آخر الأخبار

هل يقترب أدونيس أخيرا من جائزة نوبل؟

شارك

قبل أيام قليلة من إعلان جائزة نوبل للآداب، يعود اسم الشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر) إلى التداول كأحد أبرز المرشحين المحتملين، في موسم اعتادت فيه التكهنات أن تملأ الفضاء الأدبي العالمي، بينما تظل الأكاديمية السويدية صامتة كالعادة.

بعد مسيرة تمتد لأكثر من 7 عقود، يبدو أدونيس، البالغ من العمر 95 عاما، أشبه بظلٍّ دائم يحوم حول الجائزة من دون أن يلمسها. فهو واحد من أكثر الشعراء العرب ترجمة وحضورا في الغرب، وهو رمز لمرحلة كاملة من الحداثة الشعرية التي سعت إلى تفكيك اللغة العربية وإعادة بنائها من الداخل.

ورغم ذلك، يظل السؤال قائما كل خريف، هل يمنح السويديون الخميس المقبل الجائزة أخيرا للشاعر الذي لم يتوقف منذ الستينيات عن إعادة تعريف القصيدة العربية وموقعها من العالم؟

نفوذ ثقافي عابر للغات

ولد أدونيس عام 1930 في شمال سوريا، وبرز منذ شبابه كصوت مختلف في الشعر العربي. ففي أعماله المبكرة مثل" أغاني مهيار الدمشقي"، خلق لغة متمرّدة على الوزن والبلاغة القديمة، فاستلهم الميثولوجيا وواجه الموروث الديني والسياسي. وعلى مدى سنواته، جمع بين الشعر والنقد والفكر، وأصدر كتبا مؤثرة مثل "الثابت والمتحول"، الذي يُقرأ اليوم كأحد النصوص المرجعية في نقد الثقافة العربية.

وفي الغرب، ترجمته دور نشر كبرى إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وغالبا ما يُقدَّم في المهرجانات الأوروبية بوصفه أحد "الأصوات التي منحت العربية بعدا كونيا". وقد نال جوائز مرموقة منها "غوته" الألمانية و"بي إي إن/نابوكوف" (PEN/Nabokov) الأميركية، وهما جائزة اعتراف عالمي يسبق عادة تتويجا محتملا من نوبل.

ومع ذلك، فإن اعتراف الجوائز لا يضمن الطريق إلى الأكاديمية السويدية، التي كثيرا ما تفاجئ بمسارات غير متوقعة.

مصدر الصورة على مدى سنواته، جمع أدونيس بين الشعر والنقد والفكر وأصدر كتبا مؤثرة مثل كتابه الأشهر "الثابت والمتحول" (الجزيرة)

منافسة 2025.. خريطة متعدّدة الأصوات

في الوقت الذي يراهن فيه أنصار الشعر العربي على تكريم متأخر لأدونيس، تشير قوائم التوقعات الأدبية إلى أسماء أخرى تتقدّم عليه في الحظوظ، منها الروائي المجري لاسلو كرازناهوركاي، الكندية آن كارسن، الياباني هاروكي موراكامي، والروماني ميرتشا كارتاريسكو.

إعلان

كرازناهوركاي، الحاصل على مان بوكر الدولية والجائزة الوطنية الأميركية للأدب المترجم، يحظى بسمعة واسعة في أوروبا بوصفه كاتبا ذا نَفَس فلسفي وتجريبي عميق.

أما كارسن فتمثل الوجه الآخر للأدب المعاصر، فهي شاعرة وأكاديمية كندية تكتب بلغة مكثفة ومجازية، تجمع بين الكلاسيكيات الإغريقية والتجريب الحديث.

أما موراكامي، الذي ظلّ مرشحا دائما لعقدين، فيحمل عبء الشعبية المفرطة، إذ يرى بعض النقاد أن الأكاديمية تتجنب اختيار كاتبٍ تحوّل إلى ظاهرة تجارية.

وبين هذه الأسماء، يقف أدونيس بوصفه صوتا من خارج المركز الأوروبي، يحمل معه لغة نادرة في سجل نوبل منذ فوز نجيب محفوظ عام 1988.

اللغة والذاكرة السياسية

لا يمكن فصل الحظوظ الأدبية عن السياسة الثقافية للّغة. فالعربية، رغم ثرائها، تظل بعيدة عن المشهد النقدي السويدي، وغالبية أعضاء الأكاديمية يعتمدون على الترجمات الفرنسية أو الإنجليزية لأعمال أدونيس، ما يضع بين النص وصاحبه طبقة تأويلية قد تؤثر في التقييم.

وثمّة أيضا ثقل للبعد السياسي، فمواقف أدونيس من الثورة السورية عام 2011 أثارت انقساما في الأوساط الثقافية الغربية. فالبعض رآه ناقدا للعنف والتديّن، وآخرون اعتبروا صمته عن النظام السوري نوعا من التواطؤ.

مصدر الصورة فوز النمساوي هاندكه بجائزة نوبل 2019 أثار موجة من الانتقادات لمواقفه في تأييد زعيم صربي متهم بالإبادة (الجزيرة)

هذه الصورة المتباينة تجعله شخصية "إشكالية" في زمن باتت فيه الأكاديمية السويدية أكثر حساسية تجاه الجدل السياسي، بعد الانتقادات التي طالتها عقب منح الجائزة للكاتب النمساوي بيتر هاندكه عام 2019.

أدونيس هنا عالق وسط عاصفة الجدل العام؛ فرغم أن الأكاديمية تقول إن الجائزة تُحسَم أدبيا لا سياسيا، لكن التجارب السابقة أظهرت أن الجدل يمكن أن يُلقي بظلاله على الاختيارات أو استقبالها كما حدث في قضية بيتر هاندكه عام 2019.

ظلّ هاندكه في الخلفية

تتعامل الأكاديمية السويدية منذ عام 2019 بحذرٍ مضاعف تجاه الأسماء المثيرة للجدل، بعد الانتقادات الواسعة التي واجهتها إثر منحها الجائزة للكاتب النمساوي هاندكه، المعروف بمواقفه المؤيدة للزعيم الصربي الراحل سلوبودان ميلوشيفيتش أثناء حرب البوسنة.

ورغم دفاع الأكاديمية آنذاك عن قرارها بوصفه "أدبيا صرفا"، فإن ردود الفعل السياسية والإعلامية -من منظمات حقوقية وحكومات أوروبية- قد أحدثت أزمة ثقة استمرت سنوات.

منذ ذلك الحين، تتجنّب اللجنة الدخول في سجالات مماثلة قد تضعها في مواجهة الرأي العام الدولي.

وهكذا فإن مواقف أدونيس من الثورة السورية، والتي وُصفت أحيانا بأنها ملتبسة أو ناقدة للبعد الديني فيها، قد تثير تحفظا مشابها داخل الأكاديمية، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميا.

فالقرار الذي تدرسه اللجنة اليوم لا يخص الشعر وحده، بل صورة المؤسسة نفسها أمام العالم، وهو ما يجعل أي مرشحٍ ذي حمولة سياسية مثار حسابات دقيقة قبل إدراجه في القائمة النهائية.

مصدر الصورة مواقف أدونيس من الثورة السورية، والتي وُصفت أحيانا بأنها ملتبسة قد تثير تحفظا داخل الأكاديمية السويدية (الجزيرة)

المعايير الخفية.. ما وراء النص

جائزة نوبل للآداب لا تُمنح في فراغ. فالقرار يصدر عن الأكاديمية السويدية بعد نقاش طويل يمتزج فيه الأدبي بالثقافي والسياسي. لذلك فإن موقع أدونيس اليوم يُقاس أيضا من خلال علاقته بالعالم الثقافي الغربي الذي تمنح فيه الجائزة معنى رمزيا إلى جانب القيمة الفنية.

إعلان

وهنا تتباين القراءات. فأنصاره يرونه رمزا للحداثة الشعرية العالمية، بينما يعتبره منتقدوه شاعرا نخبويا مثيرا للجدل، وأحيانا متحفظا سياسيا على بعض الثورات العربية.

ولعل هذا الموقف الرمادي -خصوصا من الثورة السورية- جعل صورته في الإعلام الغربي متناقضة، فهو أحيانا يظهر كصوتٍ للتنوير والعقلانية، وأحيانا يُرى كرمزٍ للانخلاع والغربة الفكرية عن واقعه ومجتمعه.

حظوظ في موسم مزدحم

رغم المكانة الكبيرة التي يحظى بها أدونيس في الثقافة العربية، فإن أغلب المراقبين يرون أن احتمال فوزه هذا العام ضعيف. وتتراوح الأسباب بين محدودية الحضور الأكاديمي للأدب العربي في السويد، وغياب ترجمات جديدة لأعماله في السنوات الأخيرة، إضافة إلى انشغال الأكاديمية مؤخرا بتوسيع خريطتها نحو كتّاب من آسيا الوسطى وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية.

في المقابل، يتمتع كل من الروائي المجري كراسناهوركاي والشاعرة الكندية كارسن بزخم نقدي متجدد، في حين يواصل الروائي الياباني هاروكي موراكامي والشاعر والروائي الروماني ميرتشا كارتاريسكو جذب جمهور عالمي واسع. وكل ذلك يجعل ميزان 2025 يميل نحو أسماء تحمل حيوية أدبية حالية أكثر من رمزية تاريخية.

مصدر الصورة ألفريد نوبل على ميدالية الجائزة التي لم يحصل عليها في تصنيف الآداب سوى عربي واحد هو نجيب محفوظ (الجزيرة)

وفي العموم فإنه لا توجد مؤشرات قوية حتى الآن على أن أدونيس سيكون الفائز هذا العام. وقطعا اسمه يظل حاضرا في التكهّنات السنوية، لكنه لم يتحوّل يوما إلى ترشيح معلن أو تسريب موثوق من داخل الأكاديمية.

ورغم مكانته التاريخية في الشعر العربي الحديث، فإن تأثيره داخل المشهد الأدبي العالمي يبدو محدودا مقارنة بأسماء مثل كرازناهوركاي أو كارسن، اللذين يتمتعان بزخم نقدي وحضور أكاديمي مستمر في اللغات الأوروبية.

ويشير محللون أدبيون إلى أن غياب ترجمات جديدة لأعمال أدونيس إلى السويدية والإنجليزية في السنوات الأخيرة يقلّل من فرص تقييم منجزه في سياق نوبل، التي تعتمد أساسا على التلقي النقدي الراهن داخل أوروبا.

في المقابل، يرى آخرون أن الجائزة تميل في الأعوام الأخيرة إلى مكافأة الأدب المترجم النشط والحضور الأكاديمي المتجدد، لا الرموز التاريخية.

وبينما لا يُستبعد فوزه نظريا، فإن احتمالاته الواقعية تظل ضعيفة ما لم تغيّر الأكاديمية اتجاهها نحو اللغات غير الأوروبية. وحتى ذلك الحين، يبقى أدونيس -بالنسبة إلى المؤسسات الثقافية الغربية- شخصية مؤثرة في سياقها العربي أكثر منه مرشحا فعليا لجوائز الأدب العالمية.

ويبقى أن قرار الأكاديمية السويدية غالبا ما يفاجئ المراقبين، لكن المعطيات تشير إلى أن المعركة هذا العام تدور بشكل رئيسي بين الأسماء التي حققت توازنا بين عُمق المنجز وحداثة الاعتراف العالمي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب اسرائيل حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا