في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على مدى عقود شكلت سجون نظام عائلة الأسد في سوريا الذراع الأشد قسوة لترسيخ الخوف وكسر الإرادة، فكل طريق لمعارضة السلطة كان ينتهي بالمعتقلات تحت وطأة التعذيب التي قد لا يمكن النجاة منها.
لكن سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قبل عام مد طوق نجاة إلى آلاف المعتقلين الذين عاش بعضهم سنوات في الزنازين، مختبرين معنى أن يتحول السجن إلى أداة حكم تدير حياة الناس اليومية.
وخلال أيام معركة ردع العدوان -التي اندلعت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حتى سقوط حكم عائلة الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته- شكّل تحرير مقاتلي فصائل الثوار للمعتقلين من سجون النظام المخلوع العديدة لحظة انهيار عقود الخوف وظهور الوجوه الغائبة.
فماذا كانت أبرز السجون التي فتح الثوار أبوابها للمرة الأولى خلال تقدمهم نحو دمشق في 11 يوما من القتال؟
مع سيطرة فصائل الثورة على حلب في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024 توجه المقاتلون نحو سجن المدينة المركزي الذي كان يضم وفق تقديرات أكثر من 1500 معتقل -بينهم نساء وأطفال- جرى احتجاز معظمهم بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011.
وانتشرت حينها مقاطع فيديو تُظهر خروج عشرات الرجال المنهكين من سجن حلب المركزي الذي كان منذ الثمانينيات رمزا للقبضة الأمنية لنظام الأسد المخلوع.
ويقع السجن شمالي مدينة حلب، ويُعد أكبر سجن في المحافظة والأكثر ازدحاما، إذ يزج بـ25 معتقلا في الغرفة الواحدة، وزاد العدد إلى أكثر من 50 مع انطلاق الثورة السورية.
بينهم نساء.. #فيديو متداول يظهر لحظة تحرير سجناء من ثكنة طارق بن زياد في مدينة #حلب بعد دخول فصائل المعارضة pic.twitter.com/c2DlvSUUtK
— سوريا الآن – أخبار (@AJSyriaNowN) November 29, 2024
وحاولت فصائل الثوار عام 2013 تحرير المعتقلين داخل السجن بعد أن حاصرته، لكنها لم تنجح بذلك.
وكان تحرير المعتقلين من سجن حلب المركزي العملية الأولى التي فتحت الطريق أمام موجة واسعة من تحرير السجون مع تقدم فصائل الثوار نحو العاصمة السورية.
في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024 أفرجت حماة عن أثقال ذاكرتها التي حملتها منذ ارتكاب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مجزرة عام 1982 بحق سكان المدينة أدت إلى مقتل نحو 40 ألف منهم، مع تحرير الثوار مئات المعتقلين من سجن المدينة المركزي.
وكان بعض المعتقلين الذين خرجوا من السجن قد قضوا في الزنازين نحو 3 عقود بتهم ملفقة، كما خرج لبنانيون اختفت أخبارهم لعشرات السنوات بعد اعتقالهم في الثمانينيات خلال الحرب الأهلية اللبنانية .
ويقع سجن حماة المركزي في الجهة الغربية من المدينة، ويُعد من أقدم سجون نظام الأسد الذي استُخدم لاعتقال المعارضين وتغييبهم.
سجناء في سجن حماة المركزي بعضهم معتقل من الثمانينات .. من لم يعرف سجون النظام لن يفهم فرحة الناس بالتحرير .. pic.twitter.com/5e6FV2f7wd
— أحمد معاذ الخطيب (@Mouaz_AlKhatib) December 5, 2024
وفي حمص عاصمة الثورة السورية -والتي ذاقت حصارا طويلا وعمليات تهجير واسعة ودمارا هائلا مس معظم أحيائها خلال الـ14 عاما الماضية- فتح الثوار أبواب سجون نظام الأسد، ليخرج مئات المعتقلين في مساء 7 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وبعد السيطرة على المدينة بدأ تحرير السجون بفتح سجن حمص المركزي الواقع قرب حي بابا عمرو، حيث خرج مئات المعتقلين، بعضهم كان معتقلا منذ 13 عاما.
وتلا ذلك بساعات خروج أكبر دفعة من المعتقلين مرة واحدة، بخروج ما قُدّر بنحو 3500 معتقل من سجن حمص العسكري الواقع داخل منشأة عسكرية قرب الكلية الحربية في المدينة.
ومع توسع سيطرة الفصائل شرقا فتح المقاتلون سجن البالونة في ريف حمص الشرقي الواقع قرب مطار "تي فور" العسكري، وهو مكان احتجاز يُعرف بأنه الأكثر دموية بعد سجن صيدنايا في دمشق، وخرج منه معتقلون يحملون آثار التعذيب على أجسادهم.
تحرير السجناء من سجن البالونة – في حمص. هل لاحظتم حجم السجون المنتشرة في سوريا؟! pic.twitter.com/OmasBFESjM
— Mohamad Ahwaze (@MohamadAhwaze) December 7, 2024
وكان الحدث الأكبر الذي ينتظره السوريون ولم يتخيلوا حدوثه في دمشق التي أسّس فيها نظام عائلة الأسد أكثر السجون قسوة.
وفجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد وصول فصائل الثوار إلى العاصمة فتح المقاتلون أبواب سجن صيدنايا الذي وصفته تقارير حقوقية بأنه الأكثر دموية في البلاد، وخرج منه مئات المعتقلين السياسيين الذين اعتُقلوا بتهم "الإرهاب" وقضوا عشرات السنوات يواجهون التعذيب.
وأظهرت صور خروج عشرات الرجال والنساء بأجساد هزيلة تحمل جروحا غائرة، وبعضهم كان فاقدا القدرة على الكلام أو تذكّر هويته وعائلته.
لكن آلاف المعتقلين الذين انتظرتهم عائلاتهم صباح ذلك اليوم لم يخرجوا منه، وغيّب نظام الأسد مصيرهم بمنهجية عسكرية، وسط استمرار بحث الأهالي عن معلومات عنهم.
وبالقرب من العاصمة شهد سجن عدرا المركزي بدوره خروج مئات المعتقلين، منهم نساء، بينهن أسماء بارزة مثل المدونة طل الملوحي التي اعتقلها نظام الأسد في 2009 لكتابتها مدونة تنتقده.
ولم يقتصر فتح السجون بدمشق في يوم سقوط نظام الأسد على معتقلي صيدنايا وعدرا، فالعاصمة كانت شبكة معقدة من الفروع الأمنية مثل الفرع 215 والفرع 227 وفرع الخطيب، إضافة إلى سجن المزة العسكري، والتي شكلت جميعها مقرات لتعذيب السوريين وإخفائهم.
وإلى جانب هذه السجون الكبرى فتحت فصائل الثوار سجون أخرى ومراكز احتجاز في طرطوس واللاذقية ودرعا والسويداء خرج منها مئات المعتقلين، بعضهم قضى في الزنازين عشرات السنين، ومنهم الطيار رغيد الططري الذي خرج من سجن طرطوس بعد أن سُجن لنحو 40 عاما لرفضه قصف حماة في الثمانينيات.
وخلال أيام معركة ردع العدوان وما رافقها من فتح السجون التي بدت للسوريين منيعة أمام الزمن انتهى الامتداد الجغرافي لمنظومة سجون الأسد التي شكلت جوهر الحكم الأمني لعقود، لكن معركة السوريين للبحث عن أحبائهم المفقودين ولعلاج جروح سنوات الاعتقال لا تزال مستمرة.
المصدر:
الجزيرة