آخر الأخبار

ائتلاف أمان يناقش أزمة تكدس الشيكل وقرصنة أموال المقاصة

شارك

الحدث الاقتصادي

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، جلسة نقاش تفاكرية حول أزمة تكدس الشيكل في البنوك الفلسطينية، والقرصنة الإسرائيلية المستمرة لأموال المقاصة، بمشاركة مجموعة من الخبراء وممثلين عن وزارة المالية وسلطة النقد الفلسطينية، ومؤسسات اقتصادية ومصرفية ذات صلة. تهدف الجلسة إلى تشخيص الواقع المالي المتأزم، وبلورة توصيات قابلة للتطبيق لمواجهة الانهيار الاقتصادي المحتمل، ووقف النزيف المالي، والدفع نحو حلول جذرية بدلًا من الاكتفاء بالحلول المؤقتة.

أزمة متجددة: الاحتلال يمنع ترحيل الفائض من الشيكل

يواجه الاقتصاد الفلسطيني مشكلة متفاقمة تتمثل في تكدس الشيكل داخل البنوك منذ سنوات، إلا أن الأزمة بلغت ذروتها مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي أصدرت تعليمات للبنك المركزي الإسرائيلي بعدم استقبال الفائض من الشيكل، خارج الكوتا السنوية المحددة منذ عام 2018 بقيمة 18 مليار شيقل. ومع ارتفاع الكتلة النقدية نتيجة تطور الاقتصاد الفلسطيني، وصل فائض الشيكل غير المرحّل إلى ما يقارب 30 مليار شيكل، ما دفع البنوك الفلسطينية إلى التوقف عن قبول الإيداعات بالشيكل.

تداعيات خطيرة على الاقتصاد والمواطن

أدت أزمة تكدس الشيكل إلى ارتباك كبير في عمل المصارف الفلسطينية، التي لم تعد قادرة على أداء دورها كوسيط مالي فعال، مما أضر بالعلاقات التجارية، ودفع المواطنين إلى التعامل مع السوق غير الرسمي لشراء العملات الصعبة، ما أوجد أرضية لاقتصاد رمادي وسوق سوداء موازية، في ظل غياب استراتيجية حكومية واضحة للسيطرة على تدفق العملة وتوجيهها بشكل منتج.

العلاقات المصرفية الفلسطينية الإسرائيلية مهددة بالانقطاع

منذ توقيع اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، أصبحت البنوك الفلسطينية معتمدة بشكل كامل على البنوك الإسرائيلية كوسطاء ماليين للعلاقات الخارجية. وقد منحت الحكومة الإسرائيلية هذه البنوك غطاءً قانونيًا عبر ما يُعرف بـ"كتاب الضمان"، لكنها هدّدت مؤخرًا بعدم تجديد هذا الغطاء، مما يضع الاقتصاد الفلسطيني أمام خطر العزلة المصرفية التامة، ويفرض على السلطة البحث عن بدائل حقيقية لتأمين المعاملات المالية.

أموال المقاصة: قرصنة بلا رادع

مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتصاعد الابتزاز الإسرائيلي، بلغت قرصنة أموال المقاصة ذروتها. لم تعد السلطة الفلسطينية تستلم هذه الأموال التي تشكل حوالي 65% من إيراداتها، بعد أن تجاوزت المبالغ المحتجزة لدى الاحتلال 8.2 مليار شيقل منذ عام 2019. كما تعاني الحكومة الفلسطينية من دين عام هائل بلغ 45 مليار شيقل، وأثّر ذلك على قدرتها على دفع الرواتب للموظفين العموميين (أكثر من 245 ألف شخص)، مما تسبب بانكماش حاد في الاقتصاد وانخفاض القوة الشرائية.

إجراءات تضبط عدم تراكم الشيكل وتحويل الملف إلى اشتباك اقتصادي مع الاحتلال

أجمع المشاركون على متطلبات العمل المفروضة بحكم المرحلة، على رأسها العمل على إجراءات تضبط عدم تراكم الشيكل من جديد، من خلال ضبط العلاقات الاقتصادية غير المعلومة، والتي تعمل على زيادة تكدس الشيكل دون معرفة مصدرها، وذلك من خلال تشريعات او إجراءات للإلزام بالتحويلات البنكية لحركة التجارة وتمويلها في بعض القطاعات ذات القيم النقدية المرتفعة، والتي تشكل المكوّن الأكبر للكتلة النقدية.

كما أوصى المشاركون أيضا بضرورة تحويل الملف من مجرد إدارة لأزمة مالية إلى اشتباك اقتصادي مفتوح مع الاحتلال، من خلال التحرك الدولي الجاد من خلال المحاكم والمؤسسات الأممية والدول الصديقة للضغط على إسرائيل للإفراج عن الأموال المحتجزة، وبالتوازي ضرورة ضبط الإنفاق العام ووضع خطط لمعالجة تضخم فاتورة الرواتب، وتسوية ديون صندوق التقاعد، ووقف التعيينات غير المبررة. كما دعت الجلسة إلى إصلاح النظام الضريبي بما يوسّع القاعدة الضريبية دون إثقال المكلفين، وتطبيق الضريبة المضافة وفق معايير العدالة الاجتماعية، ومحاربة التهرب الضريبي والجمركي، وتدوير الموظفين، وتحفيز التقاعد المبكر وفق معايير شفافة. وعلى المستوى الاستراتيجي، تم التأكيد على أهمية الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي من خلال دعم الإنتاج المحلي، وإحلال الواردات، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، والتوجه نحو مشاريع الطاقة البديلة وتنمية الإيرادات المحلية بعيدًا عن تحكم الاحتلال.

سلطة النقد: المشكلة الأساسية ليست الكاش بل السيولة في الحسابات المراسلة

أوضح عنان السامري، مدير دائرة انضباط السوق في سلطة النقد الفلسطينية أن جوهر الأزمة لا يكمن في تكدس الشيكل كعملة نقدية بحد ذاتها، وإنما في نقص السيولة داخل الحسابات المراسلة اللازمة لتوريد السلع والخدمات الحيوية، وعلى رأسها المواد الغذائية. وحذر من أن استمرار البنوك في تلقي كميات زائدة من الشيكل دون إدارة دقيقة للمخاطر قد يعرضها لخسائر كبيرة بسبب تقلبات سعر الصرف، ما يدفعها لاتخاذ إجراءات احتياطية لحماية أصولها. لذلك، دعا إلى إعادة تركيز النقاش على كيفية توفير السيولة بالشيكل داخل الحسابات المراسلة ، بدلًا من التركيز على النقد المتراكم فقط. ودعا لتعزيز استخدام الدفع الالكتروني لتخفيض وضبط الشيكل المتكدس.

محمد سلامة: سلطة النقد والبنوك عمّقت الأزمة بسبب سياسة الإقراض بعملة الشيكل.. وتضخم الشيكل مسؤولية رسمية

انتقد المحلل المالي محمد سلامة، دور البنوك وأداء سلطة النقد وسياستها في التعامل مع أزمة تكدس الشيكل، معتبراً أنها ساهمت في تعقيد الوضع بدلاً من ضبطه، مضيفا أن بعض البنوك باتت تقرض أكثر مما تملك فعليًا، بل إنها بدأت بالاستدانة لتواصل الإقراض، مما يعكس خللًا خطيرًا في إدارة المخاطر.

كما حمّل وزارة المالية جزءًا كبيرًا من المسؤولية، بسبب ترسيخها للشيكل كعملة رئيسية في النظام المالي، وهو ما عزز اعتماد الناس على الشيكات والإيداع بالشيكل، في ظل سياسة حكومية تطلب ميزانيات بالدولار لكنها تُسددها بالشيكل، ما يخلق تشوهات كارثية، وفق تعبيره، خاصة في ظل توقف العلاقة المصرفية مع إسرائيل، وحاجة البنوك إلى تسوية التزاماتها بعملات أخرى. وإلى تغيير طريقة عمل البنوك الفلسطينية وإخضاعها لتقييمات صارمة في إدارة المخاطر، مؤكدًا أن ضبط القطاع المصرفي ضرورة لا تحتمل التأجيل.

عفانة: السلطة استدانت من جميع الصناديق بما يتنافى مع مبادئ الحوكمة الرشيدة!

أكد عضو الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة مؤيد عفانة، أن أزمة المقاصة تمثل التحدي الأكبر الذي يواجه الفلسطينيين في المرحلة الراهنة، مشيرًا إلى أن نسبة التحويل من أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بلغت 0% للشهر الثالث على التوالي، ما جعل الخزينة العامة تعتمد فقط على الإيرادات المحلية المحدودة، إلى جانب دعم مالي خارجي ضئيل لا يغطي الحد الأدنى من الالتزامات. ولفت إلى أن وزارة المالية استنزفت كافة الخيارات المتاحة، وأن السلطة استدانت من جميع الصناديق، بما يتنافى مع مبادئ الحوكمة الرشيدة.

وشدد عفانة على أن الحكومة، في ظل استمرار غياب أموال المقاصة، لن تتمكن من دفع 70% من رواتب الموظفين تحت أي ظرف، ما يستدعي تحركًا سياسيًا ووطنيًا عاجلًا. ودعا إلى تجنيد القيادة الفلسطينية بكاملها لمعالجة أزمة المقاصة، وممارسة ضغط فعلي على الدول الصديقة لتوفير دعم طارئ، إلى جانب السعي الجاد نحو إنشاء شبكة أمان عربية حقيقية.

وفي السياق الداخلي، شدد على ضرورة تطبيق خطة تقشف صارمة، تبدأ بإلغاء غالبية النفقات التطويرية وتخفيض النفقات التشغيلية إلى الحد الأدنى. وأكد أن استمرار ترحيل الأزمة المالية دون حلول حقيقية يعني تحميل أعبائها الكاملة للطبقات الفقيرة، في ظل دوام حكومي لا يتجاوز يومين أسبوعيًا، وانهيار تدريجي في قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية.

150% نسبة التكدس النقدي في المحطات وجهوزية التسويق الإلكتروني غير متوفرة

أوضح الأستاذ أسامة مصلح، رئيس نقابة شركات الغاز، أن الأزمة المالية وتكدس الشيكل انعكست بشكل حاد على المحطات، حيث وصلت نسبة التكدس النقدي إلى 150% بعد تشديد البنوك على إعادة الشيكات وتقليص التسهيلات وبالتالي تراكم كميات كبيرة من النقد داخل المحطات. وأشار إلى أن القطاع، باعتباره خدماتيًا، بدأ بالتعاون مع سلطة النقد في تطبيق الدفع الإلكتروني بشكل تجريبي في قطاع الغاز، إلا أن هذا النظام يحتاج إلى طواقم مجهّزة وبنية تحتية غير متوفرة حاليًا. وأكد أن عمولات الدفع الإلكتروني لا تغطي حتى تكاليف تعبئة الغاز، مما ينقل الأزمة من النظام المصرفي إلى محطات الوقود مباشرة.

وأوضح مصلح أن التعامل مع أزمة تكدس الشيكل يتطلب حلولًا عملية تبدأ بفرز القطاعات المختلفة وتحديد احتياجاتها ومدى اعتمادها على الشيكات أو النقد. ودعا إلى إعفاء بعض القطاعات من الإجراءات المشددة، ومنحها استثناءات خاصة، مثل قطاع المحروقات.

فيما عبّر نزار الجعبري، نقيب محطات الوقود، عن تفاقم معاناة القطاع في ظل أزمة السيولة، مؤكدًا أن البنوك لم تعد تقبل إيداع الشيكل من المحطات، ما يُعيق العمليات اليومية لمحطات الوقود. ولفت إلى أن الأزمة تجاوزت حدود المعقول، داعيًا جميع الجهات ذات العلاقة إلى تحمّل مسؤولياتها، وعدم ترك القطاعات الحيوية وحدها في مواجهة التداعيات الاقتصادية المتراكمة.

استخدام الدينار الأردني كبديل جزئي للشيكل

أشار أبي عابودي، مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء، إلى أن النقاشات الدائرة تتعامل مع الواقع المالي وكأنه منفصل عن جذوره السياسية، في حين أن الواقع في غزة – حيث وصلت نسبة التكييش إلى 55% – يكشف عمق الأزمة البنيوية. واعتبر أن ربط الاقتصاد الفلسطيني بالشيكل وبالبنية التحتية الإسرائيلية من ماء وكهرباء وغيرها هو نتيجة مباشرة للاحتلال، وأن الاستمرار في النظام القائم دون مراجعة سياسية عميقة هو ما أوصل الفلسطينيين إلى هذا الوضع الخانق.

كما دعا إلى فتح النقاش حول استخدام الدينار الأردني كبديل جزئي للشيكل، وتعامل بعض المؤسسات بالدينار أصلًا، مؤكدًا ضرورة العمل مع الجانب الأردني لإبرام اتفاقات داعمة لهذا التحول. وختم بالتحذير من مؤشرات خطرة تتعلق بقدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية.

د. نصر عبد الكريم: لا حلول مصرفية لأزمة الشيكل... والإصلاح السياسي هو المدخل الوحيد

أكد د. نصر عبد الكريم أن أزمة تكدس الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني ناتجة عن سببين متداخلين: الأول سياسي يتعلق بالاحتلال والعلاقة الاقتصادية المفروضة، والثاني مصرفي يتعلق بسلوك البنوك وسلطة النقد، مؤكدًا أن أي إعادة توزيع للأعباء داخل النظام المصرفي لن تنهي الأزمة بل ستعيد تدويرها فقط. واعتبر أن لا حل سحريًا لهذه الأزمة، وأن المفتاح يكمن في ضبط قنوات دخول الشيكل إلى الاقتصاد الفلسطيني، واقتراح وضع قيود صارمة على التدفقات النقدية، من بينها عدم تسجيل أي ملكية أو معاملة كبيرة ما لم تكن الأموال مثبتة في حساب مصرفي رسمي.

وشدد على أن معالجة أزمة أموال المقاصة، وكذلك أزمة رواتب الموظفين، لا يمكن أن تتم بدون إصلاح سياسي حقيقي، لأن الحلول التقنية والإدارية وحدها غير قادرة على تجاوز جذر المشكلة. وأكد أن الإصلاح السياسي هو المدخل الضروري الذي يمكن أن يقود لاحقًا إلى إصلاحات إدارية ومالية مستدامة، تنقذ الاقتصاد الفلسطيني من الوقوع في دائرة مغلقة من الأزمات المتكررة.

مسيف مسيف: الحل السياسي والتصدير للخارج مفتاح تخفيف أزمة الشيكل

في حين أكد الباحث الاقتصادي مسيف مسيف من معهد ماس، أن الحل لأزمة تكدس الشيكل لا يكمن في الحلول التقنية مثل الدفع الإلكتروني، الذي يخفف الفائض النقدي في البنوك لكنه لا يزيل الفائض من السوق أو من المواطنين. وأوضح أن تراكم الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني ناتج أساسًا عن هيكلية التجارة الحالية، حيث تعتمد فلسطين بشكل كبير على الاستيراد والتصدير مع إسرائيل، بالإضافة إلى التدفقات النقدية الكبيرة من الداخل المحتل والقدس.

وشدد مسيف على أن الحل الحقيقي يكمن في تغيير العلاقة التجارية مع إسرائيل، وتحويل التركيز إلى زيادة الصادرات الفلسطينية للأسواق الخارجية بعيدًا عن السوق الإسرائيلي، مما يساهم في ضخ سيولة نقدية جديدة ويقلل الاعتماد على الشيكل الذي يتكدس بسبب التجارة الداخلية مع الاحتلال.

الإصلاح السياسي هو المدخل الضروري الذي يمكن أن يقود لاحقًا إلى إصلاحات إدارية ومالية مستدامة

أجمع المشاركون في الجلسة على أن أزمة تكدس الشيكل منبعها سياسي ناتجة عن سياسات الاحتلال الهادفة لخنق الاقتصاد الفلسطيني والتحكم في مفاصله. وبالتالي، فإن أي حلول فنية، كإعادة توزيع السيولة أو التوجه نحو الدفع الإلكتروني، لن تعالج أصل المشكلة، حيث أوصى الخبراء بإطلاق حملة ضغط دولية لإجبار دولة الاحتلال على استلام عملتها المتكدسة، ومطالبة السلطة بتشريع آليات رقابية تحد من تداول الشيكل خارج القنوات الرسمية، والبدء بدراسة اعتماد عملات بديلة في السوق الفلسطيني.

كما أكد المشاركون على أن أزمة الشيكل وقرصنة أموال المقاصة تعكس مأزقًا اقتصاديًا وسياسيًا خطيرًا، يُهدد بنية النظام المالي الفلسطيني، ويؤسس لحالة من الانهيار البطيء ما لم تُتخذ إجراءات جذرية. وقد شكلت الجلسة مساحة ضرورية لبحث جميع التحديات، مع التأكيد أن الكفاح من أجل التحرر يجب أن يشمل التحرر من قيود بروتوكول باريس، ومن الهيمنة الإسرائيلية على مفاصل الحياة المالية والاقتصادية في فلسطين، مع التأكيد أن الإصلاح السياسي هو المدخل الضروري الذي يمكن أن يقود لاحقًا إلى إصلاحات إدارية ومالية مستدامة.

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا