آخر الأخبار

لماذا غاب أبي؟.. سؤال أيتام غزة يوجع قلوب عائليهم في خيام النزوح

شارك

تبدو خيام النزوح البيضاء والزرقاء في قطاع غزة مثل ندوب مفتوحة على رمال لا تنتهي، تمتد حبال الغسيل بين الأعمدة الخشبية الهشّة، وتتطاير الأقمشة بفعل الريح كأنها تلوّح للعالم بأن هنا حياة معلّقة بين الفقد والبحث عما تبقّى.

وفي هذا الفضاء القاسي، لا ظلّ يقي حرّ الصيف ولا دفء يحمي من البرد، تتشبث آلاف العائلات بخيوط النجاة، وتحاول الأمهات -اللاتي فقدن أزواجهن- أن يحتضنّ أطفالهن وأنفسهن بيد واحدة، بينما اليد الأخرى تفتش عن الماء والطحين وشيء من القدرة على الاحتمال.

وفي تقرير بثّته قناة الجزيرة من داخل مخيمات النزوح جنوب القطاع، تظهر سيدة فلسطينية بثوبها الأسود داخل خيمتها، وقد التفّ حولها أطفالها الثلاثة. ويتردد صوتها المتهدج كمن يحاول تنظيم أنفاسه قبل سرد حكاية موجعة، وتقول 'استشهاد زوجي عمل صدمة أكبر.. فجأة صرت الأم والأب والمعيلة. كل شيء صار يتطلب مشوارا طويلا، مشوار ميّة، مشوار طحين، مشوار حفاضات.. وكان لازم آخد أولادي معي وين ما رحت'.

وخارج خيمة أخرى يعلو صوت الأطفال، ويمتزج بفرقعة الحطب تحت قِدر كبير تجلس عليه إسلام خليفة، وهي أرملة وأم 4 أطفال، تقلب الطعام فوق النار بينما يلعب الصغار بأوراق 'الشدّة' ويصنعون أساور ملونة، وكأنهم يحاولون انتزاع فسحة فرح صغيرة وسط عاصفة الفقد.

وتبدأ إسلام الحكاية من أولها 'زوجي عمرو كان زوج أختي المتوفاة.. وبعد وفاتها أكملت تربية أولادهما. لكن الحرب أخذته هو كمان. صار عندي يتيمان (فقدا الأب والأم) ويتيمان (محرومان من) الأب.. 4 أرواح بتستناني (تنتظرني)'.

وتتوقف قليلا وهي تقلب الطعام في قدر على النار 'المعاناة مش بس بالطعام.. حتى المؤسسات بتغلب، بيحسبوا كل طفل عيلة لحاله وأنا بدي أنصف بينهم، بين دور الأم ودور الأب. بس لما صلاح يقول لي: ليش بابا مش موجود؟.. ما في وقت بنسّى'.

وتأخذ الكاميرا طريقها إلى خيمة أخرى، واسعة وزرقاء، تجلس فيها نساء بوجوه أنهكها الانتظار، وعلى طرف المشهد امرأة تمشط شعر طفل صغير في حضنها، يحدّق في الفراغ بعينين باهتتين. اسمه 'أمير' وهو الناجي الوحيد من عائلته، كما تخبر عمته التي تحكي قصة هذا الفقد 'انقصف البيت.. ظلّ أمير بس. لا أب، ولا أم، ولا جدّ، ولا عم.. إحنا بس اللي ظلّينا معاه. الولد تعرّض لصدمات كتيرة.. يخاف من أي صوت'.

وفي خيمة أخرى، تجلس مجموعة من النساء والفتيات يحاولن إعادة شيء من النظام عبر الحياكة والخياطة، بينما طفلة تحمل دمية فقدت عينا، كأنها تمثال صغير لواقع غزة المنهك.

وتتحدث إحدى السيدات وهي تحتضن طفلة 'أبوهم كان مدلعهم الله يرحمه.. استشهدوا كلهم، ما بقي حدا.. لا أب ولا أخ ولا عم.. بس إحنا خواتهم، الله يقوّينا. مش قادرين نقول تجاوزنا لكن هذا قضاء الله'.

بين هذه الخيام، لا شيء أقسى من اليتم حين يقترن بالنزوح، ولا وجع أشد من أن تبحث طفلة عن يد أبيها فلا تجد سوى الهواء، أو أن يحدّق طفل في السماء محاولا تذكّر ملامح وجه غاب دون وداع.

لا شيء أقسى من اليتم حين يقترن بالنزوح، ولا وجع أشد من أن تبحث طفلة عن يد أبيها.
القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا