آخر الأخبار

"سؤال مهني أفقدني عملي!"

شارك

بالعبارة العنوان رد مراسل وكالة نوفا الإيطالية في بروكسل غابرييل نونزياتي على قرار الوكالة إنهاء عمله فيها، بسبب سؤالٍ طرحه على المتحدثة الرسمية باسم المفوضية الأوروبية "باولا بينهو"، خلال مؤتمرها الصحفي الذي عقدته في الثالث عشر من الشهر الماضي، قال فيه: "لقد كررتِ عدة مرات أنّ روسيا يجب أنْ تدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا، هل تعتقدين أنّ إسرائيل يجب أنْ تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة؟"، فردت عليه المتحدثة بالقول: "هذا سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام، لكنني لا أستطيع التعليق عليه في هذه المرحلة".

الصحفي الشاب الذي لم يَمضِ على عمله بالوكالة سوى شهرٍ واحد، تلقّى بعد أيامٍ رسالةً من الوكالة على بريده الإلكتروني، تُبلغه فيها بإنهاء عمله، ما أعاد طرح الأسئلة الصعبة حول حرية الصحافة وحق الحصول على المعلومة، وهي القيم التي لطالما كانت شرطاً مسبقاً للدول الأوروبية لتمويل العديد من المؤسسات الصحفية في دول العالم الثالث.

سؤال غابرييل بحمولته الأخلاقية يُشكل قيمةً مهنيةً عاليةً في مقاربة القضايا الدولية التي لا تتوحد فيها المعايير، فبدلاً من تعديل ميزان العدالة المائل، والتوقف عن ازدواجية المعايير في السياسة والقانون والصحافة، لجأت الوكالة الإيطالية إلى معاقبة الجسارة والجرأة اللتين امتلكهما الصحفي الواعد لفضح ذلك الخلل المقيم في ميزان العدالة الدولي، الذي تسبّب في وقوع انتهاكاتٍ جسيمةٍ للقوانين الإنسانية، وتشجيع الجناة على الإفلات من العقاب.

الحفر تحت القضايا الشائكة، والذهاب إلى المدهش وغير العادي، وإجراء المقابلات مع من يتنكّبون حوافّ الخطر، تلك هي الأبجديات التي يتعلمها طلبة السنة الأولى في كليات الصحافة.

لم يكن غابرييل أول صحفي يتعرض لعقوبة الفصل، فقد سبقه صحفيون وصحفيات، كانوا ضحايا تغريدةٍ أو "لايك" على وسائل التواصل، فيما يتذكر الجميع رد الناطقة باسم البيت الأبيض على سؤال أحد الصحفيين حول من اختار مكان انعقاد القمة التي كان من المقرر عقدها في المجر بين بوتين وترمب بالقول: "أُمك".

مع بداية تأسيس السلطة في تسعينيات القرن الماضي، حدث أنْ تعرّض عددٌ من نواب المجلس التشريعي للضرب على أيدي عناصر ينتمون لأحد الأجهزة، وخَصصتُ حينها برنامجي الصباحي "فلسطين صباح الخير" لمتابعة تلك الواقعة، واستضفتُ لمدة ساعتين على الهواء النواب المضروبين ورئيس الجهاز المتهم أفرادُه بفعل الضرب، وأذكر أنني طرحتُ على رئيس الجهاز بعد ثبوت التهمة السؤال التالي: "هل لك أن تُعطينا أسماء النواب المدرجين لديك على جدول الضرب في الأيام المقبلة؟"، فجاء الرد هادئًا وديموقراطيّاً، أسّس لمرحلةٍ مهمةٍ -لم تطُل كثيرًا- من قوة تأثير الصحافة، قامت على جرأة السؤال من الصحفي وديموقراطية الإجابة من المسؤول.

صحيحٌ أنك لا تستطيع أن تزرع الضمائر في قلوب مَن اختاروا أن يكونوا جُندًا للحق، لكنك تستطيع أن تزرع المهارات التي تؤهلهم بالكفاءة والجرأة والجسارة لكشف الحقيقة.

رسالة الوكالة للعاملين فيها ولجميع الصحفيين في العالم: احذر قبل أن تسأل.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا