دخلت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على أكثر من 90 دولة حيز التنفيذ.
وقبل لحظات من انتهاء المهلة التي حددها للدول للتفاوض على صفقات تجارية مع الولايات المتحدة، نشر ترامب على منصته "تروث سوشيال"، أن مليارات الدولارات تتدفق الآن إلى بلاده نتيجة للضرائب التي يفرضها على الواردات.
ويستخدم ترامب، الرسوم الجمركية، لتشجيع عودة فرص العمل والصناعات التحويلية إلى بلاده، من بين أهداف سياسية أخرى.
وفي سياق منفصل، هدد ترامب، الأربعاء، بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الهند إلى 50 في المئة ما لم تتوقف عن شراء النفط الروسي. كما هدد بفرض رسوم بنسبة 100 في المئة على رقائق الكمبيوتر المصنوعة في الخارج، في محاولة لدفع شركات التكنولوجيا للاستثمار بشكل أكبر داخل الولايات المتحدة.
وتهدف سياسات ترامب التجارية، عموماً، إلى إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي، الذي يرى أنه غير منصف للولايات المتحدة.
وكان خفض عجز الميزان التجاري، أي الفارق بين ما تشتريه الولايات المتحدة وما تبيعه، أحد وعود ترامب الرئيسية عند عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني.
وتعمل رسوم ترامب الجمركية من خلال فرض ضريبة على سلع يشتريها المستوردون الأمريكيون من دول أخرى. وقد يقوم هؤلاء المستوردون بنقل بعض أو كل التكلفة الإضافية إلى المستهلكين.
واتُهم ترامب بإدخال الاقتصاد العالمي في حالة اضطراب في الأشهر الأخيرة، رغم أن الأسواق أصبحت أكثر استقراراً في الآونة الأخيرة.
وبلغ متوسط معدل الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة أعلى مستوياته منذ نحو قرن، بفضل مجموعة ضرائب أخرى خاصة بالصناعة، تؤثر على منتجات مثل السيارات والفولاذ.
وأعلن عن الرسوم الجمركية، التي دخلت حيز التنفيذ الخميس، لأول مرة في أبريل/نيسان. ثم أُوقف تطبيق العديد منها لاحقاً وسط اضطرابات الأسواق، ولإعطاء الدول الأخرى مهلة لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة.
وحُددت مجموعة متفاوتة من الرسوم لمختلف البلدان، لكن ترامب عدلها مع مرور الوقت، وحدد في نهاية المطاف موعداً نهائياً للتفاوض في السابع من أغسطس/آب.
وتعد الاقتصادات المعتمدة على التصدير في جنوب شرق آسيا من بين الأكثر تضرراً.
وتواجه لاوس وميانمار، اللتان تركزان على قطاع الصناعة، بعضاً من أعلى الرسوم بنسبة تصل إلى 40 في المئة. وقال خبراء إن ترامب يبدو وكأنه استهدف دولاً تربطها علاقات تجارية وثيقة مع الصين.
لكن بعد أكثر من أربعة أشهر من حالة عدم اليقين، بدت الأسواق في آسيا وكأنها تقبلت الأخبار بهدوء، الخميس.
وسجلت مؤشرات الأسهم الرئيسية في اليابان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والصين ارتفاعاً قليلاً، في حين انخفضت في الهند وأستراليا.
وقال المختص الاقتصادي، بيرت هوفمان، من جامعة سنغافورة، إن المجموعة الأخيرة من الرسوم الجمركية ستوفر للدول بعض الاستقرار، بعد أشهر من الفوضى. وأضاف: "كان من المفترض أن يكون هذا هو الوضع"، مضيفاً: "الآن يمكن البدء في تحليل تأثير هذه التعريفات".
وتوصلت بعض الاقتصادات الكبرى – بما في ذلك المملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية – إلى اتفاقات تضمن أن البضائع المُصدرة إلى الولايات المتحدة ستخضع لمعدلات رسوم جمركية أقل مما هدد به ترامب في أبريل/نيسان.
كما توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق إطاري مع واشنطن، وافق بموجبه على فرض رسوم جمركية بنسبة 15 في المئة على البضائع القادمة من دول التكتل.
وقالت سويسرا إنها ستعقد اجتماعاً استثنائياً، الخميس، بعد أن فشل مسؤولوها في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
وتبلغ نسبة الرسوم الجمركية على السلع السويسرية 39 في المئة، في واحدة من أعلى المعدلات التي تفرضها الولايات المتحدة، وتهدد بضرب اقتصاد البلاد بشدة.
وفُرضت تعرفة جمركية بنسبة 20 في المئة على تايوان، الحليف الرئيسي لواشنطن في آسيا. وصرح رئيسها، لاي تشينغ تي، بأن هذه الرسوم "مؤقتة"، وأن المحادثات جارية مع الولايات المتحدة.
واستهدفت الرسوم الجمركية الأخرى التي كشف عنها ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض، أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة – الصين وكندا والمكسيك – رفقة مجموعة متنوعة من الأهداف السياسية في الاعتبار.
وخلال الأسبوع الماضي، رفع ترامب نسبة الرسوم الجمركية على كندا من 25 في المئة إلى 35 في المئة، قائلا إن البلاد "فشلت في التعاون" في الحد من تدفق الفنتانيل وغيره من المخدرات عبر الحدود الأمريكية. وتصر كندا على أنها تتخذ إجراءات صارمة ضد عصابات المخدرات.
لكن معظم الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة ستتجنب ضريبة الاستيراد بسبب معاهدة تجارية قائمة، وهي اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA).
في حين، عُلقت الرسوم الجمركية على المكسيك لمدة 90 يوماً أخرى، مع استمرار المفاوضات سعياً لإبرام اتفاق.
وفي الوقت نفسه، أجرت الولايات المتحدة والصين سلسلة محادثات في محاولة للتوصل إلى اتفاق لتمديد فترة تعليق التعريفات الجمركية التي تستمر 90 يوماً، والتي من المقرر أن تنتهي في 12 أغسطس/آب.
وترتبط بعض تحركات ترامب الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية بمحاولة منفصلة لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.
هدد ترامب، بفرض "رسوم ثانوية" تستهدف شركاء موسكو التجاريين إذا لم يتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار مع أوكرانيا بحلول الجمعة، على الرغم من عدم وضوح ما إذا كانت الإشارات الإيجابية التي تلت المحادثات بين واشنطن وموسكو، واحتمالية اجتماع بين ترامب وبوتين، ستؤثر على ذلك.
في غضون ذلك، هدد ترامب الأربعاء برفع نسبة الرسوم الجمركية على السلع الهندية إلى 50 في المئة اعتباراً من 27 أغسطس/آب، في الوقت الذي يضغط فيه على ثالث أكبر مستورد للطاقة في العالم للتوقف عن شراء النفط من روسيا.
بينما وصفت نيودلهي الخطوة بأنها "غير عادلة وغير مبررة وغير منطقية"، وتعهدت بحماية مصالحها.
وقال محلل الأسواق، فرحان بادامي، من شركة الخدمات المالية (إي تورو)، إن هذه الخطوة تمثل "تغييراً حاداً" في نهج ترامب تجاه موسكو، وهو ما قد يثير مخاوف بين دول أخرى في محادثاتها مع الولايات المتحدة.
وتحدث بادامي عن "احتمال أن تكون الهند الهدف الأول الذي ينوي ترامب معاقبته بسبب الحفاظ على علاقات تجارية مع روسيا".
والأربعاء، قال ترامب إنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 100 في المئة على أشباه الموصلات المصنعة في الخارج.
وجاء هذا التهديد، في وقت أعلنت فيه شركة أبل عن استثمار جديد بقيمة 100 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة، بعد ضغوط من البيت الأبيض لنقل المزيد من عمليات الإنتاج إلى داخل البلاد.
ويبدو أن كبار مصنعي الرقائق الذين استثمروا بشكل كبير في الولايات المتحدة سيتمكنون من تجنب الرسوم الجمركية الجديدة. وأكد مسؤولون في تايوان وكوريا الجنوبية في تصريحات منفصلة أن شركات TSMC و SK Hynix وسامسونغ ستكون معفاة من الرسوم الجديدة.
ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب بي بي سي للحصول على توضيح. واتصلت بي بي سي مع شركتي SK Hynix وسامسونغ، فيما رفضت شركة TSMC التعليق.