في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كابل- يظل مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة منذ عودة حركة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021 واحدا من أعقد الملفات الدبلوماسية وأكثرها حساسية.
فالمقعد الأممي ما يزال مشغولا من قبل ممثل الحكومة السابقة، بينما تسعى السلطات الفعلية في كابل إلى انتزاع اعتراف دولي يتيح لها تمثيل البلاد رسميا في المنظمة الأممية.
ومع كل دورة جديدة للجمعية العامة، يعود النقاش حول "المقعد الأفغاني" بين دول ترفض الاعتراف بحكومة طالبان، وأخرى ترى أن التعامل معها باعتبارها السلطة القائمة أمر لا مفر منه.
يتجاوز هذا المقعد البعد الرمزي للشرعية، إذ يُعد مدخلا حاسما للتعاون الاقتصادي والإنساني وضمان حضور أفغانستان في الساحة الدولية، لذا يترقب الأفغان بقلق شديد ما ستؤول إليه النقاشات داخل أروقة الأمم المتحدة، وسط تساؤلات حول مدى استعداد المجتمع الدولي لتقبل الواقع الجديد.
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، شاركت أفغانستان كدولة مؤسسة وظلت حاضرة في الجمعية العامة ووكالات المنظمة المختلفة، لكن التحولات السياسية والحروب المتلاحقة انعكست على طبيعة تمثيلها.
هذه السوابق تفسر حساسية الملف وتشابكه بين الشرعية القانونية والواقع الميداني.
وللعام الرابع، يغيب اسم أفغانستان عن قائمة الوفود المشاركة في اجتماعات قادة الجمعية العامة، فالمقعد ما زال بيد نصير أحمد فايق، في حين تستمر طالبان في محاولاتها دون جدوى للحصول على اعتراف.
وتتجلى الأزمة الدبلوماسية لأفغانستان في الأمم المتحدة في بعدين رئيسيين:
يقول فايق إن "المقعد الأممي ليس مجرد رمز، بل منصة أساسية لتمثيل أفغانستان ومتابعة شؤون مواطنيها دوليا"، ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن استمرار الوضع الحالي يترك فراغا دبلوماسيا ويعكس الانقسام الدولي حول الاعتراف بطالبان، مستشهدا بتقرير مجموعة الأزمات الدولية (2023).
أما سهيل شاهين، ممثل طالبان المعين في الدوحة، فيؤكد أن "إبقاء المقعد بيد شخص لا يمثل الإرادة الحالية للشعب الأفغاني وهو ما يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة"، ويرى في حديثه للجزيرة نت أن منح طالبان المقعد لن يعني اعترافا فوريا بها، لكنه سيتيح مشاركة أفغانستان في القرارات الدولية.
ويعتبر الدبلوماسي السابق عمر صمد أن "المقعد عنصر أساسي لإستراتيجية السياسة الخارجية"، مشددا، في حديث للجزيرة نت، على أن إبقاءه بيد ممثل سابق يفاقم عزلة أفغانستان ويحد من قدرتها على الدفاع عن مصالحها الإنسانية والاقتصادية.
وأوضح الدبلوماسي ذاته أن السماح لطالبان بالمشاركة في النقاشات الأممية لن يعني اعترافا فوريا بالحكومة، لكنه سيمكن البلاد من تمثيل نفسها بشكل واقعي أمام المجتمع الدولي، مع التركيز على مصالحها الوطنية دون المساس بالمعايير الدولية".
هذا التوازن بين الآراء يعكس التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي، فالتعامل مع طالبان باعتبارها السلطة الفعلية، مع حماية مصالح الشعب الأفغاني عبر استمرارية التمثيل الأممي.
بعد عامين من حكمها #أفغانستان.. كيف فاجأت طالبان المجتمع الدولي في المجال الاقتصادي؟ pic.twitter.com/yfM99yXeFy
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 19, 2023
لا يمثل استمرار غياب طالبان عن مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة فراغا بروتوكوليا فحسب، بل يترك البلاد بلا صوت مباشر في أهم المحافل الدولية، ولذلك انعكاسات مباشرة أهمها:
في المقابل ترى طالبان أن حصولها على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة حق طبيعي، كونها السلطة الفعلية التي تدير البلاد منذ أغسطس/آب 2021، -وذلك بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الأفغانية (2021-2024)-.
وقدمت طالبان أكثر من طلب رسمي لتعيين ممثلها في نيويورك، لكن هذه المحاولات قوبلت بالتأجيل أو الرفض، وتصف الحركة استمرار بقاء نصير أحمد فايق في موقعه بأنه "بقايا من الحكومة السابقة"، ويمثل "انحيازا سياسيا" من جانب المنظمة الدولية.
أما الأمم المتحدة فتعتمد نهجا شديد الحذر في التعامل مع الملف، فلجنة الاعتماد التابعة للجمعية العامة تؤجل البت في طلب طالبان خلال كل دورة، وفق بياناتها السنوية التي تصدر في ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وهو ما يبقي الوضع على حاله.
وتدرك المنظمة أن منح المقعد لحركة طالبان سيُنظر إليه كاعتراف سياسي بها، وهو ما يفتقر إلى توافق بين الدول الأعضاء.
في حين ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الاعتراف بطالبان في ظل غياب أي تقدم ملموس في ملف حقوق الإنسان وحقوق المرأة.
وترى وزارة الخارجية الأميركية –على لسان المتحدثين باسمها نيد برايس في العام 2022، وماثيو ميلر في العام 2023–، أن منح طالبان مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة يمثل "مكافأة دبلوماسية غير مستحقة".
في المقابل، ورغم أن روسيا و الصين أبدتا انفتاحا تدريجيا على التعامل مع طالبان، فإنهما لم تدفعا علنا نحو تغيير وضع المقعد، مفضلتين إبقاءه ورقة تفاوضية للضغط على كابل، وذلك بحسب تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، وبيانات الخارجية الصينية.
في المقابل، تتعامل الدول الإقليمية ك باكستان و إيران ودول آسيا الوسطى مع طالبان بحكم الجوار وما يفرضه من اعتبارات أمنية واقتصادية، لكنها لم تصل إلى حد دعم حصولها على المقعد الأممي، خشية الاصطدام بالموقف الدولي السائد.
وتشير تقارير صادرة عن مراكز أبحاث، مثل مركز الدراسات الإستراتيجية الباكستاني (2023)، إلى أن هذه الدول توازن بين مصالحها المباشرة مع كابل وبين التزاماتها تجاه المواقف الدولية.
هذه التباينات تكشف أن مصير المقعد الأفغاني ليس قضية بروتوكولية بسيطة، بل يعكس موازين القوى الدولية وتشابك المصالح السياسية والاقتصادية والإنسانية في آن واحد.