آخر الأخبار

خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟

شارك

مع حلول شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تدخل الأوساط الأدبية حول العالم أجواء تكهنات وترقب لأهم الجوائز الأدبية في العالم، وتتساءل عمن سيفوز بجائزة نوبل للآداب؟ وهي فرصة مُؤاتية للمحررين الثقافيين لمراجعة خريطة الأدب العالمي بأكملها وإعادة اكتشاف أبطالها المنسيين رغم أن لجنة نوبل وفية لعادتها الأثيرة وهي المفاجأة، والتوقع الأبرز في هذا السياق يكون أن تصدمنا اللجنة مرة أخرى باسم غير متوقع، قادم من تخوم العالم.

ونجحت الجزيرة نت 3 مرات في لعبة التوقعات تلك المحفوفة بالمخاطر، وذلك بأن توقعت في 2023 -ضمن عدد من الأسماء- فوز الأديب النرويجي يون فوسه بنوبل للآداب العام الماضي 2023، وفي العام الذي سبقه 2022 توقعت فوز الأديبة والقاصة الفرنسية آني إرنو (ضمن عدد من الأسماء كذلك)، وفي العام 2019 توقعت فوز الكاتبة البولندية أولغا توكاركوك التي فازت بالفعل في عام 2019 عن العام 2018 بعد أن أجبرت فضيحة أخلاقية الأكاديمية السويدية على حجب الجائزة في 2018، لكن في العام الماضي رجح تقرير الجزيرة نت الاستباقي فوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024 قبل أن تفوز الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ بالجائزة (ولم تصب التوقعات تلك المرة بدقة!).

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
* list 2 of 2 النزوح في الأدب الغزّي.. صرخة إنسانية في زمن الإبادة end of list

ويبدو أن نوبل 2025 لا تبحث عن كاتب "عظيم"، بقدر ما تبحث عن كاتب يمثل معنى الكتابة نفسها في عالم مضطرب تتقاطع فيه السياسة مع اللغة، والتاريخ مع السرد، والمأساة مع الفن؛ تقول الأكاديمية التي تمنح الجائزة إنها تبحث عن النبرة الفريدة التي تضيف جديدا إلى مفهوم الأدب الإنساني، وليس عن الأسماء الأكثر تداولا على صفحات الصحف.

ونسخة هذا العام تختلف في نبرتها وسياقها، فالعالم يعيش حالة من التحول الجذري في مفهوم الأدب ذاته مع تركيز أكبر على التعددية اللغوية والكلمة المنطوقة والصوتية بدلا من المكتوبة، ومنح السرد الشخصي الحميمي اعتبارا أكبر من الروايات الكبرى والسرديات العامة العابرة للحدود، وهناك تغييب لثيمات مثل الأدب الوطني والتقاليد الصارمة لحساب موضوعات جديدة تلتقط روح الزمن الحديث وتعيد تعريف الأجناس الأدبية دون أن تفرّط في جوهر الأدب، كل ذلك يجعل التكهنات تمرينا أدبيا ممتعا أكثر منها توقعا واقعيا.

إعلان

منذ فوز الأديبة الكورية هان كانغ العام الماضي، بدا واضحا أن الأكاديمية تعيد رسم أولوياتها؛ فبعد عقد حافل منح الجائزة لأسماء مثل آني إرنو، ويون فوسه، وسفيتلانا ألكسيفيتش، وعبد الرزاق غورنه، صار الميل نحو الأصوات المتمردة والمناطق المهمشة أكثر وضوحا من أي وقت مضى، ولم يعد "الكاتب الأوروبي الأبيض الكبير" هو النموذج الحاكم، بل أصبح الكاتب الذي يكتب من أطراف العالم، من اللغات الصغيرة، عن المهمشين، أو من داخل تجربة إنسانية تنطوي على الجرح والاختلاف والذاكرة، هو من يحظى بالاهتمام.

تبدو معايير الاختيار اليوم متداخلة ومعقدة، والتكهنات تتقاطع فيها الجغرافيا مع اللغة والجرأة الفكرية، فالأكاديمية تسعى جاهدة لتجنب التمركز الأوروبي قدر الإمكان (إذ تُنتقد دوما بسبب ذلك)، فتتنقل في اختياراتها بين آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، وأيضا أصبح "الأدب المترجم" أداة لتحقيق نوع من العدالة الثقافية. والأهم من ذلك، أصبحت الجرأة الفكرية معيارا أساسيا، فالعالم بعد الجوائح والحروب والاحتجاجات يحتاج إلى كتّاب يفكرون في الألم والحرية، أكثر من أولئك الذين يكتفون بتجميل العالم أو وصفه.

وتكاد التكهنات الصحفية والرهانات تتفق على أن نوبل 2025 قد تميل نحو كاتب مخضرم لم يُكرّم بعد، أو صوت لاتيني أو آسيوي يعيد التوازن الجغرافي للجائزة، بينما يتأرجح رهان الاتجاهات بين الاعتراف بالتجريب الجديد أو العودة للعمق الإنساني القديم؛ والاتجاه العام يميل إلى منح الجائزة لكاتب (أو كاتبة) يمتلك جسدا أدبيا متماسكا، لكنه لم ينل شهرة تجارية واسعة حتى الآن (كما حدث العام الماضي أيضا) أي أن تكون أعماله، كما يحب أعضاء الأكاديمية أن يصفوا مرشحهم المثالي، "مكتوبة جيدا، ومقروءة قليلا".

المرشح المثالي لنوبل للآداب يكتب أعمالا "مكتوبة جيدا، ومقروءة قليلا"

ومن اللافت هذا العام أن أسواق المراهنات الأدبية -التي تحولت إلى ظاهرة ثقافية قائمة بذاتها- أظهرت توازنا نادرا بين القارات، فبينما تتصدر أسماء أوروبية مثل المجري/الهنغاري لازلو كراسناهوركاي والإسباني إنريكي فيلا ماتاس القوائم، تتقدم أصوات آسيوية ولاتينية مثل الصينية كان شو والمكسيكية كريستينا ريفيرا غارثا والهندي أميتاف غوش.

وفي المقابل، لا تزال أسماء جماهيرية كبرى مثل الياباني هاروكي موراكامي والكندية مارغريت أتوود تلاحق الأضواء، رغم تشكك النقاد في أن الأكاديمية ستختار "المرشح الواضح"، وهذه الحالة السائلة من التوقعات تخلق ما يشبه "خريطة أدب مصغرة للعالم" تتنافس فيها الأصوات والتقاليد الأدبية المختلفة، فإلى أبرز التوقعات:

المرشحون الأوفر حظا

يتصدّر المشهد هذا العام الكاتب الأسترالي جيرالد مورنان (Gerald Murnane)، الذي بات اسمه الأكثر تداولا في ترشيحات المراهنين والصحف الأدبية.

مورنان، البالغ من العمر 85 عاما، يُعرف بكتاباته التأملية التي تستكشف الذاكرة والمنظر الداخلي والعلاقة بين الخيال والواقع، في أعمال مثل "السهول" (The Plains) (لم تترجم للعربية رغم أنها صادرة في الثمانينات). نقاد كثر يرون فيه "كاتب الكتّاب"، وأي فوز له سيكرس توجه الأكاديمية نحو الأصوات المنعزلة وذات البصمة الأسلوبية العميقة.

مصدر الصورة من اليمين: كريستينا ريفيرا غارثا، لازلو كراسنهوركاي، جيرالد مورنن (غيتي إيميجز)

إلى جانبه يأتي الكاتب المجري لازلو كراسنهوركاي (László Krasznahorkai)، أحد أبرز أعلام السرد الأوروبي الحديث، وصاحب الجمل الطويلة الكثيفة والأجواء القاتمة في رواياته التي تجمع بين التأمل الفلسفي والكتابة التجريبية.

إعلان

ومن أشهر أعماله "رقصة الشيطان" (Satantango)، التي تدور في قرية مهجورة يعيش أهلها في عزلة ويأس، في بنية سردية دائرية أشبه برقصة جهنمية ترمز إلى الفساد والانهيار الأخلاقي، و"حرب وحرب" (War & War)، التي تتتبع موظف أرشيف يائس يكتشف مخطوطة غامضة ويسافر إلى نيويورك لنشرها على الإنترنت قبل أن يواجه مصيره المأساوي.

من جهة أخرى، تواصل الكاتبة المكسيكية كريستينا ريفيرا غارثا صعودها المدهش في القوائم، بعد فوزها بجائزة بوليتزر عام 2024 عن "صيف ليليانا الذي لا يُقهر"، وتمزج أعمالها بين الخيال والسيرة والنقد الاجتماعي، وتتناول العنف والهجرة والنسوية بلغة جمالية كثيفة، ما يجعلها صوتًا لاتينيًا مميزًا قد يمنح الجائزة زخمًا جديدًا من خارج أوروبا.

أسماء عالمية حاضرة دائما

وكما في كل عام، يلوح في أفق التكهنات اسم الروائي الياباني هاروكي موراكامي، الكاتب الذي تحول إلى ظاهرة عالمية، والذي يجمع بين كونه الأكثر مبيعا وربما الأقل حظا في نيل جائزة نوبل.

مصدر الصورة من اليمين: هاروكي موراكامي، كان شو (دنغ شياوهوا)، إنريكي بيلا-ماتاس (غيتي إيميجز)

منذ عقدين واسمه حاضر بقوة في كل قائمة، بفضل عوالمه السردية الفريدة التي تمزج الواقعية السحرية بالحزن المعاصر، وتنسج من تفاصيل الحياة اليومية بوابات نحو عوالم موازية غامضة. في روايات أيقونية مثل "كافكا على الشاطئ" (Kafka on the Shore) و"الغابة النرويجية" (Norwegian Wood)، يخلق موراكامي أبطالا وحيدين يستمعون لموسيقى الجاز، ويقرؤون الأدب الغربي، ويجدون أنفسهم في رحلات سريالية لاكتشاف الذات.

لكن شهرته العالمية الواسعة قد تكون، للمفارقة، هي ما يبعده عن الجائزة، إذ تميل الأكاديمية عادة إلى تسليط الضوء على الكنوز المغمورة أكثر من الاحتفاء بالمتوقع.

وفي المقابل، تبرز من الصين الكاتبة التجريبية كان شو، التي تمثل قطبا آخر في الأدب الآسيوي، حيث تنسج عوالم معقدة تمزج بين الفانتازيا والغموض والتحليل النفسي العميق.

أدبها ليس سهلا، بل هو تحدّ للقارئ، يدعوه إلى التخلي عن منطق السرد التقليدي والغوص في تيار من الرموز والصور التي تستكشف أغوار الوعي البشري. ورغم أن اسمها يتكرر منذ سنوات دون تتويج، فإن كثيرين يرون أن وقتها قد حان، خاصة مع ميل الأكاديمية في الأعوام الأخيرة نحو الأدب الآسيوي التجريبي الذي يكسر القوالب المألوفة.

ومن أوروبا، يحافظ الكاتب الإسباني إنريكي فيلا ماتاس على مكانه الراسخ في الترشيحات، بفضل أدب ذكي ومرح يذيب الحدود بين الرواية والنقد والسيرة الذاتية والميتاسرد.

في أعماله، غالبا ما يكون الأبطال هم الكتاب أنفسهم، وتكون الكتب هي مسرح الأحداث، في لعبة أدبية ممتعة تتأمل في معنى الكتابة وجدواها في عالم متغير. إنه أدب عن الأدب، لكنه ينجح في أن يكون مفعما بالحياة والشغف الإنساني.

فيما يشكل الروماني ميرتشا كارتاريسكو صوتا آخر للحداثة الأوروبية الشرقية، لكن بنبرة مختلفة تماما.

يُعتبر كارتاريسكو سيد السرد الكثيف والمترامى الأطراف، وتعد ثلاثيته الأسطورية "المبهر" (Orbitor) واحدة من أضخم الأعمال الأدبية في القرن العشرين، وكتاباته مفعمة بصور حلمية وجسدية، وتتحول فيها مدينة بوخارست إلى كائن حي يتنفس، وتتشابك فيها ذاكرة الطفولة مع تاريخ الأمة وأساطيرها في نسيج لغوي فريد يشبه الحلم والهلوسة، وربما يمثل فوزه احتفاء بالأدب في أكثر صوره طموحا وتحديا.

أصوات أوروبية كلاسيكية ومتمردة

لكن الأسماء الأوروبية والأميركية لا تنتهي عند هذا الحد، فالقائمة تضم أيضا الشبح الأكبر في الأدب الأميركي المعاصر، توماس بينشون، الكاتب الذي بنى أسطورته على غيابه التام عن الحياة العامة.

ويُعد بينشون صاحب الرواية الملحمية والمعقدة "قوس قزح الجاذبية" (Gravity’s Rainbow)، سيد أدب البارانويا والتشظي ما بعد الحداثي، حيث تتداخل العلوم والرياضيات والتاريخ والمؤامرات في نسيج سردي كثيف يشبه الأحجية، ولو تحقق فوزه بالجائزة، سيكون حدثا رمزيا يحتفي بجيل كامل من التجريب الأدبي الأميركي الذي دفع بالرواية إلى أقصى حدودها.

مصدر الصورة من اليمين: ميرتشا كارتاريسكو، ميشيل ويلبك، توماس بينشون (غيتي إيميجز)

ويليه من فرنسا، الطفل الشقي للأديب الفرنسي، ميشيل ويلبك، المعروف بأدبه التشاؤمي الصادم ونزعته الفلسفية السوداء التي تُغري وتستفز في آن واحد.

إعلان

في رواياته التي تشبه التشريح البارد لروح العصر، مثل "الخضوع" (Submission) أو "الجزيئات الأولية" (The Elementary Particles)، يغوص ويلبك في قلق الإنسان الغربي المعاصر، متناولا موضوعات الوحدة والاستهلاك والفراغ الروحي والجنس بلغة مباشرة وجافة تصدم القارئ وتجبره على التفكير وسيثير فوزه جدلا لا محالة، لو حدث.

أما الكندية آن كارسون، فتمثل روح التجريب في أصفى صورها، حيث تذوب في أعمالها الحدود بين الشعر والنثر والترجمة والنقد الأكاديمي.

كلاسيكية في تكوينها، حداثية في رؤيتها، تعود كارسون إلى الأساطير الإغريقية لتعيد تفكيكها وتوظيفها في استكشاف جروح الحاضر، من الحب والخسارة إلى الرغبة والجنسانية، كما في عملها الفريد "سيرة ذاتية باللون الأحمر" (Autobiography of Red)، وهي واحدة من أبرز الأصوات الأدبية النسوية في أميركا الشمالية.

مصدر الصورة من اليمين: سيسار آيرا، آن كارسون، جمايكا كينكيد (غيتي إيميجز)

ولا ننسى الصوت القوي القادم من الكاريبي، الكاتبة الأنتيغوية الأميركية جمايكا كينكيد، التي شكلت بكتاباتها الغنائية والغاضبة حول الاستعمار والهوية والأنوثة مرجعا في أدب ما بعد الكولونيالية.

في أعمال مثل "مكان صغير" (A Small Place)، تستخدم كينكيد لغة شعرية حادة لتكشف عن الإرث النفسي المدمر للاستعمار، والعلاقة المعقدة بين الأم والابنة، وألم المنفى، وتكتب من قلب الجرح، بصوت لا يعرف المهادنة.

وإلى جانبها، يقف الأرجنتيني سيسار آيرا، الذي يُعد من أكثر كتاب أميركا اللاتينية غزارة وإبداعا وتحديا للتصنيف.

يُعرف آيرا بـ"رواياته الصغيرة" التي يكتبها بأسلوب "الهروب إلى الأمام"، حيث يبدأ الكتابة دون خطة مسبقة ويترك السرد يقوده إلى عوالم سريالية ومفاجئة. أدبه تجريبي ومرح وفلسفي في آن واحد، وهو يمثل تيارا فريدا في الأدب اللاتيني المعاصر، بعيدا عن الواقعية السحرية التقليدية.

أسماء لا يرجح فوزها كثيرا

وفي الدائرة التالية من الأسماء، تبرز شخصيات أدبية راسخة، ورغم حضورها الدائم في النقاشات، إلا أن فوزها يبدو أقل ترجيحا هذا العام.

من بينهم النرويجي كارل أوفه كناوسغورد، الكاتب الذي أحدث زلزالا في الأدب العالمي بسلسلته الضخمة "كفاحي" (My Struggle)؛ ففي هذا العمل الذي يقع على الحدود الملتهبة بين الرواية والسيرة الذاتية، قام الأديب النرويجي بتشريح حياته اليومية بأدق تفاصيلها، محوّلا العادي والمبتذل إلى مادة للتأمل الوجودي العميق، ومعيدا تعريف مفهوم الصدق الأدبي المعاصر.

وإلى جانبه يقف الأيرلندي كولم تويبين، سيد النثر الأنيق والمتحفظ، الذي ينسج في رواياته، مثل "بروكلين" (Brooklyn) و"السيد" (The Master)، حكايات عن المنفى والهوية والحب المكتوم، بصوت هادئ يخفي تحته عواصف من المشاعر.

كذلك تطرح الترشيحات اسم الكاتبة الأسترالية أليكسيس رايت، التي تمثل الصوت الأصلي والقوي للسكان الأصليين، حيث تمزج في أدبها الملحمي، كما في رواية "كاربنتاريا" (Carpentaria)، بين الأساطير القديمة والواقع السياسي المرير، بلغة غنية بالرموز تستلهم من تقاليد السرد الشفاهي.

كما يستمر حضور أسماء كبرى أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد النوبلي، رغم أن الأكاديمية قد ترى فيهم رموزا مألوفة أكثر مما تريد تكريسه هذا العام. منهم المثير للجدل سلمان رشدي، والذي يتم تقديمه غربيا كأيقونة لحرية التعبير وأدبيا يوصف بأنه غيّر وجه الرواية الإنجليزية بروايته "أطفال منتصف الليل" (Midnight’s Children).

وهناك أيضا مارغريت أتوود، الكاتبة النسوية الأشهر في العالم، التي تحولت روايتها "حكاية الجارية/الخادمة" (The Handmaid’s Tale) إلى نبوءة سياسية للعصر الحديث.

وأخيرا، الروائية الروسية ليودميلا أوليتسكايا، ذات البصمة الإنسانية العميقة، والتي ترسم في أعمالها لوحات مؤثرة عن حياة الأفراد العاديين في مواجهة طواحين التاريخ السوفياتي وما بعده، جميعهم يحتفظون بحظوظ رمزية قوية، وإن كانت الاحتمالات الواقعية تبدو أقل.

ومن العالم العربي، يظل الشاعر السوري اللبناني أدونيس الاسم الأبرز والأكثر حضورا في الترشيحات منذ سنوات طويلة. يُعد أدونيس، واسمه الحقيقي علي أحمد سعيد إسبر، أحد أهم أعمدة الحداثة الشعرية العربية، ومنظرا فكريا جريئا سعى إلى تحرير القصيدة العربية من قيودها التقليدية، وجعلها فضاء للتساؤل الفلسفي والوجودي، ليشكل بذلك جسرا أساسيا بين الثقافتين العربية والغربية.

مفاجآت محتملة

ومن قائمة "المفاجآت" المحتملة، تطل أسماء تمثل الأدب الجماهيري في أوسع تجلياته، وفوز أي منهم سيفتح جدلا أبديا حول دور الجائزة: هل هي تكريم للنخبة الأدبية أم اعتراف بالأثر الثقافي الشعبي؟

إعلان

من تلك الفئة هناك الأميركي ستيفن كينغ، الذي لم يعد مجرد "ملك الرعب"، بل هو مؤرخ للأساطير الأميركية المعاصرة وراسم بارع للقلق الجمعي في بلداته الصغيرة.

وهناك أيضا ج. ك. رولينغ، التي لم تكتب مجرد سلسلة عن ساحر صغير، بل خلقت عالم "هاري بوتر" الذي أصبح جزءا من الذاكرة الثقافية لجيل كامل.

وإلى جانبهما، تبرز ريبيكا ياروس كممثلة لموجة الأدب الجماهيري الجديدة التي تجتاح العالم.

كما يظهر البعد الجيوسياسي الراهن بقوة في الترشيحات، حيث يبرز الكاتب الأوكراني أندري كوركوف، الذي تمزج أعماله بين السخرية السوداء والعبثية لرسم صورة مؤثرة عن مجتمع ما بعد الاتحاد السوفياتي في مواجهة الحرب.

ومن روسيا، يحضر اسم فلاديمير سوروكين، أحد أبرز كتاب ما بعد الحداثة، الذي لا يتوقف عن تفكيك الخطاب السلطوي وتحدي الأنظمة الشمولية بأعمال صادمة وتجريبية.

واختيار أي منهما سيمنح الجائزة بعدا سياسيا مباشرا، وجدير بالذكر أن الجائزة تتعرض لنقد كثيف مستمر وتوصف أحيانا بأنها " سياسية متنكرة بقناع أدبي ".

و تستمر قائمة المرشحين في التمدد عبر القارات واللغات، في شهادة على ثراء الأدب العالمي من الشمال الأوروبي مع النرويجي كارل فرويد تيلر، إلى أوروبا الوسطى مع المجري بيتر ناداش، وفرنسا مع بيير ميشون، وصولا إلى أميركا اللاتينية بأصواتها القوية مثل الشاعر التشيلي راؤول زوريطا، والروائية التشيلية إيزابيل أليندي، والمكسيكيين إلينا بونياتوفسكا وهوميرو أريدخيس، والأكاديمية هيلين سيكسو.

وتستمر القائمة مع الدانماركية هيله هيله، والكوري الجنوبي كو أون، والبرازيلي ميلتون هاتوم، واليابانية الألمانية يوكو تاوادا، في فسيفساء الإبداع الكتابي الإنساني.

وتظل جائزة نوبل للآداب حدثا غير قابل للتنبؤ، وهذا جزء من سحرها إذ يبقى للجنة الأكاديمية نزوعها الدائم نحو المفاجأة، فقد تختار صوتا شابا من الجنوب العالمي لم يلتفت إليه أحد، أو شاعرا مغمورا من أوروبا الشرقية، أو حتى اسما لم يُذكر في أي قائمة مرشحين بعد، لكن المؤكد أن الجائزة، كما قال أحد النقاد، "لا تكرّم كاتبا فحسب، بل تختار في كل مرة وجها جديدا للإنسانية كما يراها الأدب".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا مصر اسرائيل أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا