دبي، الإمارات العربية المتحدة ( CNN )-- في اليوم الثاني من زيارته الأولى والتاريخية إلى لبنان، وصل بابا الفاتيكان لاوُن الرابع عشر، الاثنين، إلى دير مار مارون، وسط حفاوة استقبال وترحيب كبيرين من مختلف الطيف السياسي والديني والشعبي في لبنان.
وبدأ منذ ساعات الصباح الأولى، الاثنين، توافد المواطنين إلى دير مار مارون في عنايا لاستقبال البابا لاوُن الرابع عشر. كما وصل الرئيس اللبناني جوزاف عون والسيدة اللبنانية الأولى نعمت عون إلى عنايا لاستقباله.
وألقى البابا التحية من سيارته الـ" popemobile "، على المواطنين المحتشدين لاستقباله على طريق القصر الجمهوري في بعبدا، وسط تساقط المطر، على وقع رقص الدبكة وقرع الطبول ونثر الأرز.
والأحد، وفور دخول طائرة البابا الأجواء اللبنانية، رافقها سرب من سلاح الجو اللبناني، كما أطلقت سفن البحرية اللبنانية أبواقها، وأطلقت المدفعية 21 طلقة لدى وصول طائرته إلى أرض مطار بيروت.
وقد حضر عدد من اللبنانيين واللبنانيات حاملين الأعلام اللبنانية والفاتيكانية ترحيبا ببابا الفاتيكان.
وقد ازدانت ردهات القاعة الرئيسية في المطار بأزهار النرسيس البيضاء التي ترمز إلى الرجاء والتجدد ونشر البخور في أرجاء القاعة.
وبعد عزف النشيدين الفاتيكاني واللبناني وإقامة التشريفات الرسمية، صافح البابا الوفد اللبناني الذي اصطف للترحيب به.
وقدم طفلان ناجيان من مرض السرطان من مركز CCCL إلى البابا باقة ورد وصينية احتوت على تراب من جنوب لبنان، وخبز من جبله، وملح من شماله، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.
ووصل البابا إلى لبنان قادمًا من تركيا في وقت سابق، الأحد، ويلتقي قادة سياسيين وشباب، ويشارك في لقاء بين الأديان.
وفي الثاني من ديسمبر/كانون الأول، سيصلي البابا لاوُن في صمت في موقع انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي خلّف 218 قتيلاً وجرح أكثر من 7 آلاف شخص.
كما يزور دير القديس مارون، راعي الكنيسة المارونية في القرن الرابع، ليتمكن من الصلاة عند ضريح قديس مهم آخر، شربل مخلوف، الراهب المعروف بجمعه بين أتباع الديانات المختلفة.
ويتضمن جدول أعمال البابا المزدحم أيضًا زيارة إلى مستشفى "ددي لا كروا" في جل الديب، وهو مستشفى كبير للطب النفسي تديره راهبات كاثوليكيات.
وقال الرئيس اللبناني جوزاف عون في كلمته خلال استقبال البابا لاوُن الرابع عشر في قصر بعبدا :"بفرح عظيم، أرحب بكم، رسول سلام في وطن السلام. بشرف عظيم، وباسم الشعب اللبناني بكل مكوّناته وطوائفه وانتماءاته، أرحّب بكم في هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته، لبنان الذي كان وما زال أرضاً تجمع بين الإيمان والحرية، بين الاختلاف والوحدة، وبين الألم والرجاء"، بحسب ما نقلت عنه الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.
وأضاف جوزاف عون:"إنّكم لا تزورون بلداً عادياً، بل أرضاً محفوفة بخطوات التاريخ المقدّس، ذُكِر لبنان في الكتب المقدّسة مراراً، رمزاً للعلو والثبات والقداسة. وقد استعمل نشيد الأناشيد جبال لبنان وغاباته كرموز للجمال والروعة والنقاء، فغدت هذه الأرض شاهدة على عظمة الخلق ووفاء للتاريخ المقدّس".
وأردف الرئيس اللبناني: "بفخر عظيم، أرحب بقداستكم، على أرض الكنعانية الراجية شفاء ابنتها. حتى قال لها يسوع: "يَا امْرَأَة، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ".
ومضى الرئيس عون قائلا: "لبنان ليس مجرد أرض تاريخية، بل موطن القديسين العظام، ومنهم القديس شربل الذي ستزورون مقامه المبارك، كرّمه الله بعطايا ومعجزات امتدت لكل البشر، دون تمييز بين الأديان، مظهراً وحدة الشعب اللبناني وإيمانه العميق".
وأكد جوزاف عون: "هذا هو لبنان الذي يستقبلكم اليوم يا صاحب القداسة. لبنان الذي تكوّن بسبب الحرية ومن أجلها. لا من أجل أي دين أو طائفة أو جماعة. وطن الحرية لكل إنسان. والكرامة لكل إنسان. وطن فريد في نظامه، حيث يعيشُ مسيحيون ومسلمون، مختلِفين، لكنْ متساوين. في نظامٍ دستوري قائم على التساوي بين المسيحيين والمسلمين. وبالانفتاح على كل إنسان وضمير حر. هذه فرادة لبنان في العالم كله. وهذه دعوته لكل الأرض".
وتابع: "من هنا واجب الإنسانية الحية الحفاظِ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها".
ومضى عون موضحا: "وكما قلت في نيويورك، أكرر من بيروت: إذا زالَ المسيحيُ في لبنان، سقطت معادلة الوطن، وسقطت عدالتُها. وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، اختلت معادلة الوطن، واختلّ اعتدالها. وإذا تعطل لبنانُ أو تبدل، سيكونُ البديلُ حتماً، خطوطَ تماسٍ في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي. هذا ما أدركه الكرسي الرسولي دوماً".
وأردف: "نحن نجزم اليوم، بأن بقاء هذا اللبنان، الحاضر كله الآن من حولكم، هو شرط لقيام السلام والأمل والمصالحة بين أبناء إبراهيم كافة.
وأكد الرئيس اللبناني: "صاحب القداسة، أبلغوا العالم عنا، بأننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم. بل سنظل هنا، نستنشق الحرية، ونخترع الفرح ونحترف المحبة، ونعشق الابتكار، وننشد الحداثة، ونجترح كل يوم حياة أوفر...أبلغوا العالم عنا، بأننا باقون، فما يجمعه لبنان، لا يسعه أي مكان في الأرض. وما يوحده لبنان لا يفرقه أحد. بهذه المعادلة يعيش لبنان في سلام مع منطقته، وفي سلام منطقته مع العالم"، طبقا للوكالة اللبنانية.
Credit: JOSEPH EID / AFP via Getty Imagesوقال البابا في كلمته أمام السلطات وممثلي المجتمع المدني في القصر الجمهوري، مساء الأحد :"إنّه لفرح كبير لي أن ألتقي بكم وأزور هذه الأرض حيث السلام هو أكثر من مجرَّد كلمة: السَلام هنا هو شَوق وهو مصير، وهو عطيّة وورشة عمل مفتوحة دائمًا. أنتم مكلّفون بالسُلطة في هذا البلد، كلِّ في مجاله الخاصَ وبأدوار محدّدة. ومن منطلق هذه السُلطة، أودّ أن أوّجه إليكم كلام يسوع، الذي تمّ اختياره ليكون مصدر إلهام أساسيّ لهذه الزيارة: (طوبى لفاعلي السّلام) بالتّاكيد، هناك ملايين اللبنانيّين، هنا وفي كلّ العالم، يخدمون السّلام بصمت، يوما بعد يوم. أمّا أنتم، الذين تحملون المسؤوليّات المختلفة في مؤسّسات هذا البلد، فلَكُم تطويبة خاصة إن استطعتم أن تُقَدِّموا هدف السّلام على كلّ شيء"، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.
وأضاف بابا الفاتيكان: "تتجلّى صفةً تُميّز اللبنانيّين: أنتم شعب لا يستسلم، بل يقف أمام الصّعاب ويعرف دائمًا أن يُولّد من جديد بشجاعة، صمودكم هو علامة مميّزة لا يمكن الاستغناء عنها لفاعلي السّلام الحقيقيين".
وأردف قائلا: "أنتم عانيتم الكثير من تداعيات اقتصادٍ قاتل، ومن عدم الاستقرار العالميّ الذي خلّف آثارًا مدمّرة في المشرق أيضًا، ومن التّشدّد وتصادم الهويّات ومن النّزاعات، لكنكم أردتم وعرفتم دائمًا أن تبدأوا من جديد"، بحسب ما نقلت عنه الوكالة الوطنية للإعلام.
المصدر:
سي ان ان