ترجمة - محمد بدر
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، مقالة تحت عنوان "النصر المنتظر على حماس لم يتحقق، ماذا الآن؟". كاتب المقالة هو العميد احتياط في جيش الاحتلال أودي ديكل الذي يدير حاليًا برنامج "من الصراع إلى التسويات" في المعهد. وشغل منصب رئيس طاقم المفاوضات مع الفلسطينيين تحت رئاسة الحكومة التي ترأسها إيهود أولمرت، في إطار عملية أنابوليس. كما شغل العديد من المناصب في جيش الاحتلال الإسرائيلي في مجالات الاستخبارات، والتعاون العسكري الدولي، والتخطيط الاستراتيجي. وكان آخر منصب له في جيش الاحتلال رئيسًا للواء الاستراتيجية في قسم التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش. وقبل ذلك شغل منصب رئيس شعبة العلاقات الخارجية، وقائد وحدة التنسيق مع الأجانب في قسم العمليات، ورئيس قسم البحث في دائرة الاستخبارات في سلاح الجو. وفيما يلي نص المقالة مترجما:
إسرائيل لم تحقق أهداف الحرب في حربها ضد حركة حماس والمتمثلة بالقضاء الكامل على قدراتها العسكرية والإدارية. الحركة نجت وصمدت، رغم أن حجم الضربات التي تلقتها يفوق إنجازاتها. لذلك، في المرحلة الحالية، يجب على إسرائيل التركيز على جهدين رئيسيين: استكمال الصفقة لإعادة الأسرى بسبب الالتزام الأخلاقي داخل المجتمع الإسرائيلي تجاه هذه القضية؛ وتعزيز فكرة تهجير سكان قطاع غزة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخلق مشاركة فعّالة من الدول العربية في استقرار وإعادة إعمار قطاع غزة ومنع حكم حماس فيه.
في وثيقة "استراتيجية الجيش الإسرائيلي" (2015)، يُعرف النصر بأنه "الوفاء بأهداف الحرب التي حددتها القيادة السياسية والقدرة على فرض شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار والترتيبات السياسية والأمنية بعد الحرب". لم تتحقق هذه الأهداف في حرب "السيوف الحديدية". صحيح أنه تم تحرير بعض الأسرى، قُتل أكثر من 17,000 من المقاتلين أي نصف القوة المسلحة لحماس، تم القضاء على القيادة العسكرية والمدنية للحركة، تم تفكيك معظم الهياكل العسكرية للذراع العسكرية لها، ودُمرت معظم أراضي قطاع غزة تمامًا. ومع ذلك، لم تحقق إسرائيل أهداف الحرب التي حددتها القيادة السياسية: لم تُدمّر القدرات العسكرية والإدارية لحماس، وتحرير الأسرى، حتى الآن، هو جزئي فقط. الاتفاق لإطلاق سراح الأسرى لا يعكس فرض إسرائيل شروطها لوقف إطلاق النار، بل تسوية مع مطالب حماس التي تسعى للبقاء بأي طريقة كانت. الواقع المطلوب، الذي فيه لا تسيطر حماس على قطاع غزة ولا يشكل القطاع تهديدًا لإسرائيل، يبدو بعيدًا عن التحقيق في الظروف الحالية.
حتى بالنسبة لحماس، حجم الضربات التي تلقتها يفوق إنجازاتها: حماس قتلت 1,163 مستوطنا وجنديا في يوم واحد وجرحت الآلاف، سيطرت على مستوطنات إسرائيلية لساعات ودمرتها، أسرت 251 مدنيًا وجنديًا، وتقوم بتبادلهم كوسيلة للضغط على إسرائيل لإطلاق سراح مئات من الأسرى المؤبدات، حماس تهرب أسلحة، وكل الوسائل التي كانت تهدف لمنع تعزيزها قد تآكلت قبل أن يتم إنشاؤها، الحركة تعد قنابل وعبوات من بقايا قذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي، جناحها العسكري يعيد تدريجيًا تشكيل كوادره العملياتية من خلال تجنيد عناصر جدد، نحو نصف بنية كتائب القسام التحتية تحت الأرض صمدت ولم يتم استهدافها، حماس تدير المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، منذ بداية وقف إطلاق النار أعادت تفعيل السلطات المحلية في القطاع، أعضاء حماس يظهرون حضورهم في جميع أنحاء القطاع، الشرطة المدنية التابعة لحماس منتشرة في مناطق قطاع غزة وتظهر حضورًا، تتجدد نشاطات أجهزة الأمن الداخلي من خلال التحقيق مع المتعاونين مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، فقد تلقت حماس ضربة عسكرية هائلة؛ لم تتمكن من إشعال حرب إقليمية ضد إسرائيل، بل أدت إلى إضعاف المحور الإيراني، لم تحرر الأراضي المحتلة، تم اغتيال قادة صفها الأول، تم تدمير بنى تصنيع الأسلحة الخاصة بها، رسميًا، يتم الإبلاغ عن أكثر من 46 ألف قتيل، منهم حوالي 17,000 من أعضاء حماس، 80% من القطاع دمر ولم يعد صالحًا للسكن، من المتوقع أن تستمر ظروف الحياة غير الممكنة لسنوات، طالما أن حماس تسيطر على القطاع، فإن فرص إعادة بنائه ضئيلة، وفي كل الأحوال ستكون فترة إعادة البناء طويلة جدًا.
دعاية حركة حماس في ذروتها، والرسائل الرئيسية: فكرة الجهاد أثبتت نفسها؛ حماس أذلت إسرائيل وألحقت بها هزيمة عسكرية لم تشهدها منذ تأسيسها، لا تزال الحركة تسيطر عسكريًا ومدنيًا على قطاع غزة. حاليًا، أفشلت عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، تجري عملية تبادل للأسرى يفرج فيها عن أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين، أجبرت إسرائيل على توقيع صفقة معها بينما السلطة الفلسطينية وحركة فتح بعيدتان عن تحقيق أي إنجاز مماثل. في حفل تسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر في دير البلح كُتب "نحن اليوم التالي" في تأكيد على أن حكم حماس لا يزال قائمًا وسيبقى ساريًا.
ورغم أن خطة إطلاق الأسرى مقابل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، التي وافقت عليها إسرائيل، تنفذ المبادئ التي تقضي بعدم ترك المدنيين والجنود خلفهم، الضمان المتبادل، وواجب إطلاق سراح الأسرى، إلا أن لهذه الخطة أيضًا تداعيات سلبية على إسرائيل: تشكل اعترافًا صريحًا بأن إسرائيل لم تحقق النصر الكامل، توفر لحماس الأوكسجين الضروري لاستمرار حكمها وإعادة استقرارها، بموجب الخطة، يتم إطلاق سراح أكثر من ألف أسير، ومن المرجح أن يعود البعض منهم إلى القتال ضد إسرائيل وتسمح لحماس بالاحتفاظ بعدد من الأسرى الذين يشكلون ضمانًا لاستمرار بقائها.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا توجد بدائل أفضل أمام إسرائيل من مواصلة تنفيذ الخطة – توسيع المرحلة الأولى و/أو التقدم إلى المرحلة الثانية، التي لن تتخلى عنها حماس لأنها يجب أن تشمل إنهاء الحرب وضمان استمرار وجودها.
فكرة ترحيل سكان قطاع غزة التي طرحها الرئيس ترامب أحدثت تحولًا في النقاش وقد تفرض شروطًا لإنهاء الحرب. بالنسبة للفلسطينيين، تتلاقى فكرة الترحيل مع ذكرى النكبة (1948) والنكسة (1967). الشعور بين معظم الفلسطينيين هو مندهش ومرعوب من إمكانية تركهم لمصيرهم ومن أن الترحيل يصبح مسارًا شرعيًا. في الوقت نفسه، وبالنظر إلى القلق الشديد من مصر والأردن ودول عربية أخرى من الهجرة الجماعية لسكان غزة إلى أراضيهم، تظهر لأول مرة فرصة لتجنيدهم للتدخل الفعّال في استقرار قطاع غزة وإعادة إعمارها، مع تنفيذ شرط ألا تسيطر حماس بعد الآن على القطاع.
في هذا السياق، يجب على إسرائيل أن تضع مواقف واضحة بشأن التقدم نحو المرحلة الثانية من خطة إطلاق الأسرى وربطها بحالة إنهاء الحرب (المعروفة بـ "اليوم التالي")، وهو ما تجنبت تحديده حتى الآن. يجب على إسرائيل تقديم الشروط الضرورية التالية:
● إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح: يجب على إسرائيل عدم السماح بإعادة إعمار قطاع غزة طالما أن حماس تسيطر عليه ولا يتم تفكيك جناحها العسكري. يجب وضع معادلة إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح، حيث تكون لإسرائيل القوة والحق في فرض نزع السلاح من خلال حرية العمل العسكري.
● إقامة حكومة بديلة في القطاع: تعمل مصر بمساعدة عربية على إنشاء إدارة تكنوقراطية (لجنة مدنية) في القطاع، تكون مكونة من سكان محليين دون أن تضم كوادر من حماس. يجب على إسرائيل أن تطالب بأن تدير هذه الإدارة الشؤون المدنية في القطاع، وتوزع المساعدات الإنسانية، وتدير السلطات المحلية، وتؤسس قوة شرطة تحت رعاية عربية للحفاظ على النظام العام. يمكن تحقيق عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة فقط بعد تنفيذ إصلاحات شاملة وضرورية في السلطة وإثبات ملاءمتها، وفقًا لرؤية رئيسها محمود عباس "سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد".
● ضمانات دولية: يجب ضمان أن الإدارة التكنوقراطية الخالية من كوادر حماس هي التي ستحتفظ بالاحتكار على القوة، تحت مراقبة لجنة دولية وبمساعدة الدعم الخارجي المطلوب. في الوقت نفسه، يجب الاعتراف الدولي بحق إسرائيل في اتخاذ إجراءات لمنع نمو وتنامي حماس، وتنفيذ نزع السلاح، وإحباط التهديدات. في المجتمع الدولي وبين الدول العربية المعتدلة، هناك اعتراف واسع بأن إسرائيل هي القوة الوحيدة القادرة والراغبة في منع بالقوة نمو وتنامي حماس. لذلك، يجب تضمين اتفاق رسمي يسمح لإسرائيل بحرية العمل العسكري وتترك القوة التنفيذية في يد الجيش الإسرائيلي.
● إصلاح النظام التعليمي: يجب إقامة نظام تعليمي جديد في القطاع بدلاً من نظام الأونروا. يمكن لأوروبا، التي تمول النظام التعليمي الفلسطيني منذ سنوات، أن تلعب دورًا رئيسيًا في تأسيسه، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة التي لديها خبرة ناجحة في التعليم ضد التطرف.
● مراقبة الحدود: إقامة آليات مراقبة وحاجز أمني متقدم وفعّال في محور فيلادلفيا ومعبر رفح. في هذه الحالة أيضًا، سيكون لدى إسرائيل الحق في إحباط تهريب الأسلحة.
● الحدود الأمنية: الحفاظ على مساحة أمنية/حاجز فاصل بين أراضي القطاع ومستوطنات الغلاف، مما يعزز الأمن ويزيد من شعور الأمان لسكان النقب الغربي.
● العودة إلى القتال - إذا استمرت حماس في السيطرة بعد إعادة الأسرى واستعادت قوتها العسكرية، ستعود إسرائيل إلى الحملة العسكرية ضد حماس من خلال ضربات جوية وغارات عميقة في قطاع غزة.
الملخص أن إسرائيل مطالبة باتخاذ قرار يجمع بين التقدم في مسار إعادة الأسرى مع تحديد صورة النهاية في قطاع غزة دون حكم حماس، مع التركيز على إنشاء إدارة تكنوقراطية بدعم ومساعدة قوة دولية - عربية. للقيام بذلك، يجب عليها الاستفادة من إعلان الرئيس ترامب، الذي كان بمثابة "جرس إنذار" لدول العالم العربي، وعلى رأسها مصر والأردن، بسبب التداعيات المتوقعة لعبور العديد من الفلسطينيين من غزة إلى أراضيها على استقرارها الداخلي، مما أدى إلى توحدها لتشكيل موقف عربي مشترك بشأن مستقبل القطاع. تجسدت يقظتها في لقاء ممثلي السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر، استعداداً للقمة العربية التي ستعقد في القاهرة في 27 فبراير.
إن يقظة الدول العربية تقدم لإسرائيل فرصة: تحفيزها للعمل بحزم (على عكس الماضي) ما سيؤدي إلى إنهاء قضية الأسرى في يد حماس، ووضع حد لحكم الحركة في قطاع غزة، وتأسيس قوة عربية مشتركة لاستقرار وإعادة إعمار القطاع على افتراض أن حماس ستجد صعوبة في العمل ضد العرب، بالإضافة إلى دعم إدارة تكنوقراطية فلسطينية تُؤسس في القطاع كحل للتحدي الذي تطرحه فكرة الهجرة لسكان غزة.