعزيز الدينار وتعزيز العلاقات المصرفية النقدية بين الأردن وفلسطين، وبالتالي هذا ليس مزعجا لأحد يعني هو مصلحة مشتركة بدولة تربطنا معها علاقات تاريخية اجتماعية وسياسية وثقافية ووطنية، وبالتالي فإن الشروط الموضوعية على الأرض لا يراها د. عبد الكريم متحققة من أجل أن تؤدي إلى توجه المشروع الذي يتم السعي له، ولطالما هناك غياب في السيطرة على المعابر والحدود صعب تحقيق ذلك.
ويؤكد د. عبد الكريم، أن المطلوب لإنجاح مشروع استبدال الشيقل بالدينار أو زيادة استعماله "هو أن تسمح دولة الاحتلال بإدخال كمية من الدينار الورقي للأراضي الفلسطينية، عندها شيئا فشيئا يتم إزاحة الشيقل لأنه توجد هناك قيود على استخدامه فما نفعه إن لم تقدر على استخدامه في شراء بضاعة من "إسرائيل".
ويستنتج د. عبد الكريم، أنه إذا فرضت "إسرائيل" قيودا أو صعوبات على استخدام الشيقل من قبل الفلسطينيين فالسؤال عندها أين سنذهب بالشيقل؟ وإذا انقطعت العلاقة فإن الشيقل الموجود في البنوك سيقتصر على الاستخدام الداخلي فقط، وسيبقى في دائرة الاستخدام في الاقتصاد الفلسطيني وسيبقى الفائض في البنوك وكأن "إسرائيل" أعفت نفسها من التزاماتها تجاه عملتها التي تصدرها، ولذلك فإنه يعتقد أن الدينار قد يكون بديلا ولكن ليس في الظروف الحالية".
ولا يختلف إلى حد كبير الأكاديمي الاقتصادي البروفيسور طارق الحاج، مع الآخرين، على أنه يمكن استبدال الشيقل نظريا بعملة أخرى لكن التطبيق على الأرض يخضع لاعتبارات سياسية وقانونية فنظريا ممكن لكنه أشار إلى عقبات سياسية وقانونية.
وأوضح: "أن اتفاقيات باريس الاقتصادية، التي أصبحت على ما يبدو دائمة، إذ أقرت منظمة التحرير الفلسطينية بأن يكون الشيقل هو عملة التداول في فلسطين، وأن إمكانية البحث عن عملة بديلة من ناحية "نظرية" إمكانية واردة ومقبولة ومعقولة، ويشكل الدولار الأميركي أو الدينار الأردني بديلين للشيقل "لكن من ناحية عملية، الأمر يتطلب قرارا سياسيا".
ويوضح د. الحاج، بأن الجانب الفلسطيني أقر في اتفاقيات باريس الاقتصادية بأن يبقى الفلسطينيون ضمن الغلاف الاقتصادي والجمركي الإسرائيلي "بمعنى أنه لا يسمح لهم بإدخال سلع أو خدمات أو تنقل أفراد ورؤوس أموال إلا بموافقة الإسرائيليين، ومن خلال الحدود التي تسيطر عليها "إسرائيل"."
ويتابع د. الحاج: "الحديث عن "عملة تداول يومي" يعني عدم الاقتصار على العملة الورقية، بل أيضا العملة المعدنية المساعدة التي يستخدمها المواطنون في تلبية حاجاتهم اليومية وشراء السلع والخدمات، وهنا يبرز التساؤل: هل "إسرائيل"، التي لا تسمح منذ سنوات للبنوك بشحن عملة الدينار الورقية من الأردن إلى الضفة وتسببت في أزمة دينار بالضفة، ستسمح بشحن عملة معدنية من الأردن إلى الضفة؟ ويجيب جازما بأن "إسرائيل" من الناحية العملية لن تسمح إلا بوجود قرار سياسي يمهد لعملة بديلة".
يؤكد د. الحاج أنه في حال تطبيق الاتفاق الفلسطيني الأردني بزيادة استعمال أو إحلال الدينار الأردني محل الشيقل الإسرائيلي في فلسطين سيلحق بـ "إسرائيل" أضرارا جسيمة، إذ إن نحو ثلث المستخدمين للشيقل من الفلسطينيين، وبالتالي يحرك الفلسطينيون العملة، موضحا أنه "كلما تحركت العملة أكثر، كان مردودها للدولة أعلى وأكبر".
كما أشار د. الحاج إلى عوائق أخرى أمام التحول إلى الدينار الأردني، منها: موازنة الحكومة والإعفاءات الضريبية وغيرها كثير من التعاملات تقدر بالشيقل الإسرائيلي. والمؤسسات الرسمية التي تعتمد الدينار الأردني عملة لدفع الرسوم وإتمام المعاملات، ومنها المحاكم التي تحدد سعر الطوابع بالدينار، لكن يتم الدفع فعليا بالشيقل "فنحن كرّسنا الشيقل الإسرائيلي في تعاملاتنا الرسمية".
بالمختصر، يوضح د. الحاج، أنه بإمكان سلطة النقد والحكومة الفلسطينية أن تقرر استبدال الشيقل بعملة أخرى للتداول، "لكن التطبيق على الأرض يخضع لاعتبارات سياسية وقانونية".
ويتابع د. الحاج: "كما أن "إسرائيل" تستطيع منع إدخال العملة المساندة للعملة الورقية من الأردن إذا تقرر اعتماد الدينار الأردني عملة رئيسية للتداول، فضلا عن تكلفة الشحن العالية "فنحن نحتاج إلى موافقة "إسرائيل".
ويؤكد د. الحاج، أن هذه الخطوة لن تؤدي إلى فك الارتباط والتبعية الاقتصادية ما بين فلسطين و"إسرائيل" لكنها قد تذلل بعض العقبات التي تضعها "إسرائيل" أمام الجهاز المصرفي الفلسطيني، فعندما تحدثوا عن آفاق التعاون وتوثيقه ما بين سلطة النقد والجهاز المصرفي الفلسطيني، يخفف من الضغوطات المصرفية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية تجاه الجهاز المصرفي الفلسطيني، وبالتالي تباعا تجاه التجار الفلسطينيين والمواطنين والمستثمرين.
ويرى د. الحاج أن هناك مصلحة فلسطينية أردنية مشتركة للتخفيف من حدة عقوبات "اسرائيل" وفي الحيلولة دون ما يسعى له الاسرائيليون في انهيار الجهاز المصرفي الفلسطيني، فتهديد وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش تجاه عدم تجديد الحصانة القضائية لبنكي ديسكونت وهبوعليم الإسرائيليين اللذين يتعاونان مع البنوك العاملة في فلسطين، تدخل البنوك الوافدة ضمن هذه التهديدات وعددها 6 خمسة منها أردنية وواحد مصري.
وأشار د. الحاج إلى أن كل البنوك العاملة في فلسطين المحلية والوافدة تقوم بشحن عملة الدينار الورقي من الأردن بمركبات خاصة من خلال التنسيق كي تلبي حاجة السوق الفلسطينية في التجارة والتبادل والتنمية والتمويل حيث تقدر الكتلة النقدية الأردنية في السوق الفلسطينية بحوالي 500 مليون دينار، وعندما أوقفت "إسرائيل" السماح بشحن الدينار أصبح السوق الفلسطينية يعاني من شح الدينار وفي فترة من الفترات توازى سعر صرف الدينار أمام الشيقل وخلق بلبلة في تناوله بين أوساط المواطنين وأصبح هناك تخوف وإرباك والبعض فيهم أقدم على فتح حسابات في الأردن، وقاموا بتحويل الشيقل إلى دينار وترحيله إلى الأردن، مما زاد الطين بلة.
ويستنتج د. الحاج أنه "بناء عليه جاء الاتفاق الفلسطيني الأردني والتنسيق من أجل تذليل هذه المعضلات الثلاث السابقة ولتتم معالجتها بأسرع وقت ممكن وليس تأجيل الحديث فيها لكي لا تأخذ الأزمة شرخا عموديا إضافة إلى شرخها الأفقي، كما جاء اللقاء لإيصال رسالة إلى الجانب الإسرائيلي".
ولا يستبعد د. الحاج، إمكانية إحلال الدينار الأردني محل الشيقل الإسرائيلي كعملة تداول يومي، كما أنه من الممكن إيجاد آلية ما بحيث يصبح الدينار الأردني عملة التداول اليومي في السوق الفلسطينية وبعد هذه الخطوة لا يتم فقط تقوية مناعة الجهاز المصرفي الفلسطيني وإنما تؤدي إلى تقوية العلاقات الاقتصادية ومن ضمنها التجارية والمصرفية ما بين الأردن وفلسطين والتي لها بعدها ومغزاها السياسي متعدد الجوانب.
يقول د. الحاج: "إن تم ذلك وتحقق سيتم حرمان الشيقل الإسرائيلي من ثلث استخداماته من قبل الفلسطينيين، بمعنى سيخرج الشيقل من استخدامه ومن السوق الفلسطينية وبالنتيجة لن تستفيد "إسرائيل" من هذا الثلث، وبالمقابل ستعود الفائدة على الدينار الأردني، كما يصبح هناك فتح آفاق لتسديد الحوالات المتعلقة بالتجارة البينية بالدينار الأردني ما بين السلطة الفلسطينية وأي دولة أخرى، وهذا يعني أنه سيفتح آفاقا بأن تكون البنوك الأردنية هي المراسلة لبعض البنوك الفلسطينية التي تعتمد على البنوك الإسرائيلية كبنوك مراسلة لها، وهذه خسارة أخرى".
وأكد د. الحاج، أن "إسرائيل" لديها وحدة فحص جودة العملة التي ترسل من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي، وفي الغالب يتم الادعاء بأن جزءا من هذه العملة مزورة وممزقة أو مهترئة، ومقابل ذلك يحصلون على 1500 شيقل على كل مليون شيقل يستقبلها الإسرائيليون من الجانب الفلسطيني. وهذه المبالغ سيخسرها الجانب الإسرائيلي، وبالمقابل تعتبر ميزة للجهاز المصرفي الفلسطيني في حال توقف التداول بالشيقل، كما أن هذا يفتح الباب واسعا جدا لدخول السلع الأردنية بكل أطيافها إلى السوق الفلسطينية، وقد تحل إذا بنينا أفكارا على هذا اللقاء ممكن أن تحل بشكل نسبي أكبر محل السلع الإسرائيلية. كما أنه يسهل للمستثمر الفلسطيني تصدير تجارته بسهولة ويسر عندما تكون عملة التداول اليومي الدينار الأردني ويحول ويفتح حسابات في فلسطين والأردن.
وقال: "وهذه كمكونات اقتصاد التعاون المالي والمصرفي والتجاري قد تكون المكونات الفلسطينية أرضية صلبة لتقوية هذه التوجهات الدولية للاعتراف بدولة فلسطين، كما أنهم لا يستطيعون أن يعيبوا على هذا التعاون الفلسطيني الأردني، فإن استطعت أن ترسخ قوة اقتصادية يمكنك وتستطيع أن ترسخ قوة سياسية لمؤسسات دولة مستقبلية".
وقال: "آن الأوان أن نعيد إحياء عمقنا العربي في كل الجوانب من خلال الأردن ومصر وبثقل وزخم سريع جدا".
ويرى د. الحاج أنه بإمكان "إسرائيل" إفشال هذا التعاون والتوجه بقوة احتلالها وهي المسيطرة على المنافذ والمعابر، وبالتالي هي تستطيع أن تمنع وستحاول أن تمنع وبإمكانها أن تمنع، ولكن هذا لا يمنع أن نطرق الباب ونفتح الآفاق ونؤسس لشراكة بوجود الزخم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، إضافة إلى ما يشكله الأردن من ثقل وحضور عربي وإقليمي ودولي، إضافة إلى ذلك، نحن جربنا كل الوسائل للاستقلال و"إسرائيل" لم تبقِ أي مؤسسة فلسطينية بمعزل عن أذيتها والتضييق عليها، والمؤسسة الوحيدة التي تعمل لحد الآن بمهنية وهذا ما يؤرق "إسرائيل" هي الجهاز المصرفي الفلسطيني، لهذا السبب لا بد من تقوية مناعة هذا الجهاز، أضف إلى ذلك لم نبق أي وسيلة إلا أن استخدمناها لدحر الاحتلال والانفكاك الاقتصادي عن دولة الاحتلال".
وحول احتمالية استعمال الدينار الأردني في قطاع غزة، قال د. الحاج: "في قطاع غزة الصورة قاتمة جدا لا أعتقد أن أمريكا والاتحاد الأوروبي سيستغنوا عن وجود السلطة الفلسطينية فيه، ولا أعتقد أن مصر سيكون لها دور سلبي في أن يكون الدينار الأردني هو المتداول في الضفة وقطاع غزة، وإن استخدموا الجنية المصري فهذا يعني موت قطاع غزة وسينسلخ كليا عن الضفة الغربية، وأعتقد أن هذا لن يكون مقبولا لا فلسطينيا ولا عربيا ولا إقليميا ولا الدول الغربية ومن ضمنها الاتحاد الأوروبي".
ويرى مدير عام جمعية البنوك الفلسطينية بشار ياسين، أن بروتوكول باريس الاقتصادي يحدد مسألة اعتماد العملات النقدية المتداولة في السوق الفلسطينية، وقال: "في كل الأحوال فإن الكتلة النقدية الأردنية المتوفرة في السوق المحلية الفلسطينية ليست كافية، علما بأن هذه الأموال التي بحوزة المواطنين لا يمكن حصرها وهي تقدر بأضعاف الكمية المودعة في النظام المصرفي الفلسطيني وبخاصة لدى البنوك الأردنية العاملة في فلسطين، كما أن حركة سفر المواطنين بين الضفة والأردن لها انعكاساتها على تداول الدينار الأردني وتقدر كميتها بملايين الدنانير الأردنية."
(وينص بروتوكول باريس الّذي تمّ توقيعه في عام 1994 بين منظّمة التّحرير و"إسرائيل"، في الفقرة (أ) من البند 22 منه على أن "الشيقل الإسرائيليّ الجديد واحد من العملات المتداولة في المناطق، وسيستخدم هناك، وبشكل قانونيّ كوسيلة للدفع لكلّ الأغراض، بما فيها الصفقات الماليّة الرسميّة، أيّ عملة متداولة، ومن ضمنها الشيقل، سيتمّ قبولها من السلطة الفلسطينيّة وكلّ مؤسّساتها والسلطات المحليّة والبنوك لدى عرضها كوسيلة دفع مقابل أيّ صفقة".)
ويتابع ياسين: "بعيدا عن أية مناكفات سياسية، فإن التوجهات الفلسطينية يجب أن تتسم بالجدية في مسألة وكيفية إحلال الدينار الأردني محل الشيقل الإسرائيلي في السوق الفلسطينية، وهذا يتطلب إجراء ترتيبات نقدية حكومية عليا مع الأردن و"إسرائيل"، واستبدال الموانىء الإسرائيلية بأردنية لشحن واستيراد السلع والبضائع والمنتجات وبخاصة النفط والطاقة الكهربائية، علما بأن أي توجه جدي بهذا الاتجاه نحن نخلقه إن توفرت لدينا الإرادة".
ولكن ياسين يتساءل إن كان بمقدور الاقتصاد الأردني والدينار الأردني أن يتحمل تبعات وارتدادات وانعكاسات استعمال الدينار الأردني كعملة أساسية في السوق الفلسطينية، وهل الحكومة الفلسطينية لديها المقدرة على اتخاذ سياسات تجارية جريئة عبر الجسر الأردني والموانئ الأردنية؟ وهل دولة الاحتلال ستوافق على مثل هذه الخطوات التي إن تم تنفيذها ستكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر جسيمة.؟.
علما بأن هذه ليست المرة الأولى التي يلوح فيها الفلسطينيون بالاستغناء عن الشيقل، ففي شباط 2018، أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني في عهد رئيس الوزراء الأسبق رامي الحمد الله قرارا يقضي "بتشكيل لجنة خاصة لدراسة الانتقال من الشيقل إلى أي عملة أخرى، بما في ذلك العملة الرقمية" من دون أن يعلن عن أي نتائج.
ثم في العام التالي وبعد شهر من توليه منصبه، لوّح رئيس الوزراء السابق محمد اشتية بإطلاق عملية وطنية أو إلكترونية، لكنه غادر منصبه بعد 5 أعوام من دون أن ترى الفكرة طريقها للتنفيذ، نظرا لعدم الجاهزية من جهة ولاعتبارات سياسية واقتصادية من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن العملات المسموح تداولها قانونا في فلسطين هي الشيقل الإسرائيلي، والدولار الأميركي، والدينار الأردني، واليورو الأوروبي، وتستحوذ عملة الشيقل على النسبة الكبرى من العملات المتداولة كونها عملة التعامل الأساسية وتستخدم في عمليات شراء وبيع السلع والخدمات، حسب اتفاقية باريس الاقتصادية التي وُقّعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1994.
المصدر:
الحدث