الحدث الفلسطيني
عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، جلسة نقاش حول مسودة تقرير بعنوان: "النزاهة والشفافية والمساءلة في عمل لجان الزكاة المركزية في الضفة الغربية وفاعلية دورها"، وذلك ضمن مساعيه الهادفة لتحسين الحوكمة وتعزيز بيئة النزاهة في عمل هذه اللجان، وتحسين إجراءاتها التنظيمية لحمايتها من مخاطر الفساد.
الزكاة كأداة تكافل وعدالة تخضع للمساءلة
افتتح الجلسة المدير التنفيذي لائتلاف أمان، عصام حج حسين، مؤكدًا على أهمية لجان الزكاة وبشكل خاص في هذه الظروف التي يمر بها شعبنا على كافة الصعد والتي اتسعت فيها شريحة الاسر المعوزة والفقيرة. اضافى الى البعد القيمي والاجتماعي لعمل لجان الزكاة بوصفه تجسيدًا لقيم العدالة والتكافل والتضامن بين المواطنين، مشددًا على أن أموال الزكاة هي أموال عامة، وتخضع لمبدأ المساءلة والمحاسبة، وتتطلب أعلى درجات الحوكمة والشفافية.
فجوات تشريعية وهيكلية تهدد النزاهة
استعرض الباحث أحمد أبو دية أبرز ما توصل إليه التقرير، مبينا وجود تحديات حقيقية تضعف من قيم الحوكمة والشفافية في عمل لجان الزكاة المركزية. ولفت إلى الحاجة الماسة إلى تحديث الأطر القانونية والتنظيمية، مشيرا إلى أن الانظمة والتشريعات ذات الصلة لم تُقرّ من مجلس الوزراء ولم تُنشر في الجريدة الرسمية، كما أن الإطار القانوني الحالي لا يواكب تطورات العمل ولا يعكس وضوحًا في العلاقة بين اللجان ووزارة الأوقاف أو مؤسسات الدولة الأخرى.
ثغرات في التدابير الوقائية ضد الفساد
أظهر التقرير أن التدابير الوقائية المتعلقة بقيم النزاهة تعاني من قصور واضح، أبرزها غياب سياسات فعالة لمنع تضارب المصالح، وعدم وجود مدونات سلوك خاصة باعضاء اللجان أو إجراءات للإفصاح عن الذمم المالية. كما تفتقر اللجان إلى سياسات لضبط الهدايا والمكافآت، مما يترك مجالًا لاحتمال إساءة استخدام الموارد العامة.
غياب للشفافية الرقمية وضعف في إتاحة المعلومات
رغم إعلان بعض ممثلي اللجان عن وجود سياسات للنفاذ إلى المعلومات، أظهر التقرير عدم وجود تعليمات مكتوبة أو نشر فعلي للبيانات المتعلقة بالموازنات أو تقارير الصرف أو التقارير المدققة. وأشار إلى أن معظم اللجان لا تمتلك مواقع إلكترونية رسمية، وتعتمد في تواصلها مع الجمهور على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي لا تكفي لنشر الوثائق الرسمية.
الرقابة قائمة... لكن المساءلة المجتمعية غائبة
أكد التقرير أن الرقابة على لجان الزكاة تُمارس من جهات عدة مثل ديوان الرقابة المالية والإدارية، والمدققين الداخليين، والإدارة العامة لصندوق الزكاة، إلا أن المساءلة المجتمعية تكاد تكون معدومة. كما أشار إلى تعدد آليات استقبال الشكاوى وافتقارها إلى نظام إلكتروني موحد، مع تسجيل هيئة مكافحة الفساد لحالات محدودة من الشكاوى وشبهات الفساد.
حيادية اللجان: بين التدخلات والهيمنة على التشكيل
رغم وجود معايير لتحديد المستفيدين من الزكاة وكذلك في عضوية اعضاء اللجان وفي عمليات التوظيف، إلا أن التقرير أشار إلى تعرض بعض اللجان لضغوط أو تدخلات خارجية في عملية ختيار الاعضاء وفي عمليات التوظيف. واعتبر الباحث أن حصر صلاحية تشكيل وعزل اللجان بيد وزير الأوقاف يضعف من ضمانات الاستقلال والحياد.
فعالية محدودة نتيجة نقص الموارد وتباين القدرات
خلص التقرير إلى أن لجان الزكاة المركزية تعاني من ضعف في الموارد البشرية والمالية، إضافة إلى تفاوت كبير بين اللجان في البنية التنظيمية وعدد الموظفين، حيث يعمل بعضها بموظف واحد فقط. كما أن عمل صندوق الزكاة في تقديم الخدمات بشكل موازٍ للجان يحدّ من فاعليتها.
نحو استقلال مالي وإداري يضمن النزاهة
أوصى التقرير بإصدار نظام قانوني جديد من مجلس الوزراء يحدد بوضوح طبيعة لجان الزكاة المركزية، ويوائم بين التشريعات الحديثة ويعالج الخلل في العلاقة بين اللجان ومؤسسات الدولة. كما شدد على ضرورة إعداد هياكل تنظيمية واضحة لهذه اللجان تحدد المسؤوليات بدقة وتضمن توزيعًا عادلًا للمهام.
وفي جانب النزاهة، أوصى التقرير بتعميم الأنظمة الحكومية المتعلقة بمنع تضارب المصالح وتنظيم قبول الهدايا على كافة اللجان، وإعداد مدونة سلوك خاصة لرؤساء وأعضاء اللجان، بالإضافة إلى مطالبة هيئة مكافحة الفساد بتطبيق نظام الإفصاح عن الذمم المالية على القائمين على هذه اللجان.
كما دعا إلى إعداد تعليمات واضحة للحفاظ على أموال وممتلكات اللجان ومنع استغلالها، وتفعيل التزام اللجان بتطبيق قانون الشراء العام، وتعزيز التواصل بينها وبين هيئة مكافحة الفساد لتبني سياسات إدارة مخاطر الفساد وتنفيذ تدريبات توعوية منتظمة.
أما في مجال الشفافية، فشدد التقرير على ضرورة إنشاء مواقع إلكترونية رسمية للجان الزكاة ونشر معايير الحصول على الخدمات، والموازنات، والتقارير المالية والرقابية، إلى جانب تبني سياسات فاعلة للنفاذ إلى المعلومات العامة.
وعلى مستوى المساءلة، أوصى التقرير بإنشاء وحدات رقابة داخلية فاعلة، وتطوير التعاون مع ديوان الرقابة المالية والإدارية، وتفعيل أدوات المساءلة المجتمعية بما يعزز ثقة الجمهور، إلى جانب تطوير نظام شكاوى موحد ومحوسب يسهل التفاعل معه.
ولتعزيز حيادية هذه اللجان، اقترح التقرير تطوير أدلة إجرائية موحدة تشمل آليات عمل واضحة تقلل من فرص التدخل والاجتهادات الشخصية، واعتماد آلية جديدة لتشكيل اللجان تضمن تمثيل المجتمع المحلي ومؤسسات المجتمع المدني.
أخيرًا، أكد التقرير أهمية دعم هذه اللجان ماليًا من خلال تحويل الأموال التي يجمعها صندوق الزكاة إلى اللجان بدلًا من تقديم الخدمات بشكل موازٍ لها، بالإضافة إلى توفير برامج تدريب وتأهيل للموظفين العاملين في هذه اللجان لتمكينهم من أداء مهامهم بفعالية ومهنية.
توضيحات حول آلية تشكيل اللجان وآليات المتابعة والرقابة
أوضح عبد الرحمن دار حسن، مدير لجان الزكاة في صندوق الزكاة الفلسطيني، أن هناك 14 لجنة زكاة مركزية تعمل على مستوى الوطن، إلى جانب نحو 36 لجنة مستقلة تمارس أعمالًا مماثلة من حيث المهام والخدمات. وأشار إلى أن تشكيل اللجان يتم بالتنسيق مع المجتمع المحلي عبر البلديات والمجالس المحلية ومديريات الأوقاف في المناطق المختلفة، ليصار لاحقًا إلى رفع الأسماء المقترحة إلى الجهات الأمنية للموافقة، وهو إجراء معمول به في كافة مؤسسات الدولة، بحسب تعبيره، ويجري على أساس تعليمات وزارية متّبعة وليست منصوصًا عليها بنص قانوني واضح.
وبيّن دار حسن أن صندوق الزكاة يتابع عن كثب كل تفاصيل العمل المالي والإداري لهذه اللجان، من تعيين الموظفين إلى استلام التقارير المحاسبية الدورية، عبر موقع إلكتروني داخلي يربط الصندوق باللجان. وتخضع دفاتر القبض لرقابة صارمة، إذ لا تُسلّم إلا للمحاسب المختص، وتُختم رسميًا من وزارة الأوقاف، كما تُسترجع بشكل موثق عند حل أي لجنة.
وفي ما يتعلق بالشكاوى، أقر دار حسن بوجود ضعف في متابعة بعض الشكاوى التي ترد من لجان الزكاة إلى الصندوق، معتبرًا أن هذا الملف يحتاج إلى ضبط وتنظيم أفضل، لا سيما ما يتعلق بشكاوى الجمهور أو ما وصفها بـ"الشكاوى العكسية". كما شدد على أن ضبط توزيع دفاتر الوصولات يمثل أحد أهم أدوات النزاهة والشفافية التي يوليها الصندوق أولوية خاصة، مؤكدًا أن الإجراءات المعتمدة تسري على جميع اللجان، سواء المركزية أو المستقلة.
إشكاليات بنيوية ومجتمعية في مسار تنظيم لجان الزكاة
أشار سمير الربعي، مدير لجنة زكاة جنوب الخليل، خلال الجلسة إلى أن بنية لجان الزكاة شهدت تحولات متكررة، بدأت بتجميع 92 لجنة محلية قائمة حتى عام 2017 ضمن 11 لجنة مركزية فقط، بهدف التوحيد التنظيمي وتسهيل الإدارة. غير أن هذه الخطوة واجهت لاحقًا تحديات مناطقية وعصبيات جغرافية حالت دون استكمال نموذج "مجلس الزكاة الأعلى" الموحد، خاصة في محافظة الخليل، ما أدى إلى العودة تدريجيًا إلى نموذج اللجان المحلية والمستقلة، مع بقاء اللجنة المركزية بمثابة مظلة إشرافية عامة. كما أكد أن العامل الحاسم في القدرة على تشجيع المواطنين على الزكاة وتقديم المساعدات يرتبط بمقدار الثقة باللجان، إذ ترتبط التبرعات غالبًا بأسماء الأشخاص العاملين في اللجان لا بهيكلها المؤسسي، ما يعكس ضعفًا في البنية المؤسسية للعلاقة مع المتبرعين.
إشكاليات مرتبطة بالحسابات البنكية للأيتام وآليات التوريد
كما أشار الربعي إلى صعوبات حقيقية في قضية الحسابات البنكية لكفالات الأيتام، حيث تُفرض رسوم وخصومات مصرفية على مبالغ زهيدة، ما يؤثر مباشرة على المستحقين، دون استجابة تذكر من سلطة النقد أو البنوك. وفي موضوع العطاءات والتوريدات، اشار الى أن اللجان لا تمانع تطبيق القوانين الناظمة، لكن بعض مشاريعها الإغاثية، خصوصًا في حالات الطوارئ أو الموسمية كشهر رمضان او عيد الاضحى، هناك صعوبة مرتبطة بالاطار الزمني يحد من القدرة على اخضاع التوريدات أو العطاءات لآليات قانون الشراء العام التي تتطلب وقتًا طويلًا، مما يؤدي إلى خسارة التمويل أو تعطيل التنفيذ. مؤكدًا على الحاجة إلى مقاربة خاصة لمشاريع الزكاة، تراعي طبيعتها العاجلة وظروف تنفيذها الميداني. واختتم بالإشارة إلى أن اللجان لا تعارض الرقابة أو المساءلة، لكنها تطالب بمواءمة التشريعات مع خصوصية عملها، بعيدًا عن القياس التقليدي المطبق على الوزارات والمؤسسات الحكومية.
غياب هيكل تنظيمي موحد للرواتب
أوضح الأستاذ سمير أبو هليل من لجنة زكاة جنوب الخليل، أن غياب هيكل تنظيمي موحد للرواتب في لجان الزكاة يشكل تحديًا كبيرًا أمام استقرار العمل المؤسسي، حيث تُصرف الرواتب من ميزانية كل لجنة بشكل مستقل، مما يؤدي إلى تفاوت في قدرة اللجان على تأمين مكافآت نهاية الخدمة للموظفين. وأشار إلى أن اعتماد الرواتب والمستحقات على أموال الزكاة فقط، دون وجود دعم حكومي أو صندوق موحد، يترك الموظفين في حالة من الهشاشة المالية وغياب الأمان الوظيفي. كما شدد على ضرورة وجود إدارة مهنية دائمة في كل لجنة يقودها مدير تنفيذي، في ظل عدم تفرغ رؤساء اللجان، ما يستدعي فصل العمل الإداري عن الدور التطوعي.
رحال: أموال الزكاة مال عام ويجب إخضاعها للشفافية والمساءلة
انتقد الدكتور عمر رحّال، مدير مؤسسة شمس لحقوق الإنسان، غياب الوضوح في الإطار القانوني الذي يُنظّم عمل لجان الزكاة، ما يُضعف من المحاسبة المؤسسية. وأشار إلى أن الثقة في لجان الزكاة تتأثر بغياب الشفافية، مؤكدًا أن المواطنين من حقهم أن يعرفوا كيف وأين تُصرف أموال الزكاة، ومن هم المستفيدون منها، وعلى أي أسس يتم اختيارهم، وما إذا كانت هناك اعتبارات سياسية أو تنظيمية تتدخل في عمليات التوزيع.
وشدد رحّال على أهمية نشر التقارير المالية بشكل دوري، موضحًا أن وجود رقابة خارجية من شركات تدقيق لا يُغني عن اطلاع الجمهور على بيانات واضحة حول مخصصات التعليم والصحة والأيتام وغيرها من مصارف الزكاة، ما دام المال المُدار هو مال عام.
طهبوب: غياب الإطار القانوني لصندوق الزكاة يعطل استقلاليته ويؤثر على كفاءته
بينما أكد الأستاذ حسان طهبوب، مدير عام صندوق لجان الزكاة السابق، أن الجهود التي بُذلت منذ عام 2007 لإنشاء صندوق زكاة مستقل ماليًا وإداريًا لم تُكلّل بإصدار قانون ينظم عمله، موضحًا أن "صندوق الزكاة" لا يزال يعامل معاملة "إدارة أو دائرةعامة"، رغم أنه يُمارس عمله فعليًا كصندوق. هذا الوضع الملتبس في طبيعته الادارية والمؤسسية، يخلق إرباكًا في العلاقة مع لجان الزكاة، ويحدّ من فعالية التنظيم والمتابعة.
وبيّن طهبوب أن النموذج الأردني في إدارة الزكاة يمكن أن يشكّل حلاً لمعظم التحديات التي تواجههم. كما لفت إلى صعوبات عملية، مثل نقص المستودعات لتخزين الزكاة العينية، ووجود ثغرات في ضبط تضارب المصالح، وفي ادارة ملف سفر الأعضاء. وأكد أن الثقة المجتمعية باللجان يجب دعمها بالعديد من الاجراءات الاخرى لتعزيز الشفافية، داعيًا إلى تحديد مدة عضوية اللجان وإجراء تدوير منتظم، مشددًا على ضرورة إصلاح الهيكل التنظيمي وتوفير إطار قانوني واضح يضبط العلاقة بين الصندوق واللجان.
أجمع المشاركون في الجلسة على ضرورة إصلاح الإطار القانوني الناظم لعمل لجان الزكاة، والتوصية بانشاء صندوق زكاة مستقل ماليًا وإداريًا، بما يضمن تعزيز الحوكمة ويحد من التدخلات والتضارب في الصلاحيات. ويأتي تناول ائتلاف أمان لموضوع الزكاة في هذا السياق، حرصًا على صون أموال الزكاة باعتبارها مالًا عامًا، وتعزيز ثقة المواطنين في إدارتها، وذلك في إطار دوره الرقابي والتوعوي لضمان النزاهة والشفافية في إدارة الشأن والمال العام.