آخر الأخبار

الضفة الغربية.. ورقة رابحة في الدعاية الانتخابية بين الأحزاب الإسرائيلية

شارك

د. حسن بريجية: اعتداءات المستوطنين جزء من سياسة إسرائيلية منذ العام 1967 ثابتة تهدف لتفريغ الأرض الفلسطينية

عبد الله أبو رحمة: ما يحدث تنفيذٌ لسياسات تُقر داخل أروقة الحكومة والكنيست حيث يترجم المستوطنون هذه الخطط على الأرض

د. خليل تفكجي: الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تستخدم المستوطنين كواجهة شبه مدنية لتنفيذ سياساتها الميدانية مع توفير الدعم لهم

نزار نزال: هذه الهجمات تعمل على تهيئة الأرضية لمرحلة الحسم بالضفة حيث تخلق بيئة فوضوية تسمح بتدخل الجيش عسكرياً

د. سهيل دياب: مع تراجع الخيارات على الجبهات الأخرى باتت الضفة الورقة الأخيرة لنتنياهو لاستثمارها سيّما مع اقتراب الانتخابات

هاني أبو السباع: المرحلة المقبلة تنذر بـتصعيد أخطر بالضفة في ظل الصمت الدولي والعجز العربي عن مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين


تشهد الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، تصعيدًا خطيرًا في اعتداءات المستوطنين، الذين ينفذون هجماتهم تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد يعكس تحوّل العلاقة بين الطرفين إلى تنسيق ميداني منظم هدفه السيطرة على الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها الأصليين، وفي سياق تحقيق أهداف سياسية وانتخابية بالتفرغ لجبهة الضفة الغربية.

ويرى مسؤولون ومختصون ومسؤولون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن الاعتداءات الأخيرة ليست حوادث فردية من قبل المستوطنين، بل سياسة ممنهجة تنفذها إسرائيل منذ عام 1967، تقوم على توسيع الاستيطان وإخلاء المناطق الفلسطينية تدريجيًا.

ويؤكدون وجود تنسيق كامل ببن جيش الاحتلال والمستوطنين، حيث إن هذا التكامل بات جزءًا من استراتيجية إسرائيلية ترمي لتكريس واقع استيطاني دائم يصعب التراجع عنه.

ويرون أن تصاعد هذه الاعتداءات مرتبط بالتحولات السياسية داخل إسرائيل، حيث يسعى اليمين المتطرف إلى استثمار المرحلة الحالية لتعزيز نفوذه قبل الانتخابات المقبلة، من خلال تنفيذ مخططات استيطانية توسعية.

ويشيرون إلى أن غياب الموقف الدولي الحازم وضعف الموقف العربي جعلا من الضفة الغربية الساحة الأكثر سخونة في المرحلة الراهنة.


تفريغ الأرض وتهجير السكان


يوضح الباحث في شؤون الاستيطان د. حسن بريجية أن تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية يأتي في سياق سياسة إسرائيلية ثابتة تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية وتهجير سكانها، مؤكداً أن ما يجري حالياً هو تنفيذ عملي لسياسات حكومية راسخة منذ عام 1967.

ويشير إلى أن القرارات التي تُطرح في الكنيست والحكومة الإسرائيلية بشأن الضفة الغربية هي في الأساس مشاريع يروج لها قادة المستوطنين أنفسهم، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يمثلان الامتداد السياسي للمستوطنين داخل الائتلاف الحكومي.

ويؤكد بريجية أن الخط السياسي الإسرائيلي لم يتغير عبر العقود الماضية، فإسرائيل تسعى بشكل ممنهج إلى توسيع الاستيطان، وجلب المزيد من المستوطنين من أنحاء العالم، على حساب الوجود الفلسطيني.

ويشير إلى أن تسارع الهجمات الاستيطانية في الفترة الحالية يتزامن مع عوامل دولية وإقليمية تساعد إسرائيل على المضي قدماً في مخططاتها، موضحاً أن الدعم الأمريكي، وصمت المجتمع الدولي، وضعف الموقف العربي، إلى جانب حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، كلها جعلت من هذه المرحلة "الفترة الذهبية" لتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.

ويبيّن أن الاعتداءات الحالية ليست تصرفات فردية من المستوطنين، بل هي ترجمة ميدانية لسياسات دولة الاحتلال التي ترى في الضفة الغربية ركيزة استراتيجية لبقائها وتوسعها.

وحول المرحلة المقبلة، يتوقع بريجية أن تستمر أعمال الاستيطان بوتيرة متفاوتة حتى بعد انتهاء الحرب على غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل قد تشدد من إجراءاتها الأمنية على الحواجز أحياناً، وتخففها في أحيان أخرى، لكنها لن تتوقف عن التوسع الاستيطاني، لأن ذلك يمثل سياسة دولة ممنهجة لا تتغير بتغير الحكومات.



تصاعد غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين


يؤكد مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية عبد الله أبو رحمة، أن اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية شهدت تصاعداً غير مسبوق خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول الماضي، إذ تم توثيق 766 اعتداءً نفذها المستوطنون، منها أكثر من 400 اعتداء خلال موسم قطف الزيتون فقط، واصفاً ذلك بأنه أعلى حصيلة تسجل منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي.

ويوضح أبو رحمة أن هذه الاعتداءات تتمحور حول الصراع على الأرض والعلاقة الرمزية بين المزارع الفلسطيني وشجرة الزيتون، مشيراً إلى أن المستوطنين يسعون لكسر هذه العلاقة عبر تدمير المحاصيل والاعتداء على المزارعين لإبعادهم عن أراضيهم.

ويؤكد أبو رحمة أن تلك الاعتداءات تزامنت مع تصعيد إسرائيلي عسكري موازٍ، ما يعكس تكامل الأدوار بين المستوطنين وجيش الاحتلال.

ويبيّن أبو رحمة أن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين يعملون بتنسيق ميداني منظم، قائلاً: "إن المستوطنين هم أذرع تنفيذية للحكومة الإسرائيلية، وتحديداً للأحزاب اليمينية المتطرفة التي يقودها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش".

ويشدد أبو رحمة على أن ما يحدث "ليس تصرفات فردية، بل تنفيذ لسياسات تُقر داخل أروقة الحكومة والكنيست"، إذ يقوم المستوطنون بترجمة هذه الخطط على الأرض.

ويوضح أبو رحمة أن الاعتداءات على المزارعين خلال موسم الزيتون أظهرت بوضوح هذا التنسيق، حيث أنه "عندما يكون عدد المزارعين كبيراً، يتدخل الجيش لإغراق المنطقة بالغاز السام المسيل للدموع وتهديدهم بالاعتقال"، فيما يشارك بعض المستوطنين في الاعتداءات بارتداء زيٍّ عسكري إسرائيلي، وبحوزتهم أسلحة أوتوماتيكية وأقنعة لإخفاء هوياتهم، ما يجعل من الصعب التمييز بينهم وبين جنود الاحتلال.

ويؤكد أبو رحمة أن هذا التداخل بين جيش الاحتلال والمستوطنين يكشف طبيعة العلاقة البنيوية بين الطرفين، إذ يقوم الجيش "بتأمين الحماية وتسهيل تنفيذ الجرائم بحق الفلسطينيين"، بينما يوفر المستوطنون الغطاء الميداني والسياسي لاستمرار المشروع الاستيطاني.


أبعاد سياسية وانتخابية داخلية


ويشير أبو رحمة إلى أن تصاعد الاعتداءات بحق الفلسطينيين يحمل أبعاداً سياسية وانتخابية داخلية في إسرائيل، موضحاً أن الحكومة اليمينية المتطرفة "تتسابق مع الزمن لتحقيق أكبر قدر ممكن من التوسع الاستيطاني قبل الانتخابات المقبلة"، معتبراً أن ما يجري "دعاية انتخابية ميدانية تسعى الأحزاب اليمينية من خلالها لإظهار إنجازات على الأرض".

ويتوقع أبو رحمة أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من التصعيد والمواجهة في الميدان، قائلاً: "إن الفلسطينيين ليس أمامهم خيار سوى الصمود والدفاع عن وجودهم، رغم الخسائر المحتملة".

ويؤكد أبو رحمة أن الحكومة والجيش الإسرائيلي يتحملان المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي يرتكبها المستوطنون، داعياً إلى تحرك دولي فاعل يتجاوز بيانات الإدانة والشجب لوقف هذه الانتهاكات المنظمة.


الأداة التنفيذية للمشروع الإسرائيلي الاستيطاني


يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان د. خليل تفكجي أن المستوطنين يشكلون الأداة التنفيذية للمشروع الإسرائيلي الاستيطاني في الضفة الغربية، موضحًا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تستخدم المستوطنين كواجهة شبه مدنية لتنفيذ سياساتها الميدانية، مع توفير دعم عسكري وسياسي مباشر لهم.

ويشير تفكجي إلى أن هذه المجموعات الاستيطانية تُعامل باعتبارها "مليشيات غير حكومية" شكليًا، لكنها مدعومة بالكامل من الجيش الإسرائيلي، وهو ما يتيح للحكومة التنصل من المسؤولية المباشرة عن الجرائم والانتهاكات التي ترتكب ضد الفلسطينيين.

ويؤكد أن المستوطنين ينتمون في الغالب إلى تيارات أيديولوجية متطرفة، ويحظون بدعم الأحزاب اليمينية والدينية في إسرائيل، لتتحول اعتداءاتهم إلى جزء من برنامج رسمي غير معلن لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها ضمن "عملية تطهير عرقي منظمة" تستهدف الإنسان والاقتصاد والمكان معًا.

ويبيّن تفكجي أن هذه السياسة لا تقتصر على اعتداءات المستوطنين اليومية، بل ترتبط بمخططات إسرائيلية أوسع تهدف إلى خلق واقع جغرافي جديد في الضفة الغربية، يقوم على تقسيمها إلى معازل منفصلة ومناطق غير مترابطة جغرافيًا، مشيرًا إلى أن هذا النهج مستمد من مخطط إسرائيلي قديم وضع عام 2005.

ويوضح تفكجي أن هذا المخطط يستند إلى "فكرة دولة العشائر أو القبائل"، أي تحويل المجتمع الفلسطيني إلى كانتونات صغيرة منفصلة ذات إدارة محلية محدودة، بحيث تغيب فكرة السيادة الوطنية والوحدة الجغرافية والسياسية، وتُصبح العلاقة بين هذه الكيانات وبين الاحتلال علاقة تبعية اقتصادية وأمنية مباشرة.

ويشير تفكجي إلى أن الهدف البعيد المدى لإسرائيل هو إضعاف الروابط الوطنية الفلسطينية، وخلق ثقافة مجتمعية انعزالية تجعل كل قرية أو تجمع يعيش ضمن حدود مغلقة دون ارتباط فعلي بباقي مناطق الضفة.

ويقول تفكجي: "بهذا الشكل تتحول التجمعات الفلسطينية إلى ما يشبه دولة طوائف أو عائلات، تتصارع فيما بينها، بينما يظل الاحتلال هو الجهة الوحيدة القادرة على التحكم بمصيرها".


السيطرة الإسرائيلية تمتد إلى الموارد الطبيعية


ويلفت تفكجي إلى أن السيطرة الإسرائيلية لا تقتصر على الأرض والسكان، بل تمتد إلى الموارد الطبيعية، مثل المياه الجوفية، وأماكن إنتاج الحجر الطبيعي للبناء، والموارد الاقتصادية في باطن الأرض، ما يعزز من إحكام السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني ويحدّ من أي إمكانية للنمو المستقبلي.

ويرى تفكجي أن المرحلة المقبلة تحمل مزيدًا من الغموض في ظل استمرار التوسع الاستيطاني، موضحًا أن "الخارطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بما فيها فلسطين، لا تزال قيد التشكل، لكن المؤشرات واضحة: لا تواصل جغرافي، لا سيادة فلسطينية، بل واقع مفروض بالقوة يسعى لخلق شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل المتحكم الوحيد".


اعتداءات ضمن زوايا استراتيجية مدروسة


يؤكد الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع، نزار نزال، أن الاعتداءات المتصاعدة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية تأتي ضمن عدة زوايا استراتيجية مدروسة، تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض.

ويوضح نزال أن الجيش الإسرائيلي يستخدم ميليشيات المستوطنين كذراع غير رسمي لتوسيع السيطرة في المناطق المصنفة (ج) وخاصة المناطق المحيطة بالمدن، تمهيدًا لتصعيد أمني ميداني محتمل.

ويشير نزال إلى أن الزاوية الثانية لهذه الاعتداءات تتعلق بالضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني، عبر إظهار ضعف السلطة ودفعها نحو مزيد من التنسيق الأمني مع الاحتلال أو تفادي أي مواجهة مباشرة، بما يخدم الأجندة الإسرائيلية في إعادة برمجة المشهد الفلسطيني الداخلي قبل أي ترتيبات مستقبلية في غزة أو الضفة الغربية.

ويؤكد أن هذه الهجمات تعمل أيضًا على تهيئة الأرضية لمرحلة الحسم في الضفة الغربية، حيث تخلق اعتداءات المستوطنين بيئة فوضوية تسمح للتدخل العسكري لجيش الاحتلال بحجة ضبط الأمن والاستقرار ومنع انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة.

ويركز نزال على البعد الأيديولوجي والاستيطاني لاعتداءات المستوطنين، مشيرًا إلى أن اليمين الإسرائيلي يعتبر اللحظة الحالية، بعد حرب غزة، فرصة لتوسيع المشروع الاستيطاني وفرض واقع جديد، معتبرًا أن هذه الهجمات جزء من مشروع استعماري ممنهج وليس مجرد أحداث فردية.


أربعة سيناريوهات متوقعة


أما بالنسبة للسيناريوهات المستقبلية المتوقعة، يوضح نزال أربعة احتمالات: الأول تصعيد ميداني واسع قد يؤدي إلى مواجهات كبيرة بين الفلسطينيين والمستوطنين والجيش الإسرائيلي؛ الثاني ضغوط سياسية على السلطة الفلسطينية من أجل تفريغها من أهميتها لإعادة دور الإدارة المدنية الإسرائيلية وتقليص صلاحيات السلطة.

أما السيناريو الثالث وهو أخطرها، بحسب نزال، وهو الضم الزاحف أو الصامت للضفة الغربية بعد تفكيك الجسم السياسي الفلسطيني، والذي قد يتطلب دعمًا أمريكيًا نظراً لصمت واشنطن تجاه الاعتداءات؛ والرابع سيناريو الاحتواء المؤقت، بدعم من قوى إقليمية مثل تركيا وقطر ومصر والأردن، مع ضمانات من الولايات المتحدة لعدم إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في هذه المرحلة.

ويؤكد نزال أن جميع هذه الاعتداءات والسياسات الميدانية والسياسية من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني بما يخدم أهداف الاحتلال الاستراتيجية طويلة المدى.

ويعتقد أن المرحلة الحالية تمثل اختبارًا لمرونة السلطة الفلسطينية وقدرتها على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، في ظل تزايد الاعتداءات وتوسع المشروع الاستيطاني.


الضفة الساحة الأكثر حساسية في الصراع


يؤكد أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الإسرائيلي د. سهيل دياب أن الضفة الغربية تمثل اليوم الساحة الأكثر حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنها باتت الورقة الأخيرة في يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستثمارها سياسيًا في المرحلة المقبلة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية وتراجع خيارات تل أبيب على الجبهات الأخرى.

ويوضح دياب أن التصعيد في الضفة الغربية بعد الهدنة في قطاع غزة ليس حدثًا عابرًا، بل يأتي في سياق استراتيجي جديد، فبعد انسداد الأفق في الملفين اللبناني والسوري، تقلّصت أمام إسرائيل الجبهات المفتوحة، لتبقى الضفة الغربية الساحة الوحيدة التي تستطيع التحكم بمجرياتها دون ضغوط دولية أو إقليمية كبيرة. ويعتبر دياب أن نتنياهو يسعى لاستثمار هذا الواقع في حملته الانتخابية المقبلة للحفاظ على قاعدة اليمين المتطرف وضمان بقاء ائتلافه الحاكم، من خلال تصعيد ميداني يرضي هذا التيار.

ويبيّن أن التحول الأخطر في المرحلة الحالية هو انتقال الدور في الضفة الغربية من هيمنة جيش الاحتلال إلى شراكة ميدانية فعلية بينه وبين المستوطنين، خصوصًا ما يُعرف بـ"فتيان التلال"، الذين أصبحوا طرفًا فاعلاً ومؤثرًا في صناعة القرار الميداني.

ويؤكد دياب أن هذا التقاسم الوظيفي بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين يعكس التحولات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين الفاشي، الذي يرى في الاستيطان وسيلة لترسيخ السيطرة على الأرض الفلسطينية وفرض واقع جديد يمنع أي تسوية سياسية مستقبلية.

ويرى دياب أن الضفة الغربية ستكون العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة بعد الهدنة في غزة، حيث سيتبلور فيها الصدام الكبير بين ما تبقى من المشروع اليميني الفاشي في إسرائيل، وبين نضال الشعب الفلسطيني من أجل الاستقلال وحق تقرير المصير.

وحول السيناريوهات المحتملة، يشير دياب إلى وجود اتجاهين متناقضين: الأول هو السيناريو الإسرائيلي الذي يسعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر تفكيك البنية السياسية الفلسطينية، بما في ذلك السلطة، وإبقاء السيطرة الأمنية على الضفة وغزة دون التوجه إلى أي حل سياسي.

أما السيناريو الثاني وفق دياب، فيتضمن الانتقال إلى إدارة مدنية فلسطينية في قطاع غزة، وربطها بالضفة الغربية بمشاركة السلطة الفلسطينية، إلى جانب وجود قوات عربية ودولية لحفظ الأمن وإعادة الإعمار، تمهيدًا لمرحلة تسوية سياسية شاملة.

ويشير إلى أن التطورات الإقليمية القادمة، خصوصًا زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، واجتماع وزراء الخارجية العرب والإسلام في إسطنبول، ستكون مفصلية في رسم ملامح الشرق الأوسط المقبل، وربما تفتح الباب أمام تحولات استراتيجية تطال مجمل الملفات الفلسطينية والعربية.


ملامح المشهد بالضفة باتت أكثر وضوحاً بعد الحرب


يرى الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي هاني أبو السباع أن ملامح المشهد في الضفة الغربية باتت أكثر وضوحاً بعد الحرب على قطاع غزة، حيث تكشّف حجم التوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين المدعوم مباشرة من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.

ويوضح أبو السباع أن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش فتح خزينة الدولة لدعم الاستيطان، وأشرف شخصياً على تمويل المستوطنين، من خلال تزويدهم بمركبات دفع رباعي وتوزيعها على بؤر استيطانية جديدة، إلى جانب دعم ما يُعرف بـ"الاستيطان الرعوي" الذي يستهدف السيطرة على أكبر مساحة من أراضي مناطق (ج).

ويؤكد أن عنف المستوطنين تصاعد بشكل غير مسبوق، مستشهداً بتقارير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية التي وثّقت ارتفاعاً كبيراً في عدد الجرائم، سواء من حيث الحدة أو التنظيم.

ويشير أبو السباع إلى أن من يقود هذه الهجمات هم ما يُعرف بـ"فتية التلال"، وهي مجموعات متطرفة غير متعلمة تعمل ضمن تنظيمات شبه منظمة، موضحاً أن هذه الهجمات أصبحت ممنهجة وتشمل معظم مناطق الضفة الغربية، خصوصاً القريبة من المستوطنات ومناطق الاحتكاك، حيث تمكن المستوطنون من السيطرة على مساحات رعوية واسعة وطرد المزارعين والرعاة الفلسطينيين منها.

ويلفت أبو السباع إلى توثيق أكثر من 2153 هجمة نفذها المستوطنون، لم تستهدف الإنسان فقط، بل طالت الممتلكات والماشية، من بينها هجمات على حظائر الأغنام في بلدة السموع جنوب الخليل، حيث قام المستوطنون بقتل الماشية، في مشهد وثقته كاميرات المراقبة. ويوضح أبو السباع أن حجم الخسائر الاقتصادية للفلسطينيين كبير جداً، إذ أعلنت شركات التأمين عجزها عن تعويض المركبات والمنازل التي تتعرض للحرق بشكل متكرر.

ويرى أبو السباع أن هذه الاعتداءات تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين من مناطق (ج)، وتجريد الضفة من سكانها الأصليين، فيما يقف الجيش الإسرائيلي إلى جانب المستوطنين دون تدخل لردعهم.


المرحلة المقبلة تنذر بـتصعيد أخطر


ويشير أبو السباع إلى أن الجيش الإسرائيلي، منذ بدء الحرب على غزة، كثّف وجوده في الضفة الغربية، ورفع عدد الحواجز العسكرية والبوابات التي تجاوزت الألف، مما حوّل الضفة إلى "سجن كبير"، في الوقت الذي أُطلق فيه العنان للمستوطنين لممارسة جرائمهم، خاصة خلال موسم قطف الزيتون الذي شهد اعتداءات منظمة على المزارعين وقطع عشرات الأشجار المباركة.

ويعتقد أبو السباع أن المرحلة المقبلة تنذر بـتصعيد أخطر في الضفة الغربية، في ظل الصمت الدولي والعجز العربي عن مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين.

ويؤكد أبو السباع أن الفلسطينيين باتوا لا يملكون سوى الدفاع الذاتي عبر لجان شعبية لحماية أراضيهم وممتلكاتهم، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى دوامة جديدة من العنف والتصعيد الشامل ما لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف هذا المسار الخطير.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا