في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يدخل اتفاق غزة مرحلة اختبار حاسمة، وسط تزايد المخاوف من انهياره قبل أن يكتمل تنفيذ بنوده. الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل وحركة حماس أعادت التوتر إلى الواجهة، في وقت يلوّح فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل المباشر لنزع سلاح الحركة إذا لم تفعل هي ذلك طواعية، فيما تتداول أوساط أميركية وغربية خططاً لإرسال قوة دولية إلى القطاع وإنشاء مناطق آمنة بإشراف عربي – دولي.
من رام الله، أكد الكاتب والباحث السياسي جمال زقوت، في حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، أن الاتفاق الذي وصفه ترامب بأنه "قادر على إنهاء صراع عمره 3000 عام"، لا يمكن أن يُترك "على كفّ عفريت"، كما قال.
يرى زقوت أن واشنطن نجحت في فرض الاتفاق على إسرائيل، مشيراً إلى أن "ترامب أجبر نتنياهو على إعلان نهاية الحرب"، بعد أن هدده بأن يقوم هو بنفسه بإعلانها أمام الكنيست.
ويعتبر أن حماس التزمت بما هو في يدها من التزامات، "وسلمت الأسرى خلال ساعات"، بينما تأخر تسليم الجثامين بسبب "الدمار الهائل في القطاع"، مؤكداً أن "الحركة لا تملك مصلحة في المماطلة".
زقوت أضاف أن المماطلة الحقيقية تأتي من الجانب الإسرائيلي، الذي "أغلق المعابر وخرق الاتفاق"، في محاولة لخلق ذرائع تتيح له العودة إلى الحرب.
وقال إن الاتفاق تضمن "آلية رقابة دولية بقيادة أميركية، وبمشاركة مصر و تركيا و قطر"، ما يوجب على الوسطاء أن يعلنوا بوضوح إذا ما كانت هناك عراقيل موضوعية أو مماطلة متعمّدة.
وأكد الباحث الفلسطيني أن "الحرب لن تعود"، لأن القادة الذين اجتمعوا في شرم الشيخ "لن يسمحوا لإسرائيل بالعبث مجدداً بمستقبل المنطقة"، لافتا إلى أن الاتفاق جاء أصلا لفك عزلة إسرائيل السياسية والأخلاقية.
ومع ذلك، يشدد زقوت على ضرورة "وجود ضمانات وطنية فلسطينية إلى جانب الضمانات الدولية"، موضحاً أن "حكومة وفاق وطني هي الجهة الوحيدة القادرة على ضبط تنفيذ الاتفاق، وتسلم السلاح بشكل منظم ومسؤول".
رؤية إسرائيلية.. خيبة أمل وريبة
من الجانب الإسرائيلي، تحدث يوحنان تسوريف، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي، مؤكداً أن إسرائيل "ما زالت في حالة حرب من الناحية العملية".
وأوضح أن "خيبة الأمل الإسرائيلية نابعة من العدد القليل للجثامين التي تسلمتها خلال الأيام الأخيرة"، ما أثار الشكوك حول نية حماس.
وأضاف أن "في إسرائيل من يرى أن الحركة تماطل لتثبيت سيطرتها داخل غزة"، واصفاً ما يجري في القطاع بأنه "عمليات من نوع داعشي لفرض الردع".
لكن تسوريف حرص على القول إنه لا يرى "نية إسرائيلية حقيقية لتصعيد التوتر"، مشيرا إلى "تفاهم مشترك بين تل أبيب وواشنطن على ضرورة إنجاز الخطة".
وأكد أن على إسرائيل الانتظار بضعة أيام "حتى تُستكمل عمليات البحث عن الجثامين وتسليمها".
ورأى أن الأزمة الحالية تعكس غياب مراجعة فلسطينية داخلية، وقال: "كنت أتوقع من القيادة الفلسطينية أن تقول لحماس بوضوح إن عليها التخلي عن السلاح لأنها دمرت المستقبل الفلسطيني".
أما الأكاديمي والمختص في الشؤون الاستراتيجية خالد عكاشة، فاعتبر أن "الأزمة التي تثيرها إسرائيل حول الجثامين مفتعلة بالكامل"، موضحاً أن هذه النقطة "نوقشت بوضوح في جولات التفاوض بحضور الوسطاء"، وأن إسرائيل كانت على علم مسبق بأن عملية استخراج الجثامين "ستحتاج لأسابيع لا لأيام".
ويشير عكاشة إلى أن إسرائيل ما زالت تحتل "54% من مساحة القطاع"، ما يجعل بعض الجثامين في مناطق لا تملك حماس الوصول إليها.
ويضيف أن "إسرائيل تحاول تصوير الأزمة في الداخل الإسرائيلي كتعطيل للاتفاق، رغم أن الحركة لا تملك صلاحية منع دخول الأطقم الفنية التي تتولى البحث عن الرفات".
وفيما يتعلق بالخطة الأميركية، يوضح عكاشة أن "القرار في غزة لم يعد إسرائيلياً خالصاً، بل بات أميركياً بالتعاون مع الأطراف العربية".
ويتحدث عن "مرحلة انتقالية" تُدار فيها غزة من قبل "لجنة تكنوقراط تتبع للسلطة الفلسطينية"، مع وجود "قوة دولية ذات طابع أمني لحفظ الأمن وضمان إعادة الإعمار".
ويكشف أن "مصر والأردن يجريان حالياً تدريب 5000 عنصر فلسطيني لدعم القوة الشرطية الدولية"، مؤكداً أن طبيعة هذه القوة "ليست عسكرية ولا معنية بنزع سلاح حماس مباشرة، بل بضمان الأمن وتنظيم المساعدات".
ويضيف أن "الجانب الأوروبي مستعد للمشاركة في إدارة المعابر وفق اتفاقية 2005، لضمان انفتاح القطاع وإنهاء الحصار الذي تستخدمه إسرائيل أداة ضغط سياسية".
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك، روبرت رابيل، إن "التفاهم بين ترامب ونتنياهو قائم، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه مأزقاً داخلياً حرجاً".
وأوضح أن "ترامب مصمم على تنفيذ الاتفاق، وهو لن يتراجع، بل هدد بالتدخل شخصياً إذا لم تنزع حماس سلاحها".
وأكد أن "نتنياهو لن يدخل في مواجهة مع ترامب، لكنه في الوقت نفسه مسؤول أمام شعبه عن ضمان أمن الجنود الذين لم تُعد جثامينهم بعد".
رابيل أشار إلى أن إسرائيل وافقت على دخول تركيا وقطر في لجان الكشف عن الجثامين، وأن "اللجنة المشتركة ستضم ممثلين مصريين وقطريين تحت إشراف أميركي”، معتبراً أن ذلك “يعكس جدية واشنطن في فرض التنفيذ".
وأضاف أن "المشكلة الحقيقية تكمن في تشابه نهج حماس مع حزب الله، ما يجعل نزع سلاحها تحدياً أمنياً وسياسياً كبيراً".
ورأى أن استمرار الخطة مرهون بـ"تفاهم عربي – إسلامي واسع" يدعم الإطار الأميركي الجديد، مشدداً على أن "الولايات المتحدة ليست ضد الفلسطينيين بل تسعى لإصلاح السلطة وتمكينها".
مستقبل الاتفاق.. بين الضمانات والمخاوف
يتفق المحللون على أن اتفاق غزة يواجه اختبار الثقة بين الأطراف، وأن أي خلل في تنفيذ المرحلة الأولى قد يهدد بانهيار المسار بأكمله.
فبينما تصرّ إسرائيل على تسلّم كل الجثامين قبل الانتقال إلى البنود التالية، تردّ حماس بأن الدمار والحصار الإسرائيليين يعطلان العملية.
أما واشنطن فتسعى لتثبيت سلطة فلسطينية موحدة ونزع السلاح تدريجياً تحت إشراف عربي ودولي.
يرى مراقبون أن الضمانة الحقيقية للاتفاق لن تكون في البيانات أو اللجان، بل في توافر إرادة سياسية فلسطينية موحدة ترفض توظيف الملف الداخلي ذريعة للتنصل. فكما قال جمال زقوت: "الكرامة الوطنية تقتضي أن يُسلَّم السلاح إلى حكومة وفاق وطني فلسطينية، لا إلى قوة خارجية".
اتفاق غزة، الذي وُلد على وقع ضغط أميركي وتعب عربي من دوامة الدم، يقف اليوم أمام اختبار التنفيذ. بين من يراه "تاريخيا" ومن يعدّه "قابلاً للانفجار"، تظلّ الحقيقة أن الطريق إلى غزة الجديدة تمرّ عبر نزع السلاح، لا بالفرض بل بالتوافق.
وما لم تتحوّل الضمانات الدولية إلى التزام وطني فعلي، سيبقى الاتفاق معلّقاً بين شرم الشيخ وغزة... بين الوعد والهاوية.