الحدث الإسرائيلي
أعلن رئيس هيئة أركان قوات الاحتلال، الجنرال إيال زامير، أن الجيش بات يعمل على تطوير قوات كوماندوز صغيرة ومتخصصة قادرة على العمل في عمق أراضي الخصوم، في خطوة تأتي في سياق استراتيجي يسعى فيه الاحتلال لضرب التهديدات قبل أن تتفاقم.
في تصريح علني قال الزامير إنه “قوات الكوماندوز الأرضية عملت خفية في عمق الأراضي الإيرانية”، وإن السيطرة الكاملة على الأجواء الإيرانية تحققت “بفضل خطة تم تنفيذها بالتعاون بين القوات الجوية والكوماندوز الأرضية”. وأضاف أن الضربات لم تكن “نقاطية فحسب بل نظامية ومكثفة”، مشيراً إلى أن مشروع البرنامج النووي الإيراني تأثر سلباً “لعدة سنوات إلى الوراء”.
هذا التوجّه ليس مفاجئاً بالكامل؛ إذ سبق لهيئة الأركان برئاسة بني غانتس أن أسّست قيادة تحت تسمية «فيّلق العمق»، بهدف إدارة عمليات خاصة خارج الحدود ومتابعة التهديدات العابرة للمعابر. الفارق في تصريح الزامير هو أنَّ الحديث أصبح علنياً، والكشف عن قدرة قوات الكوماندوز على العمل في مسافات بعيدة جداً من حدود الاحتلال.
يُشير المحللون إلى أن هذا التوجّه يحقّق عنصر المفاجأة ويمكّن الاحتلال من اختراق دفاعات الخصوم، خاصة عبر ضرب منظومات القيادة والسيطرة وإفساد خطوط الإمداد والمواصلات. ومن خلال الحركة الخفية، يسعى الاحتلال إلى استنزاف القدرة على الرد وتنظيم المقاومة، وإخراج الخصم من توازنه الإداري والعملي.
إلا أن هذا التوجّه يحمل في طيّاته تحديات كبيرة. أولها توفير معلومات استخبارية دقيقة تكفي لتحديد الأهداف داخل العمق، وضمان قيادة وسيطرة فعالة على القوات خلال تنفيذ المهمة. كذلك التحدي في الدخول والخروج الآمن مع أقل الخسائر، والحصول على دعم لوجستي في ساحة عمليات بعيدة.
من الناحية السياسية، لا يمكن الفصل بين القرار العسكري والتناغم السياسي؛ فمثل هذه العمليات تتطلب غطاءً سياسيّاً يتحمّل تبعاتها على المستويين الإقليمي والدولي. إضافة إلى ذلك، يجب تمكين القادة الميدانيين بصلاحيات اتخاذ قرارات سريعة، لأن مرونة الميدان هي التي تحدد نجاح أو فشل أي عملية في بيئات معقَّدة.
في النهاية، إن إعلان الزامير عن توسّع نشاط الكوماندوز إلى أعماق الأراضي المعادية، وبشكل علني ومفتوح، يعكس بروز مرحلة جديدة في استراتيجية الاحتلال، حيث يدمج بين التنسيق الاستخباراتي والجري التكتيكي لإحداث ضغوط مركّبة على الخصوم. لكن التحديات الأمنية والسياسية واللوجستية التي ترافق هذه الخطوة تبقى عوامل حاسمة في تحديد مدى نجاح هذا التوجّه أو فشله.
قوات الكوماندوز الخاصة هي وحدات صغيرة ذات تدريب تكتيكي عالٍ، مصممة للعمل في «العمق» لاختراق خطوط المواجهة التقليدية وضرب أهداف حساسة مثل منظومات القيادة والسيطرة وعقد الإمداد. نجاحها يعتمد على سرية التخطيط ودقّة الاستخبارات والتنسيق مع الدعم الجوي والإلكتروني، مع قدرة الدخول والخروج السريع. لكنها تواجه مخاطر لوجستية واستخبارية وسياسية؛ لذلك تظلّ أداة فعالة فقط إذا نُفّذت ضمن منظومة متكاملة من الاستخبارات والغطاء السياسي والإسناد اللوجستي.