د. ثابت أبو الروس: الخطوة سوف تجبر السوق الفلسطينية على الاعتماد على النقد المباشر ما يعزز القنوات غير الرسمية ويوسّع الاقتصاد الأسود
فراس الطويل: هناك مخاطر بتعطّل التحويلات التجارية والمدفوعات ما سينعكس على القطاعات الحيوية التي تعتمد على الواردات من إسرائيل
د. مؤيد عفانة: التحول نحو القنوات المصرفية الدولية البديلة سيزيد التكلفة ويُعقد إجراءات التمويل ما سينعكس على ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة
حسناء الرنتيسي: يجب تعزيز الرقابة لمنع تنامي السوق السوداء وإعداد خطط طوارئ لحماية الودائع وضمان السيولة وتمويل السلع الأساسية
د. سامح العطعوط: يجب توفر خطط بديلة شاملة لمواجهة تداعيات القرار ووضع تصورات لمسارات التعامل المالي والتجاري حال تم تنفيذ القطيعة
أيهم أبو غوش: إنهاء اتفاقية المراسلات المصرفية مع البنوك الفلسطينية ينذر بتداعيات خطيرة وقد تشهد الأسواق ارتفاعاً في أسعار السلع
تتصاعد التحذيرات من تداعيات خطيرة تهدد بشلل الاقتصاد الفلسطيني مع اقتراب موعد نهاية الشهر الجاري، الذي قد يشهد إنهاء العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، في خطوة تهدد بوقف التحويلات المالية، وتعطيل حركة التجارة، وشلّ قنوات المدفوعات الرسمية، وارتفاع الأسعار.
ويرى خبراء اقتصاديون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذه الأزمة المحتملة تمسّ جوهر النظام المالي الفلسطيني، وتهدد قطاعات حيوية، وتشكل أخطر تحدٍّ منذ تأسيس السلطة الوطنية، نظراً لاعتماد السوق المحلي شبه الكامل على التعامل بالشيكل والتحويلات البنكية الإسرائيلية.
في المقابل، يشيرون إلى تقديرات بأن سلطة النقد الفلسطينية أعدت خططاً بديلة لمواجهة أي انقطاع مفاجئ، تشمل التواصل مع أطراف دولية لتأمين قنوات مالية جديدة أو عبر وسطاء خارجيين، غير أن هذه البدائل تظل مؤقتة ومكلفة، وقد تزيد من تعقيد إجراءات التمويل ورفع تكاليف المعيشة.
تداعيات اقتصادية ومالية عميقة
يحذر الخبير والمحلل الاقتصادي د.ثابت أبو الروس من التداعيات الاقتصادية والمالية العميقة في حال تنفيذ التهديد الإسرائيلي بإنهاء العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية مع نهاية الشهر الجاري، مؤكداً أن هذه الخطوة ستنعكس مباشرة على قنوات المدفوعات بالشيكل، وسلاسل الإمداد، واستقرار النظام المالي الفلسطيني بأكمله.
وبوضح أبو الروس أن 57% من حجم التجارة البينية الفلسطينية– الإسرائيلية يعتمد على التحويلات المالية بالشيكل، وخاصة في قطاعات: الوقود، والكهرباء، والسلع الأساسية، وأن أي تعطيل لهذه القنوات سيؤدي إلى شلل في عمليات التسديد بين التجار، وخلق أزمة سيولة حادة تهدد استمرارية النشاط التجاري اليومي.
ويوضح أبو الروس أن غياب التحويلات البنكية سيجبر السوق الفلسطينية على الاعتماد على النقد المباشر، ما يعزز القنوات غير الرسمية ويقود إلى توسع الاقتصاد الأسود، وما يرافقه من مخاطر غسل الأموال وتراجع الرقابة المالية.
ويشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل الملف الاقتصادي كأداة ضغط سياسي، مبيناً أن الحكومة الإسرائيلية، خاصة منذ تولي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية، تتعمد توظيف العلاقة المصرفية كسلاح لمعاقبة السلطة الفلسطينية وفرض وقائع جديدة تحت ذريعة الأوضاع السياسية والأمنية، لافتاً إلى أن هذا النهج تصاعد منذ السابع من أكتوبر 2023.
ويبيّن أبو الروس أن الجانب الفلسطيني حوّل 18 مليار شيكل إلى إسرائيل خلال العام الحالي، بواقع 4.5 مليار شيكل كل ربع سنة، وهي المبالغ المخصصة للعام 2025، مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية تطالب برفع سقف التحويلات إلى 32 مليار شيكل لتلبية احتياجاتها النقدية.
تحركات أوروبية ودولية حثيثة
ويوضح أبو الروس أن هناك تحركات دولية حثيثة من أطراف أوروبية ودولية لإقناع إسرائيل بعدم تعطيل توريد النقد ولضمان استمرار العلاقة المالية بين الطرفين.
وحول الآثار قصيرة المدى، يتوقع أبو الروس أن يؤدي قطع العلاقة المصرفية إلى تعطل المدفوعات بين الشركات الفلسطينية والإسرائيلية وصعوبة في تسوية الفواتير، إضافة إلى احتمال حدوث حالة ذعر نقدي نتيجة رفض البنوك استقبال عملة الشيكل من المواطنين، ما سيؤدي إلى اختناقات في دفع الرواتب الحكومية والخاصة.
أما على المدى المتوسط، فيرى أبو الروس أن الأزمة ستقود إلى اتساع الاقتصاد غير الرسمي وتراجع الائتمان المصرفي، مع توجه البنوك نحو التحفظ في الإقراض لتدبير السيولة، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الشركات الصغيرة والمتوسطة، لتكون هذه الفئات، إلى جانب المستهلكين، الخاسر الأكبر من القرار.
وعلى المدى الطويل، يحذّر أبو الروس من تآكل الثقة في الجهاز المصرفي، وتزايد العجز المالي والدين العام، ما سيقيد قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة النقد وتمويل الخدمات الأساسية.
وفي ما يتعلق بالبدائل، يشير أبو الروس إلى أن سلطة النقد الفلسطينية أعدت خطة بديلة (ب)، لم يتم الافصاح عنها، ولكن يمكن التنبؤ بها، بحيث يمكن أن تتضمن ثلاثة مسارات محتملة: تفعيل الجهود الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد دولة وسيطة تتولى تحويل الأموال لإسرائيل، أو إيجاد آلية لوجستية جديدة تنظم عملية التبادل النقدي، أو تأسيس شركة وسيطة تتعامل مباشرة مع البنوك الإسرائيلية نيابة عن المصارف الفلسطينية.
ومع ذلك، يشير أبو الروس إلى أن تفاصيل الخطة لا تزال غير مؤكدة بانتظار حدوث الموقف الإسرائيلي النهائي، مؤكداً أن جوهر الأزمة سياسي بامتياز، وأنه "طالما لا توجد عملة وطنية فلسطينية مستقلة، فإن أي حلول اقتصادية ستظل مؤقتة وهشة، لأن السيطرة الإسرائيلية على النظام المالي ستبقي الاقتصاد الفلسطيني رهينة القرار السياسي الإسرائيلي".
"شلل شبه كامل" في حركة الأموال والتحويلات التجارية
يحذر رئيس تحرير موقع "الاقتصادي" الفلسطيني، فراس الطويل، من التداعيات الخطيرة المحتملة لانتهاء اتفاقية المراسلات المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، معتبراً أن ذلك يعني عملياً توقف القناة الوحيدة التي تربط الجهاز المصرفي الفلسطيني بالنظام المالي الإسرائيلي والعالمي، الأمر الذي قد يؤدي إلى "شلل شبه كامل" في حركة الأموال والتحويلات التجارية بين الجانبين.
وبوضح الطويل أن حجم التبادل التجاري الشهري بين الفلسطينيين والإسرائيليين يبلغ نحو 800 مليون دولار، فيما تصل قيمة التحويلات النقدية الإجمالية إلى حوالي مليار دولار شهرياً.
ويشير الطويل إلى أن أي توقف في هذه القناة سيؤدي إلى تعطّل شبه تام في التحويلات التجارية والمدفوعات، وهو ما سينعكس مباشرة على القطاعات الحيوية التي تعتمد بشكل أساسي على الواردات من إسرائيل.
ويبيّن أن القطاعات الأكثر تضرراً ستكون الكهرباء والمياه والوقود، إذ يستورد الفلسطينيون نحو 90% من الكهرباء و80% من المياه و100% من الوقود من إسرائيل.
وبحسب الطويل، فإن أي خلل في التحويلات المالية سيجعل من الصعب على الجهات الفلسطينية تسديد المدفوعات المستحقة لموردي هذه الخدمات، مما قد يؤدي إلى انقطاعات في الإمدادات الأساسية ويؤثر على الحياة اليومية للمواطنين.
ويوضح الطويل أن البنوك الإسرائيلية تمثل المنفذ المالي الرئيس للبنوك الفلسطينية إلى النظام المصرفي الدولي، وبدونها ستفقد الأخيرة القدرة على تحويل الشيكل إلى عملات أجنبية أو إجراء تعاملات تجارية عالمية، ما قد يسبب اختناقات في السيولة ويهدد استقرار الجهاز المصرفي الفلسطيني الذي تتجاوز أصوله 27 مليار دولار.
وبينما لا توجد بدائل جاهزة لتعويض القناة المباشرة مع البنوك الإسرائيلية، يشير الطويل إلى أن الجهود تتركز حالياً على منع الانقطاع أصلاً.
ويلفت الطويل إلى أن لقاءً جرى قبل أيام بين طاقم سلطة النقد الفلسطينية ومجموعة من الصحفيين، خلص إلى تقديرات بأن احتمال قطع العلاقة بالكامل ما زال مستبعداً، نظراً لتشابك المصالح المالية بين الجانبين، وقد تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية لضمان استمرار الاتفاقية.
إعداد خطط طوارئ وسيناريوهات بديلة
ويوضح الطويل أن سلطة النقد بدأت بالفعل إعداد خطط طوارئ وسيناريوهات بديلة تحسباً لأي تطور مفاجئ، تشمل البحث في خيارات مصرفية عبر أطراف ثالثة في حال فُرض الانقطاع.
ومع ذلك، يؤكد الطويل أن أي انهيار في الاتفاقية قد يشكّل نقطة تحول خطيرة في بنية العلاقة المالية بين الاقتصاد الفلسطيني والنظام المصرفي الإسرائيلي، بما قد يفتح الباب أمام تحولات غير متوقعة في المشهد الاقتصادي برمته.
الاقتصاد الفلسطيني يعيش حالة إنهاك شديدة
يحذر الخبير الاقتصادي د. مؤيد عفانة من المخاطر الكبيرة التي قد تنجم عن توقف العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، خاصة في ظل اعتماد الاقتصاد الفلسطيني شبه الكامل على إسرائيل في مجالات التجارة والخدمات الحيوية.
ويوضح عفانة أن نحو 60% من حجم التجارة الخارجية الفلسطينية تتم مع إسرائيل، وتشمل قطاعات أساسية كالكهرباء والمياه والمحروقات، ما يجعل أي تعطيل في التحويلات البنكية تهديداً مباشراً لتوريد هذه السلع والخدمات الأساسية، لاسيما في ظل غياب البدائل المتاحة لها، خصوصاً في قطاع الطاقة.
ويبيّن أن الاقتصاد الفلسطيني يعيش حالة إنهاك شديدة بعد عامين من الحصار والإجراءات الإسرائيلية التي وصفها بـ"الخنق الاقتصادي المبرمج"، مشيراً إلى أن هذه السياسات تسببت في تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 29%، إلى جانب انخفاض القوة الشرائية وركود دورة الأعمال وارتفاع معدلات البطالة.
ويؤكد عفانة أن الاقتصاد الفلسطيني يحتاج إلى سياسات إنعاش وتحفيز لا إلى "هزات إضافية" مثل قطع العلاقات المصرفية التي من شأنها أن تضيف عبئاً جديداً على مؤشرات الأداء الاقتصادي المتدهورة.
وفي ما يتعلق بخطط المواجهة، يوضح عفانة أن سلطة النقد الفلسطينية وضعت سيناريوهات متعددة للتعامل مع الأزمة المحتملة، في ظل وجود نحو 400 بنك حول العالم تتعامل معها البنوك الفلسطينية.
ويشدد عفانة على أن التحول نحو القنوات المصرفية الدولية البديلة سيؤدي بالضرورة إلى زيادة تكلفة العمليات التجارية وتعقيد إجراءات التمويل، وهو ما سينعكس في النهاية على ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة للمستهلك الفلسطيني، دون أن يقابل ذلك أي قيمة مضافة حقيقية.
ويشير عفانة إلى أن سموتريتش سيواصل استغلال هذا الملف حتى اللحظة الأخيرة، لانتزاع مكاسب سياسية داخلية أو دولية مقابل تمديد العمل بالعلاقات المصرفية، لكنه في الوقت ذاته لن يتردد في تنفيذ قرار الإيقاف الكامل إذا لم يحصل على تلك المكاسب، في محاولة جديدة لتعميق سياسة الخنق الاقتصادي الموجهة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعاف قدرتها على إدارة شؤونها المالية والاقتصادية.
خطر مباشر على الحركة النقدية والاقتصادية اليومية
تحذّر الصحفية المختصة بالشأن الاقتصادي حسناء الرنتيسي من التداعيات الخطيرة لانتهاء العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، مثل "هبوعليم" و"ديسكونت"، معتبرة أن هذه الخطوة تهدد استقرار النظام المالي الفلسطيني برمته وتشكل "خطرًا مباشرًا على الحركة النقدية والاقتصادية اليومية" في الأراضي الفلسطينية.
وتوضح الرنتيسي أن هذه البنوك الإسرائيلية تمثل شريان الحياة المالي للنظام المصرفي الفلسطيني، إذ تمر من خلالها التحويلات بالعملة الإسرائيلية (الشيكل)، وهي العملة المستخدمة في معظم المعاملات التجارية والمالية داخل السوق الفلسطينية.
وتشير إلى أنه ومع توقف هذه القنوات، ستواجه البنوك الفلسطينية صعوبات حقيقية في تسديد المستحقات، وتحويل الرواتب، وتمويل عمليات الاستيراد، الأمر الذي قد يؤدي إلى شلل جزئي أو كلي في النشاط التجاري والاقتصادي اليومي.
وتؤكد الرنتيسي أن تعطل العلاقة المصرفية سيؤثر بشكل مباشر على توريد السلع والخدمات الحيوية مثل الوقود، والمواد الغذائية، والكهرباء، والمياه، إذ تعتمد هذه القطاعات بشكل كامل على التحويلات المصرفية القائمة.
وترى أن غياب البدائل سيزيد من تكاليف المعاملات المالية، ما قد يدفع نحو نشوء سوق موازية غير رسمية تضعف الشفافية وتضاعف المخاطر المالية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الفلسطيني من هشاشة بنيوية أصلاً.
وتبيّن الرنتيسي أن أي اهتزاز في القطاع المصرفي سيقود إلى تراجع ثقة المستثمرين وانكماش الاستثمارات وفرص العمل، فضلًا عن احتمالات تعثر الحكومة في دفع الرواتب أو تمويل الخدمات العامة، مشيرة إلى أن الأزمة تكشف عمق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للنظام المالي الإسرائيلي، ما يستدعي إعادة التفكير جذريًا في أدوات السياسة المالية واستراتيجيات الاستقلال الاقتصادي.
مواجهة الأزمة تتطلب معالجة سياسية شاملة
وتعتقد الرنتيسي أن مواجهة الأزمة لا يمكن أن تكون اقتصادية فقط، بل تتطلب معالجة سياسية شاملة، لأن العلاقة المصرفية الفلسطينية – الإسرائيلية ليست مسألة تقنية بحتة، بل جزء من منظومة السيطرة والقيود التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني، مشيرة إلى أن الحل المستدام يجب أن يضمن حرية واستقلال النظام المالي الفلسطيني.
وتؤكد الرنتيسي أن سلطة النقد الفلسطينية والبنوك العاملة مطالبة بوضع وتنفيذ بدائل مصرفية عاجلة، من خلال إقامة شراكات مع بنوك إقليمية ودولية لتأمين قنوات أكثر أمانًا للمعاملات المالية وتقليل الاعتماد على إسرائيل.
وتدعو الرنتيسي إلى تعزيز الرقابة لمنع تنامي السوق السوداء، وإعداد خطط طوارئ لحماية الودائع وضمان السيولة وتمويل السلع الأساسية في حال حدوث انقطاع مفاجئ، مشيرة إلى أن سلطة النقد تمتلك خطة بديلة كما أعلن محافظها يحيى الشنار، لكنها تواجه تحديًا كبيرًا في ضمان استقرار النظام المصرفي وسط هذه الظروف المعقدة.
موعد الثلاثين من الشهر الجاري.. محطة مفصلية
يؤكد الخبير المالي والاقتصادي وأستاذ العلوم المحاسبية في جامعة النجاح الوطنية د.سامح العطعوط أن موعد الثلاثين من الشهر الجاري يمثل محطة مفصلية في مسار قطع العلاقات المصرفية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، محذرًا من أن تداعيات هذه الخطوة ستكون أعمق من كونها مالية بحتة، إذ تتداخل فيها الأبعاد السياسية والتجارية بين الجانبين.
ويوضح العطعوط أن قرار قطع العلاقات المصرفية يخدم المصلحة الإسرائيلية في المقام الأول، مشيرًا إلى أن تل أبيب تستخدم الملف الاقتصادي كأداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، في حين أن الطرف الفلسطيني هو الأكثر تضررًا من الناحية الاقتصادية، رغم أن الجانب الإسرائيلي أيضًا سيتأثر سلبًا كونه أكبر شريك تجاري لفلسطين ويعتمد في كثير من معاملاته على السوق الفلسطينية.
وبحسب العطعوط، فإن هذا التداخل الاقتصادي يجعل من قرار القطيعة خطوة معقدة النتائج، إذ لا يمكن لأي طرف الانفصال الكامل عن الآخر دون خسائر ملموسة.
ويشدد العطعوط على ضرورة توفر خطط بديلة شاملة لمواجهة تداعيات القرار المحتمل، مؤكداً أن على المؤسسات الفلسطينية، وفي مقدمتها سلطة النقد ووزارتا المالية والاقتصاد، وضع تصورات واضحة لمسارات التعامل المالي والتجاري في حال تم تنفيذ القطيعة فعلياً.
ويشير إلى أن من بين الحلول الممكنة إقامة شراكات مصرفية وتجارية مع أطراف إقليمية ودول عربية، لتأمين قنوات تمويل واستيراد بديلة، وتخفيف الارتباط بالمنظومة المالية الإسرائيلية.
ويدعو العطعوط إلى تبني سياسات اقتصادية وطنية أكثر شمولاً تعزز المنتج المحلي وتدعم القطاعين الصناعي والزراعي، بما يساهم في تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الإسرائيلية.
ويشدد العطعوط على أن صنع القرار الاقتصادي يجب أن يتحول إلى أولوية وطنية تشارك فيها الوزارات والقطاع الخاص والجامعات على حد سواء، لضمان بناء اقتصاد أكثر استقراراً وقدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية.
وقف العلاقة المصرفية سيخلق عراقيل كبيرة
يؤكد الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش أنّ قرار الاحتلال بإنهاء اتفاقية المراسلات المصرفية مع البنوك الفلسطينية ينذر بتداعيات اقتصادية خطيرة، إذ تمثل هذه الخطوة أحد الأعمدة الأساسية في العلاقة الاقتصادية بين الجانبين، خاصة في ظل اعتماد السوق الفلسطيني على إسرائيل في مجالات رئيسية كالكهرباء والمياه والبترول، إلى جانب توجيه معظم الصادرات الفلسطينية نحوها.
ويوضح أبو غوش أنّ وقف العلاقة المصرفية سيخلق عراقيل كبيرة في تنفيذ المعاملات التجارية بين الطرفين، مشيراً إلى أن سداد أثمان الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والبترول يجري عادة عبر النظام المصرفي، وأن توقف هذه القناة قد يؤدي إلى تأخير التسويات المالية وتعطيل حركة البضائع والسلع.
ويرى أنّ غياب القناة المصرفية الرسمية سيدفع بعض القطاعات المستوردة إلى اللجوء إلى السوق السوداء لإتمام تعاملاتها بعيداً عن النظام الاقتصادي الرسمي، وهو ما يعني خسارة مباشرة في الإيرادات الضريبية للسلطة الفلسطينية، فضلاً عن الإضرار بمبدأ الشفافية المالية.
كما يرى أن الانعكاس الأبرز لهذه الخطوة سيكون على الأسعار، إذ قد تشهد الأسواق ارتفاعاً في أسعار السلع لسببين رئيسيين: الأول يتمثل في نقص المعروض نتيجة تأخر إنجاز الصفقات التجارية، والثاني في ارتفاع كلفة الإنتاج نتيجة الاضطرار لاستخدام قنوات مالية غير رسمية أو بنوك مراسلة خارجية.
ويشير أبو غوش إلى أنّ هذه الخطوة غير مسبوقة منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنها تمثل "ضربة ثالثة" موجهة للاقتصاد الفلسطيني بعد احتجاز أموال المقاصة ومنع العمال من دخول أراضي عام 1948، مؤكداً أن الهدف الأساسي من ورائها هو إضعاف السلطة الفلسطينية وتقليص مواردها الضريبية عبر خلق سوق موازٍ غير خاضع للرقابة.
وفي ما يتعلق بالبدائل، يوضح أبو غوش أن سلطة النقد الفلسطينية أعدّت خطة "ب" لمواجهة الأزمة المحتملة، تقوم على إجراء المعاملات المالية مع الجانب الإسرائيلي عبر بنوك مراسلة أجنبية، إلا أن تفاصيل وآليات هذه الخطة لا تزال غير واضحة، ومن المنتظر أن تتضح أكثر في حال تنفيذ القرار الإسرائيلي فعلياً بقطع العلاقات المصرفية.
المصدر:
القدس