لا تزال الولايات المتحدة تتعامل مع وقف إطلاق النار في غزة كوسيلة لتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، في الوقت الذي تواصل فيه حكومة بنيامين نتنياهو، العودة بالأمور للمربع الأول، كما يقول محللون.
ففي حين تمارس قوات الاحتلال عمليات القصف والتدمير المتواصلة في عدة مناطق بالقطاع بذريعة تدمير بنى تحتية عسكرية تابعة للمقاومة أو الرد على هجمات من جانبها، لا تبدي واشنطن أي موقف لإلزام تل أبيب باحترام الاتفاق.
وقد وصل الأمر إلى حديث نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- عن نفاد صبر إسرائيل إزاء خروقات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للاتفاق، قائلا إن تسليم بقية جثامين الأسرى ونزع السلاح "يجب أن يتما بيد من حديد".
كما قرر نتنياهو تشكيل مجلس أمني مصغر جديد للإشراف على المرحلة الثانية من الاتفاق، ضم في عضويته وزراء الأمن إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، والخارجية جدعون ساعر، وهم من أشد مناهضي وقف الحرب.
وبعد هذا التشكيل، قال ساعر إن إسرائيل منحت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة فرصة حقيقية عبر الدبلوماسية، وإن فشل مواصلة تنفيذ الاتفاق "سيسمح لإسرائيل بالتحرك عسكريا مع شرعية دولية أوسع بكثير".
في المقابل، دعت حركة حماس الوسطاء والضامنين وخصوصا الولايات المتحدة بإلزام إسرائيل بوقف خروقاتها، وذلك في الوقت الذي طلب فيه وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر من الولايات المتحدة "منح إسرائيل حرية أوسع للتحرك في القطاع حتى في حال تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق".
وتعكس هذه التحركات من جانب إسرائيل الواقع الخطِر في القطاع وهشاشة خطة السلام في الوقت الراهن، برأي المستشار السابق للأمن القومي الأميركي مارك فايفل، الذي يحمل حماس مسؤولية التحركات الإسرائيلية بسبب ما قال إنها مناوشات عسكرية تقع بين الجانبين، وأيضا بسبب رفض الحركة تسليم السلاح وتأكيدها على ذلك علنا.
ووفق ما قاله فايفل في برنامج "مسار الأحداث"، فإن الحل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو التسريع بتشكيل قوة السلام الدولية والعمل على نزع سلاح حماس بشكل فوري، لأن توسيع إسرائيل لعملياتها يحمل خطرا كبيرا على الاتفاق.
ومع ذلك، يعتقد فايفل أن الإسرائيليين يعولون على قدرة ترامب وصهره جاريد كوشنر، على إقناع حكومة نتنياهو بالتوصل إلى قدر معين من السلام.
لكن المحلل السياسي الفلسطيني أحمد الطناني، يعتقد أن هذا الحديث لا يعدو الدلالة على مواصلة الولايات المتحدة رؤية الأمور بعين إسرائيلية، والسعي لتحقيق أهداف الحرب عبر اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يسعى الإسرائيليون لتطبيع الواقع الحالي وتحويل الخروقات إلى أمر اعتيادي.
فواشنطن -كما يقول الطناني- تتعامل مع الخروقات الإسرائيلية وكأنها أمر عادي، في حين تنظر لكل المزاعم التي تلقي بها تل أبيب على المقاومة كحقائق، فضلا عن حرصها الشديد على تفكيك سلاح المقاومة والمنظومة الوطنية الفلسطنية وفرض الوصاية على القطاع.
ومن المحتمل أن يؤدي هذا التعامل إلى عودة المواجهات بين الجانبين، لأن المقاومة تريد مواصلة الاتفاق كمصلحة فلسطينية، لكنها في الوقت نفسه لن تسمح لإسرائيل بمواصلة القتل وقضم الأرض دون ثمن سياسي أو ميداني، كما يقول الطناني.
ولم يختلف الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، عن الرأي السابق بقوله إن نتنياهو لا يريد فقط تطبيع الخروقات، وإنما يحاول أيضا العودة لسياسة التطرف سواء في غزة أو الضفة الغربية بعدما فشل في الحصول على ما كان يخطط له من هذا الاتفاق.
فقد كان نتنياهو -والحديث لمصطفى- يعتقد أن هذا الاتفاق سيوفر مزيدا من التطبيع مع دول المنطقة والحصول على عفو شامل داخل إسرائيل، وهو ما لم يتحقق، مما دفعه لتوسيع الاستيطان بالضفة وقضم الأرض في غزة لإثبات أنه يعمل بشكل مستقل على تحقيق أهداف الحرب.
أما أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع بالجامعة العربية الأميركية الدكتورة دلال عريقات، فترى أن إسرائيل تمارس سلوكها المعتاد في تشتيت الأنظار عن حقوق الفلسطينيين الأساسية عبر الخوض في التفاصيل وشراء الوقت بذرائع مختلقة، مؤكدة أن الحرب لم تتوقف في غزة كما لم يتوقف القتل والضم بالضفة.
فأعضاء المجلس الأمني المصغر الجديد يتحدثون صراحة عن الاستيطان وإسرائيل الكبرى ولا يعترفون بالضفة الغربية أصلا، كما تقول عريقات، مشيرة إلى أن التوسع الاستيطاني "قتل كل حلم لحل الدولتين".
في الوقت نفسه، لا تزال الولايات المتحدة مهتمة ببحث استثماراتها المستقبلية في غزة أكثر من اهتمامها بوقف القتل والتدمير، لدرجة أن القاعدة الجديدة التي أنشأتها لمراقبة الاتفاق أصبحت في خدمة العمليات الإسرائيلية، كما تقول عريقات.
وخلصت الأكاديمية الفلسطينية إلى أن كل ما يقال عن السلام "لن يكون مجديا ما لم يتم تحديد جداول زمنية وأطر لعمل قوة حفظ الاستقرار الدولية، وتقييم ما يحدث على الأرض بشكل عملي".
المصدر:
القدس