لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يتعنت في ملف المساعدات الإنسانية الواردة إلى قطاع غزة، رغم مرور نحو شهر على اتفاق وقف إطلاق النار، ويتعمد إدخال كميات محدودة ما يؤثر المعالجة الإنسانية للكارثة التي حلّت بالقطاع نتيجة حرب الإبادة التي استمرت لمدة عامين.
لكن صحيفة "واشنطن بوست" كشفت عن اعتزام الولايات المتحدة تولي دور الإشراف على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بدلاً من الاحتلال الإسرائيلي، عبر مركز التنسيق "المدني العسكري" الذي أنشأه الجيش الأمريكي في "كريات غات".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مطلعين على تفاصيل الخطوة، أن هذا التغيير سيجعل دور "إسرائيل" ثانويا في تحديد طبيعة المساعدات الإنسانية التي يمكن إدخالها إلى غزة وآلية إدخالها.
ووفق ما حصلت عليه "عربي21" من المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإنّ الاحتلال يواصل سياسة الخنق في قطاع غزة، وسمح بدخول 4 آلاف و453 شاحنة فقط من أصل 15 ألف و600 شاحنة كان من المفترض دخولها إلى القطاع منذ بدء وقف إطلاق النار، بنسبة لا تتجاوز الـ28 بالمئة.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن قوافل المساعدات تضمنت (31) شاحنة محمّلة بغاز الطهي، و(84) شاحنة من مادة السولار المخصصة لتشغيل المخابز والمستشفيات والمولدات والقطاعات الحيوية، رغم النقص الحاد والمستمر في هذه المواد الضرورية لحياة السكان اليومية.
وذكر أنه "يبلغ متوسط عدد الشاحنات التي تدخل يوميا منذ بدء تنفيذ وقف إطلاق النار 171 شاحنة فقط، من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يوميا وفق البروتوكول الإنساني، ما يؤكد أن الاحتلال لا يزال يمارس سياسة الخنق والتجويع والضغط الإنساني والابتزاز السياسي بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزة".
وشدد على أن "هذه الكميات المحدودة لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والطبية والمعيشية، ويحتاج القطاع بصورة عاجلة إلى تدفق منتظم لما لا يقل عن (600) شاحنة يومياً تشمل الغذاء والدواء والوقود وغاز الطهي ومستلزمات القطاع الصحي، لضمان الحفاظ على مكونات الحياة الأساسية للمدنيين".
ولفت إلى أن الاحتلال يحرم أهالي قطاع غزة من أكثر من 350 صنفا من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والجرحى والفئات الضعيفة، ويمنع إدخال مواد غذائية رئيسية، منها بيض المائدة، واللحوم الحمراء، واللحوم البيضاء، والأسماك، والأجبان، ومشتقات الألبان، والخضروات، والمكملات الغذائية.
وفي قراءته للخطوة الأمريكية، رأى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أنّ مركز التنسيق "المدني العسكري" الأمريكي يحاول إدارة آليات المساعدات ومراقبة وقف النار عبر طائرات مسيرة، مع تراجع الدور الإسرائيلي إلى الخلف.
وأكد عفيفة في التحليل الذي اطلعت عليه "عربي21"، أنّ الخطوة الأمريكية تعني عمليا إمساك الولايات المتحدة بالمقود الإنساني-الأمني في غزة من خارجها، وتحديدا من مقرها في "كريات غات" وبمشاركة عشرات الدول والمنظمات.
وتابع قائلا: "لكن تنفيذ خطة ترامب يصطدم بعقبتين رئيسيتين"، موضحا أن العقبة الأولى تتمثل في فراغ القوة الدولية، فلا أحد مستعد لإرسال جنود لنزع سلاح حماس، فيما تقديرات مسؤولين إسرائيليين سابقين تؤكد أن الحركة لن تتخلى عن سلاحها، ما يفتح الباب لتهديدات العودة إلى القتال أو عمل عسكري عن بُعد.
ولفت إلى أن العقبة الثانية تتمثل في محاولات هندسة "نموذج رفح" كمنطقة تجريبية بلا حماس، مع نقاشات حول فتح ممر آمن للمقاتلين خلف "الخط الأصفر"، مضيفا أن "أفكارا تدفع بها أمريكيا وتُواجه بتحفظات إسرائيلية وتنازلات مشروطة بملف الأسرى وتعطيل الأنفاق، فيما يُبدي وسطاء آخرون تحفظاتهم على أي تقسيم داخل القطاع".
وذكر أنه "على الضفة الأخرى، تتكشف حدود التحالف الدولي: أذربيجان تربط أي إسهام في قوات حفظ السلام بتوقف كامل للقتال، بينما تَعِدُ أبو ظبي بزيادة المساعدات وتشير إلى إمكان تفعيل المسار البحري عبر قبرص كرافعة مكملة للمعابر البرية والجوية".
وخلص عفيفة إلى القول: "الولايات المتحدة تدير الهدنة وتختبر الطرفين، لكن من دون تفويض أممي واضح، وقوة استقرار واقعية، ورفع جوهري لقيود إدخال المساعدات، وستظل غزة بين ثلاث نهايات مفتوحة، إما هدنة مُدارة طويلة أو غزة جديدة داخل غزة بنفذو دولي محدود أو انتكاسة تُعيد القتال إلى الواجهة.
المصدر:
القدس