آخر الأخبار

لقاء يجمع خليل الحية والمبعوث الأميركي ويتكوف في اسطنبول لبحث القضايا العالقة

شارك

تتجه الأنظار اليوم نحو إسطنبول حيث يعقد المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف اجتماعًا جديدًا مع وفد من حركة حماس برئاسة خليل الحية، في جولة تفاوضية تعكس عمق الانخراط الأميركي المتزايد في ملف غزة. هذا اللقاء، وهو الثاني من نوعه خلال أسابيع، يأتي امتدادًا لمسار تفاوضي انطلق قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في التاسع من تشرين الأول ، حين لعبت واشنطن دورًا غير معلن في تقريب مواقف الطرفين خلال اجتماع عُقد في القاهرة وشارك فيه جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبحسب مصادر مطلعة، فقد قدمت واشنطن تعهدات واضحة للحركة بأنها ستضغط على إسرائيل لاحقًا للالتزام بأي تفاهم يتم التوافق عليه، مقابل التزام مماثل من حماس بتنفيذ بنود الاتفاق في حال توقيعه.

ورغم أن هذه اللقاءات تُقدَّم رسميًا باعتبارها ذات طابع سياسي، إلا أن أجواءها حملت أبعادًا إنسانية نادرة في ديناميات هذا النوع من المفاوضات. فقد كشف ويتكوف في مقابلة مشتركة مع كوشنر الشهر الماضي أنه وجد نفسه يتبادل مع خليل الحية حديثًا شخصيًا حول تجربة الفقد، إذ خسر كل منهما ابنه في ظروف مأساوية. فقد توفي ابن ويتكوف، أندرو، جراء جرعة أفيونية قاتلة، فيما قُتل همام الحية في غارة إسرائيلية على مقر للحركة في الدوحة. وقد وصف كوشنر في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" تلك اللحظة بأنها نقطة تحول "نزعت الصرامة عن طاولة المفاوضات، وأدخلت إليها مستوى من الهشاشة الإنسانية النادرة في سياقات كهذه".

ولا يبدو هذا التواصل بمنأى عن محاولات سابقة جرت بعيدًا عن الأضواء. إذ تشير معلومات إلى أن ويتكوف لعب دورًا سريًا خلال الأشهر الأولى من الولاية الثانية للرئيس ترمب، حين التقى شخصيات من قيادة حماس في إطار مسعى للإفراج عن الجندي الأميركي–الإسرائيلي عيدان ألكسندر. وقد انتهت تلك المحاولة بشكل مفاجئ في آذار/مارس الماضي بعد أن سربت إسرائيل فحوى الاتصالات بمجرد علم مبعوث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رون ديرمر، بها، ما أدى إلى انهيار المسار بالكامل.

ويحمل اجتماع إسطنبول الراهن بعدًا يتجاوز ما يدور على السطح بشأن تثبيت وقف إطلاق النار. إذ من المتوقع أن يعيد ويتكوف فتح ملف نزع سلاح حماس، وهو مطلب تعتبره واشنطن أساسيًا للوصول إلى تسوية بعيدة المدى. وبينما تحدث المبعوث عن دلائل "استعداد ضمني" من جانب الحركة لمناقشة الأمر في محطات سابقة، فإن مواقف حماس العلنية ظلت رافضة بشكل حاد، لا سيما في بيانها الأخير الذي أدانت فيه قرار مجلس الأمن المتعلق بإنشاء قوة دولية لتثبيت الاستقرار في غزة.

وفي موازاة ذلك، يقود ويتكوف مفاوضات حساسة تتعلق بممر آمن لمجموعة من مقاتلي حماس يقدر عددهم بما بين مئة ومئتي عنصر محاصرين داخل شبكة أنفاق في رفح، في منطقة تعرف بمنطقة "الخط الأصفر" الذي تتمركز فيه قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ بدء وقف النار في العاشر من تشرين الأول. وتحاول واشنطن إقناع إسرائيل بمنح هؤلاء المقاتلين مخرجًا آمنًا نحو منطقة أخرى أو دولة ثالثة مقابل تسليم سلاحهم، على أن يشكل ذلك الخطوة الأولى في برنامج أوسع يرمي إلى تفكيك القدرات العسكرية للحركة تدريجيًا، استنادًا إلى خطة ترمب ذات النقاط العشرين لإنهاء الحرب. ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى موافقته الأولية على الخطة حين طُرحت، إلا أنها لم تترجم إلى اتفاق رسمي، قبل أن تستبدل لاحقًا بوثيقة مختلفة ركزت على بنود وقف النار وتبادل الأسرى والمساعدات الإنسانية.

ولا تزال العقبات قائمة في وجه أي تقدم ملموس. فإسرائيل ترفض حتى الآن مبدأ الممر الآمن وتعتبره تنازلاً يمسّ بالردع، بينما تبقي حماس موقفها غامضًا حيال فكرة نزع السلاح، فلا تقبل بها ولا تغلق الباب كليًا أمام مناقشتها ضمن ترتيبات مستقبلية أوسع. وبين هذين الموقفين المتصلبين، تحاول الدبلوماسية الأميركية اختبار مرونة الطرفين بحثًا عن مسار قادر على تثبيت التهدئة أولًا، ثم الانتقال إلى مقاربة أعمق تعالج جذور الصراع الأمنية والسياسية.

ويأتي اللقاء بعد يومين من رفض حركة حماس إقرار مجلس الأمن الدولي مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة، يؤيد خطة الرئيس دونالد ترمب للسلام في غزة التي تعتمد على خلق انتداب أجنبي جديد في فلسطين.

واعتبرت الحركة أن القرار "لا يرتقي إلى مستوى مطالب وحقوق شعبنا الفلسطيني السياسية والإنسانية، ويفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه شعبنا وقواه وفصائله".

وقالت حماس "تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، منها نزع سلاح المقاومة، ينزع عنها صفة الحيادية ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال".

ويكشف هذا الانخراط الأميركي المكثف عن تحول واضح في المقاربة التقليدية لواشنطن، من إدارة الأزمة عن بعد إلى الانخراط المباشر في مفاوضات عالية الحساسية. لكن هذا التحول، على أهميته، يضع الولايات المتحدة أمام معادلة شديدة التعقيد: فالتقدم في المسار يتطلب قدرة على موازنة الحسابات الإسرائيلية الداخلية من جهة، وقدرة على استشعار حدود ما يمكن أن تقدمه حماس من تنازلات من جهة أخرى. وهنا يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تمتلك واشنطن الأدوات الكافية لتجاوز حدود التهدئة نحو معالجة جوهر الصراع، أم أن هذه الاتصالات، مهما بدت جريئة وغير مسبوقة، ستظل محكومة بإيقاع اللحظة السياسية وإكراهاتها؟

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا