الرباط- تحولت بعض من احتجاجات شباب " جيل زد " بالمغرب إلى أعمال شغب ومواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، بعدما طغى عليها الطابع السلمي منذ انطلاقتها السبت الماضي.
وشهدت مدن إنزكان وآيت عميرة ووجدة والراشيدية وبني ملال وتمارة، ليلة الثلاثاء، أعمال عنف وتخريب استهدفت سيارات للشرطة وممتلكات ومباني خاصة وعامة.
واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل مدنا جديدة، رغم البيان الصادر عن الائتلاف الحكومي الذي أكد فيه تفهمه المطالب الاجتماعية التي رفعها الشباب، واستعداد الحكومة التجاوب الإيجابي والمسؤول معها عبر الحوار والنقاش في الفضاءات العمومية.
ومنعت السلطات الأمنية المظاهرات منذ انطلاقها، وعمدت إلى تفريق المحتجين واعتقال بعضهم بالقوة، في حين تورط بعض الشباب الملثمين في رشق عناصر الأمن بالحجارة وإضرام النيران في الشوارع، واقتحام ونهب محلات خاصة، وتحولت بعض الأحياء إلى ساحات مطاردة وكر وفر.
وقال محمد شلاي، وهو صحفي محلي بمدينة وجدة شرق المغرب، إن المدينة شهدت ليلة الثلاثاء أعمال عنف لم تشهدها من قبل.
وأوضح للجزيرة نت أن مشاركة شباب مجهولين وملثمين وقاصرين في الاحتجاجات التي دعت إليها حركة "جيل زد" حوّلها إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، بعدما رشقوا عناصر الأمن بالحجارة مما أدى لإصابة بعضهم بجروح وكسور.
وأشار إلى نهب وتخريب متجر للمواد الغذائية وآخر للملابس الرياضية وتخريب ممتلكات عامة.
في حين نقلت مواقع محلية فيدو اصطدام سيارة شرطة بعنف أحد المتظاهرين مما استدعى نقله إلى مستشفى المدينة.
ونفى مصدر مسؤول خبر دهس شاب ووفاته بوجدة، وأوضح، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية، أن شابا تعرض لحادث اصطدام بسيارة تابعة للشرطة وأصيب بجروح متفاوتة الخطورة، خصوصا على مستوى الأطراف السفلية، مشيرا إلى أن حالته الصحية مستقرة ويخضع للمراقبة الطبية.
كما سجلت إصابات في صفوف كل من عناصر الأمن والمتظاهرين في مدن أخرى، بينما جرى اعتقال مئات الشباب المشاركين في الاحتجاجات.
وقالت سعاد لبراهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للجزيرة نت، إنه تم صباح اليوم مثول 124 شخصا أمام النيابة العامة بالرباط بعد توقيفهم ليلة الأحد، في حين تم البارحة إطلاق سراح 34 معتقلا بكفالة والاحتفاظ بـ3 في حالة اعتقال.
وفي الدار البيضاء، أوضحت أن 24 معتقلا مثلوا أمام النيابة العامة وأطلق سراح 4 منهم، أما في مراكش، فقد تم اعتقال 227 شابا أيام السبت والأحد والاثنين وأطلق سراحهم جميعا، فيما اعتقل يوم الثلاثاء 150 شخصا، أطلق سراح غالبيتهم باستثناء 30 منهم.
وقدمت وزارة الداخلية حصيلة أعمال العنف التي شهدتها بعض المدن في بيان قدمه الناطق باسمها أمام وسائل الإعلام ظهر اليوم الأربعاء.
وأوضحت أن بعض الأشكال الاحتجاجية ليوم الثلاثاء عرفت تصعيدا خطيرا مس بالأمن والنظام العام، و"تحولت إلى تجمهرات عنيفة استعمل فيها مجموعة من الأشخاص أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة والرشق بالحجارة".
وتسببت هذه الأحداث في إصابة 263 عنصرا من الأمن بجروح متفاوتة الخطورة و23 مواطنا، إضافة إلى إضرام النار وإلحاق أضرار جسيمة بـ142 سيارة تابعة لعناصر الأمن و20 سيارة خاصة بالمواطنين، في حين تم اعتقال 409 أشخاص.
واقتحم المحتجون عددا من الإدارات والمؤسسات والوكالات البنكية والمحلات التجارية، وقاموا بأعمال نهب وتخريب بداخلها، في كل من آيت اعميرة بإقليم اشتوكة آيت باها، وإنزكان آيت ملول وأكادير إداوتنان وتيزنيت ووجدة، وفق ذات المصدر.
وأكدت الداخلية على أن السلطات العمومية "ظلت وستبقى ملتزمة بأداء واجبها بروح من المسؤولية في صون النظام العام، وضمان ممارسة الحقوق والحريات، بما في ذلك حرية التظاهر السلمي، في نطاقها المشروع وضمن الأطر القانونية المحددة".
وتبرأ بيان منسوب لحركة "جيل زد" نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي من أعمال الشغب، وأوضح أن الحركة سلمية داعيا المتظاهرين تجنب أي تصرف قد يستغل لتشويه مطالب الحركة.
وطالبت الشباب المشاركين في الاحتجاجات بالالتزام بثلاثة مبادئ "لا كلام نابي ولا إهانات، لا شغب ولا تخريب للممتلكات العامة والخاصة، ولا تراجع عن السلمية".
من جهته، أكد نبيل الأندلسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان للجزيرة نت، أن التظاهر السلمي حق أصيل يكفله الدستور والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، ولا يمكن مصادرته، معتبرا -في المقابل- التخريب أو اللجوء إلى العنف من أي طرف كان "انزلاقا وسلوكا مرفوضا ومدانا".
وأوضح أن التعامل بالعنف مع المحتجين السلميين لا يفضي إلا إلى تعميق الأزمة وزيادة التوتر والاحتقان والتصعيد، مؤكدا على حاجة البلاد إلى عقلاء وحكماء قادرين على الحوار مع شباب وجد باب الأمل مسدودا.
وأشار إلى أن احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، والانتقال إلى الديمقراطية، حقيقة وواقعا، وفتح المجال للشباب للعمل السياسي الجاد، وضمان نزاهة الانتخابات لإعادة الثقة في الدولة ومؤسساتها، وتوفير مطالب المجتمع الأساسية من صحة وتعليم، "كلها مطالب آنية ومستعجلة ولا تقبل التأجيل".
ووجه رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران -في فيديو على صفحته بموقع فيسبوك بعد منتصف ليلة الثلاثاء- نداء دعا فيه الشباب المشرفين على حركة "جيل زد" إلى وقف الاحتجاجات بعدما اتخذت مسارا عنيفا، وفسح المجال للحوار والتفاعل مع مطالبهم.
وقال بنكيران إن دعوته مردها التطورات العنيفة التي رافقت الاحتجاجات في بعض المدن، مشيرا إلى أن الاحتجاج سلوك معقول لكنه لا يكون كذلك إذا مس الاستقرار والأمن.
وأضاف مخاطبا شباب جيل زد "رسالتكم وصلت وأي استمرار في الاحتجاجات سيكون له عواقب وخيمة".
أما وزير العدل السابق مصطفى الرميد، فأكد على حق المواطنين في الاحتجاج السلمي على الأوضاع، وعلى واجب الحكومة الاستماع للمحتجين وتفهم غضبهم وتقديم أجوبة مقنعة لمطالبهم.
بيد أنه اعتبر الانزلاق إلى العنف "مثيرا ومقلقا"، ودعا الشباب إلى ضبط كل العناصر المنفلتة، ومنع تجاوزاتها، لأنها تشوه احتجاجهم وتنزع عنه السلمية.
وأكد محمد نبيل بنعبد الله ، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية للجزيرة نت، على ضرورة فتح حوار مع الشباب المحتجين سلميا، ودعاهم إلى تجنب أعمال العنف والتمسك بالطابع السلمي للاحتجاجات، محيلا على بيان المكتب السياسي لحزبه.
وعبر البيان عن تضامن الحزب مع المطالب المشروعة التي عبر عنها الشباب، داعيا إلى التعامل معها بالحوار والإنصات والاحتضان والتعامل بتفهُّم وإيجابية.
وناشد الفئات الشابة المتظاهرة إلى تفادي مواصلة الاحتجاج بأشكاله العنيفة مراعاة للمصلحة العامة، واعتبر أن "رسالتها وصلت، وأن درجة مساندة مطالبها واسعة وعميقة"، وأيضا "حتى تبقى الحركةُ الاحتجاجية السلمية الأولى مصدر دعم لكل مناصري تغيير المسار وقوة دافعة وضاغطة من أجل إجراء إصلاحاتٍ عميقة".
من جانبه، قال القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الحميد الجماهري، إن الأزمة الاجتماعية الحالية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة اختلالات متراكمة في قطاعي الصحة والتعليم، منتقدا ما سماه "تحول الكفاءات الحكومية إلى خبراء مقاولين يبحثون عن الصفقات بدل خدمة الصالح العام".
وأكد للجزيرة نت أن رئيس الحكومة أضاع فرصة ثمينة لتكريس مكانته الدستورية المستقلة، إذ كان عليه أن يخاطب الشعب مباشرة بدل الاحتماء وراء الأغلبية الحزبية.
وتعليقا على أحداث العنف التي شهدتها بعض المدن، قال الجماهري إن الحق لم يكن أبدا رديفا للتخريب، مؤكدا أن "أول ما يتعرض للتخريب هو مشروعية الاحتجاج نفسه".
وأشار إلى أن المغرب أدار لحظات احتجاجية غاية في التوتر ولم يحدث أي تصادم بين التزامات الدولة وتدبيرها للفضاء العمومي وبين المتظاهرين الناضجين، "وهو ما يطرح علامات استفهام حول السعي إلى التخريب والتدمير ونسف كل أشكال الحوار الممكنة بهذه الحدة"، وفق تعبيره.
وأضاف "الاحتجاج والحق في التظاهر مضمون دستوريا ولا يمكن التنازل عنه، كما لا يمكن إسقاط بند المسؤولية المشتركة على سلميته".