آخر الأخبار

الشيخ عبد العظيم سلهب.. رحيل عال

شارك

الشيخ د. عكرمة صبري: رحيله ترك فراغاً كبيراً نظراً لدوره البارز في الدفاع عن "الأقصى" خاصة خلال أحداث 2017 و2019

الشيخ د. محمد سليم: فقدت القدس أحد أعلامها تاركاً بصماتٍ عدة نقشها على جدرانها وسطّرها في رحاب "الأقصى"

عدنان الحسيني: برحيل الشيخ سلهب فقدنا عالماً كرس حياته للحفاظ على مقدسات القدس خاصة المسجد الأقصى

حاتم عبد القادر: طبعَ تاريخ القدس الحديث ببصمات واضحة من العلم والعمل والالتزام والدفاع عن عروبة التعليم

اللواء بلال النتشة: كان من أوائل من تصدوا للاحتلال بالقدس عام ١٩٦٧ وأسهم في إدارة مشاريع إعادة إعمار "الأقصى"

المطران وليم شوملي: كان يتمتع بروحانية فريدة وهدوء في الحديث ورصانة في التعبير وحريصاً على تعزيز الحوار والتفاهم

المطران عطا الله حنا: نستذكره ولن ننساه فقد كان شخصية وحدوية منادياً دوماً بالوحدة الوطنية والتآخي الإسلامي المسيحي


مساء الثالث عشر من الشهر الجاري، تُوفي رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس الشيخ عبد العظيم سلهب عن عمر ناهز 79 عاماً، بعد مسيرة امتدت عقوداً كرّسها لخدمة المسجد الأقصى ومدينة القدس، التي كان أحد أبرز علمائها ورجالاتها الأوفياء، إلى جانب دوره الكبير والبارز في حماية المقدسات الإسلامية وإعمار المسجد الأقصى المبارك، كما كان له دور بارز في مشاريع الترميم والإعمار داخل "الأقصى"، إذ أسهم في إعادة تبليط المصلى المرواني ومصلى "الأقصى" القديم، وترميم قبة الصخرة المشرفة والمآذن والساحات والمدارس الوقفية المحيطة بالمسجد.

وقد بدأ الشيخ عبد العظيم سلهب مسيرته في سلك القضاء الشرعي بتوليه رئاسة كتّاب المحكمة الشرعية في القدس، قبل أن يشغل منصب قاضٍ شرعي في عدة مدن فلسطينية، ثم عضواً في محكمة الاستئناف الشرعية. وفي عام 1998 عُيّن قاضي القضاة في القدس، ليصبح أحد أبرز المراجع الدينية والقضائية في المدينة. وتولى لاحقاً رئاسة مجلس الأوقاف الإسلامية، وكان من أكثر الشخصيات حضوراً في الأحداث المفصلية المرتبطة بالمسجد، بما في ذلك مواجهة انتهاكات الاحتلال وإدارة الأزمات المتعلقة بسيادته وإعماره.

في هذا التقرير، يتحدث رجال دين ومسؤولون لـ"ے" عن مناقب الفقيد، موضحين أنه ترك بصمة راسخة في حماية المقدسات الإسلامية وإدارة شؤون المسجد الأقصى، وفي الدفاع عن مكانته الدينية والقانونية أمام محاولات التهويد والاقتحامات المتكررة للاحتلال ومستوطنيه المتطرفين.

مدارس الإيمان تُعد شاهداً على عطائه

أكد الشيخ د. عكرمة صبري، رئيس الهيئة الاسلامية العليا، أن رحيل الشيخ عبد العظيم سلهب ترك فراغاً كبيراً في مدينة القدس، نظراً لدوره البارز في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ولا سيما خلال أحداث عامي 2017 (البوابات الإلكترونية) و2019 (مصلى باب الرحمة)، حيث كان في مقدمة الصفوف المدافعة عن الأقصى وهويته الإسلامية.

وأضاف: للشيخ الراحل بصمات واضحة في رعاية المحاكم الشرعية والأوقاف الإسلامية، إلى جانب إسهاماته الكبيرة في قطاع التعليم، مشيراً إلى أن مدارس الإيمان تُعد شاهداً على عطائه، إلى جانب شراكته مع المرحوم الشيخ جميل حمامي في خدمة التعليم المقدسي.

وأوضح الشيخ صبري أن الشيخ سلهب شغل عدداً من المناصب المهمة المرتبطة بالمسجد الأقصى، أبرزها رئاسة لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، حيث أسهم في حماية معالمه ومتابعة احتياجاته.

وأكد الشيخ صبري أن رحيل الشيخ سلهب خسارة لمدينة القدس وللمقدسات، وعلى رأسها المسجد الاقصى الذي كان قلبه متعلقاً به.

ارتحل عن "الأقصى" واحدٌ من أعمدته

من جانبه، قال الشيخ الدكتور محمد سليم، خطيب المسجد الأقصى المبارك: "فقدت القدس علماً من أعلامها، وارتحل عن "الأقصى" عمودٌ من أعمدته، وهذا الوصف يليق حقاً بسماحة شيخنا المرحوم عبد العظيم سلهب، الذي ركب جواد الدنيا على الخلود في الجنة بإذن الله تعالى، بعد أن ترك بصماتٍ عدة نقشها على جدران القدس، وسطّرها في رحاب المسجد الأقصى المبارك".

وأضاف: "إذا تحدثنا عن العلماء في المدينة المقدسة، فإنه كان في مقدمتهم، وإذا تحدثنا عن العاملين للمسجد الأقصى فإنه كان في طليعتهم، وحين نذكر الصالحين في بيت المقدس فهو قمرهم، فصلاحه كان عطاء من غير بحثٍ عن شهرة أو لقب، وعلمه كان يترجمه إلى عمل، وكلما زرته في مكتبه في دائرة الأوقاف في القدس، وجدت بين يديه كتاباً يكتبه ويسطره، ويعرض أفكاره عليّ، وبتواضعه الجم يحاول أخذ رأيي في ما يؤلف ويكتب، وإذا جلست في حضرته، تفرّسَ في وجهك وحركاتك، وراقب كلامتك وحديثك، يدرس شخصيتك".

وأكد الشيخ سليم أن الشيخ سلهب عمل بصمت، وخدم "الأقصى" بصمت، لكن هذا العمل صار اليوم بعد موته تراثاً لمن بعده، ولقد حمّلنا بعد رحيله عن الدنيا أمانة العلم والعمل والدعوة والخلق الحسن والتفاني، بعيداً عن الضجيج، في خدمة القدس والمقدسات والمسجد الأقصى المبارك، فرحمة الله عليه.

مسيرة زاخرة بالعلم والمعرفة

بدوره، قال المهندس عدنان الحسيني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة القدس: إن الأمة العربية والإسلامية فقدت برحيل الشيخ عبد العظيم سلهب واحداً من أبرز علمائها الذين كرسوا حياتهم للحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وخاصة المسجد الأقصى المبارك.

وأضاف: إن الشيخ سلهب ترك مسيرة زاخرة بالعلم والمعرفة، وكان من الأصوات القوية والمدوية في الدفاع عن الهوية الإسلامية للقدس، وفي تعزيز التعايش المشترك بين الديانتين الإسلامية والمسيحية داخل المدينة المقدسة.

وأشار الحسيني إلى أن الراحل قدّم سنوات طويلة من العمل الدؤوب في خدمة القدس وفلسطين والعالمين العربي والاسلامي، وشغل مواقع مهمة، من بينها رئاسة مجلس الأوقاف، والقضاء الشرعي، وإدارة الأوقاف الإسلامية، حيث أفنى حياته في الدفاع عن إسلامية المسجد الأقصى وحمايته.

وأكد الحسيني أن رحيل الشيخ عبد العظيم سلهب يشكل خسارة كبيرة لا تعوّض، خاصة للمسجد الأقصى الذي ارتبط اسمه به وبجهوده المتواصلة للحفاظ عليه.

عطاء واسع في خدمة "الأقصى" و"الأوقاف"

وقال أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس والمقدسات حاتم عبد القادر: يمثل الشيخ المرحوم عبد العظيم سلهب واحداً من أبرز علماء وأعلام مدينة القدس، وأحد رجالاتها الكبار الذين طبعوا تاريخها الحديث ببصمات واضحة من العلم والعمل والالتزام.

واضاف فقد عرفت الفقيد من خلال عضويته في مجلس الأوقاف بعطائه الواسع في خدمة المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية، وبمسيرته الزاخرة بالمسؤولية والصدق والأمانة والتقوى، إذ جسد نموذجاً يُحتذى به للعالم الذي جمع بين الحكمة والشجاعة وبين المعرفة العميقة والدور الوطني المتقدم دفاعاً عن إسلامية المسجد الأقصى والهوية العربية الإسلامية لمدينة القدس.

وأكد أنه في كل الأحداث والمواجهات التي شهدها المسجد الأقصى، لم يكن الشيخ عبد العظيم إلا واقفاً في خط الدفاع الأول؛ لا ترده الاعتقالات، ولا تثنيه قرارات الإبعاد، ولا توهن عزيمته محاولات التضييق، بل ظل مرابطاً بحكمته وهدوئه وشجاعته يقود الموقف ويعبّر عن الصوت الأصيل للمقدسيين.

وقال عبد القادر: إن الفقيد تحمّل مسؤولية رئاسة مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وكنتُ من خلال عضويتي في المجلس شاهداً على حكمته وعمق إدراكه وسعة صدره وحسن إدارته.

وأضاف: كان أميناً على ممتلكات الأوقاف ومصالحها، ومدافعاً عنها في مختلف الواجهات القانونية والشرعية والوطنية، لا يتردد في مواجهة أي محاولة للنيل من حقوق الوقف أو التفريط فيها.

وأشار عبد القادر إلى أن الشيخ الراحل كان له دور بارز في دعم مشاريع إعمار الحرم القدسي الشريف ومتابعة احتياجاته وصون معالمه، والتأكيد على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية ودورها في حماية الحرم القدسي الشريف والدفاع عنه.

بصمات راسخة في الدفاع عن عروبة التعليم

وعلى صعيد التعليم في مدينة القدس، قال عبد القادر: كانت للفقيد بصمات راسخة في الدفاع عن عروبة التعليم في المدينة في مواجهة محاولات أسرلة المناهج، فأسس مدارس الإيمان التي شكّلت إضافة نوعية للتعليم الفلسطيني في القدس، وحصناً للهوية الوطنية والثقافية لأبناء المدينة المقدسة.

وختم عبد القادر حديث لـ"ے" بالقول: "ترجّل الشيخ عبد العظيم سلهب بعد أن ترك أثراً عميقاً ومسيرة خالدة وذكرى عطرة ستظل حية في وجدان القدس وأهلها. رحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن المسجد الأقصى وعن القدس وأهلها خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته".

مساهمات جليلة في إعادة إعمار "الأقصى"

من جانبه، قال الأمين العام للمؤتمر الوطني الشعبي للقدس اللواء بلال النتشة: لا شك في أن القدس خاصة، والوطن على وجه العموم، فقد بهذا المصاب الجلل قامة وطنية عالية وعالماً قلّ نظيره، أثرى المشهد الإسلامي على مستوى العالمين العربي والإسلامي وكشف الحقائق المروعة بشأن المسجد الأقصى المبارك الذي يتعرض لحفريات عميقة وصلت أساساته من قبل مؤسسة الآثار الإسرائيلية بحثاً عن دليلٍ بوجود الهيكل المزعوم، لكنهم أخفقوا في ذلك على مدى ٨٠ سنة ويزيد.

وأضاف النتشة: الشيخ عبد العظيم سلهب رحمه الله كان من أوائل من تصدوا للاحتلال في العام ٦٧ بعد ضم الشطر الشرقي من القدس لدولة الاحتلال، كما كان له الدور البارز في التصدي للحريق الهمجي للمسجد الأقصى في العام ٦٩، الذي هز وجدان الأمة الإسلامية، وأيقظ في قلوب الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية ناراً لا تُخمد.

وتابع: كما أسهم الشيخ الجليل الراحل في إدارة مشاريع إعادة إعمار المسجد الأقصى المبارك، بالتعاون مع الإخوة في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ولجنة الأعمار، مشيراً إلى أنه تم في عهده تبليط المصلى المرواني ومصلى الأقصى القديم وإعمار قبة الصخرة المشرفة وجميع القباب في ساحات المسجد ومآذنه والكثير من المدارس التاريخية المحيطة بالأقصى، إضافة إلى إقامة المرافق العامة للمسجد.

اعتقاله بعد إعادة فتح مصلى باب الرحمة

وتابع النتشة: للشيخ الراحل تجربة اعتقالية في سجون الاحتلال الذي لم يحترم عمته الجليلة، وكان ذلك بسبب إعادة فتح مصلى باب الرحمة في المسجد الأقصى وتم الإفراج عنه بشرط الأبعاد عن المسجد لمدة أسبوع.

وأضاف: كما سلمه الاحتلال فور انتهاء المدة قراراً بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة ٤٠ يوماً، وذلك في إجراء تعسفي بحق قامة دينية كبيرة يشهد لها العالمان الإسلامي والعربي بالعلم والمعرفة والفقه والاستقامة والتفاني في خدمة كتاب الله وسنة رسوله.

واختتم النتشة حديثه لـ"ے" بالقول: "الشيخ عبد العظيم سلهب رحمه الله خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني ولكن لا رادّ لقضاء الله، غير أننا نفتقده في هذه الأوقات العصيبة التي تعصف بالقضية الوطنية، فيما تحيق كل الأخطار بالمسجد الأقصى المبارك والقدس بشكل عام".

مثال بارز لتعزيز الحوار والتفاهم

وقال المطران وليم شوملي، النائب البطريركي للاتين في القدس: "التقيت المرحوم الشيخ عبد العظيم سلهب ست مرات، وقد ترك في نفسي أثراً عميقاً منذ اللقاء الأول. كان يتمتع بروحانية فريدة، وهدوء في الحديث، ورصانة في التعبير، لا تفارقه ابتسامة لطيفة تعكس طيبته ودماثة خلقه. كان يمتلك قدرة لافتة على الإقناع، وأذناً صاغية تنصت باهتمام، ما كان يبعث على الارتياح والطمأنينة في نفوس مَن حوله".

وأضاف: "لقد عُرف عن مشايخ القدس عموماً بحرصهم على تعزيز الحوار والتفاهم، وكان الشيخ عبد العظيم مثالاً بارزاً في هذا المجال. فقد كان يستقبل زواره في المسجد الأقصى بحفاوة وكرم، ويُحسن الترحيب بالجميع، ما يجعلك تشعر بالقرب منه منذ اللحظة الأولى".

وتابع شوملي: "رغم أن معرفتي به اقتصرت على لقاءات معدودة، فإن الانطباع الذي تركه لديّ يتطابق مع شهادات كثيرة ممن عرفوه عن قرب، وعملوا معه، وأدركوا عن كثب عمق إيمانه ونُبل أخلاقه".

وقال المطران شوملي في ختام حديثه: "برحيل الشيخ سلهب، فقدت القدس علماً من أعلامها البارزين. لقد خسرنا الشيخ عبد العظيم سلهب، الذي كان بحق عظيماً في اسمه وسيرته، ورمزاً للروحانية والتواضع. كان نموذجاً يُحتذى به لكل مسلم ولكل فلسطيني في كيفية التعامل مع الآخرين، وفي الدفاع عن القضية بروح المسؤولية والرزانة".

الشيخ تركنا.. لكن رسالته يجب أن تستمر وتبقى

بدوره، قال المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس: "لقد كان الشيخ سلهب صديقاً عزيزاً، وكنا دائماً نلتقي، ونتعاون في عدة مواضيع، خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن القدس ومقدساتها وأوقافها، وهي المستهدفة من قبل الاحتلال والمستوطنين المتطرفين".

وأضاف: "نستذكره ولن ننساه، كان شخصية وحدوية منادياً دوماً بالوحدة الوطنية والتآخي الإسلامي المسيحي، فقد كان علماً من أعلام القدس والوحدة الوطنية والعلاقات الأخوية التي تربط المسيحيين والمسلمين".

وتابع المطران حنا: "عندما كنتُ أزوره في القبة النحوية في المسجد الأقصى مع رجال الدين المسيحي، كنا دائماً نلمس هذه القيم والإنسانية والأخلاق، هذه الأفكار الرصينة الوحدوية، فضيلة الشيخ عبد العظيم تركنا، ولكن رسالته يجب أن تستمر وتبقى".

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا