آخر الأخبار

وفاة الاقتصادي الفلسطيني والمفكر العربي الكبير، بروفيسور فضل مصطفى النقيب

شارك

الحدث الاقتصادي

فقدت فلسطين وأوساطها الأكاديمية والبحثية اليوم الدكتور فضل مصطفى النقيب، الذي توفي في كندا البارحة بعد مسيرة علمية ووطنية حافلة بالعطاء والتميز. كان فضل النقيب ضمن فريق البحث المؤسس في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، مشرفا على، ومنتجاً لعمل المعهد في وحدة سياسات المالية العامة. أسهم من خلال رؤيته العميقة وخبرته الغنية في ترسيخ القواعد المنهجية للبحث العلمي للاقتصاد السياسي في فلسطين، مضيفاً كماً ونوعاً إلى الإرث الفكري الاقتصادي التقدمي الذي مثله البروفيسور يوسف صايغ في جيل سابق، وبقي النقيب طيلة حياته سنداً معرفياً وداعماً لمسيرة المعهد الوطنية والأكاديمية.

وُلد الدكتور فضل النقيب في حارة الجامع الأحمر في مدينة صفد عام 1940، قبل أن يلجأ مع عائلته إلى سوريا إثر نكبة عام 1948. أتم تعليمه المدرسي في دمشق، وعايش خلال هذه الفترة، بدايات تأسيس حركة القوميين العرب، وانتسب لها، إذ تعرف إلى الدكتور جورج حبش، والعديد من قيادات الحركة الأوائل عام 1954 كما يذكر هو في إحدى مقالاته حول مسيرته الشخصية والسياسية. نشط في صفوف الحركة، خاصة ضمن مجلة "الرأي" التي بدأ "الحكيم" إصداراها من عمان، ثم من دمشق. كما تعرف الدكتور فضل إلى الشهيد الأديب غسان كنفاني، وجمعتهما علاقة أدبية ووطنية خاصة، يوثقها الدكتور فضل في العديد من المقالات بالعربية والإنجليزية، كما ألف كتاب سيرة بعنوان "هكذا تبدأ القصص. هكذا تنتهي"، يوثق فيه ما عايشه من تجربة الشهيد كنفاني والشهيد باسل الكبيسي.

انتقل الدكتور فضل خلال ستينات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات (الذي بقي عشقه الأكبر ربما طيلة حياته) والماجستير في الاقتصاد، ثم نال شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من كندا. عمل الراحل أستاذاً لمادة الاقتصاد الرياضي في جامعة واترلو الكندية حتى تقاعده في عام 2005، حيث عُين لاحقاً أستاذاً فخرياً في الجامعة. وترك بصمات عميقة في مجال البحث العلمي من خلال أبحاثه المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية في قضايا التنمية والاقتصاد السياسي والصراع العربي-الإسرائيلي.

انضم فضل النقيب إلى الفريق البحثي المؤسس للمعهد بعد إنشائه عام 1994، ليراكم ويثري سجله البحثي في الاقتصاد الفلسطيني الذي تكون خلال ثلاثة عقود، من خلال عمله الاستشاري مع هيئات دولية (مثل دراسته الرائدة، بل التأسيسية، الصادرة عن منظمة الأونكتاد عام 1998 حول آفاق التعاون الإقليمي الفلسطيني). هنا، كان أول من حلل ثغرات اتفاقية باريس وضرورة الابتعاد عنها قائلا:" إن اندماج الاقتصاد الفلسطيني مع الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال اتحاد جمركي وتشغيل العمالة الفلسطينية في إسرائيل، قد يؤدي إلى وضعٍ غير محمود يُؤثر فيه الاستقطاب سلبا على آفاق التنمية الفلسطينية. لذا، قد تستدعي مصالح الاقتصاد الفلسطيني على المدى البعيد إعادة النظر في الاتحاد الجمركي، لغايات توجيه النظام التجاري الفلسطيني بشكل مستقل بعيدا عن السياسات الحمائية للاقتصاد الإسرائيلي، التي لا تتناسب مع الهياكل الاقتصادية الفلسطينية".

إلى جانب خفة روحه وحسه الساخر (خاصة لمن يحبهم)، تميّز النقيب بصفاته الإنسانية والوطنية النبيلة؛ فقد كان قامة علمية من زمن آخر، متجذراً في قضيته، صادقاً في التزامه بقضايا شعبه ومؤمناً بالعروبة والمقاومة، ومنارة للمعرفة النقدية الجادة. ترك الدكتور فضل إرثاً فكرياً ثرياً في سلسلة من الكتب والأبحاث، كان من أبرزها: "الصهيونية الاقتصادية: دور الاقتصاد في الصراع العربي-الإسرائيلي"، و"الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل"، و"الدفتر المرجعي للاقتصاد الكلي"، إلى جانب مئات المقالات والدراسات والأبحاث المنشورة من ماس.

بهذه المناسبة الأليمة، يستذكر معهد ماس آخر إسهامات الدكتور فضل النقيب، والمتمثلة في تقديمه محاضرة يوسف صايغ التنموية السنوية لعام 2022 بعنوان: "قراءة في حاضر ومستقبل التنمية الاقتصادية في المشرق العربي"، والتي تناول فيها التحديات البنيوية التي تواجه مسارات التنمية في المنطقة، وهي محاضرة لا تزال ذات صلة وثيقة بواقعنا الراهن. تكريماُ لإرثه ووفاءً لرسالته، يعيد معهد ماس نشر ملخص هذه المحاضرة التي جسدت فكر الفقيد وإيمانه العميق بحق الشعوب العربية في التنمية، والحرية، والكرامة. كما يأمل المعهد أن ينظم حفلا تأبينيا تكريما لروح الراحل، وسجله الوطني والقومي، سيعلن عن توقيته وتفاصيله لاحقا.

رحم الله الدكتور فضل النقيب، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا جميعا السير على درب العلم والنزاهة والمعرفة التي جسدها طوال حياته.

"إنا لله وإنا إليه راجعون"

الحدث المصدر: الحدث
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا