الحدث الإسرائيلي
انتقد المحلل السياسي الإسرائيلي بن درور يميني ما وصفه بالوهم الذي يبيعه نتنياهو لجمهوره تحت شعار “الانتصار على الأعداء”. فبحسب يميني، ما يحدث على الأرض بعيد عن أي صورة للنصر، بل هو انهيار مزدوج: سياسي وأمني. فبينما يكرر نتنياهو أن “الانتصار أهم من الدعاية السلبية”، تبدو الدعاية التي اعتمدت عليها حماس منذ السابع من أكتوبر أداة ناجحة في ضرب صورة إسرائيل دوليًا، في الوقت الذي تواصل فيه المقاومة عملياتها في الضفة وغزة ويسقط المزيد من القتلى في صفوف الجيش.
يميني يلفت إلى أن أنصار نتنياهو يصرّون على أن إسرائيل تقترب من “المرحلة الأخيرة” في معركة إسقاط حماس، وأن السيطرة على مدينة غزة ستنهي التهديد من الجنوب. هؤلاء يعتبرون أن وقف الحرب الآن سيكون بمثابة جائزة لحماس وتفريغ لتضحيات الجنود من مضمونها. كما يستشهدون بتراجع الحركة عن شروطها السابقة في ملف الأسرى باعتباره دليلًا على أن الضغط العسكري يؤتي ثماره. لكن الكاتب يرى أن هذه القراءة تتجاهل جوهر استراتيجية حماس، التي لا تقوم على الصمود العسكري فقط، بل على استثمار الدمار والمجازر في تعزيز عزل إسرائيل.
الواقع، كما يقول يميني، أن دخول رفح كان نقطة التحول. هناك تحقق لإسرائيل بعض المكاسب الميدانية، لكنها في المقابل بدأت بخسارة ساحتها الدولية. فمع تصاعد صور الخراب، بدأت الولايات المتحدة تتباطأ في إرسال الأسلحة، وتزايدت موجات النقد حتى من أقرب الأصدقاء. ثم توسعت الظاهرة إلى حملات مقاطعة ثقافية وأكاديمية، وصولًا إلى أوروبا التي باتت تفرض قيودًا على شحنات الأسلحة. هذا التحول، وفق يميني، يضرب الجاهزية العسكرية لإسرائيل أكثر بكثير مما تفعله صواريخ حماس.
إلى جانب ذلك، برزت نتائج أشد خطورة في الرأي العام الغربي. يميني يشير إلى أن موجة “الدعاية السلبية” ساهمت في صعود العداء لليهود عمومًا، حتى باتت إسرائيل تُعامل كدولة منبوذة. وفي الولايات المتحدة تحديدًا، ولأول مرة، ارتفعت نسبة المؤيدين للفلسطينيين لتتجاوز نسبة المؤيدين لإسرائيل. ومع خسارة الاحتلال لشرائح واسعة من الديمقراطيين والشباب الجمهوريين، تبرز مخاوف جدية من تراجع الدعم العسكري والمالي مستقبلًا، خاصة مع صعود التيارات الانعزالية في الحزب الجمهوري.
في الخلاصة، يرى يميني أن نتنياهو وقع في الفخ الذي نصبته حماس. فقد استهان بخطورة “الدعاية السلبية”، بينما كانت هي السلاح الأشد فاعلية في يد الحركة. وإذا كان بإمكان إسرائيل أن تحقّق بعض النجاحات العسكرية المحدودة، فإن حماس تراهن على مكاسب سياسية ومعنوية طويلة الأمد تقوّض موقع إسرائيل عالميًا. وبحسب يميني، فإن استمرار نتنياهو في تجاهل هذه الحقيقة لا يقود إلا إلى سقوط جماعي في الهاوية.