آخر الأخبار

القطيعة البنكية المرتقبة.. محاولة لفرض سيادة إسرائيلية كاملة

شارك

البروفيسور طارق الحاج: إسرائيل قد تلجأ لتفعيل شركات المراسلة المالية أو فرض مزيد من الرسوم والاقتطاعات على التحويلات
د. شادي حمد: القطيعة البنكية تستهدف شلّ الاقتصاد الفلسطيني وتحويل البنوك إلى "خزائن نقد" بلا دور تجاري
مسيف مسيف: القطيعة ستؤدي لانحسار خدمات النظام المصرفي الفلسطيني والبدائل محدودة وسط مخاوف تعزيز السوق السوداء
د. رأفت الجلاد: الخطر الحقيقي يكمن في تقييد التحويلات بالشيكل وتعطّل تسوية الحركة التجارية وليس في ضياع الودائع
د. ثابت أبو الروس: يمكن توفير بدائل لتجاوز توقف التدفقات المالية من بينها إيجاد بنك وسيط خارج فلسطين للتعامل بعملة الشيكل
فراس الطويل: أيّ قرار بقطع العلاقة المصرفية سوف يؤدي حتماً إلى تأثيرات مباشرة على المدفوعات النقدية وتوريد السلع الأساسية


يترقب الاقتصاد الفلسطيني تطورات حاسمة مع اقتراب نهاية المهلة المحددة للعلاقة المصرفية مع البنوك الإسرائيلية، نهاية الشهر الجاري، وسط مخاوف من توقف التحويلات المالية الحيوية التي تمثل شريان الحياة للقطاع التجاري والخدمات العامة.
ويؤكد خبراء ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن النظام المالي الفلسطيني يعتمد بشكل رئيسي على آليات تسوية مالية بعمل الشيكل، علاوة على اعتماد فلسطين بشكل كبير على إسرائيل في توريد الكهرباء والمياه والوقود، ما يجعل أي اضطراب في التحويلات يهدد بشكل مباشر استمرار هذه الخدمات الأساسية، في حال تمت القطيعة البنكية، مشيرين إلى أن البدائل المتاحة محدودة وتعتمد على الاستجابة الدبلوماسية والضغط السياسي على إسرائيل، فضلاً عن إمكانية استخدام بنوك عربية كقنوات تحويل وسيطة.
ويرى الخبراء والمختصون وأساتذة الجامعات أن أي توقف في التحويلات سيؤدي إلى إرباك النشاط التجاري، وتعطّل توريد السلع الأساسية، وزيادة اختناقات السيولة، وفتح بوابة أمام السوق السوداء، ما يجعل إدارة الأزمة المالية ضرورة ملحة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وضمان استمرارية الخدمات الحيوية للمواطنين.

البدائل أمام السلطة محدودة للغاية

يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور طارق الحاج أنه مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة للقطيعة البنكية بين البنوك الفلسطينية والبنوك الإسرائيلية ممثلة ببنكي "هبوعليم" و"ديسكونت"، فإن البدائل في ظل التحديات المالية والاقتصادية التي تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية إثر ذلك ستبقى محدودة للغاية وتعتمد بالأساس على الضغط السياسي والدبلوماسي على الجانب الإسرائيلي.
ويشير الحاج إلى أن الخيار الرئيسي المتاح أمام السلطة الفلسطينية هو التواصل مع الدول الفاعلة والضاغطة على إسرائيل، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الإقليمية والعربية، لضمان تعديل القرار الذي يهدد استمرارية التعامل المالي عبر البنوك الإسرائيلية.
ويوضح أن هذا الأمر يصب في مصلحة إسرائيل نفسها، حيث تمثل التحويلات المالية والتداول بالشيكل الإسرائيلي في السوق الفلسطيني نحو ثلث حجم التعاملات، إضافة إلى أن السوق الفلسطيني هو المصدر الأساسي لتصدير بعض السلع الإسرائيلية، خاصة تلك التي تخضع للفحص وفق معايير المواصفات والمقاييس الإسرائيلية، ومن المستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى القطيعة البنكية الكاملة.
ويحذر الحاج من احتمال لجوء إسرائيل إلى إجراءات أكثر تعقيدًا، تشمل تفعيل شركات المراسلة المالية التي أُنشئت بين 2021 و2023، أو فرض مزيد من الرسوم والاقتطاعات على التحويلات، وهو ما قد يزيد العبء المالي على الجانب الفلسطيني.
ويؤكد أن الودائع العامة للمواطنين لن تتأثر حال تمت القطيعة البنكية، وإنما تتأثر ودائع البنوك الفلسطينية المتعاملة مع هذه البنوك الإسرائيلية في سياق تسويات التجار والمستحقات المالية.
وفيما يخص توريد المحروقات والكهرباء والسلع الاستراتيجية، يشدد الحاج على أن هناك ضبابية في آليات الدفع، وأن جميع المستحقات تمر عبر البنوك الإسرائيلية، ما يمنح إسرائيل ميزة سيطرة على الأسعار وطرق التسليم، خاصة في ظل احتكار بعض الشركات الإسرائيلية لهذه الخدمات.
ويؤكد أن فلسطين لا تزال تعتمد بشكل كامل على إسرائيل في استيراد النفط والغاز والكهرباء، وأن هذا الأمر يدر أرباحًا كبيرة للشركات والحكومة الإسرائيلية، بينما الجانب الفلسطيني يواجه قيودًا مالية وإدارية كبيرة.
ويشير الحاج إلى أن الحلول قصيرة المدى تشمل الضغط السياسي وتحسين الآليات المالية لتقليل الخسائر، إضافة إلى التوجه نحو تنويع مصادر الطاقة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، وتشجيع المواطنين على تركيب حلول طاقة بديلة لتقليل الاعتماد على إسرائيل.
لكن الحاج يؤكد أن القيود القانونية والإدارية تجعل من الصعب الاستفادة الكاملة من هذه البدائل، خاصة في ظل تدخل بعض البلديات والشركات في توزيع الطاقة وفرض الشروط على المواطنين.

تفعيل شراكات مع دول مجاورة

ويدعو الحاج إلى تفعيل شراكات مع دول مجاورة، مثل الأردن ومصر، لضمان توريد الكهرباء والغاز، مشددًا على أن التوسع في الشراكات والاستثمارات المشترك قد يكون من الحلول الممكنة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية، رغم أن هذا الحل يبقى محدودًا وغير مثالي.
ويحذر من مخاطر ترك السلطة الفلسطينية بلا أدوات سياسية واقتصادية واضحة لإدارة هذه الأزمة، مؤكدًا أن أي محاولة للتحكم المالي من قبل الجانب الإسرائيلي قد تؤدي إلى إضعاف هيبة المؤسسات الفلسطينية وإحداث خلل في قدرتها على إدارة الموارد والخدمات الأساسية.
ويدعو الحاج إلى ترشيد الاستهلاك وتقليل البيروقراطية وإيجاد حلول وطنية للموارد والطاقة بما يحمي المواطن الفلسطيني ويعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

إصابة الاقتصاد الفلسطيني في جوهره

يحذّر مدير الأكاديمية المهنية للعلوم المالية والإدارية في فلسطين، د. شادي حمد، من أن القطيعة المحتملة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية نهاية الشهر الجاري، تمثل خطوة مدروسة نحو إصابة الاقتصاد الفلسطيني في جوهره، عبر تجريد البنوك من دورها التجاري وتحويلها إلى مؤسسات محدودة الفاعلية، وأن تصبح مجرد "خزائن للنقد".
ويشير إلى أن ودائع المواطنين في البنوك الفلسطينية آمنة بالكامل ولا خوف على ضياعها، مشدداً على أن الاستهداف يتركز على نشاط البنوك لا على وجودها أو ملاءتها المالية.
وبحسب حمد، فإن الاحتلال يسعى لتحويل البنوك الفلسطينية إلى مجرد "خزائن نقد" تُحرم من القدرة على تسهيل الحركة التجارية، بما يدفع التجار للبحث عن بدائل في البنوك الوافدة أو الإسرائيلية.
ويوضح حمد أن بنوكاً مثل البنوك الوافدة قد تستمر في العمل بحركة تحويلات طبيعية بفضل قنواتها الخارجية، ما يمنحها ميزة أمام البنوك الفلسطينية التي ستواجه تقييدات أكبر في التحويلات والمعاملات التجارية.
ومع منع حركة الشيكات وتراجعها من نحو 24 مليار دولار سنوياً إلى مستويات متدنية جداً، يوضح حمد أنها أحد أهم روافع النشاط الاقتصادي، ولعل الإجراءات البنكية الأخيرة دفعت نحو تجفيفه وتقليصه إلى درجة متدنية، وهذه ضربة أخرى للاقتصاد الفلسطيني.
ويرى أن الدفع نحو استخدام البطاقات الرقمية أو وسائل الدفع الإلكتروني لا يعالج الأزمة، لأن أصل المشكلة هو التحكم الإسرائيلي في حركة النقد والشيكل وإضعاف عمل البنوك الفلسطينية.
ويؤكد حمد أن إسرائيل تطرح مطالب جديدة على سلطة النقد بشكل متواصل، وكلما جرى تلبية مطلب يظهر آخر، ما يدل على أن الهدف ليس التنظيم المالي بل السيطرة الاقتصادية الكاملة.
ووفق حمد، فإن الاحتلال يخطط لتهيئة بدائل للبنوك الفلسطينية، من بينها احتمال توسع بنوك إسرائيلية أو وكلاء لها داخل مناطق تتبع للسيطرة الإسرائيلية، ما سيجبر التجار على فتح حسابات جديدة خاضعة بالكامل للشروط الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بالمقاصة، يوضح حمد أن التحويلات شبه متوقفة حالياً وتُنفذ بصورة شكلية، مرجحاً أن تتولى الحكومة الإسرائيلية إدارتها بشكل مباشر لتعزيز قبضتها على النظام المالي.
ويرى حمد أن الاستهداف الحقيقي يتمثل في "ضرب التمثيل الاقتصادي الفلسطيني" وتحويل النشاط المالي إلى اقتصاد تابع بالكامل لإسرائيل، بما يلغي أي شكل من أشكال الاستقلالية الاقتصادية.
ويحذّر من تراجع حاد في تدفق العملات الأجنبية إلى فلسطين؛ فقد انخفضت الحوالات الخارجية من نحو 4–4.5 مليارات دولار في 2023 إلى أقل من مليار في 2024، وهو تراجع يشير حمد إلى أنه "ليس صدفة"، بل يأتي ضمن استراتيجية تقليص النقد الأجنبي داخل السوق الفلسطينية، ما يجعل العودة للتعامل بالدولار أو الدينار أمراً غير ممكن عملياً، ومن أجل تعزيز استخدام الشيقل.
وفيما يتعلّق بالسلع الأساسية والمحروقات، يشدد حمد على أن الاحتلال لن يوقف توريدها، لأن حجم التبادل التجاري بين الجانبين كبير ولا يمكن لإسرائيل التفريط فيه، مؤكداً أن الحركة التجارية ستستمر عبر "مسارب بديلة"، لكن ضمن آليات جديدة تخدم هدف إحكام السيطرة الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني.
ويرى حمد أن ما يجري هو فرض سيادة اقتصادية إسرائيلية كاملة، بعد السيطرة على الأرض، عبر إضعاف البنوك الفلسطينية وتجفيف مواردها وتقليص قدرتها على لعب دورها الطبيعي، وصولاً إلى اقتصاد بلا استقلالية ومرتبط بالكامل بالنظام المالي الإسرائيلي.

القطيعة قد تؤدي لانهيار اتفاقية باريس

يعتبر الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) مسيف مسيف أن أي خطوة إسرائيلية لقطع العلاقات المصرفية مع الفلسطينيين تمثل أقصى وأقسى إجراء يمكن أن تمارسه إسرائيل ضد المجتمع الفلسطيني، مشيراً إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى انهيار اتفاقية باريس الاقتصادية بالكامل.
ويوضح مسيف أن الجزء الأكبر من العلاقة التجارية بين فلسطين وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالمواد الأساسية والسلع الحيوية، يعتمد على النظام المصرفي، مشيراً إلى أن أي توقف في التحويلات المصرفية سيجعل دفع فواتير الكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات الأساسية أمراً مستحيلاً.
ويؤكد أن إسرائيل قد تسعى في هذا الإطار لإنشاء شركات خاصة للتعامل مع التحويلات المالية بدلاً من السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما يصفه مسيف بأنه موقف مرفوض كلياً من الجانب الفلسطيني، لأنه يتجاوز المؤسسات الرسمية ويخرج التعاملات الاقتصادية عن الإطار القانوني والمؤسساتي الفلسطيني.
ويحذر مسيف من أن قطع العلاقات المصرفية سيؤدي إلى انحسار خدمات النظام المصرفي الفلسطيني، مشيراً إلى أن البدائل محدودة، ومع استمرار الأزمة ستبدأ الودائع في الانحسار، حيث سيلجأ التجار والشركات لسحب أموالهم وتحويلها للتعاملات التجارية خارج النظام الرسمي، ما يعزز السوق السوداء ويخلق فوضى اقتصادية غير مسبوقة.
ويوضح أن حجم النقد المتداول بين فلسطين وإسرائيل يبلغ نحو 70 مليار شيكل، يشكل الجزء الأكبر منه التعامل الرسمي لدعم الاستيراد والتصدير، بينما القنوات غير الرسمية تمثل مبلغاً ضئيلاً لا يتجاوز 10 إلى 15 مليار شيكل.
وبخصوص تأثير القطيعة البنكية على المقاصة، يشير مسيف إلى أن استمرارها يعتمد على بقاء السلطة الفلسطينية ونظامها الرسمي، مشيراً إلى أنه حتى في حال اختلال العلاقات المصرفية، فإن المقاصة ستتضاءل بشكل كبير بسبب توسع الاقتصاد غير الرسمي، إلا أن توقفها الكامل مرتبط بالإعلان الرسمي عن انهيار اتفاق باريس الاقتصادي.
ويلفت مسيف إلى أن التمويل لتوريد المحروقات والكهرباء والمياه سيكون معقداً للغاية في حال توقف النظام المصرفي، مشيراً إلى أن البدائل المتاحة محدودة وتقتصر على السحب اليدوي للودائع وتحويل الأموال بالطرق غير الرسمية، ما يزيد من احتمالية نشوء سوق سوداء واسعة ويعمق الفوضى الاقتصادية.
ويؤكد أن أي محاولة إسرائيلية لإنشاء شركات خاصة للتقاص وتحويل الأموال خارج إطار التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية ستواجه رفضاً فلسطينياً، مؤكداً أن أي تعامل مع هذه الشركات سيكون خارج الصف الوطني، وسيخلق أزمة اقتصادية وسياسية كبيرة.
ويشير مسيف إلى أن تداعيات وقف العلاقات المصرفية ستكون خطيرة جداً وأبعد ما يتخيله أي طرف، معتبرًا أن هذا القرار قد يكون أداة ابتزاز سياسي أكثر من كونه خطوة تنفيذية فعلية.

مخاطر تطول استقرار الاقتصاد واستدامة الخدمات

يؤكد عميد كلية الأعمال والاتصال في جامعة النجاح د.رأفت الجلاد أن المخاطر المتصاعدة على النظام المالي الفلسطيني نتيجة احتمالية قطع العلاقات المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية نهاية الشهر الجاري، تتجاوز الجانب المالي لتطول استقرار الاقتصاد واستدامة الخدمات الحيوية، وتوريد السلع الأساسية، والوقود والطاقة.
ويشير إلى أن النظام المالي الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على قنوات تسوية الشيكل والمقاصة الضريبية، والتي تشكّل العمود الفقري لتمويل رواتب موظفي القطاع العام والالتزامات الحكومية.
ورغم حساسية الوضع، يوضح الجلاد أن ودائع أموال المواطنين في البنوك الفلسطينية، والتي تتجاوز 22 مليار دولار، آمنة من الناحية المحاسبية داخل النظام المصرفي الخاضع لرقابة سلطة النقد.
ويلفت الجلاد إلى أن الخطر الحقيقي إثر القطيعة البنكية، يكمن في تقييد التحويلات بالشيكل وتعطّل تسوية الحركة التجارية، وليس في ضياع الودائع، مشيراً إلى أن أحد الحلول الممكنة يكمن في توسيع استخدام الدولار والدينار في التسعير والعقود، إضافة إلى توظيف البنوك الأردنية كقنوات وسيطة إقليمية لتعزيز الاستقرار المالي، إلى جانب تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني للحد من الاعتماد على النقد.
ويؤكد أن المقاصة تعد شرياناً حيوياً لتمويل الرواتب والخدمات الأساسية، وأن أي تعطيل محتمل يستدعي ترتيبات طارئة مدعومة بضمانات دولية لضمان استمرار تحويلات الكهرباء والمياه والصحة والوقود بعيداً عن التجاذبات السياسية، مشيراً إلى أن تجارب دولية مشابهة أثبتت جدوى هذا النهج في الحفاظ على الاستقرار المالي والخدمات الأساسية.
ويشير إلى أن التحديات المالية والتجارية الراهنة يمكن أن تتحول إلى فرصة لإرساء سياسة اقتصادية فلسطينية أكثر استقلالاً واستدامة، من خلال رؤية وطنية تشاركية تجمع بين القطاعين العام والخاص، مدعومة بدور إقليمي ودولي فاعل، لضمان استمرار الخدمات الأساسية، وحماية أموال المواطنين، والحفاظ على الاستقرار المالي والاجتماعي في ظل الضغوط الخارجية.
ويؤكد الجلاد أن إدارة الأزمة يجب أن تركز على بدائل عملية ومستدامة، لتجنب أي تأثيرات سلبية على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني، وتحويل المخاطر الحالية إلى أدوات لتعزيز الاستقلال المالي الفلسطيني.

الوضع المالي الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة

يؤكد الخبير والمحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن الوضع المالي الفلسطيني يواجه تحديات كبيرة في ظل احتمالية توقف الجانب الإسرائيلي عن التعامل المالي مع السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن الجهات الرسمية، ولا سيما سلطة النقد الفلسطينية، لم تصدر حتى اللحظة أي آليات واضحة لتنظيم العلاقة المالية أو التعامل مع توقف التحويلات النقدية بين الجانبين.
ويشير إلى وجود بدائل محتملة يمكن للسلطة اعتمادها لتجاوز أي توقف في التدفقات المالية، من بينها إيجاد بنك وسيط خارج فلسطين للتعامل بعملة الشيكل، بحيث يتم شحن الأموال إلى هذا البنك ومن ثم تحويلها إلى إسرائيل، أو إنشاء شركة وسيطة تعمل كبديل لبنك "هبوعليم" وبنك "ديسكونت"، لتولي مهام الوساطة المالية بين الجانبين.
ويشير أبو الروس إلى أن النظام المالي الفلسطيني أصلاً يمر بحالة اضطراب نتيجة وجود كتلة ضخمة من الشيكل في السوق الفلسطيني، تتجاوز 15 مليار شيكل، في حين أن قدرة الجهاز المصرفي وسلطة النقد على الاستقبال تصل إلى 6 مليارات فقط.
ويؤكد أبو الروس أن ودائع المواطنين المصرفية محمية ولا يوجد قلق بشأنها، في حال حدثت قطيعة بنكية، وذلك بفضل وجود المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع، التي تضمن سلامة الأموال، كما أظهرت القيود المشددة عند منح أي تمويل قوة الجهاز المصرفي في حماية أموال المودعين.
أما فيما يتعلق بملف المقاصة، وإمكانية تأثرها إذا توقفت العلاقة البنكية، فيوضح أبو الروس أن إسرائيل تحاول منذ أشهر تجفيف المقاصة الفلسطينية من خلال إيقاف تحويل مستحقات المقاصة ومخصصات الأسرى والشهداء، وفرض قرارات مثل خصم 35 مليون شيكل تحت مسمى حماية البيئة، مشيراً إلى أن الهدف هو إيجاد مبررات لحرمان السلطة الفلسطينية من مواردها المالية الأساسية.
وحول استيراد المحروقات والسلع الأساسية، إثر القطيعة في حال تمت، يؤكد أبو الروس أن القرار الإسرائيلي لن يمر بسهولة نظراً لحجم التبادلات التجارية بين فلسطين وإسرائيل، والتي تجاوزت مليارَي شيكل خلال شهر أكتوبر وحده، مشيراً إلى أن هذه السلع تشكل عنصراً حيوياً في الاقتصاد الفلسطيني.
ويشير إلى أن البدائل السابقة لاستيراد المحروقات من العراق أو الأردن واجهت عقبات تتعلق بالمواصفات الفنية، لذا لا يوجد بديل حقيقي للمحروقات الإسرائيلية، بينما يمكن التوسع في إحلال البضائع الأردنية عن البضائع الإسرائيلية عبر اتفاقيات التجارة البينية.
ويشدد أبو الروس على أن البدائل الفلسطينية يجب أن تكون طويلة المدى وليست مرتبطة بإدارة مرحلة مؤقتة، مشيراً إلى أن الضغوط على إسرائيل يجب أن تركز على إلزامها بالالتزام بتحويل الأموال، مع ضمان قدرة النظام المالي الفلسطيني على الاستمرار دون تعطيل الخدمات الأساسية، من خلال استثمار التكنولوجيا المالية والتعاون مع المؤسسات الدولية والدول الشقيقة لتأمين التدفقات النقدية الضرورية.

التأثير على الحياة اليومية للمواطنين

بدوره، يرى رئيس تحرير موقع "الاقتصادي" الفلسطيني، فراس الطويل أن انتهاء اتفاقية المراسلات المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية سيؤثر مباشرة على القطاعات الحيوية التي تعتمد على الواردات الإسرائيلية، مثل: الكهرباء والمياه والوقود، حيث يستورد الفلسطينيون نحو 90% من الكهرباء، و80% من المياه، و100% من الوقود من إسرائيل.
ويؤكد أن أي خلل في التحويلات المالية سيجعل من الصعب على الجهات الفلسطينية تسديد المدفوعات لموردي هذه الخدمات، ما قد يؤدي إلى انقطاعات في الإمدادات الأساسية ويؤثر على الحياة اليومية للمواطنين.
ويشير الطويل إلى أن البنوك الإسرائيلية تمثل المنفذ المالي الرئيس للبنوك الفلسطينية إلى النظام المصرفي الدولي، وبدونها ستفقد الأخيرة القدرة على تحويل الشيكل إلى عملات أجنبية أو إجراء تعاملات تجارية عالمية، ما قد يسبب اختناقات في السيولة ويهدد استقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني الذي تتجاوز أصوله 27 مليار دولار.
ورغم أن الطويل يستبعد انتهاء العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، نظراً لحجم التبادل التجاري الشهري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، البالغ نحو 800 مليون دولار، لكنه يشير إلى أن سلطة النقد بدأت بالفعل إعداد خطط طوارئ وسيناريوهات بديلة تشمل البحث عن خيارات مصرفية عبر أطراف ثالثة عربية للتعامل مع إسرائيل، كقنوات تحويل بديلة.
ويشدد الطويل على أن أي قرار بقطع العلاقة المصرفية سيؤدي حتماً إلى تأثيرات مباشرة على المدفوعات النقدية وتوريد السلع الأساسية، بما فيها المياه والكهرباء والمحروقات، حيث يعتمد الفلسطينيون بشكل كامل على إسرائيل لتوفير هذه الموارد.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا