قال تقرير أعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن "المزارع الرعوية" هي صناعة استعمارية رائجة في ظل ظروف الحرب الوحشية التي تشنها دولة الاحتلال على شعبنا في قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، للاستيلاء على مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية في المناطق المصنفة (ج)، برعاية سلطات الاحتلال.
وأضاف المكتب في تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر، اليوم السبت، "هناك أدلة متزايدة تؤكد أن البؤر الاستعمارية الزراعية والرعوية أصبحت أرضا خصبة للعنف المتطرف".
وتطرّق إلى محاولات المستعمرين تضييق الخناق على المواطنين، وشحن القوة العنيفة من المراهقين في المزارع الرعوية، الذين يجري تأهيلهم، بأيديولوجيا الكراهية، والعنف، والإرهاب، مثلما حدث في مزرعة "زوهار" في غور الأردن، التي انطلق منها مستعمرون، بعضهم قاصرون، لمهاجمة مدير مدرسة فلسطينية، و"مزرعة همكوك" قرب رام الله، ومزرعة "ينون ليفي" في جنوب جبل الخليل.
وأشار التقرير إلى أن البؤر الأولى الزراعية الاستعمارية أقيمت في ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، بينها: مزرعة "هار سيناي" جنوب جبل الخليل، ومزرعتان الى الشرق من مدينة نابلس على أراضي روجيب، وبيت دجن، وبيت فوريك، وسالم، وعزموط، هما: "ابريران" في تلال مستعمرة "ايتمار"، و"سكالي" الى الشرق من مستعمرة "ألون موريه" في اتجاه شفا الغور.
ونوه إلى أن العدد آخذ بالارتفاع مع مرور الوقت، حيث وصل بداية عام 2017 الى نحو 23 مزرعة في أرجاء الضفة الغربية، وفي نهاية عام 2021 وصل إلى نحو 60 مزرعة، أما اليوم فعددها يتجاوز 90 مزرعة، تسيطر على نحو 650 ألف دونم، أي نحو 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية.
وأوضح أن المساحات الممتدة التي تسيطر عليها هذه البؤر الاستعمارية هذه الأيام باتت تساوي حسب مصادر اسرائيلية مساحة مدن: ديمونة، والقدس، وبئر السبع، وعراد، وإيلات.
وقال: هذا المشروع الاستعماري بادر إليه وفق مصادر اسرائيلية المدعو زئيف حيفر (زمبيش)، الرجل الذي بابه مفتوح لدى نتنياهو، كما يقول كثيرون، ويروا فيه أنه العقل المدبر لمشروع السيطرة على أراضي الفلسطينيين.
هذا الرجل يقف على رأس جماعة "أمانا"، الذراع التنفيذي الرئيسي لإقامة البؤر الاستعمارية.
جريدة "هآرتس" نقلت عنه في مقابلة له مع مجلة "ندلان يوش" (عقارات المناطق) قوله، إن "الحفاظ على الأرض المفتوحة هي المهمة المركزية لـ"أمانا"، و"الوسيلة الأساس التي نستخدمها هي المزارع، التي تحتل 2.5 ضعف كل مساحة الأراضي التي تحتلها مئات المستعمرات مجتمعة".
"أمانا" هذه جمعية استعمارية يقودها زئيف حيفر، الذي كان ارهابيا يمينيا متطرفا في الحركة السرية اليهودية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وأُدين في عام 1984 لمشاركته في محاولات اغتيال رؤساء البلديات في الضفة عام 1980، لكنه في السنوات اللاحقة أصبح أكثر نفوذا، منحته دولة الاحتلال أعلى جوائزها الرسمية (جائزة اسرائيل) وهو الآن أمين عام الجمعية، المسؤولة عن بناء معظم البؤر الاستعمارية الأكثر عنفا في الضفة الغربية. تقدر قيمة أصولها بـ600 مليون شيقل (حوالي 158 مليون دولار حاليًا). ومع ذلك لم يكن بإمكانها بمفردها أن تبعث الحياة في مثل هذا المشروع الاستعماري.
فقد جعلت دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة من المزارع الاستعمارية أداة من أدوات سيطرتها على الأرض، وأغدقت عليها بسخاء غير عادي، ومنحتها عشرات الملايين من الشواقل بشكل مباشر، ومن قبل الوزارات الحكومية، والسلطات المحلية للمستعمرات، وقسم الاستيطان التابع للمنظمة الصهيونية العالمية، ومن الصندوق القومي اليهودي "كيرن كييمت".
في السنوات الأخيرة، حولت دولة الاحتلال "المزارع الرعوية" إلى مشروع عام، وأخذت تنفق عليه بسخاء، وعشرات ملايين الشواقل حولت إليها من الوزارات الحكومية الإسرائيلية، والسلطات المحلية في المستعمرات.
وبالتوازي مع هذا، أعلن وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش أنه يعمل على إضفاء الشرعية (الاحتلالية) من ناحية قانونية عليها. وتعمل دولة الاحتلال على إعطاء القروض لإقامتها، وتخصيص عقود لمناطق الرعي، وربطها بالبنى التحتية، وتمويل حمايتها، وشراء عتاد لها، وتسليحها، وتقدم لها المنح، مثل: "منح الرعي"، وحتى "منح الاستثمارات التجارية".
وحسب جريدة "هآرتس"، في عددها الصادر بتاريخ الثالث عشر من اكتوبر الماضي، فإن 6 وزارات حكومية إسرائيلية على الأقل تشارك في تمويل وتشجيع هذا المشروع الاستعماري الخطير.
وترى دولة الاحتلال هذه المزارع وسيلة ناجحة للسيطرة على أوسع مساحة ممكنة من الأراضي بالحد الأدنى من القوة البشرية.
في الأعوام 2020–2022 قدمت دولة الاحتلال منحا لـ13 صاحب مزرعة بمبلغ متراكم يبلغ 1.6 مليون شيقل.
في حكومة نفتالي بينيت (2021-2022)، تم إقرار خطة عمل سنوية لدائرة الاستيطان، تضمنت بندا يعنى بـتخطيط بنى تحتية حيوية وعناصر أمن للاستيطان الفتي (البؤر والمزارع).
وتحت هذا البند الملتوي، حولت الدائرة إلى مزارع الرعاة مبلغ 15 مليون شيقل في 2023، وفي 2024 تضاعفت الميزانية ثلاث مرات، فبلغت 39 مليون شيقل أخرى، كما حصلت 68 مزرعة على التمويل في 2023 بمبلغ 7.7 مليون شيقل من أجل شق طرق. هذه الطرق الترابية تعد شريانا حيويا للمزرعة، ومن خلالها يتاح للمستعمرين التوسع إلى أعماق المنطقة المستهدفة.
ليست مؤسسات دولة الاحتلال وحدها هي التي ترعى هذا المشروع الاستيطاني الخطير أو السلطات المحلية في المستوطنات او دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية، بل إن الصندوق القومي اليهودي "الكيرن كييمت" داعم رئيسي لهذا المشروع الاستيطاني، عبر مشاركته في مشاريع من أجل "شبيبة في خطر"، التي نمت في السنوات الأخيرة كوسيلة ملتوية وخطيرة لتبييض المزارع تحت غطاء مهمة اجتماعية تقدم خدمات لتأهيل فتية تسربوا من المدارس ويعيشون على هامش المجتمع.
فمن خلال وجودهم في مزرعة برعاية إطار "تعليمي" أو "تأهيلي"، يعمل الصندوق مع مؤسسات في دولة الاحتلال لمنحهم شرعية تتجاوز في مغزاها السياق المحلي، فيحول لهم بالتعاون مع بعض الوزارات ميزانيات مجزية، يندرج بعضها فيما يسمى "برامج الإثراء"، التي تقترحها وزارة التعليم على المدارس.
ومن خلال هذا الدور، أصبح الصندوق القومي اليهودي (كيرين كييمت) داعمًا مهمًا لهذا المشروع الاستعماري الخطير، وتتمحور مساهمته الرئيسية، فيما يسمى "مشاريع للشباب المعرضين للخطر في المزارع".
وبشكل عام، أصبح مصطلح "الشباب المعرضين للخطر" في السنوات الأخيرة محور سياسة تبييض هذه المزارع، وتجميل صورتها، وتسويق هذه الصورة أيضا للخارج.
وحسب التقرير، فإن إقامة المراهقين المنحرفين في هذه المزارع تحت مظلة "إطار تعليمي" أو "تأهيلي"، يضفي على هذه البؤر والمزارع الاستعمارية صورة مختلفة.
وفي المجمل، حتى نهاية عام 2023، شارك أكثر من 200 مراهق في مشروع "الصندوق القومي اليهودي" في عشرات المزارع في الضفة الغربية، وكان ثمانون من الشباب من بين المستفيدين من 1.5 مليون شيقل (حوالي 415000 دولار) التي تم تحويلها إلى "مجلس بنيامين" الإقليمي في الضفة الغربية.
كما حول الصندوق القومي اليهودي مبلغا أكبر بنحو مليونيْ شيقل إلى منظمة "أرتزينو"، وهي منظمة مولت برامج تدريبية لـ 150 شابا في 25 مزرعة إضافية.