ترجمة الحدث
نشرت صحيفة ذا ماركر العبرية تقريرًا مطولًا تناولت فيه التداعيات الاقتصادية المحتملة لأي خطوة إسرائيلية نحو احتلال مدينة غزة وإخضاعها لإدارة عسكرية مباشرة، مؤكدة أن المشهد المستقبلي يبدو ضبابيًا إلى حد بعيد، وأن جميع التقديرات الرسمية التي تصدر عن وزارة المالية أو “بنك إسرائيل” لم تعد ذات مصداقية، لأنها تبنى على فرضية انتهاء الحرب خلال الربع القادم، وهو افتراض يتبدد في كل مرة تُوسع فيها الحكومة عملياتها العسكرية.
وأوضحت الصحيفة أن وزارة المالية نفسها وقعت في دوامة التقديرات المتناقضة، ففي يونيو الماضي رفعت توقعاتها للنمو إلى 3.6%، لكنها سرعان ما عادت في أغسطس لتخفضها إلى 3.1%. أما “بنك إسرائيل” فقد خفّض بدوره توقعاته إلى 3.3% في يوليو، ومن المتوقع أن يخفضها مرة أخرى بفعل استمرار الحرب. هذا النهج القائم على “تجميل الأرقام” يسمح للقيادة السياسية في تل أبيب بتجاهل التكلفة الاقتصادية الباهظة لخياراتها العسكرية.
في المقابل، قدّم معهد أهارون التابع لجامعة ريتشمان، برئاسة نائب محافظ البنك المركزي السابق تسفي إكشتاين، سيناريوهات بديلة أكثر واقعية حول مستقبل الحرب وانعكاساتها الاقتصادية. هذه السيناريوهات توزعت على ثلاثة مسارات: الأول متفائل يقوم على التوصل إلى تسوية شاملة مع نهاية 2025، تتضمن إطلاق سراح الأسرى ونقل الإدارة المدنية في غزة إلى جهات دولية أو مصرية، والثاني وسطي يتمثل في استمرار الوضع الراهن حيث تتحمل إسرائيل مسؤولية الإمدادات الإنسانية وسط احتمال تزايد العقوبات الأوروبية، أما الثالث والأكثر تشاؤمًا فيتعلق باحتلال كامل لغزة وإدارة عسكرية مباشرة، بما يعني فرض عقوبات دولية جدية، وتصاعد رفض الخدمة العسكرية، واستمرار نزيف هجرة الكفاءات من قطاع التكنولوجيا.
اعتمدت تقديرات المعهد على حجم استدعاء الاحتياط وانعكاساته على سوق العمل. ففي الربع الثاني من 2025 بلغ متوسط المستدعين 100 ألف جندي بسبب الحرب مع إيران. ومع سيناريو الاحتلال الكامل لغزة سيبقى هذا الرقم مرتفعًا لسنوات، ما سيؤثر سلبًا على الإنتاجية والناتج المحلي. أما إذا تحقق مسار التسوية، فقد يتراجع العدد إلى نحو 50 ألف جندي بحلول 2026.
ووفق السيناريوهات نفسها، فإن النمو الاقتصادي قد يصل إلى 2.2% عام 2025 ويرتفع إلى 3.7% في 2027 إذا تحقق اتفاق سياسي شامل، لكن في حالة استمرار الوضع الراهن سينخفض النمو إلى 1.3% فقط، بينما سيتدهور إلى 0.7% إذا جرى احتلال غزة بالكامل. في هذه الحالة سترتفع النفقات الأمنية على حساب المدني، ما يعني – كما وصف إكشتاين – “عقدًا اقتصاديًا مهدورًا”.
الأخطر، بحسب التقرير، هو مسار الدين العام. ففي حال اتجهت إسرائيل نحو الاحتلال المباشر لغزة، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي سترتفع من 69% في 2024 إلى 90% بحلول 2030، ثم تواصل الصعود لتبلغ 115% عام 2035. وهذا المسار، إن تحقق، سيدفع الاقتصاد الإسرائيلي إلى أزمة مالية عميقة.
حتى السيناريوهات الأقل تشاؤمًا لا تنفي ارتفاع الدين، ما يستلزم إصلاحات هيكلية جذرية مثل دمج الفلسطينيين واليهود الحريديم في سوق العمل. كما حذّر التقرير من أن قطاع التكنولوجيا المتقدمة، رغم تسجيله استثمارات قياسية في النصف الأول من 2025، يظل مهددًا بالانكماش إذا قررت الحكومة فرض سيطرة عسكرية على غزة، إذ إن الاستثمارات الأخيرة تدفقت بناءً على الاعتقاد بأن الأوضاع تتجه نحو تسوية سياسية، لا نحو احتلال شامل. أي انقلاب في هذا المسار قد يؤدي إلى انسحاب شركات عالمية وموجة جديدة من هجرة المهندسين الإسرائيليين.
وتخلص الصحيفة إلى أن استمرار الإنكار السياسي للتداعيات الاقتصادية يضاعف المخاطر، وأن أي خطوة باتجاه احتلال غزة لن تقتصر على الأعباء العسكرية والسياسية، بل ستفتح الباب أمام أزمة اقتصادية هيكلية طويلة الأمد قد تطبع العقد المقبل كله بطابع الانكماش والأزمات المالية والاجتماعية.