من 'غزة مونامور' إلى 'كان يا ما كان في غزة'، يواصل الشقيقان عرب وطرزان ناصر تقديم سرديات تُعيد الفلسطيني إلى مركز الحكاية، فالأحداث السياسية، رغم حضورها، تظل خلفية للمشهد، بينما يتصدر الإنسان الغزّي، بآماله وهواجسه ومحاولاته المستمرة للعيش وسط واقع خانق.
وفي فيلمهما 'كان يا ما كان في غزة'، المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية ضمن الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة السينمائي، بعد عرضه الأول في مهرجان كان، ينقل الأخوان ناصر صورة جيل شاب لا يملك أدوات صناعة مصيره، بل يجد نفسه محكوماً بواقع مفروض.
ومع ذلك، يبقى الأمل معلّقاً على نهاية واحدة.. نهاية الاحتلال، كما ختم الفيلم في تتره الأخير. يقول الشقيقان ناصر إنهما تعمّدا أن يبدأ الفيلم من أحداث عام 2007، لحظة بدء الحصار على غزة وتحولها إلى ما يشبه 'السجن الحقيقي'.
ويؤكدان أن جوهر اهتمامهما في السينما هو الإنسان أولاً، بعيداً عن أي انتماءات سياسية أو دينية أو اجتماعية. ويريان أن الفيلم يشكّل امتداداً طبيعياً لـ'غزة مونامور' من حيث الاعتماد على شخصيات حقيقية تنبض بملامح الواقع ومعاناة الناس اليومية.
فبينما انشغل 'غزة مونامور' بتجربة شخصيات متقدمة في العمر، ينحاز 'كان يا ما كان في غزة' إلى حكايات الشباب الذين يعيشون داخل مساحة لا تتجاوز 300 كيلومتر مربع، محاصَرة من كل الجهات، ويحاولون انتزاع فرصة تكاد تكون مستحيلة.
ويبرز ذلك من خلال شخصية يحيى، الطالب الجامعي الذي يجد نفسه مدفوعاً إلى الاتجار بالمخدرات بعد لقائه أسامة، نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية لا تمنحه خياراً آخر.
ويضيف الأخوان ناصر أن أحداث الفيلم تدور في عام 2007 تحديداً، لا في الزمن الراهن، لأن غزة اليوم مدمّرة بنحو 90%، بينما كانت الحياة آنذاك -رغم قسوتها- تتيح قدراً من الحركة ومحاولات خلق فرص للبقاء.
ويضيف الشقيقان ناصر أن المعاناة الفلسطينية ليست طارئة، بل ممتدة منذ عام 1948، غير أن غزة دخلت منعطفاً مختلفاً منذ عام 2007 مع فرض الحصار وبداية إنشاء ما تسوّقه إسرائيل للعالم بوصفه 'الجدار الذكي'، الذي يكرّس فكرة السجن الكامل بأدق تفاصيلها.
ويشير الأخوان إلى أنهما كانا قد أنهيا التحضير للفيلم قبل 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن مع اندلاع الإبادة توقفا عن العمل 5 أشهر، مكتفيَين بمتابعة الأخبار وما يجري على الأرض.
وبعد فترة قرّرا العودة إلى مشروعهما، حتى وإن لم يتناول الفيلم الإبادة بشكل مباشر، 'لأن العالم كان ينظر إلى الفلسطينيين كأرقام مجرّدة، بينما وراء كل رقم حياة كاملة، حتى لو لم تكن تلك الحياة بالكرامة التي يستحقها الإنسان'.
ومن هذا الإدراك، جاء إصرارهما على تقديم جزء من هذه الحكايات والمعاناة عبر الفيلم. ويؤكد الأخوان ناصر أن الفيلم يتناول فترة بداية فرض الحصار، وهي الفترة التي تلت فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وهو فوز خلق إشكالية سياسية على مستوى العالم.
ويضيفان أن الناس صوّتت لحماس، لكن إسرائيل لم تحترم نتيجة الانتخابات، وأن ما حدث لاحقاً أدى إلى فصل غزة عن الضفة بشكل كامل. فالحصار، كما يؤكدان، كان هدفه فصل غزة عن بقية فلسطين أيضاً، وقد نجح ذلك للأسف.
وعن مسألة التجارة بالمخدرات داخل الفيلم، يوضحان أن هذه الحالة تعكس واقعاً يذهب إليه البعض ممن فقدوا خياراتهم. فإسرائيل ضخت كميات كبيرة من المخدرات داخل القطاع، بينما تحاول حماس محاربة ذلك.
ويؤكدان أن الأمر لا يتعلق 'بمنظومة فساد'، بل بإنسان وضع في ظروف قاهرة. فالبطل يحيى، مثل كثيرين، كان طالباً لا علاقة له بهذا العالم، لكنه وجد نفسه أمام خيارات فرضت عليه، وتأثر بشخصية أسامة، فقادته الظروف إلى هذا الطريق.
ويقول الأخوان ناصر إن الشخصيات التي تموت في الفيلم تمثل مصير كل غزاوي يعيش في 'السجن المفتوح'؛ فمن لا يموت برصاصة، يموت بكارثة أو مرض أو حصار، وأن هناك من مات بالسرطان، وآخر فقد حلم السفر، فهناك مليونا غزّاوي هم ضحايا احتلال جائر.
ورغم الموت، فشخصية الغزّاوي ليس شخصاً يستسلم، بل هو شخص يؤمن بأن هناك نهاية للاحتلال، وسيظل يحاول طالما بقى لديه انتماء وهوية.
أما عن ردود الفعل على عرض الفيلم ضمن مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة السينمائي، فيؤكد الأخوان ناصر أن الأمر يمثل تحدياً بالنسبة لهما، كونه ثاني عمل يُعرض لهما في القاهرة.
ويشيران إلى أن مصر هي الأصل في صناعة السينما العربية، ولذلك فإن تلقي الجمهور المصري للعمل يحمل وزناً خاصاً، مؤكدين سعادتهما بردود الفعل الإيجابية.
المصدر:
القدس